يمتد تاريخ العنبر لآلاف السنين، ويستغرق أزمانًا طويلة كي يمسي هذه التحفة النادرة. ويرتبط هذا الكنز الذي وتنتجه الحيتان وراتينجات الأشجار، بكثير من الممارسات الطبية القديمة والأسطورية، كما يُستخدم في الحلي وفي العطور.
العنبر وتاريخه
العنبر هو راتينج متحجر أصفر إلى بني من أصل نباتي، يستخدم في صناعة الجواهر ويحظى بتقدير كبير بسبب بريقه الطبيعي ورائحته الدافئة. يشير اسم "العنبر" إلى كل من الراتنج الأحفوري واللون المرتبط به. أصل الكلمة له جذور في اللغة العربية، فكلمة "عنبر" تشير إلى مادة تفرزها الكاشالوت (حيتان العنبر) وتستخدم في صناعة العطور.
في اللاتينية، كلمة "العنبر" مشتقة من الكلمة اليونانية القديمة "ἤεκτρον" (إلكترون)، وتشير إلى كل من العنبر والراتنج الأحفوري.
يعود تاريخ العنبر إلى آلاف السنين؛ فقد استخدم منذ العصور القديمة، وأسر البشرية بجماله وطبيعته الغامضة. وتعود الآثار الأولى لاستغلال العنبر إلى عصور ما قبل التاريخ، عندما كان يستخدم في صناعة الحلي والتمائم. ومع ذلك، فإن جاذبيته لم تقتصر على الأغراض الزخرفية. فقد اعتقد اليونانيون والرومان القدماء، على سبيل المثال، أن العنبر يمتلك خصائص طبية وسحرية كذلك.
كان العنبر سلعة مطلوبة بشدة لصنع البخور في مصر القديمة؛ ولذلك يعد منذ فترة طويلة عنصرًا أساسيًا في مجال صناعة العطور. كما أن تاريخه يرتبط بقوة بتاريخ الإسلام. وحتى في الشرق الأوسط، كان مسحوقه معروفًا بخصائصه المقوية.
ومع مرور الوقت، أصبح العنبر مادة ثمينة ومطلوبة، وجرى تداوله عبر مسافات طويلة عبر طرق التجارة في العصور القديمة. واليوم، يستمر العنبر في الإبهار، سواء كجوهرة نفيسة أو كرائحة عطرية ثمينة في صناعة العطور. تاريخ العنبر الغني وسحره الغامض يجعلانه كنزًا طبيعيًا ثمينًا عبر الزمن والثقافة.
يأتي العنبر بشكل رئيس من أشجار البلطيق؛ حيث تشكل الراتنج المتحجر منذ ملايين السنين. واليوم، ينتج العنبر أيضًا من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك النباتات والحيوانات.
لا يمكن زراعة العنبر لأنه نتاج ملايين السنين من معالجة راتينج الأشجار. تنتج الأشجار في عائلة Pinaceae، مثل الصنوبر والتنوب، مادة صمغية لحماية نفسها من الحشرات والإصابات. يمكن أن يسقط هذا الراتينج على الأرض ويتحجر بمرور الوقت، ويصبح عنبرًا. والجدير بالذكر هو أن معظم العنبر المستخدم في عطور العنبر يأتي من منطقة البلطيق، حيث تشكل الراتنج المتحجر قبل حوالي 40 مليون سنة.
بالإضافة إلى مناطق البلطيق، يجري إنتاج العنبر في أجزاء أخرى من العالم. وأهم المناطق المنتجة للعنبر هي جمهورية الدومينيكان والمكسيك وكندا ورومانيا وميانمار. ومع ذلك، تختلف جودة وكمية العنبر بشكل كبير من منطقة إلى أخرى.
وبخلاف أشجار البلطيق، فثمة نوع معين من الحيتان يأتي من خلالها العنبر. فهذه المادة التي تشبه الحجر الرمادي تأتي مباشرة من أمعاء أو معدة الحيتان. وتتكون هذه المادة نتيجة لعسر الهضم لدى الثدييات البحرية، وتصرّف هذه المادة في البحر، وتحت تأثير الشمس وملح البحر، يتحول العنبر إلى منتج يمكن استغلاله بسهولة في مجال صناعة عطور العنبر.
على أن جمع العنبر ليس بالمهمة السهلة. يتعين على صيادي العنبر البحث عن قطع من العنبر المتحجر مخبأة في رواسب الأنهار أو على الشواطئ. ويعد الاستخراج عملية دقيقة ينبغي إجراؤها بعناية لتجنب كسر القطع الثمينة أو إتلافها.
النفحات النادرة في عطور العنبر
ذكرنا أن العنبر أنواع كثيرة، بعضها راتينج (صمغ) لزج تنتجه الأشجار، والبعض الآخر، وهذا أندرها، ينتجه 1 إلى 5% من الحيتان. ومن شأن هذه الندرة أن تجعل هذه المادة باهظة الثمن ومن ثم بالغة القيمة. ولأنه مكلف للغاية، يفضل العديد من صناع العطور إعادة إنتاج العنبر صناعيًا في المختبرات.
وربما بسبب هذه الندرة، ونظرًا لطبيعة العنبر الخاصة، تحتوي كثير من أفضل عطور المصممين المحبوبة في العالم على العنبر بوصفه قاعدة أساسية، ما يضيف لها العمق والجاذبية والغموض.
وقد يكون أكثر ما يحبه صانعو العطور في العنبر هو أنه يتناغم مع العديد من المكونات الأخرى. على سبيل المثال، عند مزجه مع خشب الصندل والمسك، يكون غنيًا. من ناحية أخرى، تعمل الحمضيات على إضفاء الحيوية عليه بشكل كبير، ما يجعله أكثر قوة وتنشيطًا.
ينطوي العنبر على أشكال وروائح مختلفة. فالعنبر المصري، على سبيل المثال، يغلب عليه المسك، فيما يأتي العنبر القادم من تونس مشفوعًا برائحة توابل أكثر، وعادة ما يكون أكثر استثارة للحاسة الشمية.
العبق المميز لعطور العنبر
يقدم العنبر روائح مختلفة تختلف حسب مصدره وقوة تركيزه وغير ذلك، وهو في بعض الأحيان مزيج من روائح الخشب والكافور والنفحات البحرية. ومن ناحية أخرى، لا يخفى في هذا العطر وجود لمسة حارة وشرقية. هذا المزيج بالتحديد هو الذي يضفي الدفء والإثارة على عطور العنبر.
يعد العنبر أحد تلك المكونات التي ربما لن تلتقطها أو تتعرف عليها على الفور، مثل الحمضيات والفلفل وخشب الصندل أو زيت العود. على النقيض من ذلك، يستخدم العنبر أكثر لإضفاء الغرابة والثراء.
تتمتع عطور العنبر برائحة دافئة وحسية، تثريها روائح خشبية وراتنجية (صمغية) وعسلية. وغالبًا ما يستخدم العطارون روائح العنبر مكونًا أساسيًا في العطور لإضافة العمق والدفء، فيدمجون نفحاته بانتظام مع روائح الفانيليا والجاوي والبخور والقريضة والباتشولي وخشب الصندل والمسك للإتيان بعبق يوكي بالفخامة والرقي. كما يستخدم العنبر مثبتًا في العطور لمساعدة المكونات الأخرى على الثبات لفترة أطول على الجلد.
أبرز الأنواع التي تدخل في صناعة عطور العنبر
Labdanum
اللابدانوم هو الراتينج الذي يجري الحصول عليه من نبات القريضة (المعروف أيضًا باسم الورد الصخري) وهو القاعدة التقليدية لتكوين عطور العنبر. رائحته غنية، حلوة، حارة، تشبه الكراميل، ويمكن أن تحتوي على فروق دقيقة من الدخان وعرق السوس والعسل. غالبًا ما تدمج مواد راتنجية أخرى مع اللابدانوم، مثل البنزوين أو بلسم تولو أو بلسم البيرو أو التونكا أو الفانيليا لإكمال بنية العنبر. يعد Shalimar by Guerlain مثالاً على عطور العنبر الأيقونية التي تتمتع بمثل هذا الطابع.
Ambergris
ينتج العنبر في أمعاء حوت العنبر، وهو عبارة عن كتلة صلبة نادرة يمكن العثور عليها طافية على سطح المياه البحرية أو تجرفها الأمواج على الشواطئ. ونظرًا لندرته، فهو من أغلى المواد التي تستخدم في صناعة عطور العنبر. عادة ما تكون رائحته غنية، حلوة، مخملية، مالحة، معدنية، حيوانية، مسكية.
Amber Woods
تعد مواد العنبر الاصطناعية إضافة أحدث إلى لوحة المواد الخام الخاصة بعطور العنبر، ويجري تطويرها بشكل مستمر. الأمبروكسان/ الأمبروكسايد هو المكون ذو الرائحة في العنبر والذي يحضر صناعيًا ليحل محل العنبر النادر والمكلف.
يصنّع الأمبروكسان من مادة Sclareol الموجودة في الزيت العطري لنبات القصعين Clary Sage. وتعد مادة Iso E Super واحدة من أكثر المواد استخدامًا في عطور العنبر الحديثة نظرًا لتعدد استخداماتها كمعزز للعطر.
أفخم عطور العنبر
Costa Azzurra
يأتي هذا العطر من توم فورد مشفوعًا بمكونات أساسية من العنبر، تثريها روائح عشبية مثيرة للدهشة، مثل العرعر والهيل والآس. كما أنه يستخدم الأعشاب البحرية، وهو خيار جريء حقًا وغير معتاد، للحصول على عطر مميز للغاية ومثالي لأي شخص يبحث عن عبق غير مألوف حقًا.
TOM FORD
Black Orchid
في هذا العطر المثالي للأمسيات، تمزج دار توم فورد العنبر مع الباتشولي والشوكولاته وخشب الصندل، وتعززه بنفحات من روائح اللوتس والفاكهة.
TOM FORD
Sauvage
هو عطر مميز من ديور يستخدم العنبر للحصول على تأثير رائع. يحتوي العطر أيضًا على بعض المكونات غير العادية، مثل الكراوية والكزبرة، والتي توفر لمسة من التوابل، فيما يضيف طحلب البلوط ونجيل الهند لمسة "خارجية" مفعمة بعبق العنبر والمسك.
Dior
Ambre by Réminiscence
يحتفي هذا العطر بالعنبر بكل روعته. إنه عطر شرقي راق، يمتزج العنبر فيه مع الروائح الخشبية والتوابل، وتثريه لمسات من الفانيليا والبنزوين، ما يمنح العطر مزيدًا من العمق والنعومة. يثير هذا العطر أجواءً ساحرة وغامضة، ويأسر الحواس بدفئه وإشراقه.
Parfumo
L'Eau d'Ambre
تجمع التركيبة الخالدة لهذا العطر بين العنبر ونفحات الفانيليا والباتشولي والمسك. ويقدم هذا العطر من l'Artisan Parfumeur تفسيرًا دقيقًا وأنيقًا للعنبر، إذ يتجلى عطرًا دافئًا وحسيًا يستثير الحنين.
L'Artisan Parfumeur
Baccarat Rouge 540
هذا العطر من Maison Francis Kurkdjian غني ومعقد ينضح بالأناقة والإثارة. يتمتع بحضور طويل الأمد ويترك أثرًا ساحرًا، وهو مزيج من الروائح الزهرية والخشبية والعنبرية التي تكشف باجتماعها عن عبق فاخر وجذاب يثمنه عشاق عطور العنبر.
Maison Francis Kurkdjian
1Million by Paco Rabanne
هو عطر عنبري مميز من باكو رابان يجسد والترف والبذخ. مع زجاجة على شكل سبيكة ذهبية، حقق هذا العطر نجاحًا فوريًا وبقي على قمة قوائم المبيعات لمدة 5 سنوات. تتأرجح تركيبة هذا العطر بين النضارة والرجولة مع نفحات من الجريب فروت والنعناع والقرفة والورد والجلد والعنبر والباتشولي والأخشاب البيضاء.
Paco Rabanne
L'Eau du Soir by Sisley
هو ماء عطر فاخر وراقٍ يوازن بشكل متناغم بين النكهة المنعشة والزهرية والعنبر. تعد الزجاجة المصنوعة من الذهب عيار 18 والمزينة بمنحوتة أنثوية رمزية واحدة من سمات هذا العطر الفريدة، والذي يجسد الأناقة في أجلى معانيها، فيما يخلّف أثرًا آسرًا. والجدير بالذكر هو أنه كان العطر الأول الذي ابتكرته سيسلي.
Sisley Paris
Ambre Sultan eau de parfum
Serge Lutens
يجسد هذا العطر من علامة سيرج لوتنز Serge Lutens رحلة عطرية آسرة إلى المغرب، فيما يمزج بين رائحة التوابل والبخور، ويقدم تجربة مكثفة وساحرة تستحضرها نفخات حارة وخشبية.