الفكرة بسيطة: قَدّم رؤية لسيارة مستقبلية تتحدى الأعراف وعلى قدر كبير من الغرابة ليكون الطلب عليها فوريًا. كان هارلي إيرل أول من طبق هذه الفكرة عندما استعرض سيارة Buick Y-Job في عام 1938، وتُعد سيارة Vision AVTR المذهلة من مرسيدس - بنز المكافئ لها في القرن الحادي والعشرين.

على غير ما هو عليه حال ابتكار السيد إيرل، الذي كان من بنات أفكاره وحده، فإن سيارة AVTR هي نتاج تعاون معقّد بين أقدم صانع سيارات في العالم والفريق الذي كان وراء أكثر الأفلام التجارية نجاحًا على الإطلاق، ونعني فيلم Avatar.

تمتاز هذه السيارة الفريدة والصامتة، الجامحة التفاصيل والثورية البناء، بتصميم مبتكر للغاية وجاذبية جارفة. على أن ميزتها الأبرز - وهي ميزة أهملها العديد من الصانعين في مركباتهم المُتخيلة التي تركز على المستقبل - تتمثل في قدرتها على تزويد نفسها بالطاقة اللازمة للحركة. 

عُرض هذا المفهوم التصوري للمرة الأولى في حدث CES لعام 2020، وأعيد تقديمه أخيرًا بالتزامن مع إطلاق الفيلم المرشح لجائزة الأوسكار Avatar: The Way of Water.

تجسد سيارة Vision AVTR الإمكانيات التي يخبئها المستقبل، وذلك بفضل نظام قيادتها الذاتي وبطارياتها العضوية.

Robin Trajano
تجسد سيارة Vision AVTR الإمكانيات التي يخبئها المستقبل، وذلك بفضل نظام قيادتها الذاتي وبطارياتها العضوية.


هذه المرة، كان العرض مرفقًا بدعوة لقيادة السيارة، التي تعمل بوساطة بِطانة بحجم راحة اليد تميل مثل وحدات التحكم في الألعاب، أو من خلال جهاز للتحكم عن بعد في حال إيقافها. وتنساب هذه السيارة الكهربائية المستقبلية وتتحرك جانبيًا وتدْلف ببطء في مختلف الاتجاهات، مثل رتيلاء تتصيد فريسة.

بل إن حركتها الصامتة وأبعادها المنافية للعقل تبدو سُريالية، كأنها خارجة من روايات الخيال العلمي، بدايةً من المقاعد الطافية الشبيهة بالمقاعد المريحة في غرف المعيشة، إلى الطريقة التي تلتف بها الإطارات بالونية الشكل على محاورها لإنجاز حركات جانبية. فضلاً عن ذلك، تُعرض رسومات ثلاثية الأبعاد على المساحات الداخلية لمقصورة القيادة المُستجيبة للإيماءات.

يذكر المقعدان الأماميان بشكل الأراجيح الورقية في بيت قبيلة تيباني على كوكب باندورا.

Robin Trajano
يذكر المقعدان الأماميان بشكل الأراجيح الورقية في بيت قبيلة تيباني على كوكب باندورا.


تطلّب بناء السيارة التنسيق بين رئيس قسم التصميم في مرسيدس - بنز، جوردن فاغنر، وكثير من العاملين بالشركة، من مهندسين ومهتمين بالدراسات المستقبلية. تحتاج بعض الابتكارات إلى تضافر الجهود، ولذلك فإن العديد من التفاصيل الجديدة في سيارة AVTR، مثل الفتحات الثلاث والثلاثين التي تعلو ظهرها، كانت نِتاج التعاون مع جامعة لوزان في سويسرا. تنتفض هذه الأسطح الآلية وتخفق وتهفّ مثل هسهسات طيور الزرزور، ما يضفي على السيارة الجامدة صفاتٍ شبيهة بالحيوانات.

يقول فاغنر: "لن أدّعي أن تصميم هذه السيارة 'تصميمٌ حيوي'، غير أنها امتدادٌ من نوع ما للصفاء الحسي المستلهم من جمال الطبيعة". وبرغم أن هذه الفتحات عناصر تجميلية في سيارة AVTR، إلا أنها، عند قيادة المركبة على الطرقات، تتحول إلى نظام تبريد مبتكر ونظام مكابح هوائية.

جُهز سقف السيارة بمجموعة من 33 جناحًا خلفيًا وضاءً، تستلهم شكل حراشف الزواحف وتربط بين السائق ومحيطه الخارجي.

Robin Trajano
جُهز سقف السيارة بمجموعة من 33 جناحًا خلفيًا وضاءً، تستلهم شكل حراشف الزواحف وتربط بين السائق ومحيطه الخارجي.


صحيح أن سيارة AVTR تبدو متفردة ومبتكرة، إلا أن السؤال الذي لا مفر منه، وعلى ما هو عليه الحال مع مختلف المفاهيم التصورية، يظل قائمًا: هل تستطيع مرسيدس - بنز أن تُطور سيارة إنتاج على القدر نفسه من الإثارة والكفاءة؟ وإذا كان الجواب نعم، فمتى ذلك؟ يقول ماركوس شيفر، كبير مسؤولي التكنولوجيا وعضو مجلس إدارة العلامة: "يُنسب إلى أينشتاين قوله: 'لا أمل في فكرة لم تكن في البداية غير معقولة'. وشركة مرسيدس بنفسها انطلقت من فكرة غاية في الجرأة: عربة بدون حصان. نرى اليوم كيف غيرت هذه الفكرة العالم".

لكن هذا لا يغير من واقع الحال شيئًا، فهل ستجول مثلاً مركباتٌ شبيهة بسيارة AVTR في الطرقات بحلول موعد إطلاق الجزء الخامس من فيلم Avatar؟ يُجيب شيفر بقوله إن هذا المفهوم التصوري يُمثل "رؤية لما ستكون عليه القيادة في المستقبل البعيد"، وهي رؤية قائمة على القدرات ذاتية التحكم والحلول الصديقة للبيئة.

ولكن شطرًا من هذا المستقبل ليس بعيد المنال، وفي هذا يقول شيفر: "إن مرسيدس - بنز تعمل بدأب مستمر على تطوير واجهةٍ تصل الإنسان بالآلة". ويضيف قائلاً: "سبق أن جهّزنا سيارة EQS بنظام تحكم يستجيب للإيماءات إذ يُتيح إغلاق باب السائق بحركة يدوية من داخل مقصورة القيادة".

في هذه السيارة، تعمل مرسيدس – بنز على تطوير واجهةٍ تصل الإنسان بالآلة.

Robin Trajano
في هذه السيارة، تعمل مرسيدس – بنز على تطوير واجهةٍ تصل الإنسان بالآلة.


قد يكون أكثر ما يثير الإعجاب في هذا المشروع هو البطاريات العضوية التي تطورها مرسيدس حاليًا. فالصانع يسعى إلى الإتيان بنظام بطاريات خالية من المعادن الأرضية النادرة، وقابلة للتحلل بالكامل، وقادرة على توليد طاقةٍ تقطع بالسيارة أكثر من 435 ميلاً.

تعتمد هذه البطاريات على الغرافين، وهو نوع من أنواع الكربون يتألف من طبقة واحدة من الذرات متصلة بعضها ببعض على هيئة سداسية الأضلاع، كما أنه أقوى بنحو 200 مرة من الفولاذ ويمتاز بقدرة فائقة على توصيل الكهرباء.

على أن أكثر ما يقع في نطاق الخيال هو القيادة الذاتية بالكامل، لأسبابٍ ليس أقلها مستوى البنيات التحتية الذي يُشترط تحقيقه عالميًا حتى تتيسّر قيادتها. ولكن بدلاً من الالتفاف حول هذه المسألة، تهدف هذه السيارة إلى الاسترسال في هذه الفكرة عن طريق طرح أفكار ثورية عن الغد.

وفي هذا يقول شيفر: "إننا نقصد إلى إشراك المجتمع في بواكير هذا المستقبل، وبهذا يتحقق الفهم والثقة في ما يحمله التقدم التكنولوجي". ويا لِهذه الفكرة!