أما وقد نَسَجَتْ مجلتنا، بعد مائة عدد وعدد، حلمًا ذا أفق رحب على ما نرجو، وعَلَتْ بأفكارها وموضوعاتها إلى فضاءات من التميز بذلنا فيها من الجهد أجمله لبلوغها، فهذا كان أكثره في مساحة يغلب عليها الرجال. قد يصدق ظن الظانين أن كثيرًا مما تخوض فيه مجلتنا هذه لم ينحبس على اهتمامات القراء من الرجال وحدهم، أو تضيق فيها مساحة النساء. فغير ما كنا نخص فيه سيداتنا الجميلات بمختارات في بعض أعداد السنة من موضوعات تتصل بعالمهن بسبب وثيق تكشف عن أجمل ما أخرجته دور الأزياء، أو صاغه المبدعون من جواهر ولآلئ- غير ذلك مما نخص به نساءنا، كان ثمة مساحة لا يمكن أن يستقل بها الرجال وحدهم دون النساء. ففي صفوة ما نكتبه عن المنازل والسيارات واليخوت والترحال، بل وتأنق الرجال بأجمل ما يلبسونه، إنما للمرأة دور كبير فيه، ورأي راجح في كثير من الأحيان، بل وترجيح إلى ما يغلب فيه الأجملُ الجميلَ من الأشياء.
وأجمل ما يظهر عليه الرجلُ في أمره كله إنما يتحقق جماله وتأثيره إذا ما استحسنته المرأة التي تضفي على حياتنا من الألق أجملَ الألق، ومن البهاء ألطف البهاء.
إذا كان فيما تقدم ما قد نتوافق عليه مع جمهورنا في الغالب الأعم، فإن ثمة هاجسًا من جمال كان يهجم علينا دومًا. لقد حشدنا في هذه المجلة لقرائنا من الرجال في الغالب الأعم أجزاء مؤتلفة من ألق فاخر، وحياة من الرفاه الراقي الذي تعلو فيه الذائقة على قيمة الأشياء. وإن كان قد تحقق لمجلتنا هذه من قبول على ما نرجو بين قرائنا، فإن المطلب الأجمل إنما هو أن نخص سيدات الجمال اللواتي يضفين على حياتنا معنى أجمل بمجلة تعلو بمستوى الفخامة والرفاه إلى ما عَلَتْ به مجلتنا هذه التي انقضى من عمرها مائة عدد وعدد. وكأننا ضربنا لأنفسنا موعدًا مع هذا الجمال بعد مائة عدد من الترقي في الذائقة والعلو برهافة الحس، لنحسن الاقتراب من عالم يكتنفه من الجمال أجملُه، ومن الرقي أرقاه، ومن الفخامة أفخمُه. إنه عالم الحسان ربَّات الشعر اللواتي يصنعن من الرجال شعراء ومفكرين ومبدعين.
وإن كان ما يشيع من قول بين الناس أن وراء كل عظيم امرأة لا يصدق اطِّراده بالضرورة على إطلاقٍ، فإن مما يطَّرد مطلقًا أن النساء يجعلن الرجال لا ريب نوعًا من الخلق ألطف وأرق وأكثر، لا ريب، تحضرًا. فكيف يتفجر الشعرُ، وكيف يصنع العطرُ، وكيف تصيغ الأناملُ الساحرة أجمل الجواهر لولا وجود تلك الساحرة التي إن عجزتْ عن نظم الشعر فلن يعجزها شيء عن أن توحي به للشعراء، وإن لم تحسن أن تصنع عطرها، فهي ترشد من يصنع عطرها كيف يعلو بذائقته ليعانق عطره جمالها، ويستمد من سحرها بعضَ سحره.
تأتي مجلة Muse صنو مجلة Robb Report العربية وكأننا على موعد لا مع الجمال، بل مع أرقى ما في الجمال من جمال، وعلى تلاق مع عالم فيه من الموسيقا الساحرة ما يخالط الشعرَ، ويزيِّن الألوان، وتطرب له العيون لا الآذان وحدها.
إنْ زَعَمَ بعضُنا أن فيما نبدعه للمرأة إنما هو أصلٌ مستعارٌ منها وحيًا، أو أمنية نرجو أن تتحقق إذا ما استحسنتْ هي ما نبدعه، فإنه لن يكون قد وقف إلا على أولى عتبات لا حسن الظن بل أجمله. إن كانت ربَّات الشعر نادرات مثل ندرة أندر الجواهر، فإنهن من يجعلن حياتنا تسمو عما يألفه الناس إلى ما لا يستعذبه إلا خاصة الشعراء. ولسنا نريد من هؤلاء من ينظمون الشعر وحده بما يجتمع لهم من استخلاص أجمل المعاني مع أعذب الموسيقا، بل يزيد عليهم أولئك الشعراء الذين يتقنون أن يجعلوا من ألوانهم وذهبهم وماسهم وياقوتهم وزمردهم قصائد من عشق، وتحفًا من جمال.