بحلول 2030، ستشكل وجهة البحر الأحمر، بما تحتضنه من محميات طبيعية، ومنتجعات ومساكن فاخرة، ومراس لليخوت ومرافق ترفيهية تُقدر قيمة تطويرها بمليارات من الدولارات، نموذجًا رياديًا يُحتذى به في مجال تحقيق التناغم الأمثل بين السياحة الفاخرة ومعايير الاستدامة والتقنيات الثورية. إنه زمن السياحة المتجددة في المملكة العربية السعودية.

منذ ما قبل زمن الجائحة، برز توجّه جديد في قطاع السياحة عمومًا إلى إعتاق مفهوم السفر من حدوده التقليدية الضيقة بما يتماشى مع تطلعات مسافرين باتوا توّاقين إلى اختبار تجارب ذات مغزى كفيلة بأن تحقق لهم تحوّلات جذرية على المستوى الشخصي بموازاة منحهم الفرصة لإحداث تغييرات إيجابية في العالم الذي يعيشون فيه.

وبالرغم من أن هذا التوجّه "التنويري" تأخّر نوعًا ما، لكننا بدأنا نشهد أخيرًا تجلياته في رؤى ومشاريع تتصدى، في وجهات عالمية كثيرة، للممارسات غير المستدامة لترسخ في قطاع السياحة معايير جديدة لا تقتصر على مواجهة التحديات البيئية الحالية، بل تتجاوزها أيضًا إلى التأثير في السلوكيات تجاه الطبيعة، وتحفيز التغيرات الثقافية والاجتماعية بما يضمن لأجيال الغد مستقبلًا أكثر ازدهارًا وعالمًا أكثر أمانًا.    

في المملكة العربية السعودية، تعكس حاليًا المشاريع الإنمائية الضخمة في القطاع السياحي مساعي حثيثة إلى تكريس المفهوم الحديث والمستدام للسياحة، بل ترسّخ مكانة المملكة الريادية على خارطة الدول التي تقود هذا التوجّه. هناك تدور عجلة المشاريع في إطار استراتيجيات محددة الأهداف لضمان التحوّل المنشود في قطاع السياحة من خلال الارتقاء بالبنية التحتية في الوجهات السياحية، وتنمية الموارد البشرية، والحرص على أن تكون صناعة السفر في المملكة جزءًا من حقبة الانفتاح والتنوع الاقتصادي التي تندرج ضمن أهداف رؤية 2030.

بحلول ذلك العام، يسعى القطاع السياحي السعودي إلى استقطاب 100 مليون زائر سنويًا يُتوقع أن يكون مقصد أعداد كبيرة منهم وجهة البحر الأحمر عند الساحل الغربي للمملكة.

البحر الأحمر.. مشروع طموح ووجهة عالمية

إلى جانب موقع العُلا التراثي، ومدينة نيوم الذكية، تُعد وجهة البحر الأحمر من المشاريع الثلاثة العملاقة التي أعلن عنها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود في عام 2017.

وقد يصح القول إنها تشكّل أكثر وجهة طموحة في العالم للسياحة المتجددة التي تُعنى أيضًا، إلى جانب تحقيق الاستدامة والحفاظ على الطبيعة، بحماية التراث الثقافي وتجديد الموارد، وتعزيز فرص النمو للأفراد والشركات والصناعات الداعمة.

عندما يكتمل تطوير وجهة البحر الأحمر، ستوفّر على سبيل المثال وظائف لنحو 35 ألف فرد، فيما تدعم المجتمع الأوسع نطاقًا من خلال ابتكار فرص تنموية للشركات المحلية، ورواد الأعمال والقطاعات الصناعية.

وإذ ترسي الوجهة، التي تتولاها شركة البحر الأحمر للتطوير منذ تأسيسها سنة 2018 – وهي شركة مساهمة مقفلة تعود ملكيتها بالكامل إلى صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية – إذ ترسي معايير جديدة للتنمية المستدامة، تؤسس لتجارب سفر بالغة الفخامة استُحدثت من حول كنوز الطبيعة الأخاذة بما يتيح بناء روابط جديدة بين السياحة الفاخرة والبيئة الطبيعية.

جزيرة شَورى/وجهة البحر الأحمر

جزيرة شَورى

تنبسط وجهة البحر الأحمر على مساحة 28,000 كيلومتر مربع بين منطقتي أملج والوجه، يميزها خط ساحلي بطول 200 كيلومتر وتزخر بتنوّع معالمها الطبيعية والتراثية التي تعد الزائرين بتجارب من الطراز الرفيع، بدءًا من استكشاف المناطق الجبلية التي تحتضن فوهات براكين خامدة، مثل حرة لونير، والحقل البركاني ذي التربة الغنية بالمعادن والطين، والكثبان الرملية التي تغتسل بذهب الشمس في عمق الصحراء، وما يرافق ذلك من مظاهر الحياة البرية التي تتخذ من جبال الحجاز والبحر الأحمر موطنًا لها، والتي تشمل أجناسًا نادرة مهددة بالانقراض، غير الوشق، وطائر الحنكور، والسلحفاة صقرية المنقار.

وفيما يشكّل البحر الأحمر بيئة من البيئات البحرية الأشد تنوعًا في العالم، تتناثر عبر مساحة الوجهة أكثر من 90 جزيرة بكر تزهو بنقاء مياهها الفيروزية الدافئة وشواطئها الرملية الخلابة لتتجلّى واحات فردوسية تحتفي بمفاتن الطبيعة وتشكّل عالمًا ذا نظام بيئي متفرّد يشرع مواطنه أمام التائقين إلى استكشاف كنوزه العجيبة، من أشجار المانغروف النادرة إلى الشعاب المرجانية المزدهرة.

وعلى ما تقتضيه الأهداف المستدامة لمهمة تطوير وجهة البحر الأحمر، يشمل مخططها العام تطوير 22 جزيرة فقط، ما يعني عدم المساس بنحو 75% من جزر الوجهة، فضلاً عن تحييد تسع جزر من المتوقع أن تشكل "مواقع بيئية ذات قيمة" للحفاظ على دورة حياة الكائنات الحية النادرة ومستوطناتها.

لكن التجارب الموعودة في هذه الوجهة لا تقتصر على الغوص في أكبر رابع حيد مرجاني في العالم، أو غير ذلك من الرياضات المائية والرحلات الاستكشافية للبر. فالوجهة تستلب زائريها إلى عبق تاريخ ضاربة جذوره في أرض طريق الحرير القديم، متيحة لهم تعرّف التراث الثقافي للمنطقة التي تزخر بمواقع تراثية تعود هندستها المتفردة إلى الحقبة النبطية.

وجهة البحر الأحمر

وجهة البحر الأحمر

السياحة المتجددة، ذكية ومستدامة

قد يجسّد تطوير وجهة البحر الأحمر في عصرنا الحالي أبرز مشروع ريادي يُحتذى به في مجال السياحة المتجددة التي تلبي احتياجات البيئة لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل بموازاة تنمية المجتمعات المحيطة.

ربما يكفي شاهدًا على ذلك، أن الوجهة، التي تلتزم في مخططها العام التوافق مع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر لمنظمة الأمم المتحدة، تتبنى منظومة من المعايير التطويرية والتنظيمية والتقنية التي تضمن حماية البيئة الطبيعية وتعزيزها.

على سبيل المثال، ستقتصر أعمال التطوير على أقل من 1% من إجمالي مساحة الوجهة التي بُني مخططها العام على أكبر محاكاة حاسوبية في مجال التخطيط المساحي البحري لقياس تأثير مسارات التشييد والتشغيل على البيئة.

وجهة البحر الأحمر

وجهة البحر الأحمر

أثمر هذا التوجه اعتماد أساليب بناء مبتكرة مثل استخدام منتجات ومواد مستدامة على غرار الخرسانة الخضراء منخفضة الكربون التي تدخل في مكوناتها مواد خام معادة التدوير، والسعي إلى أن تحوز مباني الموقع بنسبة %75 شهادة LEED (للقيادة في مجال الطاقة والتصاميم البيئية)، فضلاً عن الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 100% على مدار الساعة، وهو ما تعمل إدارة الوجهة على تحقيقه عن طريق بناء أكبر منشأة في العالم لتخزين البطاريات الكفيلة بضمان إمداد الوجهة بالكهرباء طيلة ساعات الليل.

وفيما تسعى وجهة البحر الأحمر لتحقيق زيادة في قيمة التنوع الحيوي بنسبة تصل إلى 30% خلال العقدين القادمين، انطلقت مبادرات مختلفة لتعزيز النظام البيئي في المنطقة، من حملات تنظيف الشواطئ وتنظيم عمليات الصيد وإعادة تنمية الثروة السمكية إلى إنشاء المحميات وتوسيع رقعة الموائل النباتية والمائية لتعزيز التجدد وعزل الكربون.

وجهة البحر الأحمر

وجهة البحر الأحمر

شملت المبادرات أيضًا إطلاق برنامج تتبع السلاحف منذ شهر سبتمبر عام 2019 ومراقبتها من قبل الفريق البيئي في شركة البحر الأحمر للتطوير وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.  

لتحقيق أهداف الرؤية المرصودة للوجهة، تعاونت إدارة تطويرها مع شركتي دبليو إيه تي جي WATG وبورو هابولد Buro Happold على وضع المخطط العام الذي جرى تضمينه تصاميم عمِلت عليها مجموعة من أبرز مكاتب الاستشارات الهندسية في العالم.

لكن الغاية لم تكن استيفاء شروط الاستدامة فحسب، بل شملت أيضًا تبنّي أنظمة تقنية ذكية لإدارة الوجهة، بما في ذلك تقنيات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، وخوارزميات إدارة حركة المرور، وإدارة حركة الزوّار بما يضمن حماية الوجهة من "السياحة المفرطة". ستسهم التقنية أيضًا في مراقبة النظام البيئي عن كثب من خلال تركيب أجهزة ذكية لتعقب آثار الكربون، وشبكة من أجهزة الاستشعار لرصد المؤشرات البيئية في أنحاء الوجهة كافة.

وجهة البحر الأحمر

وجهة البحر الأحمر

عناوين الفخامة في البحر الأحمر

في عام 2030، وأنت تزور هذه الوجهة التي تُقدر اليوم كلفة تطويرها بمليارات من الدولارات، من المرجح أن شعورًا بالانبهار سيستحوذ عليك فيما تستزيد من ذاك الألق المستدام الذي تحتشد تجلياته في جنبات عالم متكامل يحتضن 50 فندقًا ومنتجعًا توفّر نحو 8,000 فسحة للإقامة، وما يزيد على ألف عقار سكني تتوزّع على 22 جزيرة وستة مواقع داخلية، فضلاً عن مراس فاخرة لليخوت، وملاعب غولف، ومرافق متنوّعة للترفيه والاستجمام.

في سبتمبر من العام الفائت، كشفت شركة البحر الأحمر للتطوير عن المخططات التصميمية لمنتجعها الجبلي الفاخر ديزرت روك Desert Rock Mountain Resort الذي تبدو مرافقه معلقة بين الصخور الجبلية حيث يربض في أحد الأودية موفرًا إطلالات آسرة على محيطه الطبيعي.

تولت ابتكار المنتجع، الذي يضم 48 فيلا و12 غرفة فندقية بُنيت داخل الجبل، شركة أوبنهايم أركيتكتشر Oppenheim Architecture العالمية للتصاميم الهندسية، التي استحدثت أيضًا ضمن مرافق المنتجع ناديًا صحيًا من الطراز العالمي، ومركزًا للياقة البدنية، وواحات معزولة لتناول الطعام، فضلاً عن واحة البحيرة.

وإذ استلهمت الشركة الموقع الطبيعي للمنتجع، نجحت في الإتيان بمعالم تصميم مستدام تُستخدم في بنائه موارد طبيعية محلية، بما في ذلك استغلال المواد الناتجة عن الحفر في إنشاء البنى التحتية، واستخدام الحجر الأرضي والرملي في تصنيع الركام الخرساني، وتزيين الجدران والأرضيات بقطع الحجارة، بموازاة الحد من استهلاك الطاقة واستحداث أنظمة لحفظ مياه الأمطار وتوزيعها.

وفيما يضمن المنتجع الحفاظ على البيئة، يتيح لضيوفه التفاعل مع الطبيعة والثقافة المحلية لاختبار تجربة ضيافة يصعب نسيانها وتشمل الأنشطة فيها النزهات سيرًا على الأقدام، والرحلات على متن العربات المخصصة للكثبان الرملية، وتأمل النجوم، إلى جانب تعرّف التاريخ الأثري للمنطقة من خلال حكايات المرشدين المحليين.

يندرج منتجع ديزرت روك ضمن المرحلة الأولى من مساعي تطوير وجهة البحر الأحمر التي قطعت شركة التطوير أشواطًا مهمة على درب إنجازها مع انطلاق عجلة تجهيز البنى التحتية مثل الطرقات والأرصفة البحرية والجسور، وتجهيز المطار الدولي المخطط لافتتاحه مع اكتمال المرحلة الأولى بالتزامن مع افتتاح الفنادق الأربعة الأولى، فضلاً عن تجهيز القرية السكنية العمالية التي تتسع لنحو 10 آلاف عامل، واستكمال مدينة الموظفين المخصصة لما مجموعه 14 ألف موظف مهمتهم تشغيل هذه الوجهة. 

منتجع ديزرت روك الجبلي الفاخر/وجهة البحر الأحمر

منتجع ديزرت روك الجبلي الفاخر

من المتوقع أن تكتمل المرحلة الأولى في عام 2023 الذي سيشهد افتتاح 16 فندقًا، تنبسط 11 ملكية فندقية منها، تتبع المفهوم التصميمي كورال بلوم Coral Bloom، فوق جزيرة شَورى التي تذكر تضاريسها بشكل دلفين.

تنفذ هذه الواحات شركة فوستر وشركائه بالاستناد إلى تصاميم هندسية تراعي طبيعة الجزيرة الغنية بالحياة الفطرية والشعاب المرجانية فتضمن الحفاظ على أطرافها، بما في ذلك الحيد المرجاني الذي يمكن بلوغه سباحة من شاطئ الجزيرة. وفيما تتيح الفنادق الأحد عشر اختبار تجارب استجمامية وترفيهية متنوعة، يكاد تصميمها يوحي بأن أمواجًا جرفتها إلى الشاطئ، على ما هو عليه حال قطع الأخشاب المستخدمة في بنائها.

كما أوكلت إلى فريق فوستر وشركائه مهمة ابتكار المنتجع الصحراوي Southern Dunes في البر، ليكون وجهة مثالية للراغبين في اختبار تجربة عيش بدوية أصيلة ولكن لا تعوزها الفخامة.

أما جزيرة شيبارة، التي تُعد الأبعد عن البر الرئيس، فتزهو بموقع قصي في الطرف الجنوبي الشرقي من الأرخبيل البحري، وتشكل موقعًا مثاليًا للغوص، لا سيّما وأنها تحتضن شعابًا مرجانية وفيرة تمتد على طول 30 مترًا إلى 40 مترًا بالقرب من الشاطئ. هناك سينعتق الزائرون إلى أنس تعد به تجربة العيش في فلل عائمة فوق الماء تستلهم بيئتها الطبيعية.

المنتجع الصحراوي Southern Dunes/وجهة البحر الأحمر

المنتجع الصحراوي Southern Dunes

أوكلت مهمة تصميم هذه الفسحات إلى شركة كيلا ديزاين التي تتخذ من دبي مقرًا لها، والتي اختارت بناء الفلل من الفولاذ المصقول الذي يعكس مشهد الماء والسماء بموازاة السماح بتأمل الشعاب المرجانية في الأسفل. تكمل هذه التصاميم أيضًا فلل تتوزع فوق يابسة الجزيرة استوحتها كيلا ديزاين من الكثبان الرملية.

في أرخبيل وجهة البحر الأحمر، يحضر أيضًا اسم المهندس المعماري الشهير، والأستاذ في قسم الهندسة المعمارية في جامعة طوكيو، الياباني كنغو كومو الذي عُيّنت شركته لبناء نحو 100 فيلا عائمة فوق الماء أو منبسطة فوق يابسة إحدى جزر أمهات، يكمّلها ناد صحي، ومطعمان ورصيف لليخوت، ومرافق أخرى.

اختار كومو مفهومًا تصميميًا يتناغم مع فلسفته الإبداعية المرتكزة إلى تغليب الأشكال المبسطة والأنيقة التي تبدد الحدود الفاصلة بين الفن والطبيعة، فابتكر تصاميم ألهمتها معالم الجزيرة الطبيعية، مستحضرًا هذه الإيحاءات في فيلات البر التي تحاكي الكثبان الرملية، وفي فيلات مرجانية تطفو فوق صفحة الماء حيث تزهو بأشكال حلزونية متيحة إطلالات بزاوية 360 درجة على الأفق البحري. 

 إنها بلا شك خيارات وفيرة لتجارب إقامة تختزل الرقي في الضيافة بقدر ما تجسّد جوهر مفهوم السياحة المتجددة الذي تقوم عليه وجهة البحر الأحمر.