استراتيجية رقمية ذكية تكرّس بقاء تاجر الفنون، وصاحب الصالات الفنية الموزعة في أربع دول، متربعا على عرش الفنون في زمن جائحة كورونا.
بينما انقضى الشتاء مفسحًا المجال لربيع أعقبه صيف، كان ديفيد زويرنر - صاحب صالات العرض الفنية الذي درج على الارتحال بين المعارض الدولية، ومعارض البينالي، وحفلات افتتاح المعارض - ينتظر في ملاذه المنزلي الكائن في مونتوك، عند الطرف الأقصى للونغ آيلاند، جلاء جائحة فيروس كورونا. في العادة، تشكل قرية مونتوك الصغيرة مصدر سعادة لزويرنر الذي يدير إمبراطورية فنية بلغت قيمة عائداتها العام الفائت 800 مليون دولار، وتتوزع صالات العرض التابعة لها في لندن، وباريس وهونغ كونغ، بالإضافة إلى ثلاثة مواقع أخرى في نيويورك. يقصد زويرنر منزله في القرية لينفصل عن متطلبات عالم الفن العالمي التي لا تنقطع طيلة أيام الأسبوع ولياليه، ويستمتع بركوب بعض الأمواج الأشد ارتفاعًا في الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا يقول: "إني واحد من أولئك الذين يميلون إلى الفصل بين العمل والمنزل."
لكن زويرنر لم يلحق بركب أمواج كثيرة هذا الصيف. خلال حديث مطوّل أجريناه عبر تقنية الاتصال المرئي، كان يجلس إلى مكتبه وقد ارتدى قميص بولو باللون الأزرق الداكن، فيما يتسلل الضوء الساطع، الذي اجتذب أجيالاً من الرسامين إلى المنطقة، ليغمر المكان عبر الواجهات الزجاجية الضخمة خلفه. قال لنا آنذاك: "أعمل حاليًا نحو ثماني ساعات إلى تسع ساعات. أرى الأمواج، لكني لا أغادر المنزل. أتواصل مع الآخرين عبر تطبيق زوم، وأنهمك في هذا الأمر أو ذاك. في البداية، كان من الجلي أننا نحتاج إلى التحلي بمستوى عال من التركيز لأن نموذج الأعمال نفسه كان يتعرض للهجوم. أقصد أننا كنا نواجه مشكلة حقيقية بسبب إغلاق مختلف صالاتنا الفنية الموزعة عبر ثلاث قارات. كان لا بد لنا من تحمل المسؤولية ومواجهة التحدي."
Jason Schmidt
مشهد من عام 2019 في صالة زويرنر للعمل التركيبي Tijuanatanjierchandelier الذي أبدعه جايسون رودز. وكان هذا العمل قد عُرض للمرة الأولى في إسبانيا عام 2006، سنة وفاة هذا الفنان. كان رودز من أوائل الفنانين الذين انضموا إلى صالة زويرنر، وكان ذلك في عام 1993.
كان زويرنر قد شرع العام الفائت يركز بفطنة على المساعي الرقمية، لذا كان بمقدوره أن يقدم على هذه الخطوة دون أن يفقد توازنه. فيما توقفت مظاهر الحياة والحركة في المدن، واتجه العالم إلى المنصات الإلكترونية، تخبّطت معظم الصالات الفنية. سرعان ما أعلنت صالتا بايس وغاغوسيان، وكلتاهما من أكبر منافسي زويرنر، تعليق نشاطهما مؤقتًا. صحيح أن كل صالة فنية تمتلك موقعًا إلكترونيًا، لكن المعارض الرقمية المحضة كانت نادرة. فالفن يُختبر من خلال تجربة شخصية، والمجتمع الفني المعاصر يشكل بطبيعته وسطًا اجتماعيًا يزدحم جدول أعماله على نحو مستمر بأنشطة افتتاح المعارض التي تعقبها حفلات عشاء مع الزملاء. في غضون فترة وجيزة، حوّل زويرنر اهتمامه إلى الشبكة الإلكترونية، مستحدثًا أساليب جديدة لتقديم الأعمال الفنية وبيعها. لكنه ومنافسيه ما زالوا يواجهون أسئلة وجودية عن مستقبل عالم الفن لأن استعادة العافية الاقتصادية تبقى غير مؤكدة إلى حد مقلق.
"لا أوقع عقودا مع الفنانين الذين أمثلهم. تصافحت ولوك تويمانز قبل 27 عاما، وقد أنجزنا معا مشاريع تقدر قيمتها بالملايين"
Jason Schmidt
زويرنر إلى جانب عمل من إبداع روث أساوا من عام 1956 تقريبا بعنوان
.(Untitled (S.643, Hanging, Seven-Lobed, Multilayered Interlocking Continuous Form
من الموسيقا إلى الفنون
يُعد الرجل البالغ من العمر 55 عامًا، والذي غزا الشيب رأسه، مثالاً نادرًا عن مالك صالة فنية من الجيل الثاني نجح في أن يشق طريقه الخاص والمستقل. كان والده رودولف زويرنر يدير صالة فنية شهيرة تشغل الطابق الأرضي من منزل العائلة في مدينة كولونيا بألمانيا، فيما تحول الطابق الأول إلى واحة للعمل والمعيشة، إذ كان يستخدمه فسحة رئيسة لمعاينة الأعمال الفنية. يستعيد ديفيد زويرنر ذكريات الماضي، ويقول بلكنة ألمانية خفيفة: "كنت أعود إلى المنزل وأرى لوحة من سلسلة بولسينا Bolsena لسي تومبلي، وأعبّر عن شعوري بالانبهار. من ثم كنّا نتحدث عن اللوحة. إنه لم يدفعني قط إلى ذلك. كنا نتشارك الأحاديث." كان يواظب على زيارة المنزل دفق مستمر من الفنانين العظماء في القرن العشرين. ألِف زويرنر لقاء أمثال جوزيف بويز، وسيغمار بولك، وغيرهارد ريختر، وإن كان ينظر إلى المسألة كلها بوصفها من المسلّمات. وفي هذا يقول: "عندما كنت مراهقًا، لم أكن أولي هذا الأمر أي اهتمام. كنت أرغب في أن أمتهن الموسيقا."
في عام 1979، انتقل رودولف بعائلته إلى نيويورك للمكوث سنة كاملة. عاشوا في حي سوهو، وكان لا يزال آنذاك غير منمق ويعج بمساكن الفنانين. ارتاد زويرنر في تلك المرحلة مدرسة والدن سكول التقدمية (البائدة اليوم) عند أطراف المدينة. يقول زويرنر في وصف المدرسة، التي شملت قائمة مشاهير الفنانين الذين سبقوه إلى التخرج فيها في الحقبة نفسها كيرا سيدجويك وماثيو برودريك: "كانت مدرسة رائعة يسودها الجنون والتحرر." كما أنه قابل مونيكا، زوجته منذ 31 عامًا، في هذه المدرسة. ويضيف زويرنر قائلاً: "كان الأمر مسليًا، وكان عليّ التعامل مع واقع أني وشقيقتي الوحيدان من الجنسية الألمانية في مدرسة يمكنني القول إن ما نسبته 90% من طلابها يهود."
يتذكر زويرنر يوم أعلنت معلمته لمادة التاريخ في الصف العاشر أمام الطلاب أنهم سيتطرقون في دراستهم إلى الرايخ الثالث. يقول مبتسمًا: "توجهت أنظار الجميع إليّ. فرضت نشأتنا في ألمانيا أن نشعر بأننا معنيون وشركاء في ما حدث، بالرغم من أنه لا يمكن للمرء أن يكون مسؤولاً عن ذاك التاريخ إن كان مولودًا في عام 1964. لكننا كنا نشعر بالمسؤولية. هذا تحديدًا ما يفتقر إليها الناس في الولايات المتحدة الأمريكية في ما يتعلق بالعبودية. فلا أحد يشعر بأنه يتحمل أي مسؤولية تجاه ذلك. في غضون ذلك، يعود ذاك الذنب الأصيل ليجد طريقه إلى المجتمع ويعيث فيه فسادًا. في ألمانيا، وبالرغم من استحالة إبطال ما حدث، إلا أن مساعي حثيثة بُذلت لإبقاء ما حدث في دائرة الضوء. مونيكا يهودية، ما يعني أننا نعيش هذه الحياة، والتجربة باهرة للغاية."
عاد زويرنر إلى المدينة ليتابع دراسته في مجال التأليف الموسيقي وقرع الطبول في جامعة نيويورك، ومجددًا عندما قرر اختبار العمل في مجال المتاجرة بالأعمال الفنية في أعقاب فترة وجيزة امتهن فيها العمل الموسيقي. (لم يذو شغفه بالموسيقا، لكن جدول أعماله الذي لا يستقر على حال يحول دون إمكانية انضمامه إلى فرقة موسيقية. لذا يكتفي اليوم بالإصغاء إلى الموسيقا، ولا سيّما العزف الحي لموسيقا الجاز.)
تقاعد الوالد، لكن زويرنر خشي أن تغلبه شهرة رودولف الفائقة إن هو بقي في ألمانيا. وفي هذا يقول: "من المضحك أيضًا أن المرء في العقد الثاني من عمره لا يحسن التفكر في الأمور، لكني أدركت بالحدس أن الخبر سيشيع على نحو أسهل إذا ما حققت مشروعًا ما في نيويورك. شبّهت الأمر برمي حجر في المياه." وفيما يمد ذراعيه محدثًا دوائر تتسع تدريجيًا من مركزها، يقول موضحًا: "في نيويورك، هكذا يتطور الأمر. تتحرك التداعيات في الاتجاهات كافة."
ترتّب عن هذا التوجّه خيار آخر. فبدلاً من الالتزام بنموذج الأعمال الذي كان يعتمده رودولف، والقائم على تنظيم معارض لمرة واحدة لفنانين من الطراز الرفيع – ولكن دون تمثيلهم – قرر زويرنر أن يجمع قائمته الخاصة من الفنانين ويساعدهم على بناء مسيرتهم المهنية تدريجيًا، على غرار ما يفعل المؤثرون من أصحاب الصالات الفنية كونراد فيشر، وماريان غودمان، وبولا كوبر. كانت هذه الاستراتيجية تعني تلبية احتياجات فنانيه على اختلافها، والتعامل مع سلوكياتهم الغريبة المختلفة.
Jason Schmidt
لوحة من إبداع كيري جيمس مارشال من عام 2020، عرضتا على منصة Studio الإلكترونية التابعة لصالة زويرنر.
لوحة (Black and part Black Birds in America: (Grackle, Cardinal & Rose-breasted Grosbeak .
مهام استكشافية
في البدايات، راح زويرنر يفتّش عن المواهب بالطريقة نفسها التي اعتمدها خلال عمله الوجيز في البحث عن الموسيقيين في أماكن تقديم عروضهم. في معرض Documenta 9، نسخة عام 1992 من المعرض الذي يُنظم مرة كل خمسة أعوام في كاسل بألمانيا، عثر على ثلاثة من أوائل الفنانين الذين قام لاحقًا بعرض أعمالهم بعد أن افتتح في العام التالي صالته الفنية في شارع غرين ستريت بحي سوهو. كان الفنانون الثلاثة: النمساوي فرانز ويست الشهير بمنحوتاته التي تفتقر إلى الوقار، وظروفه المعيشية الصعبة، وصانع الأفلام الكندي ستان دوغلاس، والرسام البلجيكي لوك تويمانز الذي يعتمد مقاربة ذهنية لفنه. لا يزال الفنانون الثلاثة مدرجين على قائمة زويرنر، بالرغم من أن ويست، الذي توفي سنة 2012، "سلك منعطفًا لبعض الوقت" على ما يقول زويرنر، فانضم إلى صالة غاغوسيان قبل أن تعود تركته مؤخرًا إلى محفظة ديفيد. (في السنوات اللاحقة، اجتذب زويرنر مزيدًا من الفنانين من معرض Documenta 9، ومنهم مارلين دوماس، وراوول دي كايزر، وجيمس ويلينغ.)
انجذب زويرنر أيضًا إلى المشهد الفني في كاليفورنيا، والتقى بالفنان المؤثر بول ماكارثي الذي كان ممثلاً بصالة أخرى، لكنه عرّفه إلى جايسون رودز، أحد تلامذته المفضلين. يتذكر زويرنر يوم زار رودز لاحقًا نيويورك حاملاً معه صورًا لأعماله، فيقول: "عرضت عليه موقعًا في المعرض على الفور. أظن أنه كان قد نظم مواعيد أخرى مع صالة غلادستون وغيرها. يسرني أنه قصدني أولاً."
كان زويرنر في طور إثبات براعته في رصد المواهب، والإنصات إليها. كان التوقيت أيضًا داعمًا له. فالتدهور الذي أصاب سوق الفنون عام 1990 استمر لسنوات عدة. وبالرغم من أن احتمالات نجاحه ربما بدت قاتمة، إلا أنه يقول إن الارتقاء كان السبيل الوحيد المتاح أمام قطاع الفن. وربما عمل الركود لصالحه على مستوى استقطاب الفنانين. يقول زويرنر: "لأن سوق الفنون كانت في حالة سيئة، أكرمني أولئك الفنانون بقليل من وقتهم. كان لوك تويمانز قد تلقى عروضًا من صالات فنية أخرى في نيويورك، لكني كنت مثابرًا جدًا. قصدته ثلاث مرات. على المرء أن يكون مقنعًا."
Jason Schmidt
لوحة من إبداع كيري جيمس مارشال من عام 2020، عرضتا على منصة Studio الإلكترونية التابعة لصالة زويرنر.
لوحة (Black and part Black Birds in America: (Crow, Goldfinch.
الدعم مقابل الولاء
أتاح له قرض من والده بقيمة 60 ألف دولار تقريبًا تغطية تكلفة تعيين موظف واحد وبناء صالة فنية أو تحديدًا نصف صالة. يقول زويرنر: "لم يكن بوسعي تحمّل كلفة المساحة كاملة، فجُبت الأماكن كلها بحثًا عمن يشاركني في الإيجار." ظهر ذاك التاجر بعد انقضاء سنة كاملة، لكن زويرنر أصبح قادرًا بحلول ذلك الوقت على أن يستأجر بنفسه الجزء المتبقي من مساحة الصالة.
استُخدمت نقود رودولف أيضًا لتغطية تكاليف المعرض الأول الذي استضاف أعمال ويست. يقول زويرنر: "هذا ما حدث، ثم نضبت النقود. لم يكن أي مصرف بالطبع ليعيرني أي اهتمام. من ثم نظمّنا في شهر سبتمبر أيلول معرضًا لجايسون رودز، وكان أول معرض له في صالة فنية. قدمنا موهبة أمريكية شابة إلى جامعي الأعمال الفنية في نيويورك. بعنا الأعمال المعروضة كلها. وانطلقنا في مسيرتنا."
يضيف زويرنر قائلاً: "يجدر بأي صالة فنية حديثة العهد أن تثبت مقدرتها على استكشاف المواهب. إذا ما وثق زبائنها بأنها قادرة على ذلك، فإنهم سيكنون لها الولاء."
أما السبيل إلى استقطاب تلك المواهب والحفاظ عليها، فيتمثل على ما يقول زويرنر بتوجيه كامل التركيز في مجال العمل إلى الفنانين مباشرة. لطالما اضطلعت أفضل الصالات الفنية على نحو متساو بدور وكيل أعمال فطن من هوليوود، وبدور معالج نفسي داعم في آن. يقول زويرنر: "إن إدارة الفنانين تختص بدعمهم وليس السيطرة عليهم. إذا ما بدأت الصالة بالسيطرة عليهم، فإنهم يصبحون تعساء، وسرعان ما يرفضون الاستمرار في العمل معها." يفترض بعضهم أن هذا التصور هو ما دفع ويست إلى الافتراق عن صالة زويرنر.
في الإعلام، غالبًا ما يوضع زويرنر في مواجهة لاري غاغوسيان، الوكيل النافذ الذي يقف وراء الصالة الفنية العملاقة، وآخر هذه المواجهات الصراع على تركة ويست الفنية الذي حظي بتغطية إعلامية مكثفة. يقول زويرنر إنه بالرغم من بعض "الأمور البغيضة" التي شابت تلك المسألة (بلغ الأمر حد مراجعة ويست الخطط المتعلقة بتركته وهو على فراش الموت في مشهد يحاكي المسلسلات التلفازية)، إلا أن القضية استُخدمت بهدف الإثارة. بل إنه يحاول تلطيف الأجواء، فيصف غاغوسيان، الذي يكبره بتسعة عشر عامًا، "بالرائد في قطاعنا" و"الشخص الملهم". يقول زويرنر: "أكن له كثيرا من الاحترام."
على ما جسّده ذاك الصراع، تنحصر المنافسة بين التجار بالفنانين. لنستعن باستعارة أخرى من العالم الهوليوودي. فجمهور الأفلام السينمائية لا يكترث لهوية منتج الفيلم. إن غاية حضوره مشاهدة ما يدور عبر الشاشة، وجامعو الأعمال الفنية يذهبون إلى حيث يجدون الفن. شملت بعض الإضافات المتبصرة من جانب زويرنر، الفنانة يايو كوساما، التي لا تنفك أعمالها الشهيرة Infinity Mirrored Rooms تستقطب جمهورًا عريضًا وتتميز بحضور طاغ عبر موقع إنستغرام. نجح زويرنر في استقطاب كوساما من صالة غاغوسيان عام 2013، السنة نفسها التي ثابر فيها على إقناع جيف كونز، الفنان المستقل الذي دأب على مدى فترة طويلة على تقديم أعماله في الصالة المنافسة، بأن ينظم معرضًا معه.
في هذا المجال الذي تميزه المنافسة الشرسة للغاية، يعتمد زويرنر المصافحة في إتمام أعماله. يقول: "لا أوقع عقودًا مع الفنانين الذين أمثلهم. تصافحت ولوك تويمانز قبل 27 عامًا، وقد أنجزنا معًا مشاريع تُقدر قيمتها بالملايين. لا وجود لأمر مماثل في عالم الأعمال." ويستطرد زويرنر قائلاً: "إذا لم أحسن القيام بالمهمة، فإن بمقدورهم الرحيل. إنه أسلوب رائع. لكنه يولّد بعض الضغوط أيضًا. كما أن أي مسيرة مهنية قد تشهد تقلبات. يمكن لفنان ما أن يكون ناجحًا للغاية، فيوفر زخمًا للصالة الفنية. من ثم تتراخى الأمور إذ يسقط الفنان في هوة الأزمة الشهيرة لمنتصف المسيرة المهنية. عندئذ يحين الوقت ليثبت صاحب الصالة الفنية براعته. فلا يجدر به في هذه الحالة أن يوجّه كامل اهتمامه إلى فنانين آخرين يحظون بالانتباه ويسهل بيع أعمالهم. إنه علم معيب، ولكننا نحتاج إلى الحرص على أن يشعر الجميع بأننا نوليهم اهتمامنا."
يقدّم زويرنر بعض الفنانين الحاليين الذين تحقق أعمالهم أغلى الأسعار، على غرار كونز، وريتشارد سيرا، وكيري جيمس مارشال. لكنه يمثل أيضًا فنانين لم يحققوا قط عائدات مالية ضخمة. وفي هذا يقول: "انضوت ديانا ثايتر تحت مظلة صالتنا منذ العام الأول لتأسيسها. أسهمت ديانا بتعزيز شهرة الصالة إلى حد كبير في أوساط أمناء المعارض، لكن أعمالها لم تكن مصدرًا للدخل. أظنها تعلم أني كنت داعمًا لها على الدوام."
"تنطلق أجهزة الإنذار الصغيرة في ذهني عندما أعجز عن فهم عمل ما. أبدأ بعد ذلك بالتمحيص"
يشهد ستان دوغلاس على الدعم الثابت الذي يوفّره له زويرنر، والذي شمل أيضًا تمويل أفلامه. في عام 2015، بلغت كلفة إنجاز عمله التركيبي السينمائي Secret Agent (أو العميل السري) الذي نفذه على ست شاشات، 600 ألف دولار. لكنه لم يبع سوى نسخة واحدة من هذا العمل. يقول دوغلاس: "لطالما كان ديفيد ناشطًا في السوق الثانوية للفن، لذا لم يشغل نفسه قط بالضغط على الفنانين لإنتاج أعمال صالحة للبيع."
إن قائمة الفنانين الذين تمثلهم الصالة هي، على ما يقول زويرنر، "بطاقة التعريف المهنية" التي يستخدمها فنانون آخرون للتواصل معها. تقول كارول بوف إن معرضًا لأعمال تويمانز زارته سنة 2000، عندما كانت قد بدأت انطلاقتها تحت مظلة صالة فنية مجاورة، كان السبب المقنع وراء قولها: "إنه في ذاك المكان الذي أتطلع إلى أن أعرض فيه أعمالي عندما يكبر اسمي." عندما انضمت بوف إلى زويرنر في عام 2011، قدمت له قطعة فنية صغيرة تشتمل على صمولة معدنية استُخدمت مرة في تثبيت منحوتة لرودان في مكانها. أدرك زويرنر على الفور ما تنطوي عليه القطعة من تعبير مجازي عن دوره: "إنه يدعم الفنانين في توجهاتهم."
عند سؤال زويرنر عما إذا كان ثمة رابط بين الفنانين الذين يمثلهم، يوضح أنه يستجيب "للصوت المتفرد" وليس لأسلوب معيّن. ويذكر على سبيل المثال فريد ساندباك الذي ابتكر على نحو محيّر أعمالاً تركيبية بسيطة من خيوط الغزل، والمصور الراحل روي دي كارافا ذا البشرة السوداء. يقول زويرنر: "تنطلق أجهزة الإنذار الصغيرة في ذهني عندما أعجز عن فهم عمل ما. أبدأ بعد ذلك بالتمحيص. يمكنني أن أحيل سريعًا معظم الأعمال الفنية إلى مجموعات المواضيع التي يعمل عليها الفنانون. لا أقصد أن هذا الأمر جيد أو سيئ، لكنه لا يحظى بكثير من اهتمامي." يضيف زويرنر متحدثًا عن جوردن وولفسون، الفنان الذي يستخدم وسائط فنية متعددة، ويستكشف من خلال أعماله خبايا الثقافة الأمريكية: "أما إن رأيت عملاً فنيًا لا أفهم كنهه، فإن رد فعلي يكون مختلفاً، على غرار ما حدث يوم شاهدت للمرة الأولى أحد أعمال وولفسون. فقد تساءلت عما يفعله الرجل حقًا. كان ثمة رجل يحرك الإبرة." أبدى زويرنر رد فعل مماثل على فن ثايتر، وكان أولَ عمل شاهده لها بيت صغير في باسادينا بكاليفورنيا حوّلته إلى عمل فني تركيبي بتقنية الفيديو. يقول زويرنر: "تحوّل المنزل كله فجأة إلى منحوتة يمكنك رؤيتها من الخارج. لم يسبق لي أن رأيت مشهدًا مماثلاً. ربما زرت في ذلك اليوم 10 استوديوهات، لكن هذا العمل هو الذي ظلّ يشغلني عند عودتي إلى المنزل. إننا نبحث عن هذا النوع من المقاومة."
Jason Schmidt
مشهد تركيبي عرض عام 2020 في صالة زويرنر، من فيلم Doppelgänger من عام 2019 لستان دوغلاس.
مقاربة إدارية متمايزة
في عام 2000، تشارك زويرنر مع التاجرين السويسريين إيوان ومانويللا فيرت من الصالة الفنية هاوزر آند فيرت، وافتتح معهما في منطقة أبر إيست سايد صالة زويرنر آند فيرت التي تُعنى خصوصًا بالسوق الثانوية لبيع الأعمال الفنية. يقول زويرنر، الذي يعتمد اليوم نشاطه بنسبة الثلث من عائداته على إعادة بيع الأعمال الفنية: "كانت الموارد المالية المتاحة في هذه السوق أكبر بكثير." بعد مرور تسعة أعوام، وفيما كانت صالات زويرنر وهاوزر آند فيرت تحقق الازدهار، كانت الصالة المشتركة تسبب في المقابل، على ما يقول زويرنر، "إرباكًا على مستوى هوية العلامة"، فقرر الفريقان فض الشراكة "بأفضل طريقة ودية."
في سنة 2002، انتقل زويرنر مع صالته إلى تشيلسي. ولم يكد يمضي بعض الوقت، حتى عمد، في خطوة غير مألوفة على الإطلاق في العالم الفني، إلى تعيين خبير استشاري في الشؤون الإدارية. صحيح أنه كان لا يزال حريصًا على أن يُقيّم بحسب ذائقته في اختيار الفنانين، لكنه يقول: "أدركت أني بدأت أتحول إلى رائد أعمال دولي، ولم أكن مهيأ في كثير من النواحي لمثل هذا التحدي. لذا كان من الحكمة اللجوء إلى خبراء قادرين على تقديم المساعدة في هذا المجال." بالرغم من أن هذه الخطوة تعكس استراتيجية تعتمدها الشركات، فيما تسعى الصالات الفنية في مختلف أنحاء العالم لتكريس طابع بعيد تمامًا عن أجواء الشركات، إلا أن زويرنر يؤكد أن الفنانين ظلوا في مركز دائرة توجيهاته. وفي هذا يقول: "إن الأمر كله يتعلق بالفنانين، وسيبقى كذلك على الدوام. ما يهمنا هو الحرص على شعورهم بالرضا وحسن تمثيلهم. ثمة جهد إضافي يجدر بنا أن نبذله دومًا. ولا يمكنني تحقيق ذلك إلا من خلال أفضل طاقم عمل. أرى أن هذه واحدة من أبرز المشكلات التي تواجهها بعض الصالات الفنية. إن إدارة الفنان عنصر بالغ الأهمية."
اقترح الخبير الاستشاري خطة هيكلية للمكافآت أتاحت لزويرنر الإبقاء على فريق عمل شديد الولاء له. كان أربعة من كبار شركائه الخمسة قد عملوا معه على مدى أكثر من عشرين عامًا. (الواقع أنهم أربع سيدات. يقول زويرنر مازحًا: "ربما نحتاج إلى تدابير تحقق التمييز الإيجابي لصالح زملائنا من الرجال.") يضم فريق زويرنر ابنه لوكاس الذي يشرف على وحدة المنشورات، والمدوّنات الصوتية، وابنته مارلين التي تنشط في قسم إدارة الفنانين، وإن كان كلاهما يتعامل أيضًا مع الزبائن. (أما ابنته الأصغر جوانا، فتعمل في مجال النشر.) يقول زويرنر إن تجربة لوكاس ومارلين في العمل معه كانت أسهل من التجربة التي كان يختبرها في صالة والده بسبب الاختلاف الهائل في الحجم بين الصالتين. ويضيف قائلاً: "يمكنني حقًا استحداث مساحة مستقلة لكل منهما بحيث يتمكنان من اتخاذ القرارات. لست هنا بالطبع لأدير كل صغيرة وكبيرة."
أما المجال الوحيد الذي لا يخضع بطبيعة الحال لمبدأ الديموقراطية، فيتمثل باختيار الفنانين. يقول زويرنر، الذي يستطيع رفض فنانين يرغب الزملاء في استقطابهم، وأيضًا إبطال اعتراضاتهم على فنانين يحظون باستحسانه: "أقول دومًا على سبيل المزاح إننا نتبع نظامًا ملكيًا دستوريًا."
Jason Schmidt
لوحة Like Don Quixote لمارلين دوماس من عام 2002.
ثورة رقمية
استعان زويرنر العام الفائت بشركة ماكنزي آند كو لتحفيز انطلاقة الصالة في العالم الرقمي. إنه يعزو الفضل في ذلك أيضًا إلى زوجته مونيكا، التي يحضر الحرفان الأولان من اسمها MZ في اسم شركة MZ Wallace الشهيرة لحقائب اليد. تتميز الشركة بنشاطها المزدهر في مجال التجارة عبر شبكة الإنترنت. يقول زويرنر: "أدركت من خلال محادثاتي معها أن قطاعنا متأخر حقًا عشر سنوات. إن منتجنا أكثر تعقيدًا. قد يكون الفن المنتج الأكثر تعقيدًا على الإطلاق. أما حقيبة اليد، فليست كذلك. لكن في ما خلا ذلك، تنحصر الشروط بما أسميه البيع بالتجزئة. أردت الشروع في ثورة رقمية داخلية." ويضيف زويرنر بأسلوبه التقليدي غير المتكلف: "كان توقيتي جيدًا جدًا."
عندما هجمت جائحة فيروس كورونا، نجح زويرنر في إقناع بعض الفنانين المعاصرين من أصحاب الأعمال الأكثر طلبًا بالانضمام إلى المنتدى الرقمي من خلال مبادرة جديدة حملت اسم "استوديو" Studio وقامت على استخدام مجموعة معقدة من الأفلام المصورة، والصور الثابتة، والنصوص، لسرد حكايات الفنانين الفرديين. بيعت مختلف الأعمال المشاركة في المبادرة، والتي تفاوتت أسعارها بين 300 ألف دولار للوحة من إبداع سوزان فريكون، وثمانية ملايين دولار لمنحوتة Venus التي ابتكرها كونز من الفولاذ المقاوم للصدأ بأسلوبه الشهير القائم على صياغة ابتكارات "قابلة للنفخ". استعرضت الصفحة المخصصة لكونز على المنصة الإلكترونية للمبادرة رسومات أولية للمنحوتة التي ترتفع بطول تسع أقدام تقريبًا، فضلاً عن صور لعينات كان الفنان قد أوكل مهمة صياغتها إلى "خبير متخصص في ليّ البالونات لتشكيلها"، وفيلم مصوّر لكونز منهمكًا في تشكيل بالون في هيئة بجعة، وتوصيف لمسار التصنيع المعقد، وكتيب تمهيدي عن التاريخ والفن. يقول كونز إن زويرنر، الذي يصفه "بالتاجر الرائع"، قد أقنعه بالمشاركة، ويضيف موضحًا: "لا أميل إطلاقًا إلى استعراض شيء كثير عن مسار عملي. أفضل عرض الابتكار النهائي. لكني أكتشف كل يوم أن الآخرين يستمتعون بتشارك أجزاء من التجربة التي تقود الفنان إلى هذا الحد."
في برنامج آخر يحمل اسم Exceptional Works (أو أعمال فذة)، تُعرض، بموجب دعوة مسبقة فحسب، أعمال فنية يُعهد بها إلى زويرنر على مجموعة من كبار جامعي الفنون، الذين قد يراوح عددهم بين 500 فرد و5500 فرد، الأمر الذي يولّد ذاك الشعور الملح بالتخوّف من تفويت فرصة اقتناء تحفة ما، هذا الشعور الذي يضمن في العادة الحفاظ على استمرارية غرف المزادات ويدفع بكبار الموسرين إلى الانتقال من معرض فني إلى آخر. شملت الأعمال التي استُحوذ عليها من خلال هذا البرنامج لوحة لسام غيليام بسعر 2.5 مليون دولار، وأخرى لجورجيو موراندي بلغ ثمنها ثلاثة ملايين دولار. يقول زويرنر: "ما تعلمناه في الأيام الأولى للحجر المنزلي هو أننا سُنقابل بالرفض إذا ما اتصلنا بزبون ما لنعلمه بأمر عمل فني رائع متاح للبيع. أما إذا قدمنا عرضًا متينًا يحظى بانتباه أكثر من شخص واحد، فإن الزبائن سيعودون إلينا. علينا إذًا أن نقلب المعادلة لندفع الزبائن إلى مقاربتنا."
لكن إدراج زر "ابتع الآن" على المنصة الرقمية لن يتحقق قريبًا. فالمشترون عبر الإنترنت يحتاجون أيضًا إلى استيفاء معايير المؤتمنين على الصالة الذين يعملون جادين على استبعاد المضاربين المحتملين الساعين إلى شراء الأعمال فنية من المزادات وإعادة بيعها لتحقيق الربح، الأمر الذي يهدد مستويات الأسعار التي تحرص الصالات الفنية على فرضها. (تخشى الصالات الفنية أن تشهد أسعار أعمال أحد الفنانين ارتفاعًا مصطنعًا في السوق الثانوية العامة يعقبه هبوط حاد، الأمر الذي يلحق ضررًا دائمًا في مسيرة الفنان.) لكن زويرنر يقول إنه يستشرف زمنًا يمنح فيه زبائنه الذين جرى التحقق جديًا منهم، أو "الذين نعرفهم تمام المعرفة" على ما يقول، امتيازات تتيح لهم شراء الأعمال الفنية بصورة آنية.
يضطلع زويرنر اليوم بدور رئيس للدبلوماسية. فصالته الفنية "على معرفة" بأكثر من 100 ألف شخص قد يتفاوتون بين طلاب في كلية الفنون أو سياح يخطون تواقيعهم في سجل الزائرين، وبين جامعي أعمال فنية يسيّرون السوق، على غرار إيلاي برود (من متحف برود Broad)، أو إيميلي وميتش رايلز (مؤسسي متحف غلينستون Glenstone). يحدّد زويرنر 10% من هؤلاء بوصفهم شراة محتملين. ربما ابتاع نصف هؤلاء أعمالاً فنية من الصالة. يشكل نحو ألف فرد منهم "زبائن متميّزين" – من حيث كونهم مستعدين لدفع مليون دولار على الأقل لقاء عمل ما – وتُعد آسيا المصدر الأبرز لهذا النمو الذي تجلى مؤخرًا. لا أحد من هؤلاء اختبر الرفض مرات كثيرة. يصف زويرنر إدارة توقعات الزبائن بأنه "علم".
"إن الأمر كله يتعلق بالفنانين، وسيبقى كذلك على الدوام. ما يهمنا هو الحرص على شعورهم بالرضا وحسن تمثيلهم"
مبادرة تضامنية
أدرك زويرنر أن الصالات الفنية الصغيرة لا تمتلك من الوقت والموارد المالية ما يتيح لها التحوّل سريعًا إلى العالم الرقمي، فشرع فضاء موقعه الإلكتروني لعشرات المتاجرين الشباب في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ودعا كل واحد منهم إلى تقديم فنان واحد عبر الموقع وتولي مبيعات أعماله. لم يحصل زويرنر على أي حصة لنفسه من العائدات. يصف ميغيل بيندانا وسام ليب - الشريكان في الصالة الفنية Queer Thoughts الكائنة في الطابق الثالث من أحد الأبنية في حي ترايبيكا – هذا العرض "ببادرة تضامن تنويرية". تمكن بيندانا وليب من نقل معرضهما المخصص للوحات ميغان مارين، والذي كان من المقرر افتتاحه في شهر مارس آذار، إلى مشروع بلاتفورم Platform، حيث لم يحققا صفقات بيع عدة فحسب، بل حظيا أيضًا بزبائن جدد. كتب الشريكان في رسالة إلكترونية بعثا بها إلى مجلة Robb Report: "كانت التجربة بلسمًا ساهم حقًا في مداواة الألم الاقتصادي الناجم عن الحجر المنزلي. شعرنا بالامتنان لإشراكنا في هذا المشروع."
لكن لا بد من أن نوضح أن مشروع بلاتفورم لم يكن محض مبادرة خيرية. صحيح أن زويرنر يُعد واحدًا من المتاجرين النافذين الذين يحظون بأكبر قدر من الاستحسان، لكنه رجل أعمال أيضًا. إنه يقول بصراحة: "كانت مبادرة قائمة على الإيثار، ولكنها لا تخلو أيضًا من منفعة ذاتية". كان مدركًا أن أعضاء فريقه، بمن فيهم ولداه، الذين اصطحبوه عندما كانت الظروف أفضل في جولات على صالات فنية تتسم بالجرأة في منطقة لوير إيست سايد، سيتحمّسون لفن جديد. أردت أن أعيد الحيوية إلى أعضاء فريقي. كنت أرى أنهم يعانون حالة جمود."
خارطة المستقبل
يقول زويرنر إن ميله المعلن إلى التحكم المسرف بمسار اختيار الفنانين يحول دون ابتياعه صالة فنية صغيرة، على سبيل توفير فريق داعم، أو تمويلها. ويضيف قائلاً: "إذا ما عرضت عليّ صالة ناشئة تمثل 12 فنانًا على سبيل المثال، فإنه لن يكون بوسعي التلاقي مع هؤلاء الفنانين جميعهم." لكنه يقرّ بأن تحلي الصالات الناشئة بوضع معافى سيخلف في نهاية المطاف تأثيرًا تصاعديًا إيجابيًا على صالته. فتلك الصالات تُعد الواحة التي ينطلق منها اليوم نجومه المستقبليون. يتحدث زويرنر عن أصحاب الصالات الفنية، فيقول بنبرة ربما لا تخلو من مسحة حنين: "إنهم رجال ونساء يتمتعون بزخم الشباب وبحماسة بالغة. يُعد توافر صالات فنية ناشئة ترعى المواهب الشابة عنصرًا حيويًا للحفاظ على صحة النظام البيئي لعالم الفن."
تشكل التجربة، إلى جانب الانطلاقة الرقمية المتكاملة، خارطة طريق محتملة للابتكارات المستقبلية، لا سيّما وأن مستقبل المعارض الفنية بات موضع شكوك. انتقل معرض آرت بازل، الذي يتربع على عرش المعارض كافة، إلى المنصة الإلكترونية هذا العام، شأنه في ذلك شأن معرض فريز. توقفت أخيرًا في شهر سبتمبر أيلول محاولة إنعاش معرض آرت بازل ميامي بيتش بعد أن تبيّن أن تنظيم المعرض في شهر ديسمبر كانون الأول المقبل سيُعد خطوة غير حكيمة على الإطلاق. يقول زويرنر: "لكن قطاع المعارض سيصبح من الآن فصاعدًا عرضة للمخاطر بغض النظر عن الظروف. حتى إذا سارت الأمور على خير خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة فقط، فإن هذا القطاع سيخضع لقيود قاسية. إن نشاط المعارض هو تحديدًا ما لن يحظى بتأييد أي مسؤول في مجال الرعاية الصحية العامة، لأنه سيعني سفر الأفراد من دول مختلفة واجتماعهم في المعارض. لذا تحاول المعارض بذل جهود حثيثة لابتكار نماذج أعمال تحقق النتيجة المرجوة، لكن هذه النماذج لن تنجح." في أواخر فصل الصيف المنصرم، أكدت الصالة أن منصة بلاتفورم ستتحول إلى موقع إلكتروني مستقل.
بالرغم من أن زويرنر يستشرف بقاء المعارض المحترفة، إلا أنه يتوقع تراجع حصة المبيعات التي تحققها صالته من المعارض - والتي كانت تساوي في السنوات الماضية ثلث إجمالي مبيعاته – مقابل ارتفاع نسبة عائدات المبيعات الرقمية ممّا دون 10% إلى 20% أو حتى 30% من مجمل العائدات. حقق عدد الزيارات على الموقع الإلكتروني لصالة زويرنر خلال الجائحة نموًا بنسبة 600%، وتوزع المستخدمون على 160 دولة. وفي هذا يقول: "إن الموقع يتفوق من نواح عدة على أي نموذج للمعارض الفنية. فنطاق الانتشار أوسع، ويمكن للآخرين التواصل معك خلال عملهم. إن البيئة، بوصفها موضوعا مهما في حياتنا، تراجعت في الشهرين الأخيرين. ستعود هذه المسألة لاحقًا إلى موقعها المهم، لكن نموذج المعارض لا يُعد ملائمًا للنزعة البيئية، وذلك خلافًا لما هو عليه حتمًا نموذج تحقيق الأعمال عبر الإنترنت."
Jason Schmidt
لوحة من دون عنوان لهارولد أنكارت من عام 2020.
ما بعد الجائحة
في مطلع شهر يوليو تموز الفائت، عادت صالات زويرنر لتشرع أبوابها أمام الزوار الذين وضعوا الكمامات والتزموا الحفاظ على مسافة تباعد آمنة. كما استمر دفق الإعلانات المنتظمة عن انضمام فنانين جدد إلى الصالة، على غرار أندرا أورسوتا، وحتى تركة الراحل خوان مونوز. استشرف زويرنر تراجع المبيعات هذا العام بنسبة 20% إلى 30%. إنه حتمًا تراجع ملحوظ، لكنه ليس كارثيًا. في غضون ذلك، سرّحت الصالة نحو 40 موظفًا يعمل معظمهم في الأقسام التي تُعنى بالمعارض والأنشطة المتدهورة، في حين أنها خططت لزيادة عدد الموظفين في الفضاء الرقمي في ظل الإبقاء على مشروع "استوديو" وبرنامج الأعمال الفذة Exceptional Works. يقول زويرنر: "سيظل تأثير الجائحة يطال قطاعنا إلى حين توافر اللقاح. أعتقد أن نشاطنا سيشهد تغيرات أساسية، وبعض الصالات ستقفل أبوابها بصورة نهائية." بعد مرور بضعة أسابيع على إجراء هذه المقابلة، أقفلت صالة إنتربرايز Enterprise المرموقة التي يملكها غافن براون أبوابها.
لكن زويرنر يمضي قدمًا ويطلق صالة رئيسة جديدة ومهيبة في تشيلسي. إنها أول صالة فنية تجارية يتولى تصميمها المعماري الشهير رينزو بيانو، ومن المقرر أن تنافس منشآت من الحجم نفسه تابعة لصالتي هاوزر آند فيرت، وبايس. كان العمل قد بدأ على هذه الصالة منذ سنوات عدة، لكن زويرنر يفصح اليوم عن إمكانات أخرى للتوسع، وتحديدًا في لوس أنجليس. وفي هذا يقول: "كنت في الماضي أشد حذرًا في ما يتعلق بمثل هذه الخطوة. لكن أعضاء فريقي يريدونني أن أقدم حقًا عليها. ثمة حركة ناشطة هناك، ويمكنني أن أتصوّر المشهد. سأشعر عندئذ بسعادة بالغة."
بالرغم من الوضع المتذبذب للسوق، إلا أن زويرنر ليس متخوفًا من بلوغنا نهاية جولة متميزة. إنه يقول بنبرة حازمة: "لا علاقة للحقبة الذهبية للفن المعاصر بما نفعله نحن. إنها ترتبط بما يفعله الفنانون." ويضيف زويرنر قائلاً: "إنما تبدع الأعمال الفنية المهمة في الأزمنة الأشد صعوبة أكثر من زمن الرخاء. الأمر أشبه بما حدث في جمهورية فايمار الألمانية، أليس كذلك؟ واجهت الجمهورية الأزمة تلو الأخرى إلى أن سقطت من فوق الجرف. لكن أعمالاً فنية باهرة ابتُكرت في تلك السنين. أحدثت مدرسة باوهاوس الفنية على سبيل المثال تغييرًا جذريًا، لكنها نشأت من وقت الأزمة. سنشهد ولادة أعمال فنية عظيمة، والفن العظيم هو ما يصنع الحقبة الذهبية."