قد تكون النقود الرقمية سيفا ذا حدين،
لكن آن الأوان للدخول في لعبة العملات المشفرة.
باتت شبكة الإنترنت والوسائل المتفرعة عنها، على كل حال، ظاهرة واسعة الانتشار بعد أن بدت في وقت مضى ضربًا من السحر. اليوم ثمة ابتكار رقمي آخر يذكّر في انطلاقته بما كانت عليه حال وسائل التواصل الاجتماعي في بداياتها. يقول مناصرو العملة المشفرة Cryptocurrency إنها ستغير وجه الاقتصاد العالمي وتضفي على النقود طابعًا خاصًا وأكثر إنصافًا. لكن ما الذي قد يجعل الأمور تسوء؟
بعد انقضاء عقد كامل على ابتكار العملة المشفرة، لا يزال كثير من الأفراد عاجزين عن تحديد إذا ما كان هذا المال حقيقيًا. إنه كذلك، لكن عالم المال الرقمي يجسد مزيجًا من حقبة الغرب الأمريكي القديم، وما يُعرف بفورة الذهب. يمكن لأي شخص أن يبتكر عملة ويحقق الثراء من خلالها إن أحسن توظيف عدد من مصممي البرامج.
تَعِد العملة المشفرة بتمويل اقتصادات عالمية جديدة، أو بإطلاق العنان لأساليب ابتزاز، وغسل أموال، واحتيال مالي. بل إن ثمة وجهة نظر مغرية تستشرف احتمال أن تساعد العملة المشفرة البلدان النامية على دخول حلبة التجارة في القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي سيمكن ملايين الأفراد من التخلص من حالة الفقر التي يرزحون تحت وطأتها. قد يعني ذلك توافر نقود وقروض في أنحاء من إفريقيا، حيث لا تنشط المصارف على سبيل المثال ولكن يشيع استخدام الهواتف المحمولة بوصفها الأداة الوحيدة الضرورية للتداول بالعملة المشفرة. يقول أكين سوير، الذي يحظى بدور في حوكمة العملة الرقمية Decred: «تزخر إفريقيا بالأنظمة الاقتصادية غير الرسمية. فكثير من الصفقات تجري مباشرة بين النظراء.» يتصور سوير الأفراد في القرى النائية يؤسسون شركات ويتوسعون في أعمالهم.
تحظى العملات المشفرة أيضًا باستحسان أولئك الذي يسعون إلى الالتفاف على الأنظمة النقدية الحالية. تسأل ميلتم دميرورز، المديرة التنفيذية لدى شركة CoinShares التي تشرف على أصول رقمية تزيد قيمتها على خمس مئة مليون دولار: «ما الذي قد يحدث إن لم تعد الحكومات هي الجهات المحكّمة العليا؟». بالرغم من أني أفضل أن أبقى قادرة على تتبع نقودي والتحكم بها عن كثب، إلا أني أستطيع أن أرى بسهولة الإمكانات التي يتيحها الطابع السري للعملات المشفرة. فنقل الأصول عبر الحدود محفوف بأعباء الرسوم والبيروقراطية. كما يمكن للدول التي تعاني ضعفًا في قيمة عملاتها أن تكتسب بعض القوة. تختبر جزر البهاما مثلاً عملة رقمية خاصة بها تحمل اسم ساند دولار Sand Dollar، آملة أن تساعد هذه الخطوة أولئك الذين يعيشون في مناطق نائية إذ تتيح لهم سبيلاً موثوقًا إلى الأعمال المصرفية، فضلاً عن المساهمة في محاربة الجريمة من خلال إصلاح نظام مالي ابتُلي بآفة غسل الأموال.
" ثمة وجهة نظر مغرية تستشرف احتمال أن تساعد العملة المشفرة البلدان النامية على دخول حلبة التجارة في القرن الحادي والعشرين "
نختبر اليوم مرحلة مشابهة للربيع العربي، تلك الحقبة الساذجة التي اعتقد كثيرون خلالها أن شبكة الإنترنت ستجعل العالم أكثر تحررًا وأوسع اطلاعًا. فالمتحمسون للعملات المشفرة يقبلون عليها بكل ما أوتوا من عزيمة. يسدد مشترو المنازل الدفعات المقدمة مستخدمين العملة الرقمية بيتكوين، وغيرهم ينفقونها عبر موقع بايبال PayPal ويشترون بها أعمالاً فنية وسيارات من لامبورغيني. كما باتت وحدة الأصول الرقمية Digital Assets التابعة لشركة فيديليتي Fidelity، تقدم اليوم للمؤسسات الاستثمارية فرصًا للتجارة بالعملات المشفرة.
لكنّ ثمة أسبابًا عدة كفيلة بأن تجعل هذه الظاهرة تصيبنا بالقشعريرة.
يتمثل أول هذه الأسباب بكون الأسواق متقبلة على نحو ملحوظ. يُفترض بأن يشكل ما نسبته %70 من حصة بيتكوين في السوق المعيار الذهبي للاستقرار. لكن سعر البيتكوين الواحد ارتفع ثلاثة أضعاف في عام 2019 ليبلغ نحو ثلاثة عشر ألف دولار قبل أن ينخفض مجددًا إلى سبعة آلاف دولار تقريبًا. يمكن للتقلبات من هذا النوع أن تدمر الاقتصاد الوطني.
ثانيًا، تستشري الفضائح في عالم العملات المشفرة. في عام 2014، نجح بعض القراصنة في سرقة نقود مشفرة بقيمة 450 مليون دولار من بورصة Mt. Gox للعملات المشفرة في طوكيو. نذكر أيضًا قضية جيرالد كوتن، مؤسس العملة المشفرة الكندية QuadrigaCX. ففي عام 2018، توفي كوتن على نحو مفاجئ، وأخذ معه كلمات المرور السرية الخاصة بأصول زبائنه التي تصل قيمتها على الأرجح إلى 250 مليون دولار. أوضح آنذاك المدققون من شركة إيرنست آند يونغ أن شركة كوادريغا لم تحتفظ ولو بسجلات محاسبة أولية. في شهر ديسمبر كانون الأول، طالب المحققون باستخراج جثة كوتن لإثبات أنه توفي حقًا وأنه لا يستمتع بحياة مترفة في جزر كايمان.
أما السبب الأخير، فيتمثل بالتأثير المستقبلي. اقترح مارك زوكربرغ عملة رقمية تسيطر عليها فيسبوك. ولا شك في أن كيفية إدارة هذه العملات، بدءًا من اليوم، سيسهم بدرجة كبيرة في تحديد من يدير دفة الرفاه والأنظمة الاقتصادية في السنوات المقبلة. فهل نرغب حقًا في أن يتولى الدفة الرؤساء التنفيذيون للعالم التقني؟
ترى دميرورز أن شركات التقنية تُعد الأقدر اليوم على التحكم بزمام الأمور لأنها تمتلك الشبكات، والمهندسين، والمعرفة. وفي هذا تقول: «ستتحول شركات التقنية إلى شركات للخدمات المالية. إن فكرة امتلاك هذه الشركات بياناتنا المالية كلها مروعة.»
بالرغم من ذلك كله، يبدو العزوف عن دخول هذه اللعبة خيارًا ضعيفًا. أعتزم أن أبتاع هذا الشهر بعض البيتكوين. أنظر إلى هذه الخطوة بوصفها تندرج في إطار التنويع في محفظة الاستثمارات. كما أني لا أرغب في أن أبقى خارج الحلبة. فيما كنت أؤجل القرار، شهد سعر البيتكوين كثيرًا من التقلبات. جل ما سيكون علي فعله هو أن أغمض عيني وأقفز.
كريستينا بينكلي تعيش في لوس أنجليس وتكتب المقالات لمجلة ذا نيويوركر The New Yorker وغيرها من المطبوعات.