في شهر يوليو الفائت، وفيما كان المضيف ستانلي توتشي يعلن أسماء الفائزين بجوائز أفضل 50 مطعمًا في العالم في سياق حفل مهيب أقيم في لندن، كان أعضاء فريق الطاهي راسموس كوفيد جالسين بين الحضور وقد أمسك بعضهم بيد بعض وحبسوا أنفاسهم.
برز اسم مطعم جيرانيوم Geranium، الذي أسسه كوفيد في كوبنهاغن، على قائمة أفضل مطاعم العالم للمرة الأولى في عام 2009، بعد مرور سنتين فقط على افتتاحه. ومنذ تلك البدايات الميمونة، حاز المطعم ثلاث نجوم ميشلان، واختير كوفيد "طاهي العام" في الدنمارك، وفاز بجائزة Bocuse d’Or الذهبية في منافسة الطهي العالمية المرموقة التي تُنظم كل عام في ليون بفرنسا.
بل إن كوفيد فاز أيضًا بجائزتي Bocuse الفضية والبرونزية، ليكون بذلك الطاهي الوحيد الذي يحقق هذا الإنجاز في تاريخ المسابقة. إنها بلا شك لائحة مهيبة من الإنجازات والجوائز.
لكن عندما أعلن توتشي أن مطعم جيرانيوم هو الأفضل في العالم لعام 2022، جاء هذا الإعلان كأنه مصادقة على التغيير المزلزل في المطعم والذي تمثل بقرار كوفيد الأخير بإلغاء اللحوم من قائمة الطعام. يقول الطاهي مسترجعًا ذكرى هذا الفوز: " ترقرقت الدموع في عينيّ وفاضت مشاعري. كانت لحظة آسرة لامست وجداني".
وكان كوفيد قد ألغى اللحوم من نظامه الغذائي الشخصي قبل خمس سنوات على ما يقول، وبدأ يشعر بأنه مخادع لاستمراره في تقديم أطباق من المنتجات الحيوانية لضيوف مطعمه. لذا عمد في شهر يناير المنصرم، وبعد فترة من التأمل والتململ اختبرها بسبب جائحة كورونا، إلى اتخاذ قراره وحذا حذو مطعمي Eleven Madison Park في نيويورك وAtelier Crenn في سان فرانسيكسو في إلغاء اللحوم من قائمة الطعام.
يقول الطاهي: "تتطلب هذه الخطوة مراجعة في العمق لقائمة الطعام. لقد عمدنا إلى تغييرها بالكامل، ما فرض التحدي الأكبر لأني اضطررت إلى توديع بعض الأطباق المميزة التي يشتهر بها مطعمنا. ولكن في النهاية بدا الأمر منطقيًا أكثر: فابتكاراتي تعكس المشهد الدنماركي وشخصيتي الخاصة، لذا لم يكن من المنطقي أن أعد أطباقًا تشتمل على اللحوم. لن أقدم للضيوف تجربة طعام لا أحب اختبارها بنفسي".
يتجلى هذا الرابط الشخصي في واحد من أحدث الأطباق التي أدرجت على قائمة العشاء لموسم الخريف الحالي (تجربة تستمر ثلاث ساعات بسعر يبدأ من 500 دولار): يستلهم طبق Abstract of Brown Crab أو "موجز عن السلطعون البني" عطلة صيفية أمضاها كوفيد في ممارسة الصيد مع أولاده الثلاثة في جزيرة سامسو قبالة الساحل الشرقي للدنمارك.
Claes Bech-Poulsen
جذور الكرفس اللفتي مع بيوض سمك القد المدخنة والقشدة المخمّرة والكافيار، أحد الأطباق في جيرانيوم الذي تُوّج أخيرًا أفضل مطعم في العالم.
وكان ثمة نسخة سابقة من هذا الطبق، لكنها لم تلبِ المعايير الصارمة للطاهي الذي كان يشعر بوجود خلل ما. وفي هذا يقول: "إني شخص طموح للغاية وببساطة لم أكن راضيًا عن النتيجة. كان الطبق جيدًا وكان الضيوف ليُسرّوا به. لكني لم أكن مسرورًا".
لكن في رحلة مع أولاده (الذين يجيدون صيد السلطعون على ما يقول)، تسنّى له الوقت للتفكير في البنية التشريحية للسلطعون، فتأمل الذيل، والسيقان، والمخالب. وعندما عاد إلى المطبخ، أعاد ابتكار هذا الحيوان القشري في الطبق باستخدام الكرنب الساقي الذي رتّبه على نحو يحاكي شكل السيقان والمخالب.
يُمزج اللحم مع مرق السلطعون المكثّف ويُنكه بالزيت المدخن بالفحم ويُنثر فوقه مسحوق من الطحالب البحرية. يوضع اللحم بعد ذلك في صلصة من الزبدة والأعشاب تثريها حبوب الكافيار. يقول كوفيد: "عندما أعددنا الطبق بهذه الطريقة، بدا مثاليًا ومنطقيًا".
تشمل التحديثات الجديدة أيضًا عصي تناول الطعام التي تستحضر ذكرى مميزة من طفولة كوفيد، والتي سيعتمد المطعم استخدامها لتشجيع الضيوف على التمهّل والتأمل في طعامهم. يقول الطاهي: "عندما تستخدم العصي، تحرّك أصابعك وتتواصل مع دماغك قبل تذوّق الطعام. أعتقد أنها طريقة جميلة لتناول الطعام".
ستُستخدم هذه العصي لتناول سمك الإسقمري المملح والمدخّن الذي يُقدم مع الطحالب البحرية في مرق نباتي بارد يُعد من شراب الطماطم ويُنثر فوقه الزيت المدخّن. وبالرغم من التوجّه الجديد في ما يتعلق بقائمة الطعام، إلا أن هذا الطبق من الابتكارات التي تجسّد إرث كوفيد: إنه طبق ذكي، وشخصي في العمق، وحيوي ومعقد بقدر المناظر الدنماركية التي ألهمته.