كنوز حديثة تتوارثها الأجيال
صيغ عقد Coloratura في تصميم بديع من أحجار التورمالين الياقوتي والإسبينل والألماس، ليعانق بوهجه خفر الجيد كأنه
وشاح حريري ناعم. ترجع هذه القطعة الفنية الحديثة، التي تزهو بأكثر من 600 حجر كريم، أصداء لغة الدار التصميمية المستلهمة
من فن الآرت ديكو على ما تشهد الزخارف الهندسية التي تميز العقد،ومن بينها الحجران الألماسيان مثلثا الشكل اللذان
أحيطا من كل جانب بحبال من حبيبات الحزر.
فيما غزت التطورات التقنية تقريبًا مختلف جوانب مسارات التصنيع، يبدو أن الوقت يقف ساكنًا داخل الردهات السرية للمحترف الفني التابع لدار كارتييه، الواقع أعلى متجرها الباريسي الرئيس بالغ الرقي والفخامة في شارع رو دو لا بيه Rue de la Paix. هنا، في هذا المحترف الذي أسسه جاك كارتييه في عام 1929، يجتمع 50 حرفيًا من أمهر صاغة الجواهر المتمرسين، ولا يعتمدون إلا على أيديهم لتحويل الأحجار الكريمة والمعادن إلى جواهر فنية آسرة تقارب بروعتها حدود الخيال. في هذا المحترف تحديدًا، تبتكر كارتييه جواهرها الراقية التي تُشكّل الابتكارات الفنية الأكثر تفردًا والأشد تعقيدًا الممهورة بتوقيع الدار، موظفة لهذا الغرض تقنيات وأدوات اعتُمدت في صناعة الجواهر على مدى قرون. قد يستغرق جمع الحجارة المثالية لابتكار قطعة واحدة من الجواهر أسابيع أو شهورًا أو ربما سنوات. لهذا السبب لم تنفذ الدار سوى ما نسبته %80 من التصاميم التي ابتكرتها لمجموعة هذا العام من الجواهر الراقية تحت اسم Coloratura. كانت الدار قد أتاحت للإعلاميين ولنخبة زبائنها من كبار الشخصيات الاطلاع على قطع المجموعة في سياق احتفال مهيب نظّمته في باريس خلال شهر يوليو تموز الفائت.
قمنا بزيارة يعز نظيرها إلى محترف كارتييه ورصدنا مسيرة ابتكار قلادة متفردة ضمن مجموعة Coloratura رُصِّعت بأكثر من 600 حبة خرز من التورمالين الياقوتي الأحمر الآسر، فضلاً عن حجرين كبيرين من الإسبنيل باللون البرتقالي الوردي، وكثير من الأحجار الألماسية.
1. رؤية بالأحمر
تبدأ عملية إبداع الجواهر الراقية لدى كارتييه بانتقاء أحجار نفيسة نادرة وغير تقليدية. يعمد فريق التصميم إلى اختبار مجموعات مختلفة من الأحجار الكريمة، ثم ينقل الأفكار التي تتبادر إليه إلى فنان يقوم بدوره بتجسيدها في شكل رسومات بالغة الدقة أو نماذج أولية يُعتمد أحدها في التصميم النهائي. يقول إيف برودان، مدير محترف الجواهر الراقية: «فيما يتعلق بهذه المجموعة، كان من المهم تحديدًا أن تنتج التوليفات اللونية تأثيرًا بصريًا يضفي بهجة على التصاميم المبتكرة».
2. رصف وتثبيت
يُشكّل رصف الحجارة عملية دقيقة تتطلب مهارة خاصة، إذ لا بد من أن يتحلى الحرفي بالقوة اللازمة لتثبيت الأحجار الكريمة داخل نتوءات معدنية مدببة بالغة الصغر. لكنه يحتاج أيضًا إلى التعامل معها بكثير من الرفق، إذ من الممكن أن تتلف الأحجار الكريمة والمعادن بسهولة في سياق هذه العملية. للحد من هذه المخاطر، يُثبّت الجزء المعدني من القطعة مؤقتًا فوق لوح من الشمع يلتصق بعصا، لتوفير ما يشبه «رافعة» ثابتة على ما يقول الحرفيون.
3. خبرة وإتقان
قلة قليلة من الحرفيين يمتلكون المهارات اللازمة لحفر نماذج الشمع المستخدمة في تشكيل قوالب الذهب أو البلاتين. تتطلب هذه الخطوة مهارة فذة. إذا انزلقت يد الحرفي مرة واحدة وتفتت الشمع، فإنه سيضطر إلى أن يعيد الكرة من جديد.
4. وهج وضاء
في سياق عملية صياغة القلادة، تُصقل كل زاوية من زوايا القطعة الفنية بشكل متواصل لضمان الحصول على لمسة نهائية برّاقة. لتحقيق التأثير المتوهج، يستخدم الحرفيون مجموعة من الأدوات التي تشمل عجلات الصقل التقليدية والخيوط القطنية، فضلاً عن الريش الناعم الذي يتيح الوصول إلى الشقوق الضيقة دون الإضرار بقطعة الجواهر.
5. من الخام إلى البريق
يعمد الخبراء إلى نحت الحجر وتشكيله من مختلف الجوانب، ويحرصون على اختيار وضع كل سطح من أسطح الحجر بما يتيح تعزيز نفاذ شعاع الضوء عبره قدر الإمكان، وذلك لضمان مستوى أفضل من الحالة اللونية والانعكاس الضوئي.
6. فرز ونظم وتنسيق
قد يستغرق تجميع الأحجار المتناسقة في لونها وجودتها وشكلها أسابيع أو أشهرًا. وما إن يفرغ خبراء الفرز لدى كارتييه من تصنيف الأحجار الكريمة، حتى تبدأ عملية نظمها في خيوط من ألياف كيفلار المضفّرة متناهية الصغر وشديدة المتانة.
7. كنوز تاريخية
في المرحلة الأخيرة، يجري التوقيع على القطع الفنية وترقيمها، وتُسجل كل منها في سجلات دار كارتييه، مثلما هو الحال منذ أكثر من 150 عامًا. توثق بيانات كل قطعة يبتكرها الصانع الفرنسي في حجرة الأرشيف المجاورة للمحترف، وتُفهرس هذه التفاصيل حتى تتوافر للمالك، في حال توارث قطعة الجواهر أو بيعها في المزاد مثلاً، الوثائق التي تتيح التحقق من كلّ عنصر في التحفة الفنية التي انتهت إليه.
