تشكّل مراكش وجهة متفرّدة لا مثيل لها، إذ تتلاقى فيها ثقافات أوروبا وإفريقيا والعالم العربي في تمازج مدهش من المناظر والأصوات والمذاقات. 

أما أسواقها المتشابكة، فتفوح منها رائحة التوابل وتزهو بالمنتجات الحرفية الزاهية، فتغدو وليمة للحواس. سواء اخترتم التجوّل بين المساجد والقصور التاريخية أو احتساء شاي النعناع أو اقتناء النعال المغربية الجلدية "بابوش"، فإن كل تجربة هنا تتّشح بعبق الأصالة.

ما إن تبلغ المدينة، حتى تبهرك تناقضاتها البصرية، من الأزرق والأخضر اللذين تتزيّن بهما المشغولات المحلية، إلى الظلال الوردية التي تزهو بها جدران المدينة القديمة وأسواقها النابضة بالحيوية. أما في حي غيليز العصري، فتتجاور المتاجر الأنيقة مع عربات البغال التي تجر النعناع الطازج، وتغفو السيارات الفاخرة أمام الفنادق المترفة. إنها مراكش، مدينة المفارقات الجريئة والتجارب التي لا تُنسى.

استسلم لسحر الأزقة المتعرجة والأسواق المفعمة بالحيوية فيما نأخذك في جولة عبر أرقى أماكن الإقامة والمطاعم والمعالم التي تستحق الزيارة في هذه المدينة المغربية الآسرة.

مراكش الآسرة.. لا تفوّتوا زيارتها 

لا يمكنك أن تحط الرحال في مراكش دون أن تقصد ساحة جامع الفنا الواقعة في قلب المدينة القديمة والتي تُعد من أكثر المواقع إثارة وحيوية في المدينة. 

ما إن يحلّ الغروب، حتى تضج الحياة في هذا الميدان ليصير مسرحًا لواحدة من تجارب الطعام التي تُقام في الهواء الطلق الأشد تميزًا حول العالم. هنا تتوزع عربات الطعام، ويحتشد مدربو الأفاعي، والمهرجون، وقراء الطالع، والموسيقيون، وفنانو الحناء، فيما ألسنة النار تتصاعد من الشوايات وأضواء المصابيح الزيتية تتراقص فوق الطاولات المزدحمة بالزبائن. 

حدائق ماجوريل الشهيرة التي أنشأها الرسّام الفرنسي جاك ماجوريل عام 1931، والتي أهداها لاحقًا المصمم إيف سان لوران إلى مدينة مراكش.

Getty Images

حدائق ماجوريل الشهيرة التي أنشأها الرسّام الفرنسي جاك ماجوريل عام 1931، والتي أهداها لاحقًا المصمم إيف سان لوران إلى مدينة مراكش.

تزخر الساحة بأطايب المأكولات: من الدجاج واللحم المشوي، والطنجية والطواجن، إلى الكسكس والسمك المقلي والخضار الجذرية والسلطات الطازجة والحساء الساخن والخبز المحلي وبالطبع شاي النعناع والحلويات المغطاة بالعسل. 

يمكن للضيوف التنقّل من عربة إلى أخرى لتناول كل طبق، أو الجلوس لتُقدَّم لهم الأطباق تباعًا. وبعد العشاء، لا بد من القيام بجولة على متن عربة تجرها الخيول حول أسوار المدينة، أو السير على الأقدام وسط الأسواق الصاخبة. 

ولكن بعيدًا عن ضجيج الساحة، تحتضن المدينة القديمة كنوزًا طهوية مخفية يديرها جيل جديد من روّاد الأعمال الشباب الذين يعيدون تعريف مشهد الضيافة في المدينة. ومن بين أبرز هذه العناوين: مقهى نوماد Nomad Café، الذي يملكه كمال لطيفي، والذي يُعد من بين أكثر المطاعم عصرية في المدينة، إذ يقدّم قائمة طعام معاصرة في أجواء أنيقة.

أضيفوا إلى قائمتكم أيضًا زيارة مدرسة بن يوسف التي تعود إلى القرن الرابع عشر، والتي تُعد من أروع نماذج العمارة الموريسكية في العالم: تزدهي المدرسة بتفاصيل زخرفية من الجص المحفور، ونقوش الخشب الدقيقة، وفسيفساء هندسية تُذكّر بعظمة قصر الحمراء في غرناطة. 

وفي هذه المدرسة التي كانت يومًا ما من أكبر المدارس الدينية في شمال إفريقيا، والتي تواصل أفنيتها المحفوظة بعناية وزخارفها الداخلية البديعة استقطاب الزوّار إلى اليوم، يمكن استشعار السكينة والتأمل في إرث ثقافي وتاريخي ضارب في جذور مراكش.

يحضر أيضًا هذا الإحساس بالسكينة في حدائق ماجوريل الشهيرة التي أنشأها الرسّام الفرنسي جاك ماجوريل عام 1931، والتي تجمع بين الألوان الزاهية والنباتات الغريبة والمسارات الهادئة. 

في عام 1980، اقتنى المصمم الشهير إيف سان لوران هذه الحدائق وأعاد إحياءها لتكون هدية منه إلى مدينة مراكش التي فتنته. اليوم تشكل هذه الحدائق ملاذًا هادئًا يحتضن متحفًا للأمازيغ، ومقهى أنيقًا، ومعرضًا فنيًا، ومكتبة، ومتجرًا عصريًا. إنها مزيج من الجمال الطبيعي والغنى الثقافي، وتبقى شاهدًا دائمًا على شغف سان لوران بمدينة النخيل.

الجدير بالذكر أيضًا أن مراكش تحتضن منذ عام 2017 متحف إيف سان لوران الذي أُنشئ احتفاءً بارتباط المصمم الوثيق مع المدينة. يقع المتحف الذي تزهو عمارته بلمسات مغربية تقليدية بجوار حدائق ماجوريل، ويضم أكثر من 5,000 قطعة من أرشيف المصمم، تشمل أزياء راقية، ورسومات وكماليات. كما أنه يقدّم معارض متناوبة، وحديقة هادئة، ومقهى، ومكتبة، ليمنح الزائرين تجربة متكاملة يتقاطع فيها عالم الأزياء مع الفن والهوية المغربية.

في فندق المأمونية، إطلالة من أحد الأجنحة التي تبدو مثل قصور عربية مصغّرة.

La Mamounia Hotel

في فندق المأمونية، إطلالة من أحد الأجنحة التي تبدو مثل قصور عربية مصغّرة.

المطبخ المغربي بين الماضي والحاضر 

انضم مطعم Sahbi Sahbi أخيرًا إلى مشهد الطهو المتجدّد في مراكش، مقدّمًا رؤية معاصرة للمطبخ المغربي التقليدي. استُلهم مفهومه من مطاعم الإيساكايا اليابانية، حيث المطبخ المفتوح يتيح للضيوف مراقبة مسار إعداد أطباق مثل فطيرة البسطيلة والطاجين والكسكس، على يد فريق موهوب من الطاهيات المحليات. 

وفي حي إيفرناج الراقي، يقدّم مطعم Palais Jad Mahal مزيجًا لافتًا من الطعام والعروض الحية. هنا تتناغم الرقصات الشرقية والعروض النارية والموسيقا الحية في مشهد احتفالي لا يُنسى. أما في حي غيليز العصري، فيحتفظ مقهىGrand Café de la Poste  بجاذبيته التي تعود إلى عشرينيات القرن الماضي. 

بأشجاره الداخلية ومراوح السقف وأثاثه الكلاسيكي، يشكّل هذا المكان خيارًا مثاليًا لوجبة هادئة، سواء أردتم الاستمتاع بالحلويات المغربية بعد الظهر أو تناول محار الداخلة الطازج في المساء. 

احرصوا أيضًا على زيارة نادي Pétanque Social Club الذي يُعد جوهرة خفية في المدينة. يستوطن النادي بروحه الكلاسيكية ولمساته المعاصرة مبنىً تاريخيًا يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي ويميّزه مدخل لا يحمل أي لافتة. 

تشمل أيضًا أفضل وجهات الطعام في مراكش مطعم El Fenn الذي يشبه الدخول إليه العبور إلى عالم مسحور تتهادى تفاصيله بين الباحات المزيّنة بأناقة والمفروشات الفاخرة وأكواب شاي النعناع العطري. 

وعلى السطح، يمكن للضيوف الاستزادة من الإطلالة البديعة على مشهد جبال الأطلس فيما يمتعون ذائقتهم بأطباق مثل كارباشيو الخرشوف ورافيولي الفطر البري.

وعلى سطح سوق شريفة، يتوارى مطعم Terrace des Epices مثل واحة مشمسة تبعدك عن صخب المدينة القديمة. يشتهر المكان بسلطاته المغربية اللذيذة وسردينه المشوي، ما يجعله خيارًا مثاليًا لإراحة القدمين بعد يوم حافل بالتسوّق.

على سطح فندق ومطعم El Fenn، يستزيد الضيوف من الإطلالة البديعة على مشهد جبال الأطلس.

Cecile Treal

على سطح فندق ومطعم El Fenn، يستزيد الضيوف من الإطلالة البديعة على مشهد جبال الأطلس.

الفنادق الأشد تميزًا في مراكش.. إقامة ملكية 

يُعد فندق المأمونية من الفنادق الأشد تميزًا في مراكش، وقد اشتهر منذ أربعينيات القرن الماضي عندما استضاف ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ما رسّخ مكانته بوصفه وجهة لصفوة العالم. 

ومنذ ذلك الحين، رحّب الفندق بعدد لا يُحصى من النجوم مثل تشارلي شابلن، والأميرة كارولينا من موناكو، وكيت وينسلت، وغوينيث بالترو، وإلتون جون. وقد احتفل الفندق أخيرًا بمئويته عبر عملية تجديد أبدعها استوديو جوين مانكو مناغمًا فيه بين إرث الآرت ديكو واللمسات المغربية الباذخة. 

تزدهي الباحات الداخلية بنافورات تتناثر فيها بتلات الورد، وتزدان الجدران بنقوش الجص الموريسكي المترفة والفسيفساء الزاهية التي تستعرض معالم المدينة. 

أما فسحات الإقامة، فتُشبه قصورًا عربية مصغرة تزدان بالأخشاب المنحوتة وفسيفساء الزليج وخيارات الإضاءة المتعددة، فيما الشرفات المطلة على حدائق الزيتون العتيقة تتجلى واحات هادئة بعيدًا عن صخب المدينة القديمة التي لا تبعد سوى دقائق معدودة. 

على أن مشهد الضيافة المترفة لا يقتصر على الماضي، إذ تحتضن مراكش اليوم أيضًا إبداعات معمارية معاصرة، على ما يشهد فندق رويال منصور، الذي أنشئ ليجسّد جوهر التقاليد المغربية بأبهى حلّة، واستغرق تنفيذه ما يقارب أربعة أعوام بمساهمة 1,200 حرفي.

يقع الفندق، المملوك للملك محمد السادس، على بُعد خطوات من المدينة القديمة، ويُعد ملاذًا ملكيًا بكل ما للكلمة من معنى. 

فقد صُمّم ليقدّم أعلى درجات الخصوصية والترف لضيوفه من كبار الشخصيات الذين تتوفر لهم مجموعة من 52 روضة مستقلة، مخفية خلف جدران عالية وحدائق غنّاء صممها لويس فاليخو (تزدان الرياض بتفاصيل مستوحاة من الطراز الأموي، وسقوف من خشب الأرز، وزخارف يدوية دقيقة). 

بل إن الفندق صيغ على نسق مدينة قديمة تقود الزائر من البوابات الاحتفالية عبر ممرات رخامية تمتد بين بساتين الزيتون وصولاً إلى رياضه الخاصة، فيما شبكة الأنفاق الممتدة تحت الأرض تضمن للطاقم تقديم الخدمة من دون الظهور أمام الضيوف. وتُستكمل التجربة هنا في ثلاثة مطاعم راقية بتوقيع هيلين داروز الحائزة نجمتي ميشلان، يتصدرها مطعم La Grande Table Marocaine  الذي يقدم أشهى أطباق المطبخين الفرنسي والمغربي الراقي. 

أما لإقامة هانئة بعيدًا عن إيقاع المدينة الصاخب، فتُعد قصبة تمادوت وجهة لا تُضاهى. في أعقاب رحلة تمرّ عبر قرى أمازيغية تطوّقها بساتين الجوز والحدائق المدرّجة، تتجلى القصبة التي تمتلكها مجموعة ريتشارد برانسون في قرية أسني عند سفوح جبال الأطلس، واحة تتّحد فيها معاني الفخامة بالعزلة. إنها الخيار الأمثل لمن ينشدون ملاذًا هادئًا بين ربوع الطبيعة وفي كنف حجرات تحمل لمسات الحرفيين المحليين.