على منصة التتويج، لم تكن الفرحة تسع السائقين الستة الذين يتألف منهم فريق فيراري المشارك في سباق لومان 24 ساعة لهذا العام. فهذا السباق لا يُعد القطب الثالث فحسب ضمن مثلث أعظم سباقات السيارات (إلى جانب سباق جائزة موناكو الكبرى في الفورمولا 1 وسباق إنديانابوليس 500)، بل إنه يحتفل هذا العام أيضًا بالذكرى المئوية لتأسيسه، وفي الوقت نفسه بعودة أميرة الحلبات فيراري إليه للمرة الأولى منذ نصف قرن.
كما أنها المرة الأولى التي تحقق فيها فيراري الفوز منذ 58 عامًا. فعندما تخلى جاكي ايكس وبريان ريدمان عن صدارة نسخة عام 1973 من السباق نفسه بسبب المشاكل الميكانيكية، لم يكن أحد ليتوقع أنّ الأمر سيستغرق حتى هذا العام كي تُرفع راية فيراري من جديد على الحلبة الفرنسية.
أما الأمر الآخر الذي لم يكن متوقعًا، فهو أنّ فيراري ستتمكن من تحقيق الفوز من المشاركة الأولى لها بعد طول غياب، وذلك لأن مهمة التفوق على فريق تويوتا الذي انفرد بالفوز خلال الأعوام الخمسة الأخيرة كانت تُعد قبل بداية الموسم الحالي أمرًا بالغ الصعوبة.
ولكن فيراري لم تكتفِ بزحزحة العملاق الياباني عن قمة منصة التتويج، بل تمكنت من التفوق أيضًا على صانعين لهم باع طويل وقدرات استثنائية مثل بورشه وبيجو وكاديلاك.
ابنة مارانيللو الأصيلة
نُفذ تصميم سيارة فيراري 499P الخارجي، وهندستها الديناميكية، ومحركها، ومنظومتها الهجينة وهيكلها في مارانيللو، وهذا ما يجعلها مركبة فيراري بنسبة 100 بالمائة.
كما أنها تستخدم محركًا مشابهًا لشقيقتها 296 GT3، وهو محرك يتألف من ست أسطوانات معزز بشاحن توربيني مزدوج، ولكن مع تعديلات ساهمت بخفض وزنه وضبط ردود فعله لتتماشى أكثر مع متطلبات أداء سيارة خارقة تحتاج إلى الدوران من حول الحلبة على مدار 24 ساعة متواصلة.
Ferrari
أحداث السباق
في البداية، ورغم أنّ فيراري حققت الصدارة في الانطلاق الأول بعد التجارب التأهيلية، إلا أنها فقدتها لحساب فريق تويوتا مباشرةً بعد انطلاق السباق. وهنا، لم يكن هم فريق الحصان الجامح استعادة الصدارة بسرعة، بل تجنب الوقوع في فخ الانسحاب المبكر، خصوصًا أنّ الحلبة كانت وقتها تتعرض لعوامل جوية متقلبة.
فالسماء فوق الجزء الخلفي الشهير الذي يُعرف باسم مسار مولسان المستقيم كانت ملبدة بالغيوم التي تفرغ حمولتها من مياه المطر لتحوّل المسار إلى ما يشبه النهر، فيما الأجزاء الأخرى من الحلبة بقيت جافة نسبيًا، خصوصًا عند منطقة جسر دنلوب.
هكذا وجدت الفرق المنافسة نفسها في مواجهة تحدٍ كبير: فإما اعتماد إطارات مخصّصة للمطر تؤمن لسياراتها تماسكًا أفضل فوق الأسطح المبلّلة ولكن تفقدها السرعة فوق المقاطع الجافة، وإما تركيب إطارات ملساء لنيل السرعة على المقاطع الجافة ومواجهة خطر الانزلاق والتحطم على الجدران المحيطة بالحلبة.
فضلت فيراري التروي وطلبت من سائقيها القيادة بحذر وتجنب المجازفة حتى تستقر الأمور. فالسباق لا يزال في بداياته وهو سباق طويل ومنهك للسيارة وللسائقين على حد سواء.
بعد أربع ساعات من التسابق، استقر الطقس وتقدمت بيجو إلى الصدارة بشكلٍ مفاجئ متفوقة على بورشه وتويوتا على التوالي. في هذه المرحلة، كانت فيراري قد تراجعت عن المراكز الخمسة الأولى. وبعد مرور ثماني ساعات، كانت بيجو لا تزال في الصدارة، إلا أنّ فيراري تقدمت مرة أخرى على بورشه وتويوتا.
Ferrari
ومع بلوغ السباق منتصفه، تقدّمت كاديلاك إلى المركز الثالث، واستلمت سيارة فيراري رقم 51 الصدارة، فيما اضطرت شقيقتها التي تحمل الرقم 50 إلى دخول منصات الصيانة للخضوع لبعض الإصلاحات.
متسلحةً بالرغبة العالية في تحقيق الفوز السادس على التوالي، طلبت تويوتا من سائقها هيراكاوا المخاطرة من خلال القيادة بأقصى سرعة على أمل تجاوز سيارة فيراري المتصدرة، في الساعات الأخيرة من السباق.
ولكن بما أنّ رياضة السيارات أحيانًا لا تكافئ المخاطرين، فقد هيراكاوا السيطرة على سيارة تويوتا التي تحمل الرقم 8، بعد أن انزلقت مؤخرتها ليخرج عن حدود الحلبة خاسرًا أي أمل له بالعودة والمنافسة على صدارة السباق، وليترك النصر للسيارة الحمراء.
وفي الختام، أتى انتصار فيراري مثل قصة من القصص الشاعرية التي لا تصدق. فـقد لا تكون فيراري هي صاحبة أكبر رقم انتصارات فوق الحلبة الفرنسية، إذ إنّ هذه المكانة محجوزة لـبورشه مع 19 فوزًا وأودي مع 13 فوزًا.
كما أنها ليست العلامة التي تكللت انتصاراتها بالعنفوان والشرف، إذ إنّ هاتين الصفتين تعودان لفورد وقصتها الشهيرة مع الصانع الإيطالي والحلبة الفرنسية. ولكن ثمة أمرًا مميزًا يرافق دومًا كل انتصار تحققه سيارة من سيارات العم إنزو على أي حلبة من حلبات السباق حول العالم، أمر يحلو للبعض وصفه بأنه وبكل بساطة ... سحر الحصان الجامح.
