لا يحتاج المرء إلى بصيرة متقدة ليخمّن أن ما سيختبره في مطعم طاجين Tagine هو أطايب من المطبخ المغربي. لكن ما لن يستشرفه على الأرجح قبل الزيارة هو تكامل تلك التجربة التي ابتُكر كل تفصيل فيها بكثير من الإتقان لاستلاب الحواس والأفئدة إلى عالم متجذر في أرض التراث المغربي الأصيل.

أما أولى بشائر هذا التكامل فيستحضرها الطراز المعماري لموقع المطعم في فندق وان أند أونلي رويال ميراج بدبي، هناك حيث تخال أنك تطأ أعتاب رياض مغربية مرورًا بمجلس خارجي تقليدي يصلح لمشهد في قصص ألف ليلة وليلة.

ولا تكاد تعبر الأبواب الخشبية المنخفضة على وقع خرير المياه في النوافير حتى يستأثر بك عبق ضيافة تشكل من طيب الروائح الدافئة للقرفة والزعفران والزنجبيل والقرنفل.

أغنيات طربية يدندن بها عازفان بالزي التقليدي تستحضر مشاهد من التراث المغربي الأصيل.

Rupert Peace
أغنيات طربية يدندن بها عازفان بالزي التقليدي تستحضر مشاهد من التراث المغربي الأصيل.

وعلى نسق دار تراثية في مراكش، ترتبت المساحة الداخلية للمطعم فسيفساء بديعة من جدران جيرية تزهو بتدرجات لون بني فاتح أثمرتها الصباغة بتقنية التدلاكت التقليدية التي تُعد من أبرز الفنون المعمارية المغربية، وقناطر تحرس المجالس التي أقيمت في تجاويف غائرة داخل الجدران بما يضمن قدرًا أكبر من الخصوصية للضيوف، وسجاد محبوك ومشغولات يدوية جيء بها من مناطق مختلفة في المغرب، وفوانيس وصوان وقدور من النحاس المطرّق.  

في شهر مايو الفائت، شكل هذا التلاحم الأخاذ بين المؤثرات التصميمية خلفية تراثية مثالية لاختبار تجربة حصرية أبدع تفاصيلها الطاهي الشهير موحا، أحد أبرز سفراء المطبخ المغربي في العالم. فعلى مر أسبوع كامل، أتاح مؤسس دار موحا في مراكش، الذي حل طاهيًا ضيفًا على مطعم طاجين، لأهل دبي وزوّارها استكشاف أطباق استلهمها من وصفات والدته وزاوج فيها بين مذاقات تقليدية وأخرى ومبتكرة.

تشمل الأطباق الرئيسة الكسكس الهش الذي يُنضج على البخار مدة ساعتين.

تشمل الأطباق الرئيسة الكسكس الهش الذي يُنضج على البخار مدة ساعتين.

وبالرغم من أن مطعم طاجين درج على استضافة نخبة من كبار طهاة المغرب من حين إلى آخر، إلا أنك لا تحتاج إلى انتظار فرص مماثلة لتستأنس بتجربة راقية تستلهم أصالة عوالم المغرب ومطبخها التقليدي، وهو ما اختبرناه في زيارتنا الأخيرة إلى هذا المطعم الذي ما فتئ يحتفظ على مرّ عقدين من الزمن بمكانته على خارطة وجهات الطعام المغربي الفاخرة الأعلى تميزًا في المدينة.

طاجن الدجاج المحمّر.

طاجن الدجاج المحمّر.

على وقع أغنيات طربية من التراث المغربي كان يدندن بها عازفان بالزي التقليدي، ووسط الإضاءة الخافتة المنبعثة من الشموع، نعبر إلى فضاءات المغرب القصية، من مراكش إلى الدار البيضاء والمدينة الزرقاء "شفشوان" وغيرهما على صهوة أطايب تختزل بها كبيرة الطهاة نعيمة موسوي أسرار المطبخ المغربي المتنوّع.

هي هذه الخبايا نحاول استكشافها فيما نجرّب وفرة مقبلات باردة وساخنة تشمل الزعلوك المحضّر من الباذنجان المشوي، وبقولة السبانخ، والتكتوكة المحضّرة من الفلفل الأحمر المشوي مع الطماطم والثوم وزيت الزيتون، والرقائق المحشوة بالباذنجان أو الدجاج، فضلاً عن أصناف متنوعة من البريوات أو اللفائف المقرمشة والمحشوة مرة بجبن الماعز والأعشاب، ومرة بثمار البحر أو لحم الضأن والأرز، والباستيلا أو الفطائر المحشوة بالحمام واللوز.

أصناف من الحلويات المغربية التقليدية.

أصناف من الحلويات المغربية التقليدية.

ربما تكفي هذه الفاتحة للثناء على براعة الطاهية موسوي في أن تحوّل كل تجربة في مطعم طاجين إلى احتفاء بالحواس وكل وليمة إلى مشهد احتفالي لا تستلهم عناصره من المطبخ المغربي الأصيل فحسب، بل من تقاليد الحياة المغربية وأعراسها ومهرجاناتها أيضًا.

لكننا نختبر ذروة الفلسفة الإبداعية للطاهية في أطباق رئيسة مثل الكسكس الهش الذي يُنضج على البخار طيلة ساعتين ويُقدم مع لحم الضأن والدجاج والنقانق والخضار الموسمية، أو الدجاج المحمّر والمنكّه بالثوم والكزبرة الجافة والزنجبيل والزعفران، والمقدّم مع الليمون المخلل والزيتون الأخضر، وصولاً إلى طاجن اللحم الذي يثريه مذاق البرقوق المنكّه بالعسل واللوز المقلي والسمسم المحمّص.

مقبلات باردة وساخنة تختزل ثراء المطبخ المغربي وتنوّعه.

مقبلات باردة وساخنة تختزل ثراء المطبخ المغربي وتنوّعه.

تصف الطاهية موسوي هذا التوازن الأساسي في المطبخ المغربي بين مذاق مالح وآخر حلو "بصبر الأمهات" الذي يختزل حكاية المطبخ في كل بيت مغربي، حيث الوصفات إرث ينتقل من كل أم إلى ابنتها، هذا الصبر الذي تستعيده الطاهية فيما تُعد لضيوف طاجين أطايب تقليدية تقدمها في العادة لأفراد عائلتها وأحبائها.

 وعلى ما يليق بحس الضيافة المغربي، الذي ترقى به في مطعم طاجين كياسة فريق عمل رفيع المستوى، لا بد في ختام التجربة من إمتاع الذائقة بأصناف من الحلويات المغربية المصنوعة من اللوز، أو فطائر بغرير المقدمة مع العسل، أو سلطة البرتقال والقرفة والسكر المطحون، وكلها رفيق مثالي لطعم الشاي المغربي الذي يتفنن الندل في سكبه من علو داخل الكؤوس الملوّنة والمزدانة بالزخارف الذهبية، ، لذا يعد من أفخم المطاعم في دبي.