تتكئ الروح على إغفاءة غيمة قبل أن يغيب المغيبُ...
أفك ضفائرك المجدولة كأشعة الشمس بسمةً بسمةً...
أصعد بعينيك إلى فوق الغيمة.. إلى زرقة السماء
إلى أعلى.. ثم أعلى.. ثم إلى الأعلى.. فأعلى
تغوص من فوق روحي... من أعلى العلو في بحر الحلم
أغتسل في تلك الهنوف بعطر العشق
ثم أغفو، كما تغفو الشمس، كما تغفو العصافير
إذا ما آذن آخر النهار المتعب بالرحيل
وزار الشعرَ نجمُ الشعرِ
وجاء الليلُ بأول حكايات الليلِ...
***
تأتين كالزهر في أول الربيع
كالسحر في آخر الخريف
مهرجانًا للفرح في أوسط الصيف
وموعدَ عشق في أول المطر.
أي ليل يبدأ بك يبدأ بحلم
ولا ينتهي إلا بحلم..
أي نهار يبدأ بك يبدأ بحزن
ولا ينتهي إلا بحزن..
أي نبض يمتد في ألم التذكر بين اليوم والأمس
ينبش الذكريات المختبئة في الحقائق والدقائق والحب القديم
كالأفكار الضائعة
كالقصائد الممزقة
كالألوان المنسية في عتمة الليل
كالأطلال المهدمة في ضجيج النهار
***
منذ أن بدأت أهرب من السنين وتهرب السنون مني
سنةً بعد سنة.. شمسًا بعد شمس..
لم تبق إلا التفاصيل الصغيرة
لم تبق إلا سُلافات الذكريات في زمن عمرانه في النفس يتهدم
كالغيم المتفرق يتمزق
يحجب عن الحاضر ماضيًا لا يحتجب
وأمسًا غدًا موعده
غدٌ في عينيك النجل للعهد القديم مستودع
***
أين أنت في الأرض؟
في السماء؟
في البحر الأعظم؟
على جناح طائر
في جوف الليل المعتم
في الصمت
في الهمس
في المعلوم والمبهم؟...
كيف تذرو نسائمُ طيفك رمادًا من الذكرى جمرُه كلحظتك الأولى، كأول الشرر، لا ينطفئ آخره ولا يتحول؟
أين أنت في يوم الخلق إذا ما نبض في الخلق قلب.. وفي نوم الخلائق إذا ما غفت للخلائق عين؟
أين أنت إذا ما استيقظ في الفجر فجرُك؟ وإذا ما غفا الليلُ، يا أجمل الليل، ليلُك؟...
أين أنت إذ تصحو القصائد؟...
إذْ تتثاءب الحروف؟..
إذْ تتراقص المعاني؟...
أين أنت يا عطرَ الورد، وسرَ البحر، وهمسَ الفجر الأبلج؟
أين أنت يا زرقةَ البحر.. يا لون الأَرْز؟
يا من يصحو ليلُها إذا ما غفا الليلُ
ويستيقظ في فجرها حبُّ كل فجر...