في أكتوبر من العام الفائت، سطّرت رولز – رويس فصلاً جديدًا في حكايات إنجازات كرّست اسمها في عالم السيارات مرجعًا يُقاس عليه الإبداع والتمايز في الإتيان بتجربة قيادة تقارب حد الكمال. فها هي التجربة نفسها أعاد الصانع صياغة معالمها حدثًا تاريخيًا تمثّل في سيارة سبيكتر Spectre الكهربائية بالكامل.

على أن هذا الحدث لا يختزل دأب رولز – رويس على المضي قدمًا على طريق تحقيق الرؤية المتبصرة لمؤسسيها فحسب.

بل إنه يشهد أيضًا على عبقرية قائد الأوركسترا الذي يوجّه اليوم مسارات تحوّلها الكهربائي الطموح، الدكتور مهيار أيوبي، مدير قسم الهندسة في الشركة، الذي يحمل في جعبته خبرات مديدة في عالم الهندسة وتقنياتها المتطورة، وشهادة دكتوراه في هندسة أنظمة التحكم وفي تطبيقات الذكاء الاصطناعي من جامعة دارمستات في ألمانيا التي استقر فيها منذ عام 1985. 

في أعقاب إطلاق سبيكتر، كان لنا لقاء مع رجل المهام الصعبة في الشركة. لكن الحديث عن أولى بشائر مشروع رولز - رويس الطموح سرعان ما كشف عن أن قائده لا يرى فيه صعابًا وتحديات بقدر ما يستشرف فيه فرصًا أكبر للتميز، وهو المدفوع - على ما نستكشفه خلف معالم شخصية تفيض رصانة وتواضعًا وتعلقًا بإرثه العربي وجذوره السورية – بشغف راسخ إلى استكشاف آفاق مستقبلية أوسع وأعلى تفردًا. 

جرى تعيينكم في مارس من عام 2018 مديرًا لقسم الهندسة في رولز – رويس. كيف تنظرون اليوم إلى التحديات التي ينطوي عليها دوركم في ظل مضي قطاع السيارات قدمًا على طريق التحوّل إلى مستقبل كهربائي؟  

لا شك في أننا شهدنا على مر السنوات العشرين إلى الثلاثين الأخيرة تحوّلات مهمة وتطورات تقنية ثورية لم تقتصر على تطوير منظومات الحركة الكهربائية، بل شملت أيضًا على سبيل الذكر وليس الحصر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والاتصال، والبيانات الرقمية، وصولاً إلى تجهيز السيارات بإمكانيات القيادة الذاتية. وانطلاقًا من هذه التقنيات، لا أرى تحديات بقدر ما أستشرف فرصًا هائلة للارتقاء بتجربة القيادة المتفردة من رولز – رويس إلى مستويات جديدة.

 كلنا يعلم أن الشركة بنت شهرتها على محرك V12 الشهير المكوّن من اثنتي عشرة أسطوانة. لكن الحقيقة هي أن هذا المحرك يضاهي في الأصل منظومة القيادة الكهربائية الصامتة والقادرة على إنتاج قوة عزم فورية، وهذه سمات دأبنا على تحقيقها في محركنا. لذا نرى أن مجموعة نقل الحركة الكهربائية ما هي إلا امتداد بديهي لمحرك V12.  

الدكتور أيوبي في دبي مع سيزار حبيب، المدير الإقليمي للشركة في الشرق الأوسط وإفريقيا، ورامي جودي، المدير الإقليمي للاتصال والعلاقات.

Wassim Raslan
الدكتور أيوبي في دبي مع سيزار حبيب، المدير الإقليمي للشركة في الشرق الأوسط وإفريقيا، ورامي جودي، المدير الإقليمي للاتصال والعلاقات.


بداية من المحطة التاريخية الأحدث في حكاية الشركة، وأقصد الكشف عن سيارة سبيكتر، كيف تصفون مسيرة تطبيع مفهوم "هندسة الفخامة" مع متطلبات مركبة كهربائية بالكامل من رولز – رويس؟ 

لا بد لي من العودة إلى اللحظة الأولى في مسيرة ابتكار سبيكتر Spectre. فقد انطلقنا آنذاك من سؤال محدد: ما هو النمط الذي سنختاره لهذه السيارة؟ صحيح أن ثمة أنماطًا مختلفة أكثر سهولة لتقديم مجموعة حركة كهربائية في المركبة، لكننا كنا على يقين من أن هذه اللحظة التاريخية لرولز – رويس ينبغي أن تترافق مع منتج له بعد عاطفي.

أقصد أننا أردنا إطلاق العنان لمجموعة جديدة من العواطف لإضفاء بعد جديد على تجربة القيادة من خلال الجمع بين الهندسة المتينة المميزة لمركباتنا ونقاء مجموعة حركة كهربائية صامتة وقوية في آن.

لذا حرصنا على تحقيق نوع من التلاحم بين طابع تصميمي يرقى بخطوطه إلى مستوى المنحوتة التي تجسّد حقيقة بعدًا جديدًا لقيادة هذه السيارة، وبين بنية هندسية تعزز البعد الدرامي لهذه العواطف. بل إننا اعتمدنا المقاربة نفسها في تصوّر المقصورة الداخلية التي تحتوي الجالس فيها كأنها ملاذ.

ولا بد لي من الإشارة إلى أن تطبيع مفهوم هندسة الفخامة أتاح لنا أيضًا تجهيز المركبة بمجموعة القيادة على نحو يطلق العنان لمزايا وظيفية جديدة ويضمن استشراف أداء السيارة وتجربة قيادة غير متكلفة، وهذه كلها مزايا راسخة في فلسفة رولز – رويس. 

صرّحتم مرة أن "الارتقاء بمجموعة القيادة الكهربائبة بالكامل التي ترتكز إليها سبيكتر تتحدى التعريف الحقيقي للهندسة". فكيف نجحتم في تجاوز التحديات التي واجهتكم؟ 

كانت الهندسة في الماضي تتعلق ببناء مكوّن، مثل محرك V12 أو أي مكونات ميكانيكية أخرى، والعمل على الارتقاء بأدائه. لكنها تطورت خلال السنوات العشرين إلى الثلاثين الأخيرة، وبدأنا نطوّر مكوّنات ذكية، على ما هو عليه الحال في قطاع الساعات.

أصبح لكل مكوّن، مثل نظام التوجيه، ونظام تحقيق الثبات، ونظام الملاحة، مزاياه الذكية الخاصة، وانتهى بنا الأمر إلى عدد هائل ومعقد من هذه الأنظمة التي نحتاج إلى تعليمها سبل التفاعل بعضها مع بعضها لتحقيق النتائج المرجوة.

وهذا ما يعنيه اليوم مفهوم إعادة تعريف الهندسة. في مركبة سبيكتر، اعتمدنا بنية هندسية ذكية للغاية تتيح للأنظمة الفرعية التفاعل في ما بينها وتبادل البيانات في الوقت الحقيقي لتحديد السبيل الأمثل إلى تحقيق تجربة قيادة انسيابية.

فزبائننا غير معنيين بالتقنيات ولكن بالتجربة نفسها. بمعنى آخر، نحن نحقق التناغم بين مجموعة من الأنظمة شديدة التعقيد التي تعكس بتكامل أدائها جوهر غايتنا، أي تجربة القيادة المتفردة. 

تتجلى سبيكتر من رولز-رويس منحوتة بديعة التصميم تحقق الرؤية التي تصوّرها المؤسس منذ أكثر من 120 عامًا في تقديم سيارة كهربائية "هادئة ونظيفة بالكامل".

Rolls-Royce
تتجلى سبيكتر من رولز-رويس منحوتة بديعة التصميم تحقق الرؤية التي تصوّرها المؤسس منذ أكثر من 120 عامًا في تقديم سيارة كهربائية "هادئة ونظيفة بالكامل".


أكدت رولز -رويس أن أسطولها من المركبات سيكون كهربائيًا بالكامل بحلول عام 2030. فكيف ترون دوركم في قيادة هذا المشروع الطموح؟ 

إنه لشرف عظيم لي أن أقود مرحلة التحول الكهربائي. لكن هذا الدور ينطوي على مسؤولية أيضًا. فعلى ما ذكرت آنفًا، لا يقتصر دورنا على تطوير مجموعة حركة كهربائية، ولكن يشمل أيضًا أنظمة مساعدة السائق، والرقمنة، والاتصال وغير ذلك، ولا بد لنا من إعداد هذه المزايا كلها لزبائننا.

إذا كنا سنتحدث عن عام 2030 من منظور اليوم، فإننا نحتاج إلى استشراف التوجهات والتطورات التي ستسود مستقبلاً لكي نضمن ألا نقدم للزبون منتجًا غير ناضج للمرحلة.

ومهمتي اليوم تقتضي أن أستشرف هذه التطورات وأهيئها للمستقبل على نحو يتيح لنا، إذا ما دعت الحاجة، إعادة ابتكار قيم رولز -رويس الجوهرية وإعادة صياغة تجربة القيادة التي نعد بها، بناء على التقنيات الجديدة.

أضف إلى ذلك التعقيد البالغ الذي يفرضه تحقيق هذه التطورات في السيارة في حينها. 

ما هي أولوياتكم للمرحلة المقبلة في ضوء ذلك؟ 

غني عن القول إن عام 2023 يدور حول إطلاق سبيكتر. صحيح أننا نتحدث الآن عن السيارة كما لو أنها تجوب الطرقات، لكن الحقيقة هي أن العمل عليها لا يزال مستمرًا. فتماشيًا مع ما يحمله هذا الابتكار من دلالة تاريخية لشركتنا، طوّرنا برنامج اختبارات مكثفًا للسيارة يتجاوز توقعات الزبائن.

ومهمتنا اليوم لا تنحصر باستكمال مراحل التطوير والاختبار، ولكن أيضًا برامج الإنتاج، لأننا نحتاج إلى تقديم أعلى مستويات الجودة كل مرة في كل سيارة مخصصة من طراز سبيكتر. ونحن نتطلع قدمًا إلى تسليم نماذج سبيكتر إلى مالكيها المستقبليين بحلول الفصل الرابع من عام 2023. 

شغلتم على مر أكثر من 20 عامًا أدوارًا مختلفة في مجموعة بي إم دبليو. فكيف تستفيدون اليوم من هذه المسيرة في صياغة المعادلة الرابحة لبناء مستقبل كهربائي متقن الهندسة لعلامة رولز – رويس؟  

سُررت بتولي مناصب مختلفة ضمن بي إم دبليو، وخلال مسيرتي في هذه الشركة التي تشتهر بمنتجاتها الفاخرة، تعلمت أمورًا كثيرة قد يكون أهمها العمل بجد لاكتساب مقدرة متبصرة على الاهتمام بأدق التفاصيل. فأن تجيد ما تفعله فحسب لا يعني أن تكون متميزًا.

وإذا كان المسعى الجاد لتحقيق نتائح متميزة يُعد واحدًا من أبرز الإنجازات التي تحققت لي من خلال العمل مع هذه الشركة، فإن الانتقال إلى رولز – رويس أضاف أبعادًا جديدة إلى مسيرتي، انتقلت بي من تحقيق نتائج متمايزة إلى العمل على تحقيق الكمال. 

لكن تحقيق الكمال من منظور رولز – رويس لم يقتصر يومًا على البراعة الهندسية. كيف تضمنون تآزر جهود الجهات المعنية كافة، من المهندسين إلى المصممين والحرفيين؟ 

الحقيقة هي أن الهندسة لا تمثل سوى جانب واحد من السيارة، لا سيّما أننا نتحدث عن مركبة شديدة التعقيد يقتضي تطويرها مهارات وخبرات عملية مختلفة. ذكرت المصممين والحرفيين، لكن المسار يشمل أيضًا فِرق المشتريات، والتحقق من الجودة، والإنتاج، وصولاً إلى الموظفين في فريق المبيعات الذين يضطلعون بدور رئيس في تحديد المنتج انطلاقًا من احتياجات زبائننا.

لذا فإن إحدى مهامي تتمثّل بتنسيق هذه الاختصاصات كلها بما يساعد على إطلاق المنتج المناسب بالجودة المرجوة وفي الوقت الملائم. صحيح أني أشغل منصب مدير لقسم الهندسة، لكن مهمتي أقرب إلى قيادة أوركسترا هذه المسارات كلها لإطلاق سبيكتر بنجاح. 

في أعقاب تعيينكم، وصفكم تورستن-مولر أوتفوش، الرئيس التنفيذي لرولز – رويس بالقول: "إنه مهندس يمتلك موهبة متفرّدة ويسير على خطى السير هنري رويس الموقّر". ما هي مقاربتكم لصون إرث المهندس الأول والأب المؤسس للشركة بموازاة الحفاظ على الزخم المطلوب للمضي قدمًا نحو المستقبل؟ 

أعتقد أن حفاظنا على زخم هذه التقنيات الجديدة للمضي قدمًا على طريق المستقبل لا يتعارض مع إرث السير هنري رويس. بل إنه يشكل ترجمة لطموحاته ولتلك الرؤية المتبصّرة لشريكه تشارلز ستيوارت رولز الذي استشرف ما وصلنا إليه اليوم منذ عام 1904 عندما طرح تصوّره لسيارة كهربائية من رولز -رويس.

لذا يمكن القول إننا نكرم إرث الآباء المؤسسين إذ ندفع قدمًا بحدود هذا الزخم. 

في المكتب الخاص الذي افتتحته العلامة في دبي العام الفائت ليشكل امتدادًا لمركزها العالمي للتميز في غودوود.

Wassim Raslan
في المكتب الخاص الذي افتتحته العلامة في دبي العام الفائت ليشكل امتدادًا لمركزها العالمي للتميز في غودوود.


ما أبرز الإنجازات التي تفخرون بها اليوم؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. حققنا في رولز -رويس إنجازات كثيرة أفخر بها، وفي طليعتها اليوم تطوير سيارة سبيكتر الكهربائية بالكامل. لكني لا أتوقف عند الإنجازات ولا أتطلع إلى الماضي إلا لأستلهم منه سبلاً للارتقاء بما حققناه.

فالسعي إلى الكمال هو أكثر ما أستمتع به من خلال عملي مع رولز -رويس. أما على المستوى الشخصي، فإني فخور بعائلتي، وخصوصًا أولادي الثلاثة الذين يتقنون لغتنا العربية ويتحدثون بها بالرغم من أننا نعيش في ألمانيا، حيث اللغة الألمانية هي الغالبة في المجتمع والإعلام والمدرسة وفي أوساط الأصدقاء والأقارب. 

ما أكثر ما يستثير اهتمامكم في عالم صناعة السيارات؟ 

قد يفاجئك أن أقول إن المجال التقني أو الأفكار التي أعمل عليها لا تستثير اهتمامي بقدر الأفراد المحترفين وذوي الكفاءة الذين أعمل معهم والذين يدأبون يوميًا على إنجاز مهامهم بكل سرور. أستيقظ كل صباح ممتلئًا بالسرور للقائهم في المكتب. مضى 25 عامًا وما زلت أختبر كل يوم تجربة جديدة معهم. 

هل تستهويكم عوالم أخرى؟ 

الحقيقة هي أن اهتماماتي تتجاوز حدود التقنيات إلى علم الأحياء. بل إني التحقت بكلية الطب لسنة واحدة لكني تراجعت عن الأمر لأني لم أستطع أن أرى المرضى من حولي يعانون. لكن الأنظمة البيولوجية تفتنني، ليس من المنظور الجسماني فحسب، ولكن من المنظور النفسي أيضًا. أخصص وقتًا كثيرًا للقراءة عن هذا الموضوع. أهوى أيضًا ممارسة رياضة الغولف ولعبة الاسكواش.  

هل اكتشفتم في أسفاركم الكثيرة وجهة مفضلة؟

زرت مدنًا كثيرة، لكني في الحقيقة لا أميل إلى المدن، إذ تستهويني الواحات الطبيعية في الجبال والغابات. لذا أستمتع كثيرًا بوقتي في جنوب ألمانيا. عندما أزور المدن، أكثر ما يُمتعني هو الجلوس في المقاهي وتأمل روّادها المنهمكين في ما يفعلونه. أما في المدن العربية، فيملؤني شعور بالحبور وأنا أسمع من حولي ينطقون بلغتنا العربية وتتسنى لي الفرصة لأتحدث بها.

أشعر بأني طفل يعود إلى جذوره التاريخية. 

ما هي الرفاهية عندكم؟ 

أرى أن الرفاهية تتجاوز حدود تعريفها المادي. إنها في مجال عملنا ترتبط بابتكار منحوتة تتمايز بتصميم متفرّد وبمزايا وظيفية مبسطة وسهلة الاستخدام. هذا ما يجعل من الابتكارات الفاخرة منتجات يستمتع الزبائن باختبارها ويتوقون إلى اقتنائها. على أن الرفاهية الحقيقة في حياتنا هي الوقت الذي غالبًا ما نُغفل التعامل معه بالوعي المطلوب.