في محطة توقفٍ تحت سماء ملبدة بالغيوم، أُبدّل موضع يديّ على عجلة القيادة مُراعيًا ثني المرفقين بصورة سليمة، غافلاً عما إذا كنت أتنفس أم لا. أركّز بدلاً من ذلك على إظهار عدم المبالاة الواثقة للمهندس الجالس في مقعد الراكب، لكني أكاد أُفلح في مسعاي هذا. لقد كان توم بيتي على حق، فلا أصعبَ من الانتظار.
يَصدُر صوت المراقب الذي أمامنا من الجهاز اللاسلكي مُعلنًا أن "الطريق خال"، وباستجابة غريزية أضغط بقدمي اليمنى على الدوّاسة، فتنطلق سيارة بينينفارينا باتيستا Pininfarina Battista الكهربائية بالكامل.
بينينفارينا باتيستا تشوّه قوانين الفيزياء
سيارة قادرة على توليد قوة 1,900 حصان، كأنها بصدد تشويه قوانين الفيزياء، في تسارعها من صفر إلى 60 ميلاً/الساعة في غضون 1.79 ثانية.
لكن طرح بينينفارينا لسيارة الإنتاج الأولى في تاريخها الممتد 93 عامًا قد تأخر كثيرًا. فبعد أن أسس باتيستا "بينين" فارينا شركته المتخصصة في تصنيع الهياكل الخارجية للسيارات في عام 1930، مُسمّيًا إيّاها باسمه، اشتهر بسرعة بفضل التعاون مع أمثال مازيراتي وألفا روميو وخصوصًا فيراري.
فقد أرادت هذه الشركات أن تُدثّر طرزها بالهياكل الراقية التي أجاد مُحترَف فارينا تصميمها، والتي بَدت كأنها منحوتة بفعل الريح وأصبحت وقتها شديدة التأثير في العصر الذهبي لسباقات السيارات. وفي حين أغلقت معظم شركات تصنيع الهياكل الخارجية أبوابها بعدما أسهم تزايد الطلب بعد الحرب في زيادة المكننة، ثابرت بينينفارينا على طول الخط إلى أن دخلت عصر السيارات الكهربائية، بالرغم من أنها باتت مملوكة الآن لمجموعة ماهيندرا الهندية ومقسّمة إلى دار تصميمٍ تجارية وشركة تصنيعٍ ناشئة هي المسؤولة عن تطوير السيارة ذات القوة الضارية التي أقودها حاليًا.
Pininfarina © James Lipman
سيقتصر إنتاج سيارة بينينفارينا باتيستا على 150 نموذجًا فقط.
بالرغم من أن السعر الأولي لسيارة باتيستا، التي سينحصر إنتاجها في 150 نموذجًا فقط، يُقارب 2.4 مليون دولار، إلا أن مقصورة القيادة لم تنل إعجابي بدايةً، بالرغم من الغرزات الصفراء الزاهية التي تتناغم مع كسوة المقاعد المزخرفة بالأشكال الهندسية. إلى هذا، تشتمل لوحة القيادة على أزرار مدمجة في عجلة القيادة، وشاشتين جانبيتين مقاس 10.3 بوصة تعملان باللمس، وشاشة صغيرة لعداد القياس عن بعد في المقدمة، فضلاً عن مقبضيْ تحكم في الأسفل.
لكن هذا الميل إلى التبسيط في التجهيزات يُصبح أمرًا محمودًا بمجرد الاندفاع على المسارات المستقيمة عبر جبال سانتا مونيكا بجنوب كاليفورنيا، حيث لا شيء يصرف الانتباه عن الانفجار السلس للطاقة الذي تُولده المحرّكات الكهربائية الأربعة المستقلة لسيارة باتيستا - كل واحد منها في ركنٍ وتُتيح مجتمعةً سرعة قصوى تفوق 217 ميلاً/الساعة - وبطارية أيونات الليثيوم التي تبلغ قدرتها 120 كيلوواط/الساعة.
يُمكن شحن هذه البطارية من 20% إلى 80% في غضون 25 دقيقة، كما أنها تُتيح مدى سفر يصل إلى 300 ميل. على أن إمكانية قطع هذه المسافة، أو ما يعادلها، بعيدة المنال عند قيادة السيارة في وضع Energica أو Furiosa، وهما وضعا القيادة الأكثر شراسة من بين الأوضاع الخمسة التي تضمّ Calma وPura، فضلاً عن وضع Carattere القابل للتخصيص.
صحيح أن كل وضع قيادة يترافق مع موسيقا مختلفة، لكنني أكاد ألاحظ الأنغام الرقيقة المنبعثة من المحركات التي يخفت صوتها إزاء قصف الحصى لأسفل هيكل سيارة الكوبيه المنخفض، فيما الإطارات التي يبلغ مقاسها 20 بوصة، المصنوعة من الألمنيوم المبْثوق والمحاطة بعجلات ميشلان من طراز Pilot Sport Cup 2R، تستكشف أطراف الطريق. اللافت أيضًا أن هذه السيارة، المجهزة بنظام دفع كلي ونظام تعليق بِموجّه عرضي مزدوج وممتصات صدمات شبه نشطة، تعبر المنعطفات بسهولة، وذلك بفضل التوجيه البالغ الدقة، ونظام توجيه عزم الدوران المُعزّز، وأنظمة ضبط التوازن الضرورية.
Pininfarina © James Lipman
يُمكن تشغيل غالب أجهزة التحكم في مقصورة القيادة من خلال شاشات العرض المرتّبة معًا بإحكام.
فضلاً عن ذلك، يُمكن تعديل نظام الكبح المتجدد حسب الطلب والتضاريس، على أنّ تدخّله في عملية القيادة يكاد يكون غير ملحوظ، على غير ما هو عليه حال نظام مزايا الديناميكية الهوائية النشط، وتحديدًا الجناح الخلفي. يُسهم هذا الجناح في زيادة قوة السحب بنحو 250 كيلوغرامًا على أحد المسارات، ويُؤدي دور مكابح هوائية حين يستلزم الموقف خفض السرعة.
وتتناغم هذه العناصر مع ماسكات مكابح من طراز بريمبو مكوّنة من ستة مكابس من الكربون والسيراميك، وقادرة على إيقاف سيارة باتيستا، بوزنها البالغ 2,380 كيلوغرامًا، في أثناء انطلاقها بسرعة 62 ميلاً/الساعة على امتداد 101.7 قدم. إنه إنجاز لافت، ولكن هذه المسافة أطول بنحو ست أقدام من مسافة التوقف التي تحتاج إليها سيارة ريماك نيفيرا التي تولد قوة 1,914 حصانًا.
على أن التعاون يبقى سمة مميزة لشركة بينينفارينا، ولذلك تتقاسم سيارة باتيستا الكثير مع سيارة نيفيرا، بما في ذلك منصتها الدقيقة. وفي هذا يقول باولو ديلاتشا، الرئيس التنفيذي لشركة أوتوموبيلي بينينفارينا: "إن الهيكل الداخلي للسيارة حصيلة عملية تطوير انطلقت منذ خمس سنوات بمعية شريكنا ريماك. لكن، ومع أن العديد من الأنظمة مشتركة بين السيارتين، إلا أنها خضعت للتعديل لتلائم رؤيتنا الخاصة".
Pininfarina
يُسهم الجناح الخلفي، بوصفه أحد عناصر نظام المزايا الديناميكية الهوائية النشط، في زيادة قوة السحب بنحو 250 كيلوغرامًا.
طابع جمالي رشيق
الفارق الحقيقي بين هذا الوحش والوحوش الأخرى عديمة الانبعاثات هو التصميم. لقد بُنيت باتيستا انطلاقًا من هيكل أحادي من ألياف الكربون، يتدثر بطبقة أخرى من ألياف الكربون، ولكن تصميمها يبتعد كل البعد عن الطيّات المفرطة وفتحات التهوية المسرفة. بدلاً من ذلك، تتمايز السيارة بطابع جمالي رشيق، يستحضر الهياكل الأصلية التي طورتها بينينفارينا كما يُلمح إلى بعض الطرز الكلاسيكية الشهيرة مثل سيسيتاليا 202 الصادرة في عام 1947.
من اللافت أن خطر التجانس البصري الذي أصاب قطاع السيارات التجارية التي تُنتج على نطاق واسع هو الخطر نفسه الذي يُهدد القطاع الناشئ للسيارات الكهربائية الخارقة، خصوصًا على مستوى إمكانيات القيادة المذهلة (على أنني لا أرى أحدًا يشكو من ذلك). ولهذا السبب وحده، قد يكون موقف بينينفارينا في هذه السوق الحصرية أفضل من موقف غيرها بحُكم اسمها الشهير، وأسلوبها الراسخ، وعلاقتها المتصلة بأكثر العصور رومانسية وجمالاً في تاريخ السيارات.
في سياق متصل، كانت نسخة باتيستا لما قبل مرحلة الإنتاج قد نالت جائزة التصميم في دورة عام 2021 من مسابقة فيلا ديستي للأناقة. وفي شهر أغسطس من هذا العام أطلق ديلاشا وفريقه سيارة B95 المكشوفة (تُشبه سيارة ماكلارين إِلفا أو سيارة لامبورجيني إس سي 20) المستلهمة من بناء سيارة باتيستا والمقتصرة على 10 نماذج، سعر كل واحد منها نحو 4.8 مليون دولار. إن التكريم الذي نالته باتيستا وإطلاق السيارة الأخيرة يؤكدان أن التحول إلى المحركات الكهربائية لا يعني أن السيارات الجديدة لن تخطف الأنفاس، وهذا تحديدًا ما كان يشغل باتيستا فارينا، الذي تُنسب إليه العبارة الشهيرة: "الجمالُ قبل كل شيء".