ثمة طفولة تعيسة، وثمة طفولة أتعس منها، وأوغسطين بوروز على معرفة دقيقة بذلك، إذ اشتهر كتابه الأكثر مبيعًا Running With Scissors، الذي تحول إلى فيلم، من حيث كونه يسرد بطريقة هزلية ذكرياته عن والدته التي ألقته في منزل طبيبها النفسي المضطرب، على ما في الأمر من غرابة. ومن بين الشخصيات غريبة الأطوار التي كانت تتردد على المنزل متحرّش بالأطفال كان يسكن سقيفة في الفناء الخلفي.
أخبرني بوروز في أولى المحادثات الهاتفية العديدة التي أجريناها في الربيع الماضي أن الهدف من كتابة ماضيه المروّع لم يكن أن يصبح كاتبًا شهيرًا، أو على الأقل هذا ما كان عليه الحال في البداية.
فهو يقول إنه أراد "إصلاح نفسه" فحسب، إذ مكّنته الكتابة عن كل شيء - عن التخلي والاعتداء الجنسي والإهمال - من فهم ما حدث ومن ثم المضي قدمًا.
يقول بوروز موضحًا: "إن الكتابة سلّحتني حرفيًا بالقدرة على التحول". طعنت عائلة الطبيب النفسي، الذي فقد رخصة ممارسة الطب، في صحة العديد من حكايات الكتاب، ثم انتهت الدعوى القضائية ضد بوروز وناشره بتسوية.
بعد ثمانية كتب، أصبح بوروز يوجّه طاقته الآن إلى مساعدة الآخرين على علاج الصدمات وحالات الإدمان أو الاكتئاب من خلال برنامج أسماه الكتابة الموجهة التركيز Focus-Directed Writing. وهو يرى أنها "ليست كتابةً الغاية منها أن يقرأها الآخرون، بل هي عملية فكرية يمارسها المرء".
في منتجع الرفاه الصحي Five Foxes الذي افتُتح في شهر يوليو بولاية كونيتيكت الريفية، والذي تديره شركة إعادة التأهيل الخاصة Privé-Swiss، سيقنع بوروز النزلاء باستكشاف مكنوناتهم وإيجاد طريقة لقبول ما حدث لهم والاستفادة من الدروس المستخلصة خير استفادة. وفي هذا يقول: "إن المعرفة عدوّة السلوك الروتيني والطائش والمدمر".
قبل افتتاح المنتجع، وافق بوروز على إرشادي من خلال نسخة مختصرة للبرنامج عبر الهاتف. وتتمثل الخطوة الأولى في ممارسةٍ يومية تستمر عشر دقائق تتخللها كتابة حرة متداعية الأفكار.
كان بوروز يوعز إليّ بأن "أكتب بأقصى سرعة ممكنة"، ومن ثم يضيف: "لا تتوقفي عن الكتابة، لا لتصحيح الأخطاء الإملائية، ولا لوضع علامات الترقيم أو اختيار الكلمة الصحيحة التي ينبغي استخدامها، ولا للتفكير في التعبير عن أفكارك بصيغة أفضل".
الجدير بالذكر هو أن هذا الدفق الكتابي ليس تسجيلاً لليوميات، بالرغم من تداخله مع هذا النوع من الكتابة، بل هو تمرين يُقصد تمهيد الطريق أمام غير الكتّاب لممارسة الكتابة ودفعهم إلى استقصاء مشاكلهم الدفينة في ما يشبه نوعًا من اليقظة المُنظّمة.
ويقول بوروز: "أحثُّ الناس بشدة على مشاركة كتاباتهم معي حتى أتمكن من تحديد النواحي التي ينبغي التركيز عليها"، وهذا هو الجانب "الموجّه" من البرنامج، والذي يصفه بوروز بأنه "عملية تعاونية".
كما يشارك بعض الزبائن أيضًا تمارين الكتابة تلك مع معالجيهم النفسيين الدائمين، وفي هذا يقول بوروز: "إنها مكمّل رائع للعلاج التقليدي لأنها تمنح المعالج إمكانية تتبع حالة المريض من خلال كتاباته ".
بوصفي مبتدئة في العلاج النفسي، قررتُ فحص إحدى علاقاتي المهترئة بشدة إلى درجة قد لا تقبل معها الإصلاح.
ولأنني كاتبة محترفة، اقترح عليّ بوروز في مكالمتنا الثانية أن أجرّب بروتوكولاً آخر وأن أكتب رسالة إلى هذا الشخص، ليس بهدف إرسالها يومًا ما، ولكن لنبش الأذى الذي سببه لي ذاك الشخص. أمضيت عطلة نهاية الأسبوع وأنا أفكر مليًا، مُحاولة التعبير عن مشاعري المجروحة.
وفي مكالمتنا التالية، قرأت على بوروز رسالتي تلك، فقال مشجعًا: "هذا ممتاز.
ثمة الكثير مما يستدعي التأمل" لكنه اعترض على استخدامي "كلماتٍ ناعمة" ورفضها لأنها كلمات كسولة، وعلّق قائلاً: "نعلم جميعًا ما تقصدينه بالعامية.
ولكننا بحاجة إلى تحديد السلوكيات التي اختبرتها".
بل إنه اقترح أن أكتب رسالة ثانية.
يقول بوروز: "إنني أقلّب وأحرّض.
ذلك أن الأمر يتعلق ببلوغ جوهر وحقيقة ما حدث لك".
عندها فحسب يمكن للمرء إدراك الهدف: الاندماج، أو بعبارة أخرى، "امتلاك مسؤولية حياته".
وفي معرض حديثه عن الاعتداء الجنسي الذي تعرض له عندما كان طفلاً، قال: "الاندماج في هذه الحالة كان يعني تقبل حقيقة أننا جميعًا منازل من الطوب وكل لبنة لازمة لإقامة البناء.
ولهذا لا يمكنك التخلص من لبنة الاعتداء الجنسي التي تريد إزالتها.
لا يسعنا تغيير الماضي بأي شكل من الأشكال، مهما كان بشعًا. ولذلك علينا أن نتقبل أن ما حدث قد حدث، ثم علينا أن نمتلك هذه الحقيقة، وبامتلاكها أعني التالي: لقد غيّرني هذا.
فما المعرفة الجديدة التي خرجت بها من الحدث؟ وما الهدية المخبوءة بعيدًا بين ثنايا الصدمة التي مررت بها؟".
في حالتي، قال بوروز إنني قد وجدت طريقة غريزية "لإعادة تدوير" الأذى الذي لحقني، وذلك من خلال تعليم بناتي أن يهتم بعضهن ببعض وإيلاء علاقتهما الأولوية، الأمر الذي منحني بعض العزاء وقليلاً من الفخر.
أما في حالته، فالهدية كانت تطوير أداة الكتابة تلك ومساعدة الآخرين. وفي هذا يقول: "أنا أجيد نفْع الناس. ولهذا لا أولي كوني كاتبًا اهتمامًا كبيرًا الآن" (يبدأ السعر من 50,000 دولار لأسبوع واحد)