أفكار متبصرة لمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا على المجتمعات المحلية والحياة البرية في إفريقيا والتي تعتمد على عائدات المحميات والسياحة.

 

صحيح أني أعيش في مدينة نيويورك، لكني أعي، كوني من جنوب إفريقيا، إلى أي حد تعيث جائحة فيروس كورونا فسادًا في وطني الأم. فالحد من الأنشطة السياحية بدأ يدمر مصادر الرزق، وقد يؤدي إلى هلاك مظاهر الحياة البرية في القارة في ظل الطفرة في ممارسات الصيد غير المشروع. فيما تُستنفد الأموال سريعًا، تُخفض أجور الموظفين، ويبدأ الأفراد بالبحث عن مصدر دخل بديل، بما في ذلك صيد الحيوانات الصغيرة والمفترسة على نحو غير مشروع بهدف بيعها وتأمين قوت عائلاتهم على حد سواء.

إن القول بأن لأي طفرة في ممارسات الصيد غير المشروع تأثيرًا هدّامًا على إفريقيا يُعد بالطبع تصريحًا فيه استهانة جلية. فوجود هذه الحيوانات ليس حيويًا للنظام البيئي فحسب. فلطالما أبهرت هذه الحيوانات المسافرين رفيعي المقام من مختلف أنحاء العالم الذين يدعمون مساعي الحفاظ عليها بعد زيارتهم لمواطنها. إن رؤية قطيع من الفيلة تخوض في بركة مياه موحلة يشكل تجربة مهيبة لا يمكن اختبارها في أي مكان آخر على كوكب الأرض، وكثير من رحلات السفاري الفاخرة تساعد حقًا في الحفاظ على هذه المناظر العجيبة.

تبلغ قيمة قطاع السياحة في إفريقيا 167 مليار دولار، ويوظّف نحو 24.6 مليون شخص. كما أن المتنزهات الوطنية والمحميات، التي تحمي مظاهر الحياة البرية من الصيادين غير الشرعيين، تعتمد بصورة كاملة تقريبًا على السياحة الدولية من حيث كونها مصدرًا للتمويل. صحيح أن بعض البلدان الإفريقية ظلت لوقت طويل محط لوم بسبب الإسراف في الأنشطة السياحية، إلا أن ثمة أمثلة تبيّن أن للسياحة المستدامة رفيعة المستوى تأثيرًا إيجابيًا. أدركت كل من رواندا وبوتسوانا فائدة السياحة محدودة التأثير التي تتيح لعدد أقل من الضيوف الموسرين الاستمتاع بالمساحات الأقل ازدحامًا في البراري.

يبيّن نموذج المحمية كيف يمكن للعمليات السياحية أن تعود بفائدة مباشرة على السكان المحليين. في محميات مارا Mara Conservancies، الواقعة إلى شمال متنزه ماساي مارا الوطني في كينيا، أُجِّرت الأراضي المملوكة من المجتمع لشركات ناشطة في المجال الفندقي الفاخر تستخدمها لابتكار مواطن للحياة البرية تخدم السياحة المتبصرة. يعاد توظيف العائدات المالية مباشرة في المجتمعات (في عام 2019، بلغ مجمل عائدات أصحاب الأراضي، البالغ عددهم 15 ألف مالك، نحو 4.9 مليون دولار) مع توفير الوظائف والحفاظ على الأرض. لكن هذه المزايا كلها باتت مهددة في ظل تزايد أعداد الأفراد الذين يخسرون وظائفهم وتراجع رسوم تأجير الأراضي لشركات فندقية فاخرة.

زرت بعض محميات مارا في مطلع هذا العام. لم يكن آنذاك فيروس كورونا أكثر من مسبب لإنفلونزا غريبة في ووهان. شهدت كيف يمكن للسكان المحليين، والسياح، والحيوانات التعايش معًا بسعادة. كانت مشاهد الحيوانات، من الفهد الذي يتسلق بخفة إحدى الأشجار، إلى الأسد الكسول الذي يرتاح فوق أحد بيوت النمل الأبيض، آسرة جدًا فيما غابت عن مرأى الناظرين أي مركبة سفاري أخرى لأن المحميات خاصة. إنه نظام ثوري لكنه هش. وفيما يتدهور القطاع السياحي بسبب جائحة فيروس كورونا، قد يختار قادة المجتمعات المحلية عدم تجديد عقود تأجير الأراضي. بتعبير أوضح، قد تتحول الأراضي التي يمكن استخدامها لتعزيز ازدهار الحياة البرية والبراري إلى مراع عشبية للماشية.

لكني أقترح هذه الفكرة الثورية. يمكن توسيع نطاق النموذج من خلال مشاريع رعاية مصدرها واهبون كبار أو شركات كبرى مثل ديزني التي أمضت أسابيع عدة في إجراء البحوث عبر أرجاء كينيا من أجل فيلمها The Lion King الذي سجل نجاحًا باهرًا سنة 2019 وحقق عائدات ضخمة بلغت 1.6 مليار دولار. أسهم استوديو ديزني بمبلغ 2.9 مليون دولار لدعم صندوق Lion Recovery Fund التابع لشبكة حماية الحياة البرية Wildlife Conservation Network. لا شك في أن هذه المبادرة تشكل خطوة على الدرب الصحيح، لكن المبلغ المقدم لا يشكل سوى أقل من 1% من إجمالي مبيعات هذا الفيلم فقط. ألا يمكن للشركة، ولجهات أخرى، أن تخصص حصة أكبر من إمكاناتها ودخولها المهيبة لواحد من نماذج السياحة الفاخرة المجرّبة والتي لا تدعم الحياة البرية فحسب، ولكن الاقتصاد أيضًا؟

ما كشفت عنه الجائحة هو أن قطاع السياحة لا يستطيع أن يشكل الحل الوحيد، ولا ينبغي له ذلك. يعمل باحثون من جامعة African Leadership University، التي تُعنى بتثقيف الشباب عن الحماية البيئية، على دراسة حلول اقتصادية بديلة مثل إنتاج منتجات الغابات غير الخشبية (على غرار زبدة الشيا في غانا)، وتربية الحيوانات البرية للاستهلاك، وصيد الأسماك من حيث كونه موردًا للرزق.  

لا يوجد حل سريع هنا، لكن ثمة حاجة ملحة إلى الاستثمار في الحلول المستدامة. إن التنوع لا يعني وضع حد للسياحة القائمة على الحياة البرية في إفريقيا، بل إنه على الأرجح السبيل الأمثل لإنقاذها.

 


كانت ماري هولاند تكتب لصحيفة وول ستريت جورنال WSJ، ومجلة مونوكل Monocle، ومجلة كوندي ناست ترافيلر Condé Nast Traveler.