في ظل منافسة قوية، وأزمات تلاحق العالم باستمرار، كيف تكتسب العلامات التجارية الرائدة ثقة زبائنها وولاءهم؟ سؤال يتطلب البحث على نحو دائم، فهو قديم جديد، وقد شغل الخبراء لوقت طويل، في محاولة لدراسة مسارات هذه العلامات، ومن ثم وضع خطوات مدروسة ليستفيد منها كل من أراد السير على طريق النجاح.
يعتقد البعض أن لقوة العلامة تأثيرها الواضح هنا على سلوك المستهلك، إذ إنها عنصر أساسي وفعال في أي عملية تسويق تقوم بها الشركات لتمييز نفسها عن المنافسين، بما يحافظ على حصتها في السوق على المدى الطويل. ومع ذلك يمكن للشركات والعلامات الناشئة الاستفادة من مثل هذه التجارب الموثوقة لوضع أسمائها في دائرة ثقة الزبائن، ومن ثم العمل على ضمان ولائهم .
وحسب الخبراء فإن تحقق هذا الأمر يتوقف على أمور عدة، تبدأ من الهوية المرئية للعلامة والمنتج، مرورًا برسائل العلامة وتجربة الزبائن، إذ تعمل هذه العوامل كلها معًا لإنشاء صورة متماسكة ومتسقة للعلامة. وثمة أمثلة كثيرة لعلامات حققت أداءً ممتازًا عبر مجموعة من الصناعات على مر السنين. ولكن كيف حققت ذلك حتى في أصعب الظروف؟ هذا ما سوف نتعرف عليه خلال السطور التالية، بينما نستكشف بعض الاستراتيجيات التي استخدمتها العلامات الأكثر نجاحًا.
قوة العلامة وبناء الثقة
تؤدي العلامة التجارية ومدى قوتها دورًا مهمًا في بناء ثقة الزبائن وولائهم، وتنطوي هذه القوة على إنشاء هوية فريدة لا تُنسى أو منتج ما يميزها عن منافسيها، وبذلك يمكن أن تساعد في تحقيق اتصال عاطفي مع الزبائن، وخلق شعور بالألفة والثقة.
ومن خلال الرسائل المتسقة وتلك الهوية القوية تتمكن العلامة من بناء قاعدة زبائن مخلصين، ينسجمون مع قيمها ومعتقداتها.
ولا ينبغي هنا التقليل من تأثير العلامة التجارية القوية على سمعة الشركة المالكة ونتائجها النهائية. بل إنها أقوى بكثير مما يُعتقد، إذ يمكن للشركات ذات العلامات التجارية القوية أن تتقاضى علاوة إضافية على منتجاتها أو خدماتها، ومن المرجح أن يُنظر إليها على أنها جديرة بالثقة ويمكن الاعتماد عليها من قبل المستهلكين.
وربما يكون ذلك هو السر الكامن وراء بذل العلامات المختلفة لكثير من الجهد في هذا الشأن، مع جذب الزبائن الجدد ودعم السمعة الإيجابية، بما يؤدي في النهاية إلى زيادة المبيعات والأرباح للشركة.
وحسب الخبراء، فإن العوامل النفسية التي تسهم في ولاء الزبائن وثقتهم معقدة ومتعددة الأوجه، وتشمل تصور الزبائن لجودة العلامة وموثوقيتها وقيمتها، فضلاً عن ارتباطهم العاطفي بها.
وقد أظهرت الأبحاث أنه من المرجح أن يكون الزبائن مخلصين للعلامات التجارية التي يرون أنها تتمتع بشخصية قوية وقيم مشتركة وإحساس بالأصالة، بالإضافة إلى التجارب الإيجابية معها، كخدمة الزبائن الاستثنائية أو اقتناء منتج عالي الجودة منها. فكل ذلك يمكن أن يسهم في بناء ثقة الزبائن لعلامة بعينها.
حوافز الولاء والثقة
غالبًا ما تستخدم الشركات الناجحة استراتيجيات فريدة لبناء ثقة الزبائن وولائهم لعلاماتها التجارية. وعلى سبيل المثال حافظت أبل Apple على مدار تاريخها على الابتكار الدائم والجودة الموثوقة وتفرد التصميم، فضمنت ثقة زبائنها وولائهم لعقود، بينما قامت نايكي Nike ببناء علامتها التجارية مستخدمة رسالة مميزة للتمكين والإلهام تناسب منتجاتها، من خلال شعارها الشهير "Just Do It" ورعايتها للرياضيين البارزين، فحققت بذلك توقعات زبائنها.
أما شركة كوكا كولا Coca-Cola، فقد جعلت من علامتها مرادفًا للسعادة والعمل الجماعي والتحفيز، باستخدام الحملات الإعلانية التي تبعث على الحنين إلى الماضي والتطور، ومن ثم نجحت في بناء علاقة تسويقية عاطفية مع الزبائن. وقد ساعدت مثل هذه الاستراتيجيات المتنوعة على تمييز هذه الشركات، وبناء صورة قوية للعلامة مكنتها من التفوق بالمنافسة لسنوات، ولأكثر من جيل، وهذا ليس بالأمر الهين.
وإذا امتد الحديث لصناعة الألعاب عبر الإنترنت، فسنجد المزيد من الحوافز التي قدمتها العلامات الرائدة في هذا المجال لضمان ثقة زبائنها وولائهم، كتقديم مجموعة متنوعة من الألعاب مع العروض الترويجية المتكررة، والمكافآت السخية، بالإضافة إلى تبسيط التقنيات وتقديم واجهات سهلة الاستخدام، مع تصميمات أنيقة لخلق تجارب حصرية لا يمكن تكرارها ولا تُنسى.
ومن خلال التركيز على بناء هوية قوية للعلامة التجارية وتحقيق توقعات الزبائن، تمكنت هذه الشركات من إنشاء اتصالات دائمة مع زبائنها، لتصبح نماذج ملهمة على كيفية القيام بذلك، بحيث يمكن للآخرين التعلم منها.
وقد يكون الاتساق والمصداقية والشفافية هنا من العوامل الحاسمة في بناء ثقة زبائنها وولائهم، إذ يريد هؤلاء أن يشعروا بالثقة في العلامة التجارية وأنها سوف تفي بوعودها بشكل تام ولا لبس فيه، مع تقديم منتجات وخدمات مضمونة وعالية الجودة باستمرار، بالإضافة إلى توفر اتصال شفاف وصادق، ومعالجة مخاوف الزبائن ومشكلاتهم على الفور، مع الأخذ في الحسبان الاهتمام بملاحظات الزبائن بشكل دائم ومستمر، من خلال جمع التعليقات وإجراء الاستطلاعات والتفاعل على وسائل التواصل المختلفة، بما يصب في تحسين المنتج وتجربة الزبون، ومن ثم تقوية ثقته وولائه للعلامة، ليمنحه ذلك شعورًا مميزًا بانتمائه لمجتمعها.
التطور والابتكار وإدارة السمعة
والتطور والابتكار وقبلهما التكيف، عناصر مهمة لتحقيق ثقة الزبائن وضمان ولائهم لأي علامة أو شركة، إذ يجب أن تتكيف الشركات مع مختلف الظروف للاستمرار، وتتطور بشكل دائم لتقدم كل ما هو مبتكر من أجل قواعد زبائنها، مع ضرورة إدارة سمعة العلامة بشكل إيجابي، بما يضمن الولاء وزيادة ثقة الزبائن، ما يؤدي بدوره إلى زيادة المبيعات ونمو الأرباح.
والحقيقة أن صياغة سمعة العلامة لا تحدث بين عشية وضحاها، إذ يستغرق الأمر وقتًا لكسب ثقة الزبائن واحترامهم. وفي بيئة المنافسة الطاحنة التي يشهدها عالمنا اليوم ومع ما يحيط به من صراعات، أصبحت إدارة سمعة العلامة التجارية أولوية متقدمة، تتحكم بها استراتيجيات خاصة، من خلال محاور عدة مثل العلاقات العامة، وتحسين محركات البحث، وتسويق المحتوى، وتطوير موقع الويب الخاص بالعلامة، ووسائل التواصل الاجتماعي.
والواقع أن العلامات التجارية الرائدة استخدمت هذه العناصر المهمة كلها لضمان ثقة زبائنها وولائهم. وحسب الإحصاءات المستقلة، فإن سوق العلامات التجارية العالمية الفاخرة يتجاوز اليوم ما قيمته 1.25 تريليون دولار سنويًا، على الرغم من جائحة كوفيد 19 التي سيطرت خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى تلك الصراعات التي تحيط بكوكبنا.
وقد استمر هذا الرقم في النمو بشكل جيد، ربما نتيجة لجهود بذلتها العلامات المختلفة للتكيف مع الأوضاع الراهنة، بجانب جهودها المكثفة للتطور والابتكار وإدارة السمعة، التي كان بطلها بلا منازع "تسويق العلامة بشكل ممتاز".
ولم تنحصر تلك الإجراءات في مجال معين، بل شملت مختلف المجالات، بدءًا من مصنعي السيارات الفاخرة مثل بنتلي ورولز- رويس وفيراري، إلى مصممي الأناقة مثل غوتشي وفندي، فيما زاد الاعتماد على تطبيق الوسائط الاجتماعية، والتسويق الرقمي، والتجارة الإلكترونية، وواجهات العرض الافتراضية، وغيرها الكثير من التقنيات متسارعة التطور، بهدف توسيع قواعد العلامة وانتشارها، بالإضافة إلى الوصول إلى الزبائن المحتملين، وبناء علاقات تؤدي في النهاية إلى زيادة عمليات الشراء، لتثبت العلامات التجارية الفاخرة بذلك قدرتها على خوض تحدي الاستمرار باكتساب مزيد من ثقة زبائنها وولائهم.