الأرقام القياسية وُجدت لتُحطم، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالأرقام القياسية المتعلقة بالسرعة القصوى في عالم السيارات. فمنذ فجر صناعة المركبات، كانت السرعة تمثل أحد أبرز عوامل التميز بين السيارات المختلفة، سواء كانت سيارات رياضية أو سيارات سباقات أو سيارات مخصصة للطرق العادية. 

واليوم، وفي عصر التكنولوجيا المتقدمة، أصبح السباق نحو السرعة الأعلى لا يقتصر على السيارات التقليدية التي يقودها البشر فحسب، بل امتد ليشمل السيارات ذاتية القيادة أيضًا.

الأرقام القياسية تتحطم

أعلنت شركة مازيراتي الإيطالية العريقة يوم الاثنين 3 مارس 2025 أنها نجحت في تحقيق رقم قياسي جديد لأسرع سيارة ذاتية القيادة في العالم. السيارة التي حطمت الرقم هي نسخة معدلة من طراز مازيراتي MC20 الشهير، إذ سجلت سرعة قصوى بلغت 197.7 ميل في الساعة، وهو ما يعادل تقريبًا 318 كيلومترًا في الساعة. وبذلك، تمكنت مازيراتي من تحطيم الرقم القياسي السابق بفارق 4.9 ميل في الساعة، أي حوالي 8 كيلومترات في الساعة.

الإنجاز المميز هذا تحقق في مركز كينيدي للفضاء الواقع في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأمريكية، وهو موقع ذو رمزية كبيرة، إذ يضم واحدًا من أطول المدارج في العالم. 

يبلغ طول المدرج الذي استخدم لتحقيق الرقم القياسي حوالي 4.5 كيلومتر، وهو المدرج نفسه الذي كانت تهبط عليه مركبات الفضاء الأمريكية بعد عودتها من الرحلات الفضائية. إن اختيار هذا المدرج تحديدًا لم يكن مصادفة، فهو يوفر طولًا كافيًا يسمح للسيارة بالوصول إلى أقصى سرعة لها قبل أن تضطر إلى التوقف بأمان.

سيارة مازيراتي MC20 تصبح أسرع سيارة ذاتية القيادة في العالم

Maserati

السيارة تعتمد على الذكاء الاصطناعي

السيارة المستخدمة لتحقيق هذا الرقم لم تكن مجرد نسخة عادية من مازيراتي MC20، بل كانت نسخة معدلة بعناية لتناسب التحدي الفريد.

 ولم تكن السيارة ذاتية القيادة بالكامل فحسب، بل كانت تعتمد أيضًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة للمساعدة في اتخاذ القرارات في الوقت الفعلي في أثناء القيادة بسرعات عالية. 

الجدير بالذكر أن السيارة نفسها كانت قد سجلت في شهر نوفمبر الماضي رقمًا قياسيًا آخر  لأسرع سيارة إنتاجية ذاتية القيادة، إذ حققت سرعة بلغت 285 كيلومترًا في الساعة، ما يجعل هذا الإنجاز الجديد قفزة كبيرة للأمام.

وتعليقًا على هذا الإنجاز التاريخي، قالت مازيراتي إن تحقيق هذا الرقم القياسي هو جزء من جهودها المستمرة لتطوير تقنيات القيادة الذاتية وجعلها أكثر أمانًا حتى عند القيادة بسرعات عالية على الطرق السريعة. 

فبينما تركز الأنظمة الذاتية الحالية بمعظمها على القيادة في المدن وعلى الطرقات المزدحمة بسرعات منخفضة إلى متوسطة، تهدف مازيراتي إلى دفع حدود هذه التكنولوجيا وجعلها قادرة على التعامل مع ظروف القيادة على الطرق السريعة بسرعات تتجاوز 150 كيلومترًا و200 كيلومتر في الساعة.

ولإعطاء السياق المناسب لهذا الإنجاز، من المفيد مقارنة هذا الرقم القياسي مع الأرقام القياسية لأسرع السيارات التقليدية التي يقودها البشر. حاليًا، تُعد Chiron Super Sport من بوغاتي أسرع سيارة في العالم مع سرعة مؤكدة بلغت 304.7 ميل في الساعة (حوالي 490 كيلومترًا في الساعة). 

وهناك أيضًا سيارة Jesko Absolut التي تدّعي الشركة المصنعة كوينغسيغ أنها قادرة على الوصول إلى 330 ميلاً في الساعة (حوالي 531 كيلومترًا في الساعة)، على الرغم من أن هذا الرقم لم يوثق رسميًا بعد.

سيارة مازيراتي MC20 تصبح أسرع سيارة ذاتية القيادة في العالم

Maserati

السرعة القصوى أم التسارع؟

لكن، في الوقت نفسه، تجاوز هذه السرعات الأسطورية يدخلنا في عالم آخر أشبه بالمحركات النفاثة أو الطائرات المقاتلة، وهو أمر غير عملي تمامًا في السيارات المخصصة للاستخدام اليومي. 

ولهذا السبب، بدأت شركات السيارات في التركيز أكثر على معدلات التسارع بدلاً من السرعة القصوى، لأن التسارع أصبح العامل الأكثر أهمية في تحديد الأداء الحقيقي للسيارة في الاستخدامات اليومية أو حتى في السباقات.

إن التقدم في عالم التسارع أصبح مذهلًا بفضل انتشار السيارات الكهربائية، التي تتمتع بعزم لحظي فور الضغط على دواسة التسارع. 

اليوم، أصبح من الطبيعي أن نرى سيارات كهربائية قادرة على تحقيق تسارع من 0 إلى 100 كيلومتر في الساعة خلال أقل من ثانيتين، وهو أمر كان يُعد خيالًا قبل سنوات قليلة فقط.

هل سيتحطم هذا الرقم قريباً؟

في النهاية، الرقم القياسي الذي حققته مازيراتي MC20 الذاتية القيادة في مركز كينيدي لن يظل صامدًا إلى الأبد. فمن المؤكد أن الشركات الأخرى العاملة في مجال تطوير السيارات الذاتية القيادة ستسعى إلى تحطيمه في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإن الإنجاز بحد ذاته يمثل خطوة جبارة في رحلة تطوير تقنيات القيادة الذاتية، خصوصًا في جانب السرعات العالية التي ظلت حتى الآن حكرًا على السائقين المحترفين وليس البرمجيات.

وبهذا الإنجاز، تكون مازيراتي قد وضعت نفسها على الخريطة ليس بوصفها  صانع سيارات رياضية فاخرة فحسب، بل أيضًا مبتكرًا حقيقيًا في عالم القيادة الذاتية المتطورة. ومن يدري؟ ربما في المستقبل القريب نرى سباقات مخصصة بالكامل للسيارات الذاتية القيادة تتنافس بسرعات تفوق مختلف التوقعات.