لطالما فكر المطورون العقاريون في الجزر الخاصة، كونها الحل الأمثل لزبائنهم الباحثين عن العزلة والخصوصية، بينما ظلت المعضلة دائمًا هي محدودية الجزر الطبيعية على كوكبنا، ومدى قابليتها للتطويع في ظل المخاوف المرتبطة بالتدخل السافر في الطبيعة أو الإخلال بتوازناتها الدقيقة، بالإضافة إلى تحديات كثيرة منها البعد عن العمران والخدمات، وسبل توفير مقومات الاستدامة في تلك الأماكن إن وجدت.
والحقيقة أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحقيق ما يشبه الحلم في هذا الإطار، بطرح الجزر الاصطناعية بديلاً يوفر الخصوصية والرفاهية ويحد من بعض المخاطر. وسرعان ما لحقت بها الجزر الاصطناعية العائمة بهدف تلافي عدد كبير من المخاوف المتعلقة بالجزر عمومًا، مع تقديم الكثير من المميزات التي لا يوفرها غيرها، إذ يستطيع كل شخص تصميم جزيرته العائمة بنفسه، ومن ثم يستطيع ترجمة رؤيته وتفسيراته الخاصة للفخامة، بأدوات عالم ساحر من الخصوصية التي تستشرف المستقبل، فما هي الجزر الاصطناعية العائمة؟ وما هي قصتها؟
بداية الفكرة
تنسب الفكرة إلى المهندس المعماري الهولندي كون أولثويس مؤسس Water Studio، الشركة المتخصصة في الهياكل العائمة لمواجهة الفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحر. فقد قام أولثويس بتصميم جزر اصطناعية عائمة تراعي متطلبات الاستدامة والاكتفاء الذاتي والأمان في ظل المستويات المتغيرة لمياه البحر، دون إحداث تأثيرات ضارة على البيئة.
أما ميزتها الأبرز، فتتمثل في إمكانية تخصيصها، إذ يستطيع كل راغب في امتلاك جزيرة من هذا النوع اختيار تصميم جزيرته ونمطها وحجمها، مع شكل مبانيها ومختلف تفاصيلها الداخلية وعناصر التصميم المحيطة بها أيضًا. ولكون الجزيرة عائمة، يمكن تحريكها لوضعها في أي مكان في العالم حسب تفضيلات مالكها!
Amillarah Private Islands
لاقت هذه الفكرة صدى واسعًا، فكان التعاون مع شركة Docklands الهولندية، ثم Christie's International Real Estate التي ظهرت لتتوج التعاون. وفي عام 2015، انطلقت مشروعات ضخمة لنشر ثقافة Amillarah Private Islands بالتعاون بين الشركات المحلية والإقليمية وبعض الحكومات التي قدرت بعمق قيمة هذه الأفكار المستقبلية.
وإذ تعاون هؤلاء الصنّاع مع جمعية Ocean Futures Society لضمان أن يكون المشروع صديقًا للبيئة، كانت الانطلاقة الأولى لجزر العالم في دبي، ثم المالديف، وميامي، وغيرها من المدن والدول. وبينما أعلن أصحاب فكرة الاصطناعية عن خطواتهم لإنشاء نحو 10 جزر بالمالديف، و33 بدبي و30 بميامي، أُعلنت مشروعات أخرى بأشكال وأحجام متباينة لمساكن وفيلات ومدن جزرية عملاقة، عائمة في أماكن مختلفة حول العالم، في بنما والصين وغيرها من الدول تحت أسماء وتوصيفات مختلفة، ولأغراض متنوعة سكنية وترفيهية وصناعية، بل منها ما يُعتقد أنها عسكرية.
Amillarah Private Islands
تحديات هندسية
كانت التحديات الهندسية كبيرة، إذ إن تحقيق الثبات والطفو المناسبين لجزيرة اصطناعية عائمة فوق سطح المياه المتقلبة ومقاومة للرياح العاصفة، وحتى تحركات القشرة الأرضية بفعل الهزات والزلازل في القاع، لا يبدو فكرة بسيطة. كما أن نوعية سطح هذه الجزر وأعماقها تحتاج إلى دراسة حول الأنسب، مع دراسة أثرها البيئي ومدى تفاعلها مع البيئة المحيطة، بل سبل وضع قواعد البناء عليها لإحداث هذا التوازن.
Amillarah Private Islands
ففي الجزر الاصطناعية الثابتة كان من الضروري وجود مياه هادئة ومحمية، ليتم كشط قاع البحر أسفلها وضخ الكثير من الصخور والخرسانة، بما يعني ضخ المزيد من الأموال. أما في الجزر العائمة، فقد جرى الاعتماد على أفكار أخرى للتثبيت في القاع بما يشبه المراسي، مع تطويق قاع الجزيرة وإطارها بشعاب مرجانية اصطناعية، مصنوعة من الكثير من الأشياء بدءًا من الصخور مرورًا بعربات القطارات القديمة، بهدف الحد من عوامل التعرية وتوفير موطن للأسماك ومظاهز الحياة البحرية الأخرى، ما يعني أيضًا تحقيق التنوع البيولوجي أسفل الجزر، التي صممت قواعدها لتستمر لأكثر من قرن حسب مصمميها.
كما شملت التحديات استخدام المواد الحيوية في بناء كل شيء، بهدف تحقيق الاستدامة والعمل على تصميم حلول فريدة لخفض نسب التلوث إلى أقل درجة ممكنة، مع اعتماد هذه الجزر على الاكتفاء الذاتي في أقصى صوره، من خلال التقنيات الأحدث في مختلف المجالات الحياتية.
Amillarah Private Islands
الفخامة المستقبلية
انتهت بذلك -حسب الخبراء- العقبات المتعارف عليها لامتلاك الجزر حول العالم. فعلى سبيل المثال، كان امتلاك جزيرة في منطقة البحر الكاريبي يعني مغامرة مكلفة للغاية في بعض الأحيان، بسبب الطقس الذي لا يمكن التنبؤ به والذي قد يحد من الاستمتاع بالطبيعة والتنقل، وكذلك تأثيرات هذا الطقس على أي بنية قائمة، مع ارتفاع تكاليف البناء ونقل مواده ومستلزماته في بعض المناطق.
فكل ذلك كان يؤثر بالضرورة على قرارات الإقدام على شراء الجزر هنا أو هناك. لكن ماذا لو كنت تستطيع تخصيص جزيرتك ومسكنك العائم الفاخر ووضعه في أي مكان في العالم، ليوفر لك الخصوصية في أفخم صورها مع الاستمتاع بأحدث التقنيات ووسائل الراحة؟
إنه السؤال الذي طرحه الخبراء لإبراز ما تقدمه هذه الجزر من رفاهية مستقبلية. ففيما جاءت الجزر العائمة لتكون كقطع فنية يمكن تخصيصها من حيث الحجم والشكل وفقًا لتفضيلات المالكين، جسدت أيضًا فرصة لاختبار متعة العيش برفاهية تامة، دون إحداث أي أثر سلبي على البيئة.
Amillarah Private Islands
فكل جزيرة من هذه الجزر التي يمكنها التكيف مع ارتفاع سطح البحر وانخفاضه، تضم مسكنًا خاصًا ترتفع أسقفه لتصل إلى 3 أمتار، فضلاً عن حديقة متسعة، ومسبح خاص، وشاطئ مغطى بالرمال البيضاء، ورصيف لرسو القوارب، وغير ذلك الكثير. بموازاة ذلك، تحافظ كل جزيرة على الاستهلاك المنخفض للطاقة المستمدة من الطاقة الحرارية والألواح الشمسية، لتجمع بذلك بين الفخامة والجودة والاستدامة، فيما يعتمد تحديد سعر كل جزيرة على حجمها وتصميمها ومستوى التخصيص المطلوب، بما يعني أن الأسعار حسب الطلب.
Amillarah Private Islands
وبحسب الخبراء، فإنه بحلول عام 2050 سيتعين على الجميع وليس الأثرياء فحسب إعادة التفكير في طريقة تكيفهم مع البيئة المبنية في المياه، حيث سيعيش ما يقرب من 70٪ من سكان العالم في المناطق الحضرية.
ونظرًا لحقيقة أن حوالي 90٪ من أكبر مدن العالم تقع على الواجهات البحرية، فإن التوقعات تشير إلى أن العالم سيشهد خلال السنوات العشر القادمة إقبالاً متزايدًا على الاستثمار العقاري في الجزر وأسلوب الحياة. وبالنسبة للباحثين عن التفرد والفخامة ربما سيترجم ذلك بامتلاك جزيرة بوصفها توفر الندرة والحصرية، ومن ثم فإنك ستحتاج اليوم أو في المستقبل القريب إلى الانضمام إلى قوائم الانتظار لتحقيق حلمك في امتلاك جزيرتك الاصطناعية العائمة.