في عام 2011، عندما قررت المصممة زانيز جاكوبوفسكي أن تثري المساحة الداخلية لليخت Luminosity، الممتد بطول 353 قدمًا، بجدار تفاعلي عملاق على نسق غابة مطيرة، كان تصورّها يتقدم بسنوات على التقنية المتاحة. تقول جاكوبوفسكي: "أردت استخدام الألواح المعززة بتقنية OLED (الصمامات الثنائية العضوية الباعثة للضوء)، لكن لا شركة كانت توفّر هذه الألواح بالحجم المطلوب. خططت أيضًا لاستخدام المجسمات ثلاثية الأبعاد Hologram، غير أن المتاح منها آنذاك كان لا يزال بدائيًا جدًا. لو أن التقنية المطلوبة كانت متاحة، لنجحت في تحسين التجربة التي ابتكرتها".

لكن جاكوبوفسكي ثابرت على مسعاها، ونجحت في تنفيذ التصميم متعدد الجدران، والذي تميزه أجهزة استشعار تحث الفراشات على تتبع الضيوف فيما يسيرون بمحاذاة شاشات واقعية إلى حد مفاجئ. يجسّد هذا التصميم أعجوبة تقنية، وفيما ترتفع عناصره في بعض المواقع حتى علو 60 قدمًا وصولاً إلى السقف، تمتد في مواقع أخرى على جانبي الممر موفّرة ممشى بطول 52 قدمًا عبر غابة مطيرة. تقول جاكوبوفسكي: "أراد مالك اليخت تصميمًا يثير الانبهار. كانت غايتي ألا يشعر المالك وضيوفه بأنهم يمرون بمحاذاة جدار. أردت ابتكار تصميم ثلاثي الأبعاد ليشعروا حقيقة بأنهم يعبرون غابة".

خلال السنوات الخمس الأخيرة، تطور الفن الرقمي من الشاشات ثنائية الأبعاد التي تعرض الأفلام إلى البيئات ثلاثية الأبعاد وشديدة الواقعية، والتي توفّر إسقاطات "تبدد الحدود الفاصلة بين العالمين المحسوس والافتراضي" على ما تقول جاكوبوفسكي. تتميز هذه البيئات بطابعها التفاعلي الذي يجعل الحيّز المكاني يستجيب للمشاهد.

تجد اليوم هذه الوسيلة التفاعلية، التي تتطور بوتيرة سريعة، طريقها إلى عالم اليخوت الفارهة، ولكن بأشكال أكثر شخصية. يقول تومي ليكسن، المدير العام لشركة Immersive International: "إن ما نحاول تحقيقه هو ابتكار صيغة مكانية للحكايات. نصطحب الأفراد إلى مسار روائي يتبعونه عبر مستويات متعددة على متن اليخت".

تصميم تفاعلي آخر على متن اليخت Luminosity

Giuliano Sargentini/Zaniz Jakubowski
يرافق جدار الغابة المطيرة الذي ابتكرته زانيز جاكوبوفسي الضيوف عبر الأسطح الخمسة لليخت الفاره Luminosity.

قد تتفاوت الصيغة بين حجرة للتأمل يتغيّر فيها السقف تدريجيًا خلال ساعة من الزمن لتلطيف الحالة المزاجية، وبين جدارية تتغيّر بتعاقب الفصول أو حتى بتبدل حالة الطقس في ما يشبه حركة مد وجزر بطيئة ومستمرة.

يقول جون مونرو، الرئيس التنفيذي لشركة Immersive International ورئيسها الإبداعي الذي عمل في هذا المجال طيلة 20 عامًا: "إن ضمان تطور اليخت على مر أسابيع أو أشهر ينطوي على مستوى عال من التعقيدات التقنية. سيكون من الرائع أن يرى المشاهد بأم العين التغييرات التي تطرأ. عندما يتأمل الضيوف في عمل فني من ابتكارنا، نأمل بأن يتيح لهم ذلك إطلاق العنان لأنفسهم".

لا ضرورة لأن تكون التجربة الغامرة هائلة. يقول كيفن أندروز، مؤسس شركة Ideaworks في لندن: "ثمة فرص وفيرة لتحقيق أمور ساحرة وصغيرة وعرضية لمفاجأة الزبائن".

يتصور أندروز "حجرة للزينة" تُستحدث داخل ناد على متن اليخت، ويتغير المشهد فيها كلما دخل إليها زائر جديد، فيقول: "قد يكون مشهدًا لأشخاص يرقصون من حولك، أو لسرب من الأسماك يمر في الجوار، وفي المرة التالية قد يكون مشهدًا للسماء ليلاً".

ويضيف أندروز قائلاً: "إن هذه الأسطح تشكل حقيقة فضاء للخيال"، مشيرًا أيضًا إلى أن "أوراق الجدران الرقمية قد تخدم وظائف عدة. إذا ما أخذنا في الحسبان الكلفة العالية لكل قدم مربعة في حجرة الطعام مثلاً، فإن جدوى هذه الفسحة ستتعزز إذا ما جرى تعديل تصميمها لاستضافة مناسبات مختلفة". يستطيع مالكو اليخوت أيضًا أن يستقدموا إلى يخوتهم رموزهم غير القابلة للاستبدال NFT ليعرضوا منها في كل مرة ما يتناسب مع حالتهم المزاجية.

تصميم تفاعلي آخر على متن اليخت Luminosity

Giuliano Sargentini/Zaniz Jakubowski
264 زهرة متحركة (264 Flowers in Motion)، تصميم تفاعلي آخر على متن اليخت Luminosity.

لا نتحدث هنا عن أوراق جدران تقليدية، لكن التحديات التقنية تبقى مضنية. تقول جاكوبوفسكي: "لبناء جدار الغابة، استعنّا بمهندسين لنظام التدفئة والتبريد، ومهندسين متخصصين في الإنارة، والتركيبة البنيوية، والذبذبات، فضلاً عن خبراء في المواد. بل إننا بنينا نظامًا ميكانيكيًا لإصلاح كل جزء في حال طرأ عطل ما. كما أن هذه المهمة تقتضي مجموعة معدات جديدة تشمل الرسوم المتحركة، والخوارزميات، والمعادلات الرياضية".

يستلزم هذا الجهد أيضًا إشرافاً ميدانيًا: افتتحت جاكوبوفسكي استوديو إيطاليًا في بداية عملية بناء اليخت لتكون على مقربة من حوض سفن بينيتي في ليفورنو، وبما يضمن الحرص على أن يكون تركيب التصميم دقيقًا.

بالرغم من أن هذه التصاميم لا تزال تشكل ظاهرة حديثة، إلا أن دمجها في اليخوت بات أسهل بعد أن أصبحت الخوادم أصغر حجمًا وباتت شاشات OLED الأخف وزنًا توفر ألوانًا أكثر واقعية. تبتكر جاكوبوفسكي تصاميمها الخاصة، فيما تتعاون شركتا Immersive International وIdeaworks مع عشرات الحرفيين.

لا يعتقد أحد أن التصاميم التجريبية الناشئة ستحل محل الأعمال الفنية التقليدية. يقول أندروز: "تتمايز الفنون الجميلة بأصالتها وتاريخها، في حين أن الفن التفاعلي ينطوي على قوى إبداعية مختلفة. لكن عندما تُبتكر التصاميم التفاعلية بالطريقة الصائبة، فإنها تُعد حقيقة فنًا".