في صيف عام 2020، وبالتزامن مع أوج جائحة كورونا، تقدّمت إحدى الزبونات المقيمات بآسيا بطلب مفصّل ومميز إلى شركة دي بيرز، إلى حد أن الشركة التي اعتادت على الاستجابة للطلبات الخاصة لزبائنها المميزين لم تكد تحير جوابًا. وفي هذا تقول سيلين أسيمون، المديرة التنفيذية لشركة دي بيرز للجواهر: "لقد أرادت شيئًا محددًا للغاية".

أخبرتهم الزبونة أنها تريد قطعة ألماس لا تشوبها شائبة بلون من الدرجة D وبأبعاد ومعايير خاصة لها دلالة رمزية (على الأرجح القيراط والقطع)، فضلاً عن زاوية محددة لانعكاس الضوء وانكساره. وما كانت قطعة ألماس مقتناة من دار جواهر لتستوفي تلك المعايير، مهما كان قطعها ونقاؤها وحجمها.

وتقول أسيمون: "لم نكن نملك قطعة ألماس مماثلة وما كنّا لنقطع أحجار الألماس التي نعرضها للبيع وفقًا للمعايير التي حددتها الزبونة".

لتحقيق الغاية المرجوّة، استخرجت دي بيرز حجرًا خامًا يمكن أن يستوفي تلك الشروط. واستغرقت العملية التي شاركت الزبونة في مراحلها كلها أكثر من عام، بداية من شراء حجر الألماس الخام وصولاً إلى رصف الأحجار المصقولة على الأقراط المتدلية.

وبموازاة الطابع الجمالي للآسر للتصميم النهائي، حازت الزبونة أكثر من أحجار فريدة وأقراط مصممة حسب الطلب، إذ إنها خطّت أيضًا قصة غاية في التشويق. وتقول أسيمون: "إن الرحلة أهم نوعًا ما من المحصلة النهائية، إذ إنها سترتبط باسم عائلتك إلى الأبد".

تحولات جديدة

ازداد عدد زبائن الجواهر الراقية الذين يصرّون على استيفاء معايير تفرد وتميز لا نظير لها من خلال مطالبهم التي لا تُلبّى إلا بالعمل على حجر ألماس خام، وقطْعه حسب مواصفات محددة تُناسب تصاميم أحلامهم. وتُسهم الرغبات المتزايدة لكبار الشخصيات في زعزعة صناعةٍ لطالما اتّسمت بتراتبية جامدة.

فقد جرت العادة أن تستخرج المناجمُ الأحجار الخام ثم تبيعها للتجار الذين يقْطعونها ويصقلونها (إما عبر شركاتهم أو عبر أطراف ثالثة) قبل بيعها لدور الجواهر الراقية التي تصوغها عقودًا وخواتم وغير ذلك. في بعض الأحيان، تقطع المناجمُ الأحجار للتجار، ومن حين لآخر، خصوصًا في حالة الأحجار النادرة، تتكفل دور الجواهر باستخراج أحجارها الخام. على العموم، كان كل قطاع من هذه الصناعة مستقلاً عن القطاعات الأخرى.

أما اليوم، فيسارع كثيرون إلى إنشاء قنوات لتوصيل أحجار الألماس، حتى الخام منه والذي يبلغ سعره ملايين الدولارات، مباشرة إلى المستهلكين. وتحلّ المناجم والتجار على حدٍ سواء محل دور الجواهر الراقية إذ تضع قطع الألماس الخام بين أيدي زبائنها الساعين إلى تصميم فرائد لا تضاهى. وفي الوقت نفسه، تُؤمّن دورٌ أمثال غراف وفان كليف أند آربلز ولويس فويتون أحجارًا أسطورية تعتمدها، حرفيًا وسرديًا، ركيزة لمجموعاتها من الجواهر الفاخرة.

برزت هذا الخريف شركتان جديدتان متمرستان في التنقيب عن الأحجار وقطعها وصقلها، تبيعان الأحجار الخام البارزة إلى الزبائن مباشرة، من دون الحاجة إلى وساطة التجار ودور الجواهر. تحمل الشركة الأولى اسم "سيغنوم" Signum، وهي تابعة لشركة التصنيع والتوريد البلجيكية "إتش بي أنتويرب" HB Antwerp المتخصصة في قطع الألماس الفاخر وبيعه، وتنشط في مجال تقديم قطع الألماس الخام للزبائن بما يتيح لهم ابتكار تصاميم مخصصة.

وأما الشركة الثانية، فاسمها "ميزون مازيريا" Maison Mazerea، وهي تمثل المشروع الجديد للشركة الأسترالية "برغندي دياموند ماينز"Burgundy  Diamond Mines، وتتيح لزبائنها إما اقتناء أحجار ألماس خام بقصد ابتكار تصاميم حسب الطلب، وإما اقتناء جواهر فاخرة صيغت بالتعاون مع ألمع المصممين المستقلين، مثل الفرنسي لورينز بومر، باستخدام قطع ألماس استخرجتها الشركة وقطعتها ثم صقلتها.

ويقول بيتر ريفنسكروفت، المدير العام والرئيس التنفيذي لشركتي برغندي دياموند ماينز وميزون مازيريا: "نحاول تقديم قطع متفردة لنخبة زبائننا، قطع لا يملكها صاحب اليخت الراسي بالجوار".

ألماسة "ليسيدي لا رونا" من غراف تحت أشعة الليزر وفي حالتها البكر.

Daniel Herendi
ألماسة "ليسيدي لا رونا" من غراف تحت أشعة الليزر وفي حالتها البكر.

قطع متفرّد

لا شك في أن سقف المعايير في ما يخص أحجار الألماس النادرة عالٍ جدًا، غير أن ميزون مازيريا نجحت في ترسيخ موقعها في هذا المجال بفضل المؤهلات المثبتة لشركتها الأم. كما أنها ستعمل على توفير نوادر الأحجار بالتعاون مع شركات تنقيب في كندا وبوتسوانا ودول أخرى غنية بالألماس.

ويذكر أنه عندما أغلقت مناجم أرغايل الأسترالية المعروفة باستخراج أجود الماسات الوردية في العالم في عام 2020، سارعت مازيريا إلى توظيف قاطعي الألماس المهرة الذين عملوا بالمنجم. ويقول ريفنسكروفت: "لقد قطعنا للتو ألماسة زنتها سبعة قراريط ونصف، من المرجح أن يصل سعرها إلى مليونين أو ثلاثة ملايين دولار، وقد قُطِعت من حجر خام زنته 14 قيراطًا. أما اكتشافنا التالي، فيتمثل بحجر زنة 24 قيراطًا، ولذلك سيكون حجم الألماسة المستخرجة منه أكبر".

تتسم أحجار مازيريا أيضًا بقطْع غير مألوف، إذ إنها تتضمن أوجهًا أقل تُظهر انكسارًا ضوئيًا أخف مقارنة بما يتيحه القطْع الحديث، وتُبدي اللون الطبيعي للحجر. وقد استُلهم هذا القطْع من تقنيات القرن السابع عشر التي استخدمت في البلاط الملكي الفرنسي. (اسم العلامة مستمد من الكاردينال مازارين، جامع الألماس البارز ورئيس وزراء لويس الثالث عشر ولويس الرابع عشر).

ويقول ريفنسكروفت: "إذا أراد شخص ما حجر ألماس بقطع الماركيز، فلن يجده عندنا". لكن إذا كان الزبائن يبحثون عن قطعة مميزة وتجربة بعيدة عن منال معظم الناس، فإن مازيريا تتيح لهم الأحجار الخام المطلوبة لتحقيق رؤاهم المخصصة التي تقع في نطاق رؤية الشركة المبتكرة.

ويوضح ريفنسكروفت: "نستطيع توفير ألماسة خام لأحد زبائننا، ويمكنهم أيضًا زيارة المنجم ومقابلة العاملين. كما يمكنهم معاينة محترفات قطع الألماس والمشاركة في تصميم الحجر وإعداده".

ألماسة "ليسيدي لا رونا" من غراف بقطْع الزمرد المربع، وهي أكبر ألماسة من هذا النوع في العالم.

Philip Mostert/Graff
ألماسة "ليسيدي لا رونا" من غراف بقطْع الزمرد المربع، وهي أكبر ألماسة من هذا النوع في العالم.

قبضة محكمة

فيما تبيع ميزون مازيريا قطعًا مصقولة من ابتكار مصممين مستقلين، تُتاجر شركة سيغنوم حصريًا بالألماس الخام، مانحة زبائنها سيطرة تامة على أحجارهم، من ولادتها الخشنة إلى نهايتها البراقة. يمكن أن تستغرق هذه العملية من ثلاثة أشهر، إذا كان المُراد واضحًا، إلى عامأ و أكثر إذا تعلق الأمر بمشاريع شديدة التعقيد، مثل تصميم أحجارٍ بقطْع متفردٍ وتأمين حقوق ملكيتها الفكرية.

وعلى ما هو عليه حال ميزون مازيريا، تتمتع سيغنوم بموقع يؤهلها لريادة هذا النموذج التجاري الجديد، ذلك أن مقرها الرئيس في أنتويرب هو المكان الذي يتم فيه التداول بأكثر من 86% من الألماس الخام في العالم.

قبل الإطلاق الرسمي لشركة سيغنوم نهاية العام المنقضي، حظيت مجموعة الأحجار النادرة التي قدمتها الشركة باستحسان عدد من زبائنها الأوائل. تقدم أحد الزبائن إلى خطيبته بحجر ألماس خام في أثناء نزهة في غشتاد بسويسرا. ولا، لم يصادف الحجر في طريقه.

يقول رافائيل بابيسميدوف، الشريك الإداري ومدير الاستراتيجية لشركة سيغنوم وإتش بي أنتويرب: "لقد أعدّ الألماسة الخام على خاتم جميل، وبعدها ظلت خطيبته تتجول بالخاتم لشهرين، مثيرة الأسئلة أينما حلّت".

ولمّا قرّرا أخيرًا ما يجب فعله بالحجر، عزّ عليها التخلي عنه. ويشرح بابيسميدوف قائلاً: "كانت العملية رائعة، بداية من التشاور مع الفريق لساعات وقياس الزوايا وتحديد الأطوال وتعيين زاوية انعكاس الضوء وهيئته. "أعتقد أنها طريقة جميلة لبدء مشروع الزواج".

يذكر أن أحد الزبائن سُرَّ كثيرًا بحجري الألماس الخام اللذين اقتناهما من سيغنوم، إلى حد أنه حوّل مليوني دولار إلى حساب الشركة لتعثر له على حجر ثالث. ويقول بابيسميدوف: "لقد أخبرنا أن نحتفظ بالمال بشرط أن نعلمه عندما نجد الحجر". ويضيف: "كانت العملية بأكملها مسببة للهوس".

يُعد جمع الألماس الخام المقدّر سعره بملايين الدولارات عادة باهظة إلى حد يثير الريبة. لكن سيغنوم تُحكِم سيطرتها على أحجارها، سواء التي تزن 10 قراريط أو التي تزن أكثر، والنتيجة محدوديتها الكبيرة.

ويتعين على الزبائن المحتملين الخضوع لعملية تدقيق تتيح للشركة التعرف عليهم، وهذا أمر مألوف في عالم الجواهر والساعات الفاخرة. فغالبًا ما تُجري العلامات تدقيقًا معمقًا في هوية الزبائن وتجري مقابلات مع المهتمين باقتناء ابتكاراتها، وعادة ما يتطلب إتمام الصفقات إحالةً من زبون آخر. وفي ذلك يقول بابيسميدوف: "لا نودّ أن نصبح آلة لغسل الأموال. ولا نريد أن نكون آلة في أيدي السياسيين الفاسدين الذين يشترون قطعًا فاخرة ويخفون قيمتها من خلالنا، أو أن نكون في خدمة أباطرة المخدرات.

ولهذا ارتأينا إطلاق المنصة في العالم الغربي أولاً، وبالأساس في الساحل الغربي والشرقي للولايات المتحدة، ثم التوسع تدريجيًا إلى أوروبا. عند الانضمام إلى هذه الجماعة، ستشعر بالراحة عندما تدرك أنك بين أفراد يتشاركون القيم نفسها". وبالمثل يقول ريفنسكروفت إن مازيريا ستركز على أمريكا الشمالية لأن "معايير عمليات الإنتاج في الأسواق الشرقية أقل صرامة".

ألماسة خام صفراء زاهية زنة 24.4 قيراط من شركة ميزون مازيريا.

Maison Mazerean
ألماسة خام صفراء زاهية زنة 24.4 قيراط من شركة ميزون مازيريا.

ألماس خُلقي

أما في ما يخص أخلاقيات الشركتين، فكلتاهما تشجعان الزبائن على زيارة المناجم والمقرات الرئيسة لمقابلة العمّال والاطلاع على ظروف العمل مباشرة. ويُذكر أن شركة سيغنوم تستخدم أيضًا تقنية التعاملات الرقمية التسلسلية Blockchain للتصديق على مصدر الألماس وأصالته بحجّة الوقاية من الممارسات المشبوهة، مثل شحن المناجم الروسية قطعَ الألماس الخام إلى الهند حيث تُقطع وتُصقل وتُصنّف بوصفها أحجارًا هندية، والهدف من ذلك تجنب القيود الغربية المفروضة على الأحجار الروسية. ويقول ريفنسكروفت: "للفكرة صلة بالتثبّت من الأصل، فنحن نعرف مصدر الألماس لأننا نحن استخرجناه، ولا يغادر عهدتنا إلا عندما يصبح قطعة جواهر بين يدي الزبون".

ومن المقرر أن تتبرع مازيريا وسيغنوم بنسبة من العائدات لمساعدة جماعات التنقيب المحلية. غير أن سيغنوم ترتقي بممارساتها التجارية التقدمية إلى أبعد من ذلك، إذ تُلزم مناجمها بمعايير بيئية واجتماعية وإدارية عالية، ومن هنا أسعارها الباهظة.

وفي هذا يقول بابيسميدوف: "بإمكانك معرفة كل ما تريده عن المنجم، من التأثير البيئي، ومصادر الطاقة المستعملة (هل هي محركات احتراق أم ألواح شمسية؟)، إلى طرق غسل الأحجار المختلفة، ونوع المواد الكيميائية المستخدمة، ونوع المتفجرات.

وهذه المعطيات كلها تدخل في تحديد السعر". ولهذا تخضع الحكومات والمناجم للتقييم بناءً على جهودها في ناحية الاستدامة. يقول بابيسميدوف موضحًا: "المقصود هو تقديم الحوافز لعمال المناجم وللحكومات لاحترام أعلى المعايير الممكنة".

خبير في صقل الأحجار يعمل في شركة سيغنوم.

Jonas Roosense
خبير في صقل الأحجار يعمل في شركة سيغنوم.

اكتشافات فذة

ضاعفت دور جواهر مثل دي بيرز وغراف جهودها في هذا المجال، ربما في مُحاولة منها للتقدّم على منافسيها. فقد استحوذت غراف على ألماسة "ليسيدي لا رونا" Lesedi La Rona (تعني "نورنا" باللغة التسوانية لبوتسوانا، حيث استخرجت) مقابل 53 مليون دولار.

تزن الألماسة 1109 قراريط، وتعد رابع أكبر ألماسة مستخرجة على الإطلاق، ما اضطر الشركة إلى تصميم ماسح ضوئي وبرنامج تصوير خاص لمعرفة السبيل إلى قطعها.

وبعدها استخدمت غراف تقنية الليزر لنقش اسم الألماسة على كل حجر من الأحجار الستة والستين المقتطعة منها. لا تُرى هذه النقوش بالعين المجردة، ولكنها تعزز القِطَع بلمسة خفية تدل على مصدرها. وفي هذا يقول الرئيس التنفيذي فرانسوا غراف: "بيعت الأحجار فورًا، وكانت النقوش التي تشير إلى الأصل طريقتنا للاحتفاء بهذا الاكتشاف الفذ وإعطاء زبائننا فرصة التزيّن بقطعة تاريخية رائعة".

الجدير بالذكر هو أن مزودي الألماس الكبار ليسوا مبتدئين في ما يتعلق بالأحجار الخام. صحيح أن مجموعة دي بيرز لم تبدأ في ابتكار قطع جواهر تحمل علامتها إلا في عام 2001، ولكنها كانت تستخرج الألماس وتورّده منذ تأسيسها في عام 1888.

بل إنها كانت وراء توزيع نحو 80% من الألماس الخام المستخرج حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. واليوم، تبيع الشركة ما يقدر بنحو 30% من إنتاج الألماس الخام في العالم من حيث القيمة.

أما شركة غراف، التي تأسست في عام 1960، فاقتنت أول حجر خام كبير في عام 1989، عندما استحوذت على حجر "باراغون" Paragon الذي بلغت زنته 320 قيراطًا، والذي استخرجت منه جوهرة تزن 137.72 قيراط، كانت تعد وقتها أكبر ألماسة نقية من الدرجة اللونية D. ومنذ عام 2000، اشترت غراف حجرًا خامًا نفيسًا كل عام تقريبًا.

ألماسة "ميلينيوم ستار" التي اشترتها دي بيرز.

DeBeers
ألماسة "ميلينيوم ستار" التي اشترتها دي بيرز.

وهنا تكمن عظمة هذه الأحجار. فالعلامات التجارية باتت تبيع الآن ابتكارات مستلهمة من كنوزها الهائلة تلك. ويقول فرانسوا غراف، الذي أمضى والده لورانس عامًا في التفاوض قبل إبرام صفقة "ليسيدي لا رونا"، إنهم "كانوا يعلمون أن الحجر ينطوي على إمكانيات تجعله يدخل التاريخ". وتستفيد غراف الآن من شهرة الحجر إلى أقصى حد، حتى إنها أطلقت عطورًا تحمل الاسم نفسه في عبوات كريستالية بقطْع الزمرد تُجسد جوهر الألماسة.

أن تثير هذه الصخور التي تبلغ من العمر مليار عام وأكثر ضجة كبيرة فهذا عاملٌ يسهم في جذب وافدين جدد. ففي عام 2018 على سبيل المثال، دفعت فان كليف أند آربلز، التي فضلت على مدار تاريخها شراء أحجار مقطوعة ومصقولة فحسب، 40 مليون دولار مقابل ألماسة "ليسوتو ليجند" Lesotho Legend التي بلغت زنتها 910 قراريط، والتي تعد خامس أكبر ألماسة مستخرجة على الإطلاق.

ويقول الرئيس والمدير التنفيذي للشركة نيكولاس بوس إن فان كليف أند آربلز لا تشتري عادة الأحجار الخام لأن جودة الألماسات المستخرجة منها تكون متباينة، فقد يكون لونها واحدًا ولكن نقاوتها تختلف. ويتابع بوس قائلاً: "ما تغير في هذه الحالة هو أن أحد التجار الذين ربطتنا بهم علاقة عمل طويلة الأمد، رأى أن جودة الحجر كانت عالية جدًا، إلى درجة رجّح معها أن تكون متماثلة على الحجر كله".

استغرق التخطيط لعملية القطْع نحو عام من الزمن - باستخدام الماسحات الضوئية والتصميمات المعتمدة على الحاسوب ومواهب قاطعي الأحجار - قبل توغل الأدوات في الحجر، وثلاث سنوات أخرى لابتكار مجموعة جواهر راقية، كُشف عنها لأول مرة في شهر يوليو الفائت.

تشتمل المجموعة على 67 ألماسة تراوح زنتها بين 25.06 قيراط و79.35 قيراط، كلها مقطوعة من الحجر الأصل. وتقول كريستينا باكلي كايل، المدير العام لمنظمة "مجلس الألماس الطبيعي" Natural Diamond Council والنائب السابق لرئيس قسم التسويق والإعلام في فان كليف أند آربلز: "ينقل الحجر أصالة الدار إلى بعد آخر تمامًا، وأعتقد أن لهذا قيمة إضافية عند الزبائن وقد يسهم في جذب المزيد منهم إلى مجموعات الجواهر الراقية". وتضيف كايل: "عندما ينحو أمثال فان كليف أند آربلز هذا النحو، فمن المرجح أن يشيع هذا النموذج بمرور الوقت".

 عقد Volutes Mystérieuses من فان كليف أند آربلز، مُرصع بأحجار ألماس مقطوعة من ألماسة "ليسوتو ليجند".

Bertrand Moulin/Van Cleef & Arpels
عقد Volutes Mystérieuses من فان كليف أند آربلز، مُرصع بأحجار ألماس مقطوعة من ألماسة "ليسوتو ليجند".

سباق محتدم

لم يمض وقت طويل على استحواذ فان كليف على ألماسة "ليسوتو ليجند"، حتى شرع منافسوها يتسابقون للتنقيب في سوق الأحجار الخام. في عام 2019، اقتنصت لويس فويتون ألماسة "سيويلو" Sewelo التي تبلغ زنتها 1758 قيراطًا، وتعد ثاني أكبر ألماسة مستخرجة على الإطلاق (تتخلف عن ألماسة "كولينان" Cullinan المستخرجة من جنوب إفريقيا في عام 1905 والتي تزن 3106 قراريط)، ثم اقتنت في عام 2020 ألماسة "سيتونيا" Sethunya التي تزن 549 قيراطًا.

واستخرجت كلتا الألماستين من منجم "كارووي" البوتسواني التابع لشركة "لوكارا"، والذي استُخرجت منه أيضًا ألماسة "ليسيدي لا رونا". ومع أن دار لويس فويتون كانت تبتكر مجموعات الجواهر الفاخرة منذ عام 2009، ولكنها فاجأت الكثيرين بهذه الخطوة، إذ إنها اشتهرت ببيع المنتجات الجلدية الفاخرة والملابس الجاهزة.

لم تكشف الدار الفرنسية عن المبلغ الذي دفعته مقابل الألماستين، غير أن السعر المقدّر لألماسة "سيويلو" وحدها يراوح بين 6.5 مليون دولار و19 مليون دولار. وقد قررت الدار تمكين زبائنها المميزين من حجز الأحجار المستخرجة وتصميمها حسب الطلب، فاتحة المجال أمامهم للمشاركة في العملية من البداية إلى النهاية. يُذكر أن شركة إتش بي أنتويرب، الشركة نفسها التي أصبحت تبيع الألماس الخام إلى الزبائن مباشرة، ستترأس عمليات القطع والصقل التي قيل إنها معقدة لأحجار "سيويلو" و"سيتونيا".

 رسم لتاج Infinity من غراف.

Graff
رسم لتاج Infinity من غراف.

ولا غرابة أن يزعم بابيسميدوف أن "دور الجواهر الكبيرة، باستثناء عدد قليل جدًا منها، إن وجدت، لا تستطيع تحويل الألماس الخام إلى ألماس مصقول"، مشيرًا إلى أن تلك الدور تتجه في أغلب الأحيان إلى الاستعانة بجهات خارجية لإنجاز هذه العملية، ولذلك أمامها الكثير لتتعلمه. ويضيف قائلاً: "إنها طريقة رائعة لتروّج الدور لنفسها، فضلاً عن كونها تشكل مضمون قصة جذابة. ولكن الواقع هو أن حرفييهم يفتقرون إلى المعارف اللازمة لإنجاز هذه العملية. تتركز مشاركة هذه الدُّور أساسًا في إحاطة القطعة بالمعادن ومن النادر أن يشاركوا في صنع الألماسة".

ويبقى السؤال: كيف ستتأثر دور الجواهر الفاخرة الكبيرة بازدياد عدد التجار وقاطعي الأحجار وعمال المناجم الذين يتنافسون على جذب الزبائن أنفسهم؟ من المرجح أن يظل عشاق العلامات التجارية أوفياء لدور الجواهر التقليدية. ولكن، لأولئك الأثرياء الذين يمتلكون حقيقة كل ما يمكن للمال أن يشتريه، قد يكون التحكم في المسار الكامل لتكوين الجوهرة، من حالتها الخام إلى حالتها البراقة، سبقًا عظيمًا لا مثيل له.