فوق جرف صخري يشرف على أفق المحيط الهندي في قرية أولواتو في مقاطعة بالي الإندونيسية، يتمدد منتجع جميرا بالي Jumeirah Bali على نسق قرية ملكية تستحضر في الأذهان إرث إمبراطورية ماجاباهيت فيما تستدرج الضيوف إلى الاستزادة من سكينة الطبيعة ومفاتنها، ومن معاني ضيافة تحرّض على الانعتاق من مشاغل الحياة اليومية إلى عطلة شاعرية أو استجمامية تستأنس بها النفوس.

منذ عام 1999، تاريخ افتتاح فندق برج العرب الأيقوني، نجحت شركة جميرا الرائدة في إدارة الفنادق الفاخرة في الارتحال بمعاني الضيافة الأصيلة من قلب دبي إلى وجهات عالمية مختلفة، ليتكرّس حضورها اليوم في هذا القطاع من خلال منتجعات شاطئية ومساكن فاخرة وفنادق معاصرة تتوزّع في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا. 

وفي بالي، جاء افتتاح منتجع جميرا في عام 2022 ليشكّل إضافة تثري مشهد الضيافة في أولواتو التي تحوّلت أخيرًا إلى مقصد لنخبة المسافرين بعد أن ظلت أوبود تستأثر لسنوات بوفود السائحين. 

فبالرغم من أن أولواتو كانت في الأصل وجهة لهواة ركوب الأمواج فحسب، إلا أنها باتت تستقطب أولئك الذين ينشدون تجارب إقامة فاخرة تتيحها اليوم ملكيات فندقية تحمل توقيع علامات شهيرة في قطاع الضيافة. 

أما ما يحقق لجميرا بالي ميزة إضافية في أوساط هذه الملكيات، فهو على الأرجح موقعه البعيد عن المركز والحشود، حتى لتكاد تشعر بأنك على أرض جزيرتك الخاصة. 

منتجع جميرا بالي

عندما وصلنا إلى المنتجع، كان الظلام قد أرخى بسدوله على واحاته مترامية الأطراف. لكن ما تكشّف لنا في صبيحة اليوم التالي كان كفيلاً بأن يستأثر بأبصارنا وأفئدتنا. 

فالمنتجع يبدو أشبه بملاذ ملكي تتدرّج هياكل عمارته، التي تحتفي بإمبراطورية ماجاباهيت المفقودة، من فوق المنحدرات المكوّنة من الصخور الجيرية في بالي وصولاً إلى شاطئ دريملاند Dreamland Beach الذي يشكّل قبلة لهواة ركوب الأمواج ومحترفي هذه الرياضة. 

تتوزّع في رحاب المنتجع مجموعة من 123 فيلا فسيحة.

Jumeirah Bali

تتوزّع في رحاب المنتجع مجموعة من 123 فيلا فسيحة. 

وأنت تجوب أرجاء المنتجع، الذي أوكلت مهمة تصميمه إلى مارتن غراوندز من شركة المهندسين المعماريين Grounds Kent وجان – ميشيل غاثي من شركة دنيستون إنترناشيونال Denniston International ومنسق الحدائق الراحل مايد ويجايا، لا يسعك إلا أن ترى فيه قصرًا هندوسيًا جاويًا، كل تفصيل فيه يشكّل منطلقًا لسردية متقنة عن تلاحم العصر الذهبي لإمبراطورية ماجاباهيت والتقاليد الثقافية والفنية في الجزيرة. 

وتتجلى الإيحاءات التصميمية إلى مملكة بالي البحرية القديمة على امتداد المنتجع خصوصًا في نوافير الماء، والبرك التي تسبح فيها أسماك كوي، وأحواض السباحة متعددة المستويات التي تفضي إلى الشاطئ. 

على أن الترجمة الأوضح لهذا التوجّه التصميمي تتبيّن لك خصوصًا في آثار حجرية زائفة تذكّر بتلك التي عُثر عليها في تروولان Trowulan، موقع عاصمة ماجاباهيت، وفي شجرة بانيان عمرها 120 عامًا تحرس مدخل ردهة الاستقبال وتحمل اسم Wringin Lawang في إشارة إلى البوّابة المهيبة التي ما فتئت تشمخ منذ القرن الرابع عشر في جاوة. 

يوفّر المنتجع وصولاً مباشرًا إلى شاطئ دريملاند الذي يشكّل قبلة لهواة ركوب الأمواج.

Jumeirah Bali © Ken Kochey

يوفّر المنتجع وصولاً مباشرًا إلى شاطئ دريملاند الذي يشكّل قبلة لهواة ركوب الأمواج.

وأينما قادتك قدماك فيما تمضي مستكشفًا رحاب المنتجع مترامي الأطراف، تصادفك العناصر المائية والخضرة الكثة التي تحتوي مرافق المنتجع لتشيع في نفسك إحساسًا عارمًا بالسكينة تنعتق إليه بحواسك كلها فيما تصغي السمع إلى سكون لا تتطفل عليه سوى أنغام آلة الرنديك الموسيقية البالينيزية التي تزاحمها زقزقة عصافير هنا وهناك. 

في خفاء هذه الامتدادات الطبيعية التي تشكّل موطنًا لمظاهر الحياة البرية - والتي يدعمها المنتجع بمبادرة مستدامة للحفاظ على بيئة الجزيرة، بما في ذلك برامج لتحلية الماء وتدوير النفايات واستخدام الطاقة النظيفة - تحتجب مجموعة من 123 فيلا فسيحة تحتضن من حجرة نوم واحدة إلى ثلاث حجرات وتتباهى بتصميم داخلي يبدد الحد الفاصل بين المساحات الداخلية والأسطح الخارجية المجهّزة بحوض سباحة خاص ومنطقة تشميس، والتي تنفتح على الحدائق الاستوائية الوارفة والمشهد الآسر لمياه المحيط الهندي، لا سيّما ساعة الغروب. 

يفتنني ذاك الوشاح الناري الذي تخلّفه الشمس في الأفق قبالة الفيلا التي أمكث فيها والتي تمتد على مساحة 210 أمتار مربعة تتوزّع في أرجائها قطع أثاث مشغولة من خشب الماهوغاني يتعارض لونها الداكن بأناقة مع الظلال الهادئة التي تميّز المنسوجات، وتكمّلها، إلى جانب سطح التشميس وحوض السباحة، منصة للاستحمام في الهواء الطلق. 

قبل وقت قصير من زيارتنا، أعلن المنتجع عن إطلاق مجموعة من الفيلات السكنية الفاخرة المثالية للأزواج والعائلات، لا سيّما إن كان خيارهم المسكن المكوّن من ثلاث حجرات للنوم والممتد على مساحة 1,600 متر مربع. 

تحدثنا رام هيرالال، المدير العام لمنتجع جميرا بالي، عن هذه الفيلات التي تناغم بين جوهر الثقافة الإندونيسية ومظاهر الفخامة المعاصرة، والتي تحتفي مؤثراتها التصميمية بإرث بالي الثقافي من خلال الزخارف المبهرة وجماليات فن النحت الجاوي المتفردة، وتنسيقات الحدائق. تقول هيرالال: "تجسّد مساكننا الجديدة جمال بالي العريق وعمق ثقافتها لتقدم تجربة تتجاوز حدود المتوقع من الإقامات الفاخرة". 

تتكامل كل فيلا بسطح خارجي يضم حوض سباحة خاصًا ومنصة للتشميس.

Jumeirah Bali

تتكامل كل فيلا بسطح خارجي يضم حوض سباحة خاصًا ومنصة للتشميس.

الحقيقة أن جعبة هيرالال تمتلئ بحكايات مبهرة لا تنحصر في مقاربة منتجع جميرا بالي للضيافة التي تركّز على الارتقاء إلى مستوى توقعات الضيوف وتجاوزها بما يضمن أن تترك كل تجربة إقامة صدى عميقًا في الروح والقلب. 

في سياق مأدبة شواء إندونيسية خاصة أعد لها في ليلتنا الختامية بالمنتجع فريق الطهاة في مطعم سيغاران Segaran Dining Terrace عند أطراف حوض السباحة غير المتناهي، كنا ننصت مشدوهين إلى حديث هيرالال عن تقليد Nyepi أو يوم الصمت في بالي: في اليوم الذي يلي ولادة قمر جديد في شهر مارس، تتوقّف مظاهر الحياة في كامل أنحاء الجزيرة، بما في ذلك منتجع جميرا بالي. 

تُطفأ الأنوار كلها، ويخفت صوت الموسيقا وضجيج المركبات، وتتوقّف الرحلات الجوية، ويأوي الجميع إلى أماكن سكنهم لمدة 24 ساعة. 

إنه حدث ثقافي وروحاني في بالي، وكثيرون من زوّار المنتجع يجدون فيه فرصة للتأمل والانعتاق من صخب الحياة اليومية للتواصل مع الذات على ما تقول هيرالال. 

في مطعم سيغاران الذي تشرف مجالسه الخارجية من علو على حركة راكبي الأمواج، وحيث تُقدّم أيضًا وجبات الفطور والغداء، تزخر قائمة الطعام بأطايب متنوعة من المطبخين المتوسطي والآسيوي تحتفي بمفهوم "من المزرعة إلى المائدة" من خلال الحرص على استخدام مكوّنات موسمية طازجة. 

يتيح المطعم أيضًا الفرصة للانغماس في تجربة بالينيزية أصيلة من خلال وجبة "ميجيبونغ" Megibung التقليدية التي تجسّد جوهر المجتمع. 

جلسات شاعرية يعد بها مطعم "أكاسا" الرابض عند طرف الجرف.

Jumeirah Bali

جلسات شاعرية يعد بها مطعم "أكاسا" الرابض عند طرف الجرف.

على ما يوحي به الاسم المستلهم من كلمة Gibung التي تعني "المشاركة"، يتشارك الأفراد في سياق هذه التجربة تناول الطعام من طبق واحد ضخم أو مباشرة من ورقة موز عملاقة.  

على أن لا تجربة تضاهي بطابعها الشاعري ما يعد به مطعم "أكاسا" Akasa الرابض عند طرف الجرف فوق أعلى نقطة في المنتجع والذي يغلب عليه طابع حيوي مبهج ولكن لا يفتقر إلى الرقي. 

لا شيء هنا ينافس المشهد البديع الذي يرسمه غروب الشمس سوى الأطباق التي تتفنّن الطاهية جوان آشور في تشكيلها لوحات فنية تستأثر بالأبصار والذائقة، على ما تشهد قطع الإسقلوب التي تُقدّم فوق قاعدة فوّارة من الثلج الجاف، وشرائح اللحوم المشوية على اللهب والمعدّة بأساليب مستوحاة من طرق الطهي القديمة، حتى كرة الحلوى التي لا تكشف عن طعمها المخبوء إلا عندما تُسكب فوقها صلصة الشوكولاته.  

وإذا كانت ابتكارات آشور تشكل غذاء ملهمًا للأبصار والذائقة، فإن ثمة حيّزًا لغذاء الجسد والروح في النادي الصحي "تاليس سبا" Talise Spa حيث برامج العافية تستلهم فلسفة الحكمة والطقوس العلاجية القديمة لجزيرة بالي. 

في حجرات النادي الخمس، يمكنك اختبار قائمة متنوعة من العلاجات التي تشمل جلسات العناية بالبشرة، وجلسات التدليك بزيوت عطرية يجري اختيارها بما يلائمك. كما تتضمن مرافق النادي الحمام التركي الوحيد في بالي، فضلاً عن حجرة ساونا وحجرة للعلاج بالبخار ومرفق للعلاج المائي الفاخر "فيشي شاور". 

وبالرغم من أن المنتجع يحتضن مركزًا كامل التجهيز للياقة البدنية، إلا أنك لن ترغب أيضًا في تفويت تمارين التأمل واليوغا الصباحية التي يقودها معلّم اليوغا المقيم في المنتجع. 

في أواسط العام الفائت، أعلنت مجموعة جميرا عن هوية بصرية جديدة في سياق استراتيجية توسعية تسترشد بالود الكامن في كل التفاتة تصميمية، والبهجة المستمدة من الرفقة الحميمة، والسخاء النابع من القلب. 

العلاج بالصوت في نادي تاليس سبا الصحي.

Jumeirah Bali

العلاج بالصوت في نادي تاليس سبا الصحي.

وعندما تزور منتجع جميرا بالي، لا يمكن أن تغفل عن الحضور الجلي لهذه الركائز الثلاث فيما تنخرط مع صحبك أو أفراد عائلتك في أي من التجارب المتاحة للتواصل مع البيئة المحلية، بداية من جلسات سرد القصص المستوحاة من أساطير بالي المحلية في نادي بيفول للأطفال، وصف إعداد الشموع أو خلط الزيوت العطرية في نادي تاليس سبا الصحي، أو صف تعلم أساليب الطهي المحلية واستكشاف أسرار المكوّنات المحلية ومذاقاتها والاحتفاء بإرث الطعام البالينيزي مع كبير الطهاة في مطعم سيغاران، وليس انتهاء برحلة خارجية إلى متنزّه غارودا وينسو كينكانا Garuda Winsu Kencana الثقافي، حيث يقودكم مرشد سياحي في جولة استكشافية لمسار بناء تمثال فيشنو الأيقوني الشامخ على ارتفاع 121 مترًا قبل أن تجوبوا في أرجاء المتنزّه لمشاهدة العروض الترفيهية الثقافية المتجذرة في إرث بالي وأساطيرها. 

أما تجربتنا المفضلة، فكانت درسًا خاصًا في فن الباتيك، وهو شكل من أشكال الصباغة الفنية يشيع في إندونيسيا ويُستخدم لتزيين أقمشة الملابس وأغطية المائدة والوسائد وغيرها. 

عكفنا على تحديد تصاميمنا فوق القماش باستخدام الشمع الساخن المذاب قبل أن نشرع في إضفاء الأصبغة المائية لتكتمل بين أيدينا لوحات نحملها معنا تذكارًا في ختام الرحلة. 

ولكن بغض النظر عن النشاط المفضل، يبقى اللافت هو أن كلّ تجربة تشكّل نافذة على ثقافة بالي وتقاليد مجتمعها المحلي. 

بل إن العاملين في المنتجع، ومعظمهم من قلب هذا المجتمع، لا يبخلون في مشاركة الضيوف فيضًا من القصص والأخبار التي تعزز معرفتنا بإرث الجزيرة التاريخي والثقافي والفني والروحي. 

لا شك في أن هذا الميل إلى المشاركة يقع في صميم فلسفة السخاء النابع من القلب التي تتنباها علامة جميرا، والتي نثمن كل مبادرة تنضوي تحتها، بداية من إمكانية التواصل مباشرة مع فريق المنتجع عبر خدمة واتساب. 

لكننا نستشعر أيضًا أنه ميل متجذر في نفوس العاملين الذين لا يتحلون بقدر عال من الكياسة فحسب، بل يبدون أيضًا مقدرة مبهرة على استشراف احتياجات الزائرين وسرعة تلبيتها، حتى وإن كان الأمر يتعلّق بمفاجأتنا بهدية من مقرمشات الأرز التي كنّا نجد صعوبة في مقاومة مذاقاتها المتفردة في بداية كل وجبة عشاء.