في ظل تكاثر المتاجر المؤقتة والمواقع الإلكترونية للبيع بأسعار مخفضة، بات من المستحيل إرضاء ذائقتنا. فالتسوق كان يشكّل من قبل تجربة ثلاثية الأبعاد، وكان المرء يحتاج إلى زيارة المتجر ليكون عنصرًا مشاركًا في عملية التسوق، ويحتاج أيضًا إلى الاعتماد على ملكة الصبر إذا لم تنته الأمور إلى ما خطط له. لكن التسوق الإلكتروني قد غيَّر طبيعة هذا النهج، إذ بقدر ما جعلنا أقرب إلى كل شيء، باعد بيننا وبين الأسباب التي جعلتنا نرغب في المقام الأول في إتمام الشراء. إننا نتوق إلى اكتشاف منتجات جديدة لكننا بتنا نشعر بالانزعاج إذا ما اضطررنا إلى المضي في إثرها.
صندوق Secretary Trunk
من لويس فويتون وكرسي Belt Chair من أتولييه أوي يحتلان موقعا متميزا
يوفر إطلالة آسرة على المشهد الطبيعي.
تشكّل هذه المعطيات كلها اليوم جزءًا من عالم تجارب العلامات التجارية الذي لا ينفك يتنامى. فصُنّاع منتجات الترف وموفّروها يسعون بغير كلل أو ملل إلى الاستئثار بانتباهنا. وهذا ما جعل تحديدًا التجربة التفاعلية الخاصة التي أطلقتها دار لويس فويتون مؤخرًا ولمدة محدودة باسم Maison Beverly Hills «دار بيفرلي هيلز» تتحول إلى عرض مثير للاهتمام. فعلى مدى 13 يومًا خلال شهر مايو أيار الفائت، أطلقت الدار الفرنسية تجربة خاصة أتاحت للزبائن اختبارها بموجب موعد مسبق في منزل عصري من ابتكار المطور العقاري الشهير نيل نيامي والمعماري بول ماكلين. راكمت الدار في أرجاء المنزل ابتكاراتها من صناديق الأمتعة التقليدية، ومجموعة الأزياء النسائية، ومعاطف الفراء، والعطور، فضلاً عن قطع الألعاب المستخدمة للزينة. كما احتوت المجموعة على ابتكارين عُرضا للمرة الأولى في تاريخ الدار، وتمثّل أحدهما بصندوق الأدوات الفنية Malle Artiste، وهو صندوق باذخ يحتضن حاملاً للوحات، ومقعدًا قابلاً للطي، ورفوفًا لحفظ اللوحات، ومساحة مخصصة لترتيب الألوان ومعدات الرسم. شهد المنزل موقع العرض حضور عدد من الفنانين أتاحوا للزائرين الفرصة الحصرية للاطلاع على بعض ابتكارات الدار الفنية في سياق إنجازها.
ألوان تنبض بالحياة
في تجربة العرض هذه، يبدو كرسي Lune ذو الشكل المنحني من مارسيل واندرز،
ومقاعد Tabouret المرتفعة من محترف أتولييه أوي وكأنها تشغل
موقعها الطبيعي في المنزل.
لا شك في أن لوس أنجلوس تشكّل دومًا أرضًا خصبة للترويج لحكايات أسطورية. لكن دار لويس فويتون وجدت في هذا المنزل، الذي تسخى عليه أشعة الشمس بضيائها وتزيده الإطلالات الخلابة تفردًا، خيارًا ملهمًا لسبب آخر. فحوض السباحة والمؤثرات التصميمية الأخرى في المنزل كانت تُضفي جاذبية خاصة على مساحاته وتجعل منها في الوقت نفسه خلفية آسرة لعنصر الجذب الأساسي في التجربة المنشودة والمتمثل بمجموعة Objets Nomades من قطع الأثاث والتصاميم الداخلية التي تبتكرها الدار.
«إن عصر التجارة الإلكترونية قد ولى.
فالاقتراب الحقيقي من المنتج موضوع صفقة البيع والشراء بات يشكل اليوم عنصرا أساسيا لا بد منه،
أي لا بد من أن تحكم الصفقة علاقة شخصية تفاعلية، فلا تجري من قبل أطراف مجهولي الهوية».
_ أرمان لويس Armand Louis
لطالما حاول صنّاع الأزياء مقاربة عالم التصاميم الداخلية. لكن دار لويس فويتون لم تكتف بالإبقاء على مقاربتها لهذا العالم عند الحدود الدنيا. بل إنها تعاونت مع عدد من أفضل المصممين المبدعين ودور التصاميم العريقة، على غرار مارسيل واندرز، ومحترف أتولييه أوي، وإنديا مهدافي، والأخوين فيرناندو وأومبيرتو كامبانا، وباتريشا أوركويولا، في سياق ابتكار قطع أثاث تشكّل ترجمة متقنة لإبداعات مصدرها عالم الأزياء.
عرض صندوق الأدوات الفنية Malle Artiste للمرة الأولى في سياق تجربة
ميزون بيفرلي هيلز.
تزيّنت أرجاء المنزل موقع العرض بعدد من ابتكارات المصمم الهولندي مارسيل واندرز، على غرار حاجز Diamond الذي تتشابك فيه القطع الجلدية في أشكال هندسية تستلهم القطع الألماسي، وأريكة الاسترخاء Lounge والكرسي ذي الشكل المنحني Lune. يقول واندرز: «إنَّ أكثر ما يعنيني في سياق التصميم لصالح لويس فويتون هو إبراز القيم التي طبعت إرث هذه العلامة على مدى تاريخها، أي الأناقة الراقية والمتميزة».
احتضن المنزل ما مجموعه 19 قطعة محدودة الإصدار من مجموعة Objets Nomades، ومن مجموعة أدوات الزينة والكماليات Les Petits Nomades، وكان بمقدور الزائرين التجوال بينها وملامستها وشراؤها. شكّلت هذه التجربة فرصة نادرة للتفاعل مع التصاميم بصورة عملية، لا سيما إذا ما أخذنا في الحسبان أن مجموعة التصاميم المنزلية لا تُعرض في العادة إلا في معارض التصاميم الكبرى على غرار صالون ديل موبيلي في ميلانو. أما هذه المرة، فكان بمقدور الزائر أن يستكشف بأم العين درجة اللون الأزرق الذي يتدثر به مثلاً كرسي Cocoon المتأرجح المصمم في هيئة قوقعة معلّقة، وأن يرى عن كثب كيف يبدو شكل مجموعة المقاعد المرتفعة Tabouret من حول الطاولة، ويختبر الجلوس فوق أحدها.
تشكل أريكة Bomboca حمراء اللون من الأخوين كامبانا عنصرا محوريا لافتا في غرفة المعيشة.
يقول أرمان لويس، المشارك في تأسيس محترف أتولييه أوي: «إن عصر التجارة الإلكترونية قد ولَّى. فالاقتراب الحقيقي من المنتج موضوع صفقة البيع والشراء بات يشكّل اليوم عنصرًا أساسيًا لا بد منه، أي لا بد من أن تحكم الصفقة علاقة شخصية تفاعلية، فلا تجري من قبل أطراف مجهولي الهوية».
يذكر أن استكشاف قطع الأثاث خارج حدود معرض أو متجر ما ليس بالأمر المألوف على الإطلاق، ما يجعل التجربة أقرب إلى ظاهرة ثورية. ولأن لويس فويتون تدرك القوة المؤثرة للتصميم الداخلي المتقن، فقد أوكلت إلى بيتر مارينو، أحد أبرز الأسماء ضمن نخبة المهندسين المعماريين، مهمة ابتكار تصاميم جريئة للمساحات الداخلية في كثير من متاجرها (وأحدثها ذاك الذي افتتحته هذا الصيف في كوستا ميسا بكاليفورنيا).
«إن استكشاف قطع الأثاث خارج حدود معرض أو متجر
ما ليس بالأمر المألوف على الإطلاق، ما يجعل التجربة أقرب إلى ظاهرة ثورية».
فيما يتعلق بالأثاث الفاخر، تُعد المساحات الداخلية مهمة بقدر القطع التي ستحتضنها. وفي هذا يقول مارسيل واندرز: «عندما أشرع في تصميم قطعة أثاث سيستخدمها الناس بأجسادهم، أنطلق من شكل الجسم البشري. أي أني آخذ في الحسبان طبيعة شكل الجسم وكيفية ارتباط التصميم بروح الزبون». ويضيف: «كما أني ألحظ في التصميم الحيز المكاني للمساحة الداخلية. فمن الضروري أن أحدد طبيعة الغرفة التي ستتزين بقطعة الأثاث موضوع التصميم، والحالة المزاجية الخاصة التي ستثيرها هذه القطعة تحديدًا. فوضع الكرسي المنحني Lune وأريكة الاسترخاء Lounge في مساحة داخلية متميزة مثلاً من شأنه أن يضفي عليها حضورًا عفويًا يكمّل التجربة أو يعيد تحديدها. فلا يسعني أن أتصور طريقة أفضل من هذه لإبراز جماليات هذين التصميمين وطابعهما الجذاب».
لا شك في أن مفهوم ميزون بيفرلي هيلز التفاعلي قد ارتقى بتجربة التسوق الحصرية في المتجر. كما أنه أعاد تكريس حقيقة راسخة في عالم التصاميم مفادها أن المحتوى يبقى محور التصميم وجوهره.