يُعد كأس أمريكا سباق اليخوت الأكثر شهرة في العالم، ولكنه ليس الساحة التي قد يتوقع المرء أن يجد فيها المشروع الذي سيفتح الباب على استخدام أنظمة دفع عديمة الانبعاثات في القوارب السريعة. على أن هذا ما حدث بالضبط، إذ أطلق فريق طيران الإمارات نيوزيلندا، الذي فاز بالسباق في نسخة عام 2021 للمرة الرابعة في تاريخه، زورقًا مزعنفًا في العام الماضي حمل اسم Chase Zero، من المتوقع أن يغير مستقبل القوارب كليًا.
لأن الفريق النيوزلندي هو حامل اللقب، فقد أُنيطت به مسؤولية تحديد الإجراءات الجديدة التي سيجري اعتمادها في دورة 2024، وهذا ما دفعه إلى استكشاف مجالاتٍ في حاجة ماسة إلى التطوير التقني.
وفي هذا يقول مدير قسم العمليات والموثوقية في الفريق نِك بوريدج: "لقد أدركنا أن زوارق المطاردة الخاصة بنا متأخرة بسنواتٍ عن قواربنا المزعنفة المعدة للسباق". ويضيف قائلاً: "لكي تواكب الزوارق القواربَ المتسابقة، جهزناها في كل مرة بمحركات أقوى، وهذا ما كان يؤدي إلى حرق كميات هائلة من الوقود الأحفوري".
قرر فريق طيران الإمارات نيوزيلندا تجنب القوارب التي تعمل بالبطاريات الكهربائية والمرور مباشرة إلى قوارب تعمل ببطاريات تمثلت فيها مُنى الحريصين على انعدام الانبعاثات: بطاريات الهيدروجين. وفي هذا يقول بوريدج: "لم تكن تنقصنا الخبرة، ولذلك علمنا أن المشروع قابل للتحقيق، ولكن ما كان ينقصنا هو التجربة".
ويتابع: "تُستخدم بطاريات الهيدروجين في السيارات وفي بعض الطائرات، بيد أن استخدامها في القوارب شبه معدوم".
بدا أن التكنولوجيا واعدة، ولكن، كان على الفريق النيوزيلندي إثبات نجاعتها في قارب الهيدروجين المساعد الجديد Hydrogen Support Vessel (اختصارًا HSV)، قبل اشتراط استخدامه على الفرق المتنافسة على الكأس في حملاتها الممتدة لسنوات والتي تكلف ملايين الدولارات، إذ كان سيصبح لزامًا على كل فريق أن يُطور زورق مطاردة واحدًا على الأقل يعمل ببطاريات الهيدروجين.
وقد حدد الفريق النيوزيلندي مواصفات قارب الهيدروجين المساعد على النحو التالي: أن يبلغ طوله 10 أمتار (33 قدمًا)، وأن يستوعب ستة أشخاص، وأن تصل سرعته القصوى إلى 50 عقدة بحرية، وأن يستطيع الإبحار لأربع ساعات بسرعة 30 عقدة بحرية، فضلاً عن قدرته على حمل الركاب الستة ومعداتٍ يبلغ وزنها نحو 250 كيلوغرامًا.
زادت هذه المواصفات كلها الضغط على أكتاف المصممين، وتمثل التحدي الأكبر على الأرجح في سبل إعداد بطاريات الهيدروجين. يقول بوريدج: "كان ينبغي أن نُجمّع مصدر الطاقة الجديد فيما نحن لا نعلم الشكل النهائي للقارب".
توقع الاستشاريون أن يستغرق الجمع بين نظام الدفع غير المُجرّب والبرمجيات المعقدة المسؤولة عن التحكم في الزعانف أربع سنوات. لكن زورق Chase Zero نزل إلى المياه بعد تسعة أشهر فقط. وفي هذا يقول بوريدج: "لقد تجاوز هذا الزورق التوقعات كلها منذ يومه الأول. ونحن نهدف الآن إلى إظهار هذه التكنولوجيا على الساحة العالمية".
بموازاة ذلك، تُخطط شركة بلو غايم لليخوت Bluegame Yachts لتعميم تكنولوجيا خلايا وقود الهيدروجين، وذلك بعد تطويرها زورق BGH لصالح فريق "أمريكان ماجيك" المشارك في كأس أمريكا.
وعلى ما فعل فريق طيران الإمارات نيوزيلندا، حشدت شركة بلو غايم عشرات الخبراء المتخصصين في مجالات مختلفة، من أنظمة الدفع البديل إلى المُركَّبات الهيكلية المتطورة (مثل تلك المستخدمة في سيارات الفورمولا 1).
ومن المتوقع إطلاق زورق BGH في شهر يونيو المقبل، على أن يلي ذلك فترة اختبارية تمتد لعام كامل قبل بدء التسليم. يُشبه هذا الابتكار زورق Chase Zero في أبعاده وأدائه، غير أن مُصمميه أضفوا على مظهره لمسة من "الأناقة" الإيطالية، على ما قال رئيس قسم استراتيجيات الإنتاج لوكا سانتيلا، الذي تابع قائلاً: "لقد أضفنا أيضًا فسحة خارجية للجلوس من أجل الاستمتاع بمنظر البحر".
تعتزم بلو غايم دمج خلايا وقود الهيدروجين في يخوتٍ أكبر حجمًا في المستقبل القريب، حتى إنها تتعاون حاليًا مع شركة فولفو بنتا على تطوير أول محرك كهربائي هجين في العالم يعمل ببطاريات الهيدروجين. ويقول سانتيلا: "ستُدمج هذه البطاريات في يخت متعدد الهياكل بطول 65 قدمًا، من المقرر إطلاقه في عام 2026". ويضيف: "إن الهيدروجين سيفتح أمامنا حقبة جديدة كليًا".