يفتش قطاع الطيران عن سُبل لتقليص بصمته الكربونية، بداية من الوقود الحيوي ونهاية بالطائرات التي تعمل بالبطاريات. وفي الوقت نفسه، ظهرت على الساحة مناهضة شديدة لاستخدام الطائرات الخاصة، إذ يُطالب نشطاء البيئة بسنّ قوانين أكثر صرامة.

بل إن بعضهم يدعو إلى حظر استخدامها تمامًا. وفي هذا يقول إريك ليندبيرغ، رئيس مؤسسة ليندبيرغ وحفيد تشارلز ليندبيرغ، الذي كان أول طيّار يُحلق بدون توقف عبر المحيط الأطلسي في عام 1927: "إن سهام الانتقادات موجهة إلينا، ولذلك ينبغي أن نأخذ زمام المبادرة ونجد حلولاً لهذه المشكلة إذا أردنا الحفاظ على بقائنا". 

يُشير مناهضو استخدام الطائرات الخاصة إلى أن ركابها مسؤولون عن انبعاثات الكربون أكثر بنحو 14 مرة من المسافرين على متن الطائرات التجارية، ولكن هذه الأرقام مُضللة.

إذا استقلت مجموعة من المسافرين طائرة رجال أعمال، فذلك من شأنه أن يجعل انبعاثاتها الكربونية تُعادل قيادة فرد واحد لشاحنة فورد من طراز F-150. على العموم، فإن الطائرات مسؤولة عن 2% من الانبعاثات العالمية، وفقط 2% من تلك النسبة تعود لقطاع الطيران الخاص.

لكن التصوّر السلبي دفع الصنّاع في القطاع إلى التلويح بلهفة بعلم الاستدامة، وهو ما حدث في العام الماضي عندما أعلن تحالفٌ للشركات الرائدة في عالم طائرات رجال الأعمال عن الالتزام بخفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050.

ويأتي هذا بعد احترام قطاع الطيران الخاص بنود اتفاقية سابقة تعود إلى عام 2009، كان قد تعهّد فيها بتحسين كفاءة استهلاك الوقود بين عامي 2010 و2020 بنسبة 2% كل سنة.

وفي هذا يقول كينيدي ريتشي، مؤسس شركة "فور إير" 4AIR التي تقدم المشورة لشركات الطيران الراغبة في جعل أقسامها أكثر استدامة: "لا يزال أمامنا الكثير لإنجازه، ولهذا ينبغي أن نتحرك بسرعة أكبر". ويضيف قائلاً: "لم نتقدم إلا بنحو 5% في اتجاه الهدف الذي نعتزم إدراكه بحلول عام 2050".

يستثمر زبائن ريتشي في مشاريع مُعتمَدة لتعويض الكربون، وهي ممارسة مثيرة للجدل تسعى للتخفيف من التأثيرات البيئية بالاستثمار في برامج لخفض انبعاثات الكربون في أماكن أخرى.

لكن بعض الشركات تَبنّت استخدام وقود الطيران المستدام (SAF)، وهو وقود حيوي أنظف بنحو 80% من وقود الطائرات التقليدي. والحقيقة هي أن الطريق إلى الاستدامة ليس واحدًا، كما أنه ليس مستقيمًا.

يقول ريتشي إن أقسام الطيران في شركات عدة، مثل مايكروسوفت وأمريكان إكسبريس، تقتني وقود الطائرات المستدام وتُشركه في مساعيها الرامية لخفض انبعاثات الكربون، في حين يتجه مالكو الطائرات من الأفراد إلى رفع سقف تعويضات الكربون. ويُتابع ريتشي قائلاً: "ثمة شركات مستعدة لاقتناء كميات أكبر من الوقود المستدام.

لكن للجغرافيا تأثير واضح. فعلى سبيل المثال، يميل مالكو الطائرات في أوروبا إلى الالتزام بمعايير استدامة أعلى".

تلوح الاستدامة في أفق قطاع الطيران الخاص، لكن الانتقال إلى طائرات عديمة الانبعاثات لا يبدو سهلاً.

Illustration By Shout

في نهاية عام 2022، أوقفت شركة فيكتور Victor، وهي وسيط لاستئجار الطائرات الخاصة في لندن، برنامجها الرامي إلى تعويض الكربون للتركيز على وقود الطائرات المستدام. ويتوقع الرئيس التنفيذي المشارك للشركة توبي إدواردز أن يُؤدي هذا الوقود على مدى العقود المقبلة "دورًا كبيرًا في تقليل انبعاثات الكربون في صناعة الطيران".

كما يشير إدواردز إلى أن مشاريع تعويض الكربون، حتى وإن كانت مُعتمَدة، "ليست إلا رجمًا بالغيب، وقد تُحوّل الانتباه عن جهود القطاع الموثوقة التي نُؤيدها".

لكي تكون الاستفادة من الوقود المستدام كاملة، لا بد من تطوير المصافي وتحسين طريقة توزيع الوقود في المطارات، وهذا ما لن يتحقق إلا بتجهيزها ببنيات تحتية أفضل. من أصل 60 مليون غالون من الوقود المستدام المخلوط المستهلك في عام 2022، كان نصيب طائرات رجال الأعمال الأمريكية نحو 12%.

ويقول كيث سوير، أحد المديرين في شركة "أي في فيول" AvFuel، إن "ما حققناه أكثر مما توقعنا، ونلاحظ أن الطلب آخذ في الازدياد". وهذه ليست سوى البداية.

تُقدّر وزارة الطاقة الأمريكية أن الطائرات، على اختلاف أنواعها، ستحتاج في نهاية المطاف إلى 35 مليار غالون سنويًا حتى تستطيع خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050. قد يكون تخصيص جوائز نقدية للشركات التي تستخدم الوقود المستدام بداية ناجعة، على ما فعلت مؤسسة ليندبيرغ التي تُقدم جوائز للشركات التي تسعى إلى تخليص قطاع الطيران من الانبعاثات.

ويقول ليندبيرغ: "إنها قضية شديدة التعقيد. ولكن تخصيص مكافآت بقيمة 25 مليون دولار، أو أقل، سيدفع بالشركات إلى إيجاد حلول عملية لما يعترضها من عراقيل".

فضلاً عن ذلك، يُمكن لقطاع الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا eVTOL أن يُسهم بدوره في إيجاد الحلول. فاستخدام مركبات هذا القطاع السريع النمو سيُصبح أمرًا مألوفًا بحلول عام 2035، حسب توقعات بعض المحللين. يجري حاليًا تطوير 375 طرازًا من هذه المركبات، ويُنتظر أن تبرز من بين الشركات المتنافسة على تطوير هذه الطائرات ست شركات ستكون لها الريادة في هذا القطاع. 

أما في ما يتعلق بالطائرات التقليدية، فقد وعدت شركة إمبراير بتطوير طائرات كهربائية للرحلات الإقليمية بحلول عام 2030 في إطار برنامج Energia. يقول ألفادي سيرْبا جونيور، مدير إستراتيجيات المنتجات في قسم طائرات رجال الأعمال التابع للشركة: "نحن نختبر طائرة كهربائية من طراز Ipanema، ونعتزم في القريب العاجل اختبار خلايا وقود الهيدروجين في طائرة تجريبية أخرى".

أعلنت إيرباص أيضًا عن التزامها بتطوير طائرة نفاثة تعمل ببطاريات الهيدروجين بحلول عام 2035. على أن التغييرات التصميمية التدريجية الهادفة إلى تعزيز كفاءة الطائرات، والتعديلات التي تمسّ بروتوكولات مراقبة الحركة الجوية، ضرورية أيضًا لتخليص القطاع من انبعاثات الكربون.

صحيح أن الشركات المعنية جميعًا تتفق على أن العقود المقبلة تتطلب تغييرات جذرية، لكن لا واحدة منها تمتلك خارطة طريق واضحة، على الأقل ليس بعد. ويقول جاي وان شين، المهندس السابق في وكالة ناسا والرئيس التنفيذي لشركة "سوبرنال" Supernal الناشئة العاملة في قطاع خدمات النقل الجوي المتطورة: "لا حل سحريًا، ولكن ينبغي أن نأخذ الأمور بجدية، في الأرض وفي السماء، حتى نبلغ غايتنا". 

المسار إلى الاستدامة

2023:

حاليًا، يُمثل وقود الطائرات من نوعي Jet A وJet A-1 قرابة 99.9% من مجموع الوقود الذي تستهلكه الطائرات النفاثة. في عام 2022، بِيع نحو 60 مليون غالون من وقود الطائرات المستدام المختلط منخفض الانبعاثات، واسُتخدم في مختلف الرحلات الجوية الأمريكية، وقد كانت نسبة ما استهلكته الطائرات الخاصة منه نحو 12%. وكذلك، يجري تطوير 375 طرازًا من الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا eVTOL.

تلوح الاستدامة في أفق قطاع الطيران الخاص، لكن الانتقال إلى طائرات عديمة الانبعاثات لا يبدو سهلاً.

2025:

بداية التحليق بأولى الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا، وعدد من الطائرات الهجينة التي تعمل بالغاز والكهرباء. أما أنظمة الدفع التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، فإنها في المرحلة الاختبارية، وفي مقدمتها نماذج أولية من إيرباص وإمبراير.

تلوح الاستدامة في أفق قطاع الطيران الخاص، لكن الانتقال إلى طائرات عديمة الانبعاثات لا يبدو سهلاً.

2030-2035:

من المُزمع أن يصل مقدار الوقود المستخدم في الرحلات الجوية الأمريكية إلى 3 مليارات غالون، مع تطوير المصافي وتحسين طريقة توزيع الوقود في المطارات. ويُتوقع بروز ست شركات رائدة في قطاع الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا، التي ستصبح شائعة الاستخدام، شأنها في ذلك شأن الطائرات الهجينة التي تعمل بالغاز والكهرباء. وفي الوقت نفسه، ستشرع شركات الطيران في استخدام طائرات تعمل بخلايا وقود الهيدروجين والبطاريات.

2050:

سيغدو قطاع الطائرات النفاثة محايدًا كربونيًا، على ألا يتخطى استهلاك الوقود التقليدي من نوعي Jet A وJet A-1 نسبة 25%، مع استخدام 35 مليار غالون من الوقود المستدام في مختلف أنواع الطائرات. كذلك سيسود استخدام أنظمة الدفع الصديقة للبيئة: الهجينة، والتي تعمل بالهيدروجين، والتي تستخدم البطاريات.