قد يكون أكثر ما تشتهر به هيرميس هو منتجاتها الجلدية بالغة الفخامة والتميّز. لكن الدار الفرنسية العريقة، التي تمتلك باعًا طويلاً في الارتقاء بأي غرض إلى مستوى العمل الفني المتقن، نجحت أيضًا في أن ترسّخ حضورها في قطاعات المنتجات الفاخرة الأخرى، بما في ذلك فنّ صناعة الوقت الذي دأبت على مقاربته من منظور متفرّد. فهيرميس لا تسعى إلى التحكّم بالوقت، ولكن إلى ترويضه.
إنه الوقت الذي يدور بنا، نقيسه ونسبقه ويسبقنا، تضبط اليوم هيرميس إيقاعه بدقة متناهية فيما ترسم تفاصيل إبداع أرادته الدار عابرًا للزمان وتسنى لنا الشهر الفائت استكشاف تجلياته في متجر الدار الفرنسية بدبي مول الذي استضاف معرض Crafting Time (تشكيل الوقت)، في ما يشبه فصلاً ثانيًا للإضاءة على الساعات التي قدّمتها هيرميس هذا العام في معرض واتشز أند واندرز، وفي طليعتها الإصدارات الجديدة من ساعة Hermès H08. وعلى ما كان عليه الحال في معرض جنيف، ترافق الحدث في دبي أيضًا مع مشهد فني بديع بتوقيع الفنان كليمان فياي Clément Vieille.
على غير ما هو عليه الحال عادة، عندما تقارب الدور مهمة تصميم مساحات عرض ابتكاراتها من منظور واقعي يقوم في غالب الأحيان على بناء نماذج عملاقة من الساعات أو الموانئ أو التروس، نجح فياي في تقديم مفهوم الوقت عند هيرميس في إطار تجريدي. وهو يفسّر توجّهه هذا قائلاً: "إن الساعة لا توحي بالوقت بل تقيسه.
أما إذا أردنا تصوّر الوقت، فلا بد لنا من أن نتخذ مسارًا آخر وأن نحاول العمل مع الوقت لتجسيد لحظاته والعواطف التي تستثيرها فينا". لذا، عندما أوكلت إليه هيرميس مهمة ابتكار عمل فني يجسّد مفهوم الرقة المتناهية للوقت، تأمل في محيطه متفكرًا في تلك المسارات الزمنية التي تتشكّل بمرور الوقت وفي العناصر التي تضفي هذا البعد الرقيق على الوقت.
Hermès
تتمايل منحوتات فياي المعلقة بخفة وانسيابية لترتّب الحيّز المكاني وتضفي عليه إيقاعها.
وفي هذا يقول الفنان الفرنسي المقيم في برشلونة: "أول ما خطر لي كان الحشرات الطائرة، وخصوصًا اليعسوب الذي تكشف مراقبته عن إيقاعات لحظية مختلفة. على أن أكثر ما كان يهمّني من هذه الإيقاعات هو بنية جناح اليعسوب، بداية من انتظام تلك الأخاديد السوداء في البعد المكاني والشفافية الملتصقة بها. فهذه البنية تُخفي تطوّرًا عمره ملايين السنين لإقصاء الأشكال الثقيلة والهشة وصولاً إلى تحقيق الشكل الأمثل للمادة".
كان هذا التطور الزمني لشكل جناح اليعسوب ملهمًا للفنان، فجسّده في سلسلة منحوتات معلقة تتمايل بخفة وانسيابية لترتّب الحيّز المكاني وتضفي عليه إيقاعها. في متجر هيرميس بدبي مول، تختزل هذه المقاربة التصميمية لتبديد الحد الفاصل بين التطور الزمني للأشكال في الطبيعة والتقنيات من جهة والوقت الخاص بالعمل الفني الذي يتحرك في المكان من جهة أخرى منحوتتان يقول فياي إن تشكيل بنيتهما الهندسية تطلب الكثير من "المعارف والعمليات الحسابية وتقنيات قطع الليزر والقطع النفاث".
اللافت أيضًا هو أن التصوّر الذي انطلق منه فياي تطوّر هو أيضًا وصولاً إلى صيغته النهائية على ما يوضح قائلاً: "كان من الضروري أن أدع الوقت يبدّل المشروع من دون أن أنحو بعيدًا عن الفكرة الأولى". في واجهة المتجر بدبي مول، تتراقص النماذج الملوّنة الأولى التي شكلها فياي من الورق قبل أن يدرك أن بناءها بحجم ضخم سيكون مستحيلاً ويقرر الاستعاضة عنها باللجوء إلى تقنيات ومواد جديدة تتصدرها ألياف الكربون والزجاج.
فلأن الحديث هنا عن ساعات Hermès H08 التي يغلب عليها طابع ذكوري (على غير ما هو عليه حال إصدارات هيرميس الأخرى التي تتزيّن بألوان الحيوانات والزهور وأشكالها)، والتي تتمايز على مستوى المادة بصلابتها وكفاءتها، كان لزامًا على فياي اللجوء إلى مادة مشابهة لتشكيل بنية باروكية الطابع. وفي هذا يقول: "كان التركيز في هذا المشروع على استخدام المزايا الأصيلة في مادة الكربون شديدة الصلابة والخفة في آن، وورق من ألياف الزجاج الذي يمتاز بمرونته ويتيح التقاط الضوء، إلى جانب إحداث ثقوب لتفريغ المادة بما يجعلها أخف وزنًا. إنه في النهاية مسار للوصول بالشكل الهندسي والعلمي إلى حلته المثالية".
وإذا كانت منحوتات فياي التي تستكشف قدرات المادة تشكل مدخلاً للانغماس في آلية حركية دقيقة وحالمة تحاكي القلب النابض لساعة ميكانيكية فيما تكرّس مفهوم الوقت من حيث كونه المادة التي ينبثق عنها كل شكل، فإنها تتماثل أيضًا مع ساعة Hermès H08 التي تحتفي بتلاحم الحرفية اليدوية مع العبقرية المتأصلة في طبيعة فنية بما يتيح تقديم ترجمات غير متناهية للأشكال والمواد.
Hermès
بإيحاء من ساعات Hermès H08، ركّز الفنان على استخدام المزايا الأصيلة في مادة الكربون وألياف الزجاج.
ساعة Hermès H08 في إصدارات جديدة
أبصرت هذه الساعة النور في محترفات هيرميس عام 2021، وقد صاغ معالمها آنذاك المدير الإبداعي للدار فيليب دوليتال مزيجًا من الانضباط الصارم والطابع المتفرّد على ما يتجلى من تصميمها الرياضي المعاصر الذي يزاوج بين الصلابة والمرونة: هنا تجتمع الخطوط الهندسية المنضبطة للعلبة المربّعة بجوانبها المتعرجة الناعمة مع ميناء دائري لتكريس بعد جمالي قائم على التلاعب بالأشكال والألوان.
وقد أثرت هيرميس هذا الخط لعام 2023 بإصدارات جديدة، شملت ساعة كرونوغراف أحادية الأزرار صيغت علبتها وسادية الشكل من ألياف الكربون المصقولة بمسحوق الغرافين وتكاملت مع قرص من التيتانيوم وميناء من الذهب الأسود تثريه أرقام مصقولة بمادة وضاءة ومؤشرات وعقارب باللون البرتقالي.
أما الإصدارات الأخرى لهذا العام، فتمثلت بمجموعة من ساعات Hermès H08 زاهية الألوان، صيغت علبها في شكل وسادي من مركب ألياف الزجاج المضفّر والمصقول بالألمنيوم ومسحوق الأردواز، فيما أثراها قرص وتاج مشغولان من الخزف لإضفاء مزيد من العمق على الميناء رمادي اللون.
Hermès
نماذج بألوان زاهية من ساعة Hermès H08 صيغت علبها وسادية الشكل من مركب ألياف الزجاج المضفّر والمصقول بالألمنيوم ومسحوق الأردواز.
إبداعات متفرّدة
في معرض Crafting Time بمتجر هيرميس دبي مول، استعرضت الدار أيضًا مجموعة من الساعات التي كرّست حضورها بمرور السنين روائع متمايزة توثّق بنبضها براعة في صياغة تعقيدات الوقت على ما تشهد طُرز مثل Arceau L’heure de la lune، وإثرائها بزخارف حرفية مثل التطعيم بالجلد في ساعة Slim d’Hermès La Panthère de Robert أو بضياء الألماس في الساعات الجواهر، بما في ذلك ساعة Faubourg Polka Joaillerie.
Hermès
ساعة Arceau L’heure de la lune Meteorite
ترتحل ساعة Arceau L’heure de la lune Meteorite بالناظرين إلى بعد فلكي شاعري فيما تقدّم منظورًا متفردًا للأرض عبر العرض الثنائي لأطوار القمر في النصفين الشمالي والجنوبي من الكرة الأرضية. يدور قرصا مؤشرات الوقت هنا فوق ميناء مشغول من حجر نيزكي يكشف عن قمرين صيغا من عرق اللؤلؤ.
Hermès
ساعة Slim d’Hermès La Panthère de Robert
ابتُكرت ساعة Slim d’Hermès La Panthère de Robert باستخدام تقنية التطعيم بالجلد ليتجلى الميناء لوحة بديعة مكوّنة من 3,500 مربع من الجلود مختلفة الألوان بسماكة 0.5 ملليمتر.
Hermès
ساعة Faubourg Polka Joaillerie
تستلهم ساعة Faubourg Polka Joaillerie طراز فوبورغ الذي طرحته الدار سنة 2014، لكن علبتها وسوارها يعكسان هذه المرة تصميمًا عصريًا. وتشهد على ذلك خصوصًا في الساعة التي تغتسل بضياء الألماس حلقات السوار التي شُكلت على نسق خطوط ونقاط.