إذا كانت بطولة العالم لسباقات الفورمولا 1 قد استأثرت باهتمام المشاهدين طيلة الموسم الماضي، فإن بطولة العالم لسباقات الفورمولا إي أصبحت تحظى أيضًا بشهرة متزايدة مع الاستعداد لانطلاق موسمها العاشر في 13 يناير الجاري بمدينة مكسيكو سيتي. 

فضلاً عن الفروق الصوتية، والقوانين المتباينة، والمحركات المختلفة بين الهجينة وعديمة الانبعاثات، يظلّ أبرز فرقٍ بين البطولتين هو درجة الابتكار التي تنتقل من الحلبة إلى المستهلِك. في هذه الناحية خصوصًا، تتفوّق سيارات الفورمولا إي على نظيراتها المجهزة بمحركات الاحتراق الداخلي.

قيادة سيارة DS E-Tense FE23

قبل مدّة، تسنّت لي فرصة قيادة الجيل الثالث الأحدث من سيارة الفورمولا إي المكشوفة ذات المقعد الوحيد. ما إن يجلس المرء في مقصورة سيارة DS E-Tense FE23، التي انبثقت عن مشروع "دي إس بينسكي" DS Penske، حتى يجد نفسه غير قادر على التفريق بين هذه المركبة الخارجة من فيلم Tomorrowland (أرض الغد) والمركبات الكهربائية المتماثلة الشائعة في الأسواق (الجدير بالذكر هو أن مشروع "دي إس بينسكي" جاء حصيلةً للتعاون بين شركة دي إس أوتوموبيل وفريق بينسكي أوتوسبورت التابع لشركة بينسكي ميديا كوربوريشن التي تمتلك مجلة Robb Report). على أن هذه الحيرة تزداد مع اللفات الأولى على حلبة الاختبار الإيطالية أوتودْرومو دي فارانو Autodromo di Varano.

كنت قد اختبرت منذ عهد قريب قيادة طرازين من السيارات الكهربائية الخارقة المخصصة للإنتاج على نطاق واسع: سيارة لوسيد إير سافير Lucid Air Sapphire التي تنتج قوة 1,234 حصانًا وسيارة بينينفارينا باتيستا Pininfarina Battista التي تولّد قوة 1,900 حصان.

لهذا لم يُزعِجني التسارع الفوري لسيارة DS E-Tense FE23 بقدر ما أزعجتني استجابتها وسلوكها العدائي الآني. على الرغم من نظام المكابح المتجددة المذهل (نتطرّق له لاحقًا)، وخلافًا لما هو عليه الحال في سيارة تسلا، فإن هذه السيارة لا تعتمد على نظامٍ للقيادة بدواسة واحدة، بل تقع مسؤولية الكبح على السائق.

كذلك، تَغيب الأنظمة المساعِدة عن هذه السيارة لأنها مخصصة للسباقات، وهذا ما اكتشفته فورَ تجاوز المنعطف الأخير للمرة الأولى. فعندما وصلت المسار المستقيم للحلبة، تسارعت بالسيارة قبل الأوان، ما أدّى إلى دورانها حول نفسها، قبل أن تستقر أخيرًا مُقابِلةً الموضِع الذي انطلقت منه.

حتى في غياب مدخلات التوجيه، يبدو قسم السيارة الخلفي كأنه يريد أن يُهيمن على القسم الأمامي، ومثل أي سيارة سباق مفتوحة، فإنها تختلف كليًا عن السيارات المخصصة للإنتاج. لكن الصلة بين الفئتين قائمة، وهي صلةٌ مباشرة أكثر مما يعتقد كثيرون.

في هذا يقول جيف دودز، الرئيس التنفيذي لبطولة العالم لسباقات الفورمولا إي: "لا يحتاج صانعو السيارات أمثال بورشه وجاغوار إلى الترويج لعلاماتهم بالمشاركة في هذه البطولة، بَيد أنهم يستفيدون من المعلومات القيّمة المستمدّة من حلبات السباق، والتي يُدمِجها المهندسون مباشرة في سيرورة إنتاج السيارات المخصصة للطرقات".

تزعم جاغوار أن مفاهيم تدبير الطاقة المُستخلصة من المشاركة في هذه المنافسة أدّت إلى زيادة مدى سفر سيارة I-Pace بنسبة 10%، فيما تقول نيسان إن المشاركة في البطولة أسهمت في تحسين كفاءة بطارية السيارة الكهربائية LEAF بنسبة 181%.

تُنتج سيارة DS E-Tense FE23 قوةً تبلغ نحو 804 أحصنة. وتصِل قدرة المحرك الأمامي الذي يتكفّل بتجديد الطاقة إلى 250 كيلو واط فقط، في حين يتكفّل المحرك الخلفي الذي تبلغ قدرته 350 كيلو واط بتجديد الطاقة، فضلاً عن إنتاج قوة دفعٍ مُحدّدة عند 470 حصانًا. يُتيح هذان المحركان التسارع من صفر إلى 60 ميلاً/الساعة في غضون ثانيتين، وتحقيق سرعة قصوى تُساوي نظريًا 200 ميل/الساعة، وكفاءة تشغيلٍ بنسبة 95% مقارنةً بكفاءة محركات الاحتراق الداخلي التي تبلغ 40%.

كما يُعدّ نظام المكابح المتجددة المستخدَم في هذه السيارة أحدث ما توصلت إليه التطورات التقنية، وذلك على الرغم من أن السائق لا يستشعر نشاطه في أثناء القيادة. ويقول أوجينيو فرانزيتي، مدير قسم التطوير DS Performance، إن "45% من الطاقة المستخدَمة خلال السباق تُولَّد في أثنائه"، ما يعني تعزيز إمكانية خفض وزن السيارة عن طريق تقليص حجم البطارية.

في السياق نفسه، يشير توماس شوفوشيه، مدير برنامج الفورمولا إي في شركة ستيلانتس، إلى أن "القوانين تحدّ من إمكانية التطوير في سباقات السيارات التقليدية". لكن الأمر يختلف في سباقات الفورمولا إي، على ما يقول موضحًا: "لا قيود تُكبِّلنا هنا، لذلك نستطيع بلوغ أبعد الآفاق، ما ينعكس على تطوير السيارات المُعدّة للقيادة على الطرقات".

ويعني هذا أن التسارع الفائق والجموح على حلبات سباقات الفورمولا إي يؤثّر إيجابيًا على مستقبل قطاع المركبات الكهربائية. وفي هذا يقول دودز: "إننا جميعًا سائرون على منحنى التعلم".