يتساقط الماء البارد على يدي اليمنى، ويبعث قشعريرة منعشة في أرجاء جسدي.
عيناي مغلقتان، وراحة يدي تضغط على جدار الشلال الغرانيتي المغطى بالنباتات الحزازية. ينتعش هواء الصباح البارد بالروائح المنبعثة من التربة الرطبة ونباتات السراخس الندية وأشجار الصنوبر الشاهقة.
يخترق شعاع ضوءٍ هذا الغطاء الأخضر، مسببًا رجفان جفني. أنظر بعين واحدة، وأعاين كيف ينسكب الضوء أسفل الوادي المحيط بي، وكيف يضيء أبراج الغرانيت.
غير أن المرشدة التي تقودني إلى تجربة الاستحمام في الغابة تقاطع خيالاتي وتسألني من دون انتظار إجابة فورية: "ما الذي تخبرنا به الطبيعة؟"
في منتجع Future Found Sanctuary المحتجب في سفح جبل تيبل في كيب تاون، جرى تصميم تجارب مثل هذه لمساعدتك على التريّث، وهذه مهارة لا أتمتع بها.
لقد كنت أزور كيب تاون منذ نحو عقد من الزمان لحضور مؤتمر سنوي للسياحة، وقد خضت في السابق بعض المغامرات المثيرة، مثل التزلج الشراعي في مدغشقر، ورحلة سفاري سيرًا على القدمين في زيمبابوي.
وبالرغم من أن جائحة كورونا جعلتني أدرك كم كان جسدي وعقلي يتوقان للراحة، إلا أن وتيرة عملي انتقلت تدريجيًا مع فتح الحدود بين الدول من أدنى المستويات إلى أقصاها، وبحلول ربيع 2022 ألفيتُ نفسي غارقة بالأعمال ومجهدة.
وهكذا انتهى بي الأمر هذا العام بحجز إقامة مدتها ثلاثة أيام وليلتان.
غير أن تساؤلاً حيّرني: ما دمت لم أتمكن من الاسترخاء في الطبيعة الفسيحة للأدغال الإفريقية، فهل سيختلف الأمر هنا؟
في الأصل، كان هذا العقار الذي تبلغ مساحته سبعة فدادين منزل رجل الأعمال الأمريكي جيم بريت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة J. Crew.
وقد دفعته متطلبات وظائفه وحياته في مدينة نيويورك إلى قضاء بعض الوقت في الطبيعة، ولذلك اشترى هذه الأرض في عام 2014.
وكان أن فتحت البيئة الخصبة لهذه الأرض بصَرَ بريت على وتيرة عيشٍ أكثر انسجامًا مع إيقاعات الأرض الطبيعية، بما في ذلك الاستيقاظ عند شروق الشمس، والنوم عند غروبها.
ولمشاركة تجربته مع الآخرين، بنى فيلا ثانية، فضلاً عن ناد صحي، وافتتح المجمّع لعامة الناس في نهاية عام 2021.
في العام المقبل، ستقدم شركة Future Found خلوات جماعية ذات طابع خاص. ولكن في الوقت الحالي، تُصمم كل إقامة حسب الطلب، وتستند إلى حنكة فريق من الخبراء، منهم مختصّ بالعلاج الصوتي، وخبير تنفس، فضلاً عن الدكتور ديل راي، مدير قسم علوم النوم بجامعة كيب تاون.
استنادًا إلى رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلناها والتي تحدثت فيها عن معاناتي مع التوتر والإرهاق، وضعت لي مديرة العافية في المنتجع رومي بول مخططًا علاجيًا يرتكز على الراحة والتغذية واستعادة التوازن بين العقل والجسم.
لا شك في أن ثلاثة أيام ليست بالوقت الكافي لإحداث تحولات مهمة.
يغادر التوتر عضلاتي خلال جلسة يوغا، ولكن الأفكار لا تنفك تهدر في عقلي. بعد ذلك، أبقى على سجادتي من أجل تجربة الحمام الصوتي، وهو علاج أكثر غرابة من حمام الغابة، ولكن أملي يخيب لأنه لا يتضمن حوض استحمام.
تجلس المرشدة على بساط من جلد الغنم أمام عشرات الأوعية المصنوعة من الكوارتز.
وعندما تبدأ المرشدة في تحريك مطرقة صغيرة على حافة كل وعاء، تُسكّن النغمات الشجية عقلي وتدخله في حالة تجدّد عميقة. أشعر بجهازي العصبي وهو ينتقل من حالة الكر أو الفر، إلى حالة الراحة والاستيعاب.
في يومي الثاني بالمنتجع، استيقظت قبل شروق الشمس للخضوع لجلسة حمّام في الغابة.
حصلت بول على شهادة في محاكاة الطبيعة بعد إنهائها دورة تدريبية مدتها ستة أشهر، قضتها في التدرب على استقاء دروس من الطبيعة يمكن الاستفادة منها للنهوض بالإنسان.
(ما على المرتابين إلا الاطلاع على النتائج الواقعية لهذه الممارسة، بما في ذلك منتج فيلكرو Velcro المستلهم من نتوءات الأرقطيون).
تشجعني بول على فعل الشيء نفسه، عندما تشير إلى أن أحماض الفولفيك المسؤولة عن غنى تربة الغابات بالميكروبيوم أثبتت كفاءتها في تعزيز صحة الأمعاء. أخشى أن تطلب مني أكل التراب، ولكن جلستي الصباحية تركّز على الأشجار وكيف أنها رئة الكوكب، وعلى ضرورة الاهتمام بجودة أنفاسنا.
حضرت جلسة تنفس واع بعد ظهر ذلك اليوم.
نحن نتنفس كل يوم بلا تفكير، ولكن إجبار أنفسنا على الشهيق والزفير على مدار 75 دقيقة يتطلب مجهودًا كبيرًا ويبعث فيّ البهجة.
لاحقًا، تعرفت أكثر على خبايا التربة من خلال علاج حراري بالطين.
أدخل غرفة بخار وأدهن محلولاً ملحيًا على جلدي، ثم أشطف الطين السميك وأنثره على بشرتي وشعري. يتصلب الطين، ويغمر بخار عابق برائحة الأعشاب الغرفةَ. أسترخي بفعل رائحة الأوكالبتوس والخزامى، وبعد 25 دقيقة يغسلني "مطر" يتساقط من السقف تاركًا بشرتي ناعمة.
خلال أمسيتي الأخيرة في المنتجع، تناولت في حديقة التعافي عشاء مكوّنًا من أربعة أطباق.
وبينما أنا هناك، تعلمت كيف أنسج تاجًا نباتيًا من الشجيرات الصغيرة التي تستوطن المكان. نتناول الطعام في صمت، هذا إذا استثنينا مطالبات بول العابرة بتجربة الطعام باستخدام الخمس كلها.
في النصف الأول من الوجبة، ينتابني الخجل الشديد من صوت المضغ العالي الذي يلي كل قضمة من الهليون.
وعندها تباغتني ذكريات العقاب الذي تعرضت له على مائدة العشاء في أثناء طفولتي.
لكن بعد تقديم الطبق الرئيس، أصبحت أسمع أصوات العصافير عوضًا عن صوت المضغ، وأحس بالترف لأني أضيع في نكهات الطعام بلا إحساس بالغرابة، ودون الاضطرار إلى إجراء المحادثات الصغيرة.
أغادر المنتجع بعد ظهر اليوم التالي وأنا أشعر بتجددٍ وهدوءٍ لم أكن لأشعر بهما لو ذهبت في مشاوير منفردة على جبل تيبل.
ساعدني على ذلك كله التأمل في الطبيعة والتدليل والوجبات العضوية، ولكن الورقة الرابحة كانت توجيهات بول الرقيقة التي دعتني إلى استشعار البيئة المحيطة.
كانت العلاجات التي أحتاج إليها أمامي مباشرة، وكل ما كان علي فعله هو الإبصار والإنصات (يبدأ السعر من نحو 400 دولار لليلة واحدة).