لا عجب في أن قضاء رحلة مهنية أو ترفيهية في أحد فنادق ومنتجعات فورسيزونز Four Seasons الفاخرة المنتشرة حول العالم يعد من التجارب التي تأسر الألباب وتشرح الصدور، لأنها ارتبطت باسم عملاق استطاع أن يُحدث طفرة هائلة في قطاع الضيافة على مدى أكثر من ستين عامًا. فمن اللحظة الأولى للوصول إلى أي من الملكيات المنضوية تحت مظلة هذه المجموعة الفندقية، تختبر بشائر إقامة مترفة يُقاس عليها التمايز في هذا القطاع.
مغامرة جريئة
بدأت فنادق ومنتجعات فورسيزونز بمغامرة الشاب الكندي ذي الأصول البولندية إيزادور شارب الذي قرر خوضها بعد دراسته للهندسة المعمارية وعمله لسنوات في مجال البناء. فعقب تصميمه فندقًا لأحد زبائنه دفعه النجاح الذي حققه هذا المشروع للتفكير في دخول قطاع الضيافة.
لكن عدم تمتعه بالخبرة الكافية وبحثه عن شركاء جعلاه ينتظر أكثر من خمس سنوات لكي يرى أول فندق له ماثلًا أمام عينيه في مطلع فصل الربيع من عام 1961.
حَمَل الفندق الذي كان يقع في وسط مدينة تورونتو الكندية اسم فورسيزونز ونجح في اجتذاب النزلاء بشكل لافت، الأمر الذي فَتَح شهية إيزادور شارب للتوسع في قطاع الضيافة عبر إطلاق فندقين جديدين ليمتلك بذلك 3 فنادق في كندا في أقل من عشر سنوات.
وبالرغم من كون شارب حديث العهد بهذا القطاع، إلا أنه كان يؤمن أن تقديم أفضل خدمة ممكنة والتعامل مع كل نزيل بوصفه ضيفًا خاصًا ينبغي منحه أعلى معايير الرعاية والاهتمام سيضمنان له مفتاح النجاح الذي يكرّس اسم فورسيزونز ضمن أكبر العلامات التجارية وأشهرها في المجال.
Navia, Four Seasons Resort, Punta Mita
منتجع الخيام الفاخرة الأول من نوعه المخصص للكبار فقط في الأمريكتين يعزز تجربة التعايش مع الطبيعة.
آفاق توسعية
هذه الفلسفة التي قامت عليها علامة فورسيزونز مهدت أمام شارب الطريق لتحقيق نمو أكبر في أعماله في مطلع سبعينيات القرن العشرين، إذ أتيحت الفرصة له للتوسع خارج كندا في وقت كان السفر بالطائرة عبر المحيط الأطلسي من التجارب الفاتنة التي يحلم أن يعيشها الجميع.
كانت إنجلترا المتخمة بالفنادق الفخمة هي المحطة الأولى له وعليه أدت دورًا مهمًا في تحديد بوصلة سلسلة الفنادق واتجاهها المستقبلي لتركز على الترف وتقديم خدمات مبتكرة ورائدة ومتفردة للنزلاء، وبخاصة أولئك الذين تتأجل عطلتهم بسبب الإجراءات الرسمية المزعجة في كبرى الفنادق الفاخرة.
أسس الشاب الكندي فندقه الجديد في لندن ليستقبل الأفراد الذين يتطلعون للحصول على خدمات مترفة واستثنائية دون تعقيد، وهو ما كان يبحث عنه غالبية الناس في تلك الفترة. وبالرغم من ارتفاع أسعار الإقامة في الفندق اللندني ومنافسته لأسماء أقدم وأشهر في عالم الضيافة، إلا أن فسحات الإقامة فيه كانت دائمًا تغص بالزوار، خصوصًا مع حرصه على تقديم خدمات لم تكن شائعة حينها، ولهذا انتزع لقب أفضل فندق في أوروبا لعام 1970 ودخل عن استحقاق قائمة الفنادق بالغة الفخامة.
ومع امتلاك سلسلة الفنادق الكندية لخطط توسعية داخلية وخارجية، قرر إيزادور شارب تحويل نموذج عمل السلسلة القائم على امتلاك الفنادق وتشغيلها إلى إدارتها فقط عبر تصميم الفنادق التي يبنيها المقاولون وأصحاب العقارات وتشغيلها.
كان نهج الضيافة الذي يتبناه شارب قائمًا على مبدأ أن الرفاهية الحقيقية للنزلاء لا تتحقق من خلال فخامة الهندسة المعمارية والديكورات الأخَّاذَة فحسب، ولكن عبر جودة الخدمة وتميزها والتفاني المُطلق في تطويرها. لهذا ركز شارب على هذه الجزئية التي مثلت مفهومًا لم يكن شائعًا في ذلك الوقت ولكنه سمح للمجموعة بتجنب الوقوع في أزمات مالية في فترات الركود الاقتصادي وبتوسيع خبرتها سريعًا في بيئات وعوالم مختلفة لتبدأ رحلتها في منافسة فنادق النخبة في العالم.
في عام 1976، أبرمت فورسيزونز أول عقد إداري لها في السوق الأمريكي عبر تشغيلها لفندق "ذا كليفت" The Clift الشهير في سان فرانسيسكو.
وقد نجحت علامة فورسيزونز في إعادة تقديم هذا الفندق للجمهور بصورة بديعة والارتقاء بمستوى الخدمات فيها، ما دفع قراء مجلة السفر الأمريكية الفاخرة كونديه ناست ترافلر Condé Nast Traveler بعدها بسنوات إلى منح هذه الملكية لقب الفندق رقم واحد في أمريكا، وهو ما مهد الطريق أمام فورسيزونز لغزو العاصمة واشنطن بعدها بثلاث سنوات وإضافة شاهد جديد على تفوقها في الضيافة وبراعتها في تقديم الخدمات الفندقية المميزة.
أفكار ريادية
ولأن الريادة هي جزء أصيل في هوية العلامة الفندقية الكندية، كانت هي أول من ابتدع في قطاع الضيافة خدمة المساكن الفندقية في ملكية فورسيزونز بوسطن Four Seasons Boston في عام 1985 لكي تدخل بصورة أكبر في الحياة اليومية لزبائنها. ولم تلبث فورسيزونز أن قدمت خدماتها الفندقية لمالكي الوحدات السكنية في أكثر من 40 مشروعًا حول العالم ثم أصبحت ملكياتها كافة تحتوي على وحدات سكنية.
كان لفورسيزونز أيضًا السبق في ابتكار مفهوم الفندق الملحق به منتجع صحي متكامل وملاعب غولف لكي تمنح النزلاء إقامة رغدة. بل إنها جهزت أيضًا الأسرّة في ملكياتها كافة بفُرش خاصة بها لتضمن للضيوف نومًا هانئًا.
في غضون ذلك، لم تتوقف مشاريع التوسع التي بدأتها المجموعة بأوروبا ومن بعدها آسيا ثم الشرق الأوسط وإفريقيا، ليتكرس اسم فورسيزونز بوصفها علامة متفردة تدير منشآت فندقية ساحرة في مختلف قارات العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
وقد حرص إيزادور شارب على غرس فلسفته في الضيافة الفاخرة، القائمة على التعامل مع الضيوف على النحو الذي يرغبون في أن يُعَامَلوا به، في نفوس العاملين كافة تحت مظلة العلامة التجارية الكندية في مختلف بقاع العالم، وذلك حتى يتمتع الضيوف بتجربة مؤنسة تراعي احتياجاتهم وذائقتهم الشخصية.
وتتويجًا لهذه الخطوات الخلاقة، أدرجت مجلة Robb Report مجموعة فنادق ومنتجعات فورسيزونز في تقريرها للعلامات التجارية الأكثر تميزًا على الإطلاق الذي أصدرته في عام 2006 احتفالًا بمرور ثلاثين عامًا على ميلادها، والذي ضم 20 علامة أيقونية نجحت في تجسيد الرفاهية ونقلها إلى زبائنها مثل: أرماني، وكارتييه، وفيراري، ولويس فويتون، ورولز - رويس.
Four Seasons Resort Dubai
تجربة إقامة مترفة يعد بها منتجع فورسيزونز دبي عند شاطئ جميرا.
تجارب يندر مثيلها
ولمزيد من الانغماس في معاني الترف، قدمت فورسيزونز لزبائنها في عام 2015 خدمة "فورسيزونز جيت" Four Seasons Jet لتوفر لهم رحلات حول العالم إلى فنادقها ومنتجعاتها على متن طائرتها الخاصة.
في كل عام، تبتكر العلامة برنامج سفر غاية في التميز يتيح للمشاركين استكشاف وجهات وثقافات مختلفة.
وفيما توفر كل ملكية من فورسيزونز لضيوفها مجموعة وفيرة من الأنشطة المحلية، تشمل برامج الضيافة الأخرى التي تتيحها العلامة منازل العطلات الفاخرة الخاصة المتاحة للاستئجار في أماكن مختلفة من العالم، ومغامرات يندر مثيلها، أحدثها لهذا العام رحلة قيادة حصرية على متن سيارات كلاسيكية ومركبات رياضية فاخرة تجوب طرقات توسكانا للاستزادة من فتنة الطبيعة الريفية واستكشاف أبرز المواقع والخبايا الثقافية في هذا الإقليم الإيطالي الساحر.
Four Seasons
أضخم مجموعة رحلات على الإطلاق في عام 2023 على متن طائرة فورسيزونز الخاصة.
معنى الضيافة في فنادق ومنتجعات فورسيزونز
تُعْرَف الضيافة منذ أمد بعيد بأنها الاستقبال الودود والدافئ والسخي للزائرين وهو أمر نجحت فورسيزونز في تحويله إلى واقع ملموس منذ أطلقت أول فندق لها أوائل ستينيات القرن العشرين.
ومع بدء توسعها خارج كندا واصلت تطبيق هذا المفهوم باحترافية وتمرس، ما سمح لها بعد ذلك بإعادة تعريف مفهوم الضيافة من خلال معادلة تزاوج بين الإقامة الفاخرة ومعاني الترف وحس الابتكار والخدمات الفندقية الأعلى تميزًا، من دون المساومة على طبيعة الحياة في المجتمعات المحلية التي تلتزم العلامة الاندماج فيها ودعمها من خلال مبادرات ومشاريع تنموية متنوعة.
تشتهر اليوم مجموعة فنادق ومنتجعات فورسيزونز، التي ينضوي تحت مظلتها نحو 124 ملكية موزعة على أكثر من 47 دولة في العالم، بالتزامها ثقافة خاصة في قطاع الضيافة كرستها مرجعًا يُقاس عليه التميز ويختبره الضيوف أينما حلوا في فنادقها ومنتجعاتها ومساكنها ربيعًا دائمًا.