الاختراق الحيوي: حيل علمية لتحسين قدراتك

يُمكن تعريف الاختراق الحيوي بأنه توظيف حيل وممارسات مستمدة من علوم الأحياء والوراثة والأعصاب والتغذية لتحسين الأداء البدني والعقلي والمعرفي والصحة العامة للشخص، أو تحقيق غاية صحية محددة مثل إنقاص الوزن. كما يُعرف الاختراق الحيوي أحيانًا باسم "بيولوجيا افعل ذلك بنفسك" Do-It-Yourself (DIY)، انطلاقًا من قيام بعض المتحمسين بشراء المعدات اللازمة لتحسين قدراتهم البدنية والعقلية، وإجراء تغييرات على نمط حياتهم.

وإجمالاً، يُمكن النظر إلى أي ممارسة أو تقنية تُستخدم لتعزيز وظائف الخلايا بوصفها نوعًا من أنواع الاختراق الحيوي. 

في كتاب Thrive State: Your Blueprint For Optimal Health, Longevity, and Peak Performance (حالة الازدهار: مخططك للتمتع بصحة مثالية وعمر مديد وأداء فائق)، يصنف كين فو أنواع الاختراق الحيوي في 4 فئات رئيسة تُشكل رحلة متكاملة لتحسين الصحة وتعزيز الرفاه، وهي:

1- تغيير أسلوب الحياة:

تُعد هذه المقاربة أسهل طريقة للاختراق الحيوي، ويستطيع الناس بمعظمهم تطبيقها. يتضمن ذلك اتّخاذ قراراتٍ صحية وسلوكية تؤثر إيجابًا على الجسم، مثل تعديل النظام الغذائي، وتطبيق حمية الصيام المتقطع، والتنفس بشكل صحيح، والمداومة على ممارسة الرياضة وأنشطة الاسترخاء مثل التأمل واليوغا.

2- الاختراق الحيوي الجزيئي:

تُستخدم في هذا المسار جزيئات طبيعية أو صناعية لتغيير بيولوجيا الفرد، وتشمل الأساليب التي ينطوي عليها تناول مكملات غذائية مثل الفيتامينات والمعادن والببتيدات، التي تُسهم في تعزيز وظائف الجسم بشكلٍ مُستهدف. يُضاف إلى ذلك تناول مكملات مضادة للشيخوخة، مثل تلك التي تحتوي على التميم الإنزيمي Q10، وعديدات الفينول، وليفو كارنيتين، ويوروليثين أ.

3- البدائل الحيوية:

إنها منتجات حيوية تُستخدم لعلاج أو تحسين وظائف الخلايا المريضة أو التالفة، وتقوم بدور مماثل لأحد أنواع الخلايا البشرية. يمكن أن تكون خلايا مشابهة للخلايا الجذعية، أو حزمَ جسيماتٍ صغيرة مثل الإكسوسومات، التي تحتوي على الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA وبروتينات الحمض النووي الريبوزي الرسول mRNA وعوامل النمو. ولتحقيق أقصى استفادة من هذه البدائل، يجري تناولها عبر الفم أو عن طريق الحقن.

4- التكنولوجيا:

ينطوي الاختراق الحيوي في هذه الفئة على استخدام تكنولوجيات تتصل بالجسم لتعزيز امتصاص الفيتامينات، أو تنشيط إنتاج الكولاجين، أو علاج الالتهابات وغيرها. كما يشمل الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية التي تُراقب معدل ضربات القلب، ومستويات النشاط، وجودة النوم، وغير ذلك من المؤشرات الحيوية.

تُضاف إلى ذلك أجهزة التشخيص، مثل أجهزة مراقبة سكر الدم، وأجهزة قياس ضغط الدم، التي تُساعد في مراقبة صحة الفرد بشكلٍ دقيق. كما يُستفاد من التكنولوجيا في بعض الحالات في جمع بيانات عن الجسم ووظائفه. 

تشمل أيضًا أساليب الاختراق الحيوي التكنولوجية استخدام آلات متطورة، مثل الحمامات الجليدية وغرف الضغط العالي أو المحفّزات الكهرومغناطيسية لمحاولة تنشيط التغيّرات الفسيولوجية. وتُعد هذه التقنيات واعدةً في مجالاتٍ عدة مثل تحسين الأداء الرياضي عبر تحفيز العضلات وزيادة قدرتها على التحمل، وتسريع عملية الشفاء عن طريق تعزيز تدفق الدم وتجديد الأنسجة، ومحاربة الشيخوخة من خلال تنشيط وظائف الخلايا وإبطاء إيقاع تدهورها. 

شركات رائدة في هذا المجال 

في ظل تزايد افتتان الحالمين بالعمر الطويل بعلم الاختراق الحيوي، ازدهرت هذه الصناعة على نحو ملحوظ، ويتوقع أن تصل قيمتها في عام 2028 إلى 63 مليار دولار. وتعمل في هذا المجال العشرات من الشركات الرائدة مثل Nootropics Co، التي تُطور عقاقير ذكية ومكملات غذائية تُعزز الذاكرة والوضوح العقلي، ما يساعد في تحسين الوظائف الإدراكية والصحة العقلية وتحقيق أفضل أداء في العمل أو الدراسة.

أما شركة Viome، فتستخدم اختبارات الميكروبيوم المتقدمة لتحليل صحة الأمعاء لدى الفرد وتقديم توصيات غذائية مخصصة. فمن خلال فهم التركيبة الفريدة للميكروبيوم الهضمي، يمكننا اتخاذ خيارات مُستنيرة بشأن ما نأكله، الأمر الذي يُؤدي إلى تحسين عملية الهضم، وزيادة الطاقة، وتحسين الرفاهية بشكل عام.

في المقابل، تمزج شركة Virta Health بين التغذية الشخصية والرعاية المستمرة عن بعد والدعم السلوكي لمساعدة الأفراد على عكس مرض السكري من النوع 2 وتحسين صحة الأيض.

كما تنشط شركة Muse من جهتها في تطوير أجهزة يمكن ارتداؤها، تستخدم التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) لتوفير بيانات في الوقت الحقيقي عن نشاط الدماغ، ما يساعد الأفراد على تعلم سبل إدارة التوتر وتحقيق حالة من الهدوء والتركيز.

وفيما تزود شركة 23andMe الأفراد برؤى ثاقبة حول تركيبتهم الجينية والمخاطر الصحية المحتملة (ما يساعد على تطوير استراتيجيات شخصية للوقاية والعلاج)، تتيح شركة Upgrade Labs للأعضاء في 27 موقعًا في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وكندا، الوصول إلى معدات متطورة يمكنها تحسين قوة العضلات وأداء الدماغ وصحة الخلايا.

يمكن للشركة أيضًا أن تساعد على تحديد نسبة الدهون في جسمك، ومن ثم استخدام نظام الذكاء الاصطناعي للتخلص من هذه الدهون عبر ممارسات مثل الصيام المتقطع وتقنيات مثل العلاج بالضوء الأحمر والتصريف اللمفاوي Big Squeeze.

ويُعد مؤسس هذه الشركة ديف آسبري (50 عامًا) من أكثر الشخصيات المؤمنة بالاختراق الحيوي، إذ يعتقد أنه أصغر سناً بنحو 11 عامًا على الأقل من عمره الحقيقي. 

هل الاختراق الحيوي آمن؟

يثير موضوع الاختراق الحيوي تساؤلاتٍ حول مدى أمان ممارساته. ففي بعض الأحيان، تُطبَّق هذه الممارسات قبل إجراء الدراسات الكافية، ما يُعرّض الأشخاص لمخاطر غير مُثبتة علميًا. حذّر مقال نشرته مجلة العلوم Science عام 2020 من ضعف الإشراف العلمي على العديد من عمليات الاختراق الحيوي الجيني، وغيرها من ممارسات الاختراق الحيوي التي يُرَوّج لها في السوق.

ومع ذلك، يمكن للاختراق الحيوي أن يكون آمناً بالإجمال، شرط اعتماد أساليبه بشكل تدريجي مع أخذ احتياطات السلامة في الحسبان، والاعتماد على المعلومات المؤكَّدة، واستشارة مختصي الرعاية الصحية. من المهم أيضًا أن تتذكر أن لجسمك قدرات شفاء طبيعية مذهلة، ولذلك ينبغي أن يكون الاختراق الحيوي مكملاً لهذه القدرات، وليس بديلاً عنها.

يُؤكّد آسبري على أهمية تخصيص وقت يومي للقيام بنشاط ما لتحسين الصحة، من دون التقيد بنظام صارم قد يؤدي إلى الفشل. فهو مثلاً يخصص ساعتين في الصباح لتحسين حالته الصحية، مستفيدًا من مختبر Upgrade Labs المُجهز بأدواتٍ متقدمة مثل غرف الضغط العالي والتبريد وساونا الأشعة تحت الحمراء.

ويُقدم آسبري أيضًا نصائح عامة لتحسين الصحة والتمتع بعمر مديد، من أبرزها الحصول على قسط كافٍ من النوم (7-8 ساعات كل ليلة)، وتناول الكثير من الفواكه والخضراوات (5 حصص على الأقل كل يوم)، وتقليل تناول السكر والكربوهيدرات المكررة. كما يوصي بالحد من التوتر، وممارسة الرياضة بانتظام (150 دقيقة على الأقل من النشاط الهوائي معتدل الشدة كل أسبوع).

عبر اتباع هذه النصائح، واستغلال إمكانيات الاختراق الحيوي بطرقٍ مُقننة، يمكنك تحسين صحتك والتمتع بعمر أطول. لكن في مختلف الأحوال، لن يواصل عمرك التراجع بلا حدود لتصل إلى نهاية مأساوية، على ما حدث مع بنجامين باتن الذي توفي رضيعًا بين ذراعي حبيبته.