يعيد الجيل المقبل من أصحاب الصالات الفنية وأهل الاختصاص في
دور المزادات تنظيم سوق الأعمال الفنية التي ترجع إلى قرون خلت.
فيما تواصل أسعار الأعمال الفنية المعاصرة ارتفاعها إلى أرقام فلكية (يبلغ اليوم سعر لوحة لهوكني 90.3 مليون دولار، وسعر لوحة لباسكيا 110 ملايين دولار)، وفيما يعمد فنانون شباب إلى إرساء «أسواق» تتحول أعمالهم فيها إلى سلع يتنامى الطلب عليها على الرغم من حداثة أسنانهم، تراهن فئة من التجار على واقع أن الأعمال الفنية القديمة جدًا هي التي ستكون محط الاهتمام مستقبلاً، أي بتعبير آخر أعمال أولئك الفنانين الذين كانوا ليُصابوا بالدهشة إذا ما سمعوا أن اللوفر لم يعد قصرًا ملكيًا.
يتنامى الطلب مجددًا على روائع قدامى الرسامين العظماء الأوروبيين، على غرار بيتر بول روبنز وليوناردو دا فينشي نفسه الذي لا يضاهيه رسام آخر. يقول بول سميتس، وهو من الجيل الثاني من متاجرين بالأعمال الفنية يتخذ من جنيف مقرًا له ومتخصص في اللوحات الفنية التي تعود إلى عصر النهضة الإيطالية: «في السابق، بدأ كثير من جامعي الأعمال الفنية المعاصرة والحديثة بجمع أعمال قدامى الرسامين العظماء. أما اليوم فالأمر مغاير، إذ يقصدني معظم زبائني الأصغر سنًا ممن يقتنون الأعمال المعاصرة.»
لا يمكن القول بالطبع إن أعمال قدامى الرسامين العظماء قد اختفت كليًا من السوق. ولكون قلة قليلة من الأعمال المتميزة قد بقيت في حوزة جهات خاصة، وبسبب تقاعد أجيال سابقة من التجار واسعي الاطلاع، باتت أعمال قدامى الرسامين العظماء عرضة لأن تتحول إلى مجال شديد التخصص. تعمل اليوم مجموعة رئيسة من التجار وأهل الاختصاص في دور المزادات، ممن يغلب على كثير منهم أنهم في الثلاثين والأربعين من العمر، على محو أي التباس نمطي فيما يتعلق بالتصور العام للأعمال الفنية لقدامى الرسامين العظماء، وكيف تشترى وتباع. فقد وجد هؤلاء اللاعبون الشباب سبيلاً لاستغلال طفرة الاهتمام الآني بالفن المعاصر بغية إعادة الحيوية إلى روائع قدامى الرسامين العظماء، مستخدمين في سبيل ذلك التقنية الحديثة، والثقافة الشعبية، والمسار المتواصل لتاريخ الفن. إنهم يبيعون أعمالاً فنية تعود إلى قرون خلت لجامعين كانوا يظنون سابقًا أن أربعينيات القرن الفائت إنما هي التاريخ القديم.
تُعد جونكيل أوريلي، رئيسة المبيعات النشطة في قسم روائع قدامى الرسامين العظماء لدى دار كريستيز في نيويورك، 34 عامًا، إحدى الرائدات في قيادة هذه النهضة التي كانت تبيع حوالي عقد من الزمن أعمال لوكاس كراناتش، وفرانشيسكو غواردي، وأنطوني فان ديك وأمثالهم. وهي تحرص حرصًا أكيدًا على الحد من الادعاءات المنفرة. تقول أوريلي: «فيما يتعلق بأعمال قدامى الرسامين العظماء، لا يمكن للمرء أن يبالغ في التباهي والتبجح عندما يتحدث إلى الزبائن المحتملين. إذا أثَرت نفورهم في سياق حديثك، فإنهم لن يعودوا مرة أخرى. لم يعد يهتم الزبائن بمعرفة أي كنيسة في فلورنسة ربما كانت مصدر هذه اللوحة أو تلك. في المقابل، يتأتى لك أن تثير اهتمامهم إذا ما وضعت أي عمل فني في سياق محدد وسلطت الضوء على ارتباطه بهذا السياق.»
" يظهر المصممون أمثال أليساندرو ميشيل لدى غوتشي انفتاحا بالغا في استعارة تصورات
مجموعاتهم من لوحات على القماش تعود إلى قرون خلت "
– جونكيل أوريلي Jonquil O’Reilly ، دار كريستيز
وجدت أوريلي سبيلاً فريدًا لإثارة اهتمام الجامعين عبر المواءمة بين أدوات وسائل التواصل الاجتماعي ومعرفتها الواسعة بالتوجهات التاريخية في عالم الأزياء، والتي تؤكد أنها «كلها رائجة» اليوم. وإذا كان ثمة تشكيك في الرواج الذي عادت أعمال قدامى الرسامين العظماء لتلقاه، فإن جل ما يحتاج إليه المرء هو مراجعة مجموعة من عروض الأزياء التي نُظمت مؤخرًا في باريس ولندن وميلانو ونيويورك. تقول أوريلي فيما تتصفح بحماس مجموعة من الصور المتناغمة التي نشرتها عبر تطبيق انستغرام لتوضيح الفكرة: «يُظهر المصممون أمثال نيكولا جيسكيار لدى لويس فويتون، وأليساندرو ميشيل لدى غوتشي، انفتاحًا بالغًا في استعارة تصورات مجموعاتهم من لوحات على القماش أو رسومات تعود إلى قرون خلت لدرجة يسهل معها تعقب أعمال فنية محددة بوصفها مصدر الإلهام الذي يقف وراء الازدهار في الصياغة الفردية لمعالم الأناقة.»
وإذ تعدد أوريلي بعض هذه الأعمال الفنية، تقول: «انظر إلى هذه الياقات الرائعة ذات الطيات من طراز Tudor التي أبدعتها دار فيكتور آند رولف لمجموعة خريف 2018. من السهل أن تكون الدار قد استلهمتها من لوحة الرسم الشخصي لديانا سيسيل Portrait of Lady Diana Cecil التي أبدعها ويليام لاركين في عام 1614. ينطبق الأمر نفسه على هذا الصِّدار المبطن أميري الطراز الذي عرضته دار كوم دي غارسون ضمن مجموعة الربيع الماضي. ألا تعتقد أنها تشبه على نحو غريب الصِّدار في الرسمين الشخصيين اللذين أبدعهما أنطون رافائيل مينغز في القرن الثامن عشر لماريا لويزا دوقة بارما، ولماريا فرانشيسكا بينياتيلي، والمعروضين اليوم في متحف برادو؟ ولا ننسى بالطبع دار غوتشي التي انغمست مؤخرًا، منذ أن تسلم أليساندرو ميشيل إدارتها، أشد الانغماس، كما نعرف، في نمط عصر النهضة الذي استلهمت إبداعاتها منه على مر مواسم عدة.»
سارعت دار كريستيز على نحو غير مستغرب إلى الإفادة من ملاحظات أوريلي المتبصرة حول عالم الأزياء، فعملت معها على ابتكار مقاطع لأحاديث مصورة تستعرض فيها تفاصيل خيارات الأناقة التي تبناها الأشخاص في لوحات «الرسومات الشخصية» التي ستطرحها الدار في مزادات مقبلة، والتي أحسنت أوريلي توصيفها بالصور الذاتية للزمن الغابر. وعن هذه الصور تقول: «عندما كان أحدهم يجلس قبل عقود خلت أمام رسام ليبتكر له رسمًا شخصيًا، كان ينخرط في مسعى مكلف ماديًا يستغرق كثيرًا من الوقت. لذا كان من المهم أن يبدو الشخص بأفضل حلة.» وتضيف أوريلي قائلة: «كما أن الرسم الشخصي كان يشكل فرصة للتفاخر بتاريخ الأسرة وثروتها ومكانتها الاجتماعية من خلال ما يتزين به المرء من ملابس وجواهر ثمينة.»
" وجد المقتنون الشباب سبيلا لاستغلال طفرة الاهتمام الآني بالفن المعاصر بغية
إعادة الحيوية إلى روائع قدامى الرسامين العظماء "
قد تكون لوحة Phoenix التي تصور رسما شخصيا للملكة إليزابيث الأولى المصدر الذي
ألهم إحدى إطلالات غوتشي على منصة عروض الأزياء.
بعيدًا عن منصات عروض الأزياء، تلْقى أعمال قدامى الرسامين العظماء رواجًا في الثقافة الشعبية على ما تقول أوريلي مستشهدة بإطلاق بيونسيه وجاي زي الصيف الماضي الفيديو الموسيقي «Apesh*t» الذي حقق ما يزيد على 140 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب. فالفيديو المذهل بصريًا الذي يغلب عليه طابع سياسي، والذي جرى تصويره خارج ساعات العمل الرسمية في متحف اللوفر، يحتوي على لقطات لكثير من الأعمال الفنية القيمة المعروضة في المتحف، ويسلط الضوء على أعمال كلاسيكية مثل الرسم الشخصي لجوليت ريكامييه Portrait of Juliette Récamier، اللوحة التي أبدعها جاك-لويس ديفيد في عام 1800، ولوحة الموناليزا التي ابتكرها ليوناردو دافنشي بين عامي 1503 و1506. يُضاف إلى ذلك العرض المهيب الذي قدمه معهد كوستيوم Costume Institute لعام 2018 في متحف ميتروبوليتان للفنون. اجتذب العرض، الذي استلهم كثيرًا من مجموعة المتحف الواسعة من الأعمال التي تعود إلى العصور الوسطى وعصر النهضة، ما مجموعه 1٫659٫647 زائرًا، متجاوزًا بسهولة عدد الزائرين لمعرض كنوز توت عنخ آمون في عام 1978، ما جعله المعرض الأكثر شعبية في تاريخ المتحف.
" لا أجد مشترين جددا فحسب، بل إن أعمار زبائني تنخفض على نحو ملحوظ "
– بول سميتس Paul Smeets
قد تكون دار فيكتور آند رولف استلهمت الياقات ذات الطيات من
طراز Tudor من لوحة Portrait of Lady Diana Cecil التي
أبدعها ويليام لاركين في عام 1614.
فضلاً عن ذلك، يتجلى واقع أن بعض الفنانين المعاصرين، ممن يتمتعون بأكبر قدر من الشعبية الجماهيرية، قد استحضروا على نحو صريح في أعمالهم الأخيرة روائع قدامى الرسامين العظماء. ولنأخذ مثالين على ذلك فقط. في سلسلة Gazing Ball، ناغم جيف كونز بين رسومات «مستنسخة» من لوحات غوستاف كوربيه وأمثاله وكرات زرقاء براقة تعكس كلاً من الصورة والمُشاهِد. أما الفنانة ميكالين توماس، التي ارتقت فوق حدود عالم الفن من خلال أعمالها الجريئة في المجلات والفيلم الوثائقي الذي أعدته عن والدتها لقناة HBO، فرسمت نماذجها الخاصة من الروائع الفنية على غرار لوحة إفطار على العشب Le Dejeuner Sur l’Herbe لإدوارد مانيه، التي أعادت تشكيلها مصورة نساء ملونات.
لا تُعد أوريلي الخبيرة الوحيدة التي تحرص على الإفادة من عنصر الرواج المستجد لأعمال قدامى الرسامين العظماء. يتصدر المجموعة أيضًا خورخي كول، 40 عامًا، من صالة كولناغي Colnaghi في لندن، وفيليبو بينابي، 30 عامًا، الذي يمثل الجيل الرابع من أصحاب صالة فنية في تورين تحمل الاسم نفسه، فضلاً عن أندريا لولو، 42 عامًا، وأندرياس بامبوليديس، 43 عامًا، اللذين يمتلكان صالة Lullo-Pampoulides في لندن، وسميتس، 44 عامًا، الذي عُين في شهر يونيو حزيران الفائت رئيسًا لقسم اللوحات الفنية في المعرض الأوروبي للفنون الجميلة(TEFAF) في ماستريخت. يبدو أن هؤلاء الخبراء، في مجالات الترويج للعلامات التجارية والتسويق والارتقاء بالذات على نحو جريء في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يغيرون قواعد اللعبة عندما يتعلق الأمر باستقطاب مجموعة جديدة من الزبائن الجدد الأصغر سنًا على نحو ملحوظ.
يقول سميتس، الذي يَعُدُّ معرض ميتروبوليتان والمعرض الوطني للفنون في واشنطن ضمن قائمة زبائنه: «لا أجد مشترين جددًا فحسب، بل إن أعمار زبائني تنخفض على نحو ملحوظ. إن كثيرًا من الوافدين الجدد إنما هم زبائن في الأربعينيات والخمسينيات من العمر، وبعضهم لم يكتشف أعمال قدامى الرسامين العظماء إلا مؤخرًا، بعد سنوات أمضوها في جمع الأعمال الفنية المعاصرة.» ويشمل هؤلاء، على ما يقول سميتس، أمريكيًا شهيرًا في الأربعينيات من عمره ينشط في جمع الأعمال الفنية المعاصرة. لم يجد هذا الجامع ضيرًا في دفع مبلغ بالملايين لشراء لوحة Portrait of the Cardinal Marcantonio Da Mula التي أبدعها تينتوريتو بين عامي 1562 و1563، وذلك في اليوم الافتتاحي لدورة الخريف من المعرض الأوروبي للفنون الجميلة الذي انعقدت أنشطته في نيويورك في شهر أكتوبر تشرين الأول الفائت.
وبينما واظب عدد ضئيل من الجامعين المحنكين، ومنهم ج. توميلسون هيل، ومايكل أوفيتز، على الإضافة إلى مجموعاتهم من الأعمال الفنية التي تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب والأعمال الفنية المعاصرة روائع من أعمال قدامى الرسامين العظماء، يعمد عدد متزايد من المشترين الجدد، على ما يقول سميتس، إلى الجمع بين أعمال فنية راقية ترجع إلى حقبات زمنية مختلفة. يوافق سميتس في الرأي فوريو رينالدي، 34 عامًا، الاختصاصي المشارك في قسم لوحات قدامى الرسامين العظماء لدى دار كريستيز في نيويورك. يقول رينالدي: «نلاحظ أن عددًا ضئيلاً فقط من الجامعين يواظبون على اعتماد نهج فردي في شراء الأعمال الفنية.»
في العموم، لا تشكل أعمال قدامى الرسامين العظماء الأوروبيين، سواء أكانت لوحات أم منحوتات أم أعمالاً فنية منفذة على الورق يعود ابتكارها إلى ما بين القرن الرابع عشر وأوائل القرن التاسع عشر، سوى نسبة ضئيلة جدًا من قيمة سوق الفنون العالمية السنوية التي تزيد على ستين مليار دولار. في عام 2017، جنت تلك الفئة 997 مليون دولار، وهو أعلى مبلغ حققته في تاريخها. بالرغم من ذلك، جاء نحو نصف هذا المبلغ من بيع قطعة واحدة هي لوحة Salvator Mundi الزيتية المنفذة على لوح خشبي، التي سجلت في مزاد كريستيز في نيويورك سعر بيع قياسيًا بلغ 450.3 مليون دولار. تفوق سعر بيع لوحة Salvator Mundi على السعر القياسي السابق الذي حققته لوحة Les Femmes d’Alger (Version ‘O’) لبيكاسو من عام 1955 عندما بيعت في مزاد لدار كريستيز في عام 2015 مقابل 179.4 مليون دولار.
يمكن الاستحواذ على القسم الأعظم من أعمال قدامى الرسامين العظماء بأسعار تقل عن الأسعار التي حققتها إبداعات نجوم معاصرين أمثال كونز، أو غيرهارد ريختر، أو كيري جيمس مارشال. وعلى ما أشار الخبير الاقتصادي في سوق الأعمال الفنية كلير ماك أندرو في التقرير السنوي Art Market Report الذي يصدر عن مجموعة يو بي إس المصرفية ومعرض بازل للفنون، فإن ما نسبته %91 من أعمال قدامى الرسامين العظماء المتاحة بيعت ضمن صفقات لم تتجاوز قيمتها خمسين ألف دولار. يقول فابريتزيو موريتي، 42 عامًا، الذي افتتح أول صالة فنية له في فلورنسة قبل عقدين من الزمن: «ستظل أعمال قدامى الرسامين العظماء تشكل صفقة رابحة نسبيًا عند مقارنة أسعارها بأسعار الأعمال الفنية المعاصرة. إذا كنت تمتلك مبلغ مليون دولار لإنفاقه على شراء عمل من الفن المعاصر، فإنك لن تبتاع عملاً جديرًا بالعرض في متحف. أما إذا كنت ستنفق المبلغ نفسه على شراء لوحة من أعمال قدامى الرسامين العظماء، فقد تجد لوحة جيدة حقًا.» فهذا المبلغ يتيح شراء أعمال فنية أبدعها فنانون مشهورون أمثال جاكوبو دا بونتورمو، وتينتوريتو.
من المسلّم به أن معظم الأعمال الفنية العظيمة محفوظة ضمن مجموعات دائمة. لكن هؤلاء التجار يشددون على أن الفرص لا تزال قائمة لابتياعها. يقول أندرياس بامبوليديس، الذي عمل سابقًا لدى دار كريستيز في لندن والذي انضم قبل عامين إلى لولو، شريكه منذ مدة طويلة والممثل للجيل الثالث من تجار الفنون، ليؤسسا معًا شركة لولو-بامبوليديس التي تنشط في لندن والتي تمتلك صالة فنية في شارع كورك ستريت: «تتوافر اللوحات المهمة في السوق نتيجة للبحث الدؤوب، الذي ما يؤدي غالبًا إلى اكتشافات جديدة، وإلى إعادة نسب الأعمال المنسية أو المطموسة بسبب أعمال الترميم السيئة». ومن العوامل المساعدة أيضًا أن تتوافر للتاجر شبكة معارف شخصية تتيح الوصول إلى أعمال قدامى الرسامين العظماء التي لا تزال محفوظة ضمن مجموعات خاصة قديمة.
كما هو معروف لدى تجار أعمال قدامى الرسامين العظماء، استفادت دار سوذبيز على مدى سنين من علاقتها الوثيقة مع دوق ديفونشير الذي اشتهر بتخليه أحيانًا عن بعض الأعمال الفنية في سياق صيانة داره المعروفة باسم تشاتسوورث.
باعت صالة كولناغي لوحة Head of a Turk من إبداع كلود ماري دوبوف إلى متحف اللوفرفي عام 2017.
يشبّه بامبوليديس صفقاته الفنية بطقوس الخطوبة. وفي هذا يقول: «من المهم أن نجعل الناس يشعرون بالارتياح لأنهم لا يشترون منا أعمالاً فنية فحسب، إنما يستحوذون على دواخلنا.» ويُعد التاجران من كبار المؤمنين باستخدام اللغة البسيطة في الحديث عن الأعمال الفنية. يقول بامبوليديس: «ينبغي أن تكون اللغة المعتمدة مفهومة وبعيدة عن الغطرسة. حتى في أيامنا هذه، عندما يقصد أحدنا معرضًا في الأكاديمية الملكية في لندن، قد يجد اللوحات المعروضة رائعة، لكن بطاقات التعريف بها تُعد كابوسًا، ما يجعله يتساءل عن فحواها. إذا لم أفهم محتوى البطاقة بالرغم من عملي في هذا المجال، فلك أن تتخيل النفور الذي سيشعر به الآخرون من خارج مهنتنا بسبب اللغة المستخدمة.»
منذ بدأت شراكة لولو وبامبوليديس اللذين تشمل قائمة زبائنهما متحف فيكتوريا وآلبرت، ومتحف سانت لويس للفنون، حقق التاجران عددًا من صفقات البيع المهمة شملت بيع لوحة Still Life with Quinces, Apples, Azeroles (Hawthorn Berries), Black Grapes, White Grapes, Figs and Pomegranates، التي أبدعها بارتولوميو كافاروتزي والتي أعيد اكتشافها مؤخرًا. عثر الاثنان على اللوحة التي نُفذت بالألوان الزيتية على القماش في عام 1463، والتي كانت قد نُسبت خطأ إلى فنان آخر، معروضة في مزاد لدار كروغان آند كو الصغيرة نسبيًا في بوسطن. يقول بامبوليديس: «كنا نعرف أنها لوحة مهمة، لكن ثمنها كان يزيد قليلاً على المبلغ المتوافر بحوزتنا.» لذا ابتاعها بامبوليديس عوضًا عن ذلك بالشراكة مع صالتي كولناغي وبينابي.
يقول خورخي كول إنه فور تنظيف اللوحة وإسناد نسبها على نحو صائب، استطاع التجار الأصدقاء رفع ثمنها إلى أربعة أضعاف السعر الذي تكبدوه لشرائها والذي بلغ مليون دولار. فقد ضمتها صالة كولناغي إلى مجموعة خاصة تابعة لإحدى المؤسسات الأوروبية. فيما يتعلق بصالات العرض الأصغر كهذه، أصبحت مرونة الصفقات والعلاقات الانسيابية مع الزملاء من ذوي التفكير المشابه علامة أخرى مميزة للطريقة التي يمارسون بها أعمالهم. تبنّى كذلك تجار الجيل المقبل هؤلاء في عروضهم المقاربة الأكثر بساطة المميزة لسوق الفن المعاصرة. يقول سميتس: «لقد ولّت تلك الأيام التي كنا نشهد فيها الجدران المخملية يعلو فيها صف من اللوحات صفًا آخر. فاللوحات المهمة تحتاج إلى مساحة للظهور، لذا نادرًا ما أعرض أكثر من خمس لوحات أو ست لوحات في آن».
" تتوافر اللوحات المهمة في السوق نتيجة للبحث الدؤوب، الذي ما يؤدي غالبا إلى اكتشافات جديدة،
وإلى إعادة نسب الأعمال المنسية أو المطموسة بسبب أعمال الترميم السيئة "
– أندرياس بامبوليديس Andreas Pampoulides
التاجر فابريتزيو موريتي، الذي يتخذ من لندن مقرا لأعماله، بجوار لوحة Victory of David over Goliath لسيباستيانو ريتشي.
يقول كول، الذي تسلم في عام 2015 زمام إدارة صالة كولناغي الناشطة في لندن منذ 259 عامًا: «عندما تتعلق المسألة بتسويق أعمال قدامى الرسامين العظماء، فإن الأمر كله يدور حول مشاركة المشاهدين.» (كان ديفيد بووي قد استحوذ في عام 1987، من خلال صالة كولناغي نفسها، على لوحة Angel Foretelling the Martyrdom of Saint Catherine of Alexandria التي أبدعها تينتوريتو في القرن السادس عشر). تحت إدارة كول، انطلقت الصالة في حملة لإنماء قاعدة زبائن من الجيل المقبل وتقديم علامة كولناغي إلى جامعي الأعمال الفنية الجدد. وشرعت الصالة الفنية تنظم منذ عامين «حفلات عشاء متميزة ورائعة» بحسب توصيف كول. في هذه الحفلات، يتنافس نحو خمسين شخصًا من الجامعين الشباب على تخمين قيمة بعض الأعمال الفنية، كما هو عليه الحال في البرنامج التلفزيوني Price Is Right، بغية الفوز برصيد قدره عشرون ألف جنيه إسترليني (25٫700 دولار) يُستخدم لشراء معروضات من الصالة في سياق مزاد أسبوع روائع قدامى الرسامين العظماء Old Masters Week الذي تنعقد أنشطته في لندن في شهري يوليو تموز، وديسمبر كانون الأول من كل عام.
ويفوز في المسابقة أولئك الذين ينجحون في تخمين الرقم الأقرب إلى القيمة التقديرية لكل عمل فني مختار قبل عرضه في المزاد. يقول كول: «بدت هذه الحفلات وسيلة مشوقة لإزالة الغموض عن السوق وإثارة الاهتمام.» في الآونة الأخيرة، أطلق كول مؤسسة كولناغي غير الربحية التي دخلت في شراكة مع متحف Wallace Collection في لندن لتوفير صفوف دراسية متقدمة عبر الإنترنت وفي الصالة عن جمع الأعمال الفنية والارتقاء بالذائقة. يقول كول: «إن عددًا ضئيلاً فقط من شباب اليوم يمتلكون معرفة أساسية باللاتينية، والأساطير الكلاسيكية، والتاريخ الذي عاشه أسلافهم، لذا نسعى إلى مقاربة هذا الواقع.»
فيليبو بينابي يمثل الجيل الرابع من أصحاب صالة تورين الفنية.
تخطط الصالة أيضًا لاقتحام أنشطة معرض بينالي البندقية في شهر مايو أيار المقبل وإغراء الموالين للفن المعاصر من خلال توفير برامج جولات رفيعة المستوى تستمر أيامًا عدة، وتتيح للجامعين السير على خطى زبائن كولناغي الأسطوريين أمثال ج. ب. مورغان، وهيلين فريك، وبيغي غوغنهايم. وعن هذا يقول كول: «إننا نهدف من خلال هذه المساعي كلها إلى استحداث تجارب ماتعة تنمي تثمين الفن، ومن خلال ذلك إلى بعث الشغف بجمع الأعمال الفنية.»
تسير أوريلي من دار كريستيز على المسار نفسه، إذ تقول: «ما يهمنا هو أننا نجتذب أشخاصًا جددًا إلى معارضنا التي تسبق المزادات، سواء أكانوا يبتاعون المعروضات أم لا. إنهم يشرعون في تطوير ذائقتهم البصرية بمشاهدة أعمال جديدة. إنها بداية حقيقية. ومن المؤكد أن وجود أشخاص عدة في الغرفة، يتعمقون في فهم ما يرونه ويتشاركونه مع الأصدقاء، سيغير الطريقة التي يُنظر بها إلى أعمال قدامى الرسامين العظماء.»