يسمّونها "أسماك ألدو".. فهذه الأطباق ذات الألوان الزاهية والزخارف التي ترجع إلى منتصف القرن الفائت صُممت في ورشة الخزف "فيلا بولونيا بوتري" Villa Bologna Pottery في مالطا على يد ألدو كريمونا، الذي عمل هناك لأكثر من 70 عامًا.
ولد ألدو أصمّ لعائلة فقيرة، وكان تعليمه محدودًا. بل إنه لم يتعلم الكلام قط، واكتفى بالتواصل من خلال أعماله الفنية النابضة بالحيوية. وكريمونا هو أيضًا مصمم الزخارف التي تزهو بها اللفائف الشهيرة المبتكرة في المحترف، شأنها في ذلك شأن سلسلة من أباريق الماء، المزينة ببقع من الطلاء شُكلت على هيئة نساء.
وفي هذا تقول صاحبة المحترف، صوفي إدواردز: "كان من المفترض أن تكون التصميمات لأميرال يلقي التحية العسكرية، لكن ألدو لم يحب رسم الرجال، فرسم بالطلاء أشكال نساء". توفي كريمونا العام الماضي، ولكن لا يزال في المحترف رف مليء بهذه الأباريق التي تُستخدم نماذج للإنتاج. ويظهر اسم كل قطعة على ملصق صغير: "فيوليتا بعيون نائمة"، على سبيل المثال، أو "فلورا المصنوعة من الخزف الأزرق".
يعود تاريخ المحترف نفسه إلى نحو قرن من الزمان، إذ تأسس في عام 1924 بوصفه مبادرة خيرية تهدف إلى توفير وظائف للنساء داخل المجتمع المحلي، وقد أعيد تنشيطه في السنوات الثلاث الماضية منذ تولي إدواردز وزوجها رولي زمام الأمور. وفي ذلك تشرح إدواردز قائلة: "يعرف الجميع في مالطا الخزف. فمصابيح الأناناس تشكل هدايا زفاف شهيرة".
ومع ذلك، يأمل الزوجان اليوم في استقطاب جمهور أكبر، وقد افتتحا خلال العام الماضي أول متجر لهما خارج الورشة، في حديقة هولاند الفاخرة بلندن، وأطلقا منصة إلكترونية للبيع في الولايات المتحدة هذا الربيع، مؤكدين أن الصناعة اليدوية ستظل السمة الأساسية في المحترف.
إنها قصة غير متوقعة على الإطلاق لأولئك الذين يعرفون مالطا. عند ذكر اسم البلد، أول ما يخطر ببال المستمع هو القوة العسكرية التي اشتهر بها فرسان مالطا القدامى، وربما المال، ولكن ليس الصناعة. اليوم، وبسبب وصول مجموعة جديدة من المواطنين الأثرياء الذين يركّزون على التصميم، بدأت البلاد الصخرية الصغيرة في تغيير صورتها إلى مصدر للرفاهية الحقيقية ووجهة لها للباحثين عن السياحة.
من القوة إلى الجاذبية المالية
تتكوّن مالطا، التي تبلغ مساحتها 122 ميلاً مربعًا فقط، من ثلاث جزر: جزيرة مالطا، وهي الأكبر، بالإضافة إلى جزيرة ريفية أصغر تُدعى غوزو، وجزيرة كومينو، التي تبدو مثل شظية بين الأخريين.
تقع الجزر الثلاث في وسط البحر الأبيض المتوسط، وتستفيد من الموانئ العميقة بشكل طبيعي. وبسبب موقعها الجغرافي وطبيعتها الجيولوجية، ظلت الجزر موضوع نزاع لقرون عدة، وكان البريطانيون آخر من حكمها (عاشت فيها الملكة إليزابيث الراحلة عندما كانت زوجة شابة، وسيُفتتح منزلها هناك قريبًا بعد تحويله إلى متحف).
لكن شهرة مالطا المعاصرة لا ترتكز إلى القوة بقدر ما تستند إلى التسهيلات المالية، إذ تهدف البلاد إلى أن تكون نموذجًا متوسطيًا لجزر كايمان. فقد ارتقى نظامها الضريبي المشجع بجاذبيتها في عيون أثرياء أوروبا، الذين أصبح بمقدورهم الإقامة هناك ودفع الحد الأدنى من الضرائب.
كما أدى برنامج الجنسية مقابل الاستثمار، الذي يمنحك الجنسية مقابل مليون يورو أو نحو ذلك، إلى زيادة أعداد الأثرياء القادمين من مناطق أخرى. على أن هذه السياسة لم تكن بعيدة عن الجدل منذ أن اعتمدتها الحكومة في عام 2013 في عهد رئيس الوزراء السابق جوزيف مسقط.
لا تزال تلك الإدارة متورطة في فضيحة مقتل الصحفي الاستقصائي دافني كاروانا غاليزيا قبل ست سنوات، وهو ما أدى إلى استقالة مسقط في أوائل عام 2020 لتبقى القصة إلى يومنا هذا محط اهتمام الصحافة.
Treasure Island
يُعد موقع كورال لاغون، المعروف أيضًا باسم دراغونارا كيف، مكانًا شهيرًا للسباحة عند ارتفاع المد، أو التقاط صور على إنستغرام عند انخفاض المد.
السياحة في مالطا تُعيد ابتكار نفسها
تعد مالطا بلدًا سياحيًا منذ سنين، لكنها كانت في الغالب تقع ضمن الوجهات الشعبية. فحرصًا على إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تعرضت البلاد لقصف وحشي من قبل قوى المحور، بنى المالطيون فنادق رخيصة امتلأت بالبريطانيين والألمان الباحثين عن الشمس، والذين قدّموا حافزًا اقتصاديًا كانت البلاد بأمس الحاجة إليه في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته.
لكن مثل هذه العطلات الجماعية لم تعد الهدف الأساسي، والسكان المحليون يسعون إلى جذب فئة مختلفة من المسافرين. يقول المالطي فرانسيس سلطانة، خبير التصاميم الداخلية المقيم في لندن والسفير الثقافي لوطنه، حيث يمتلك منزلًا رائعًا: "لم يعد بإمكاننا مواصلة استقبال أعداد هائلة من السياح. لا بد أن تعيد مالطا تقديم نفسها بوصفها وجهة تزخر بالفنون والثقافة ويحيط بها بحر رائع".
ولتحقيق هذه الغاية، تعمل مالطا على تغيير صورتها مستعينة بمتخصصين في السفر، مثل شركة Red Savannah للرحلات الفاخرة التي ستقدم البلاد بوصفها وجهة موصى بها هذا الخريف.
أدى الاهتمام بـالسياحة في مالطا إلى صعود نجمها في أوساط نخبة المسافرين، وهي نتيجة تحققت بشق الأنفس بفضل جهود الحكومة المتضافرة لتغيير جمهورها، سواء من خلال طرح أصول ثقافية جديدة، أو تجديد المباني المهجورة، أو الاستمرار في توسيع برنامج الجنسية مقابل الاستثمار.
بعدما حقق أول برنامج من هذا النوع هدفه البالغ 1,800 جواز سفر، أطلقت الحكومة ببساطة برنامجًا ثانيًا يحمل تعديلات طفيفة. تساعد شركة Latitude Residency and Citizenship المواطنين المالطيين المحتملين على تجاوز الإجراءات المعقدة.
وفي هذا يقول جون غرين، الشريك المؤسس للشركة ومدير المبيعات العالمي: "الأمريكيون هم أكبر سوق لمالطا الآن، فهم يمثلون أكثر من نصف المتقدمين"، مشيرًا إلى أن حالة عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة هي التي أدت إلى هذا التغيير.
ويضيف قائلاً: "في السنوات الخمس أو الست الماضية، ارتفع الطلب على مثل هذه البرامج في الولايات المتحدة. قبل ذلك، لم يكن أحد يعتقد أنها ستكون سوقًا مهمًا لهذه الصناعة".
يُعد هؤلاء السياح الأثرياء الجدد والمقيمون بدوام جزئي قاعدة زبائن مهمة لصوفي ورولي إدواردز. نشأت صوفي خلال جزء من حياتها في الجزيرة وكانت تفكر دائمًا في العودة. وقد تزوجت في فيلا بولونيا، المنزل الريفي حيث تقع ورشة الخزف.
عندما كانت حاملاً بطفلها الأول، روكو البالغ من العمر اليوم 4 سنوات، زار الزوجان ورشة الخزف ووجداها في حالة خطرة، إذ كان يعمل بها ثلاثة موظفين فقط، من بينهم ألدو.
وإذ تتذكر صوفي تلك الزيارة، تقول: "عند تفتيش القبو، وجدنا قوالب وقطعًا من الخزف القديم". قرر الزوجان إعادة إطلاق المحترف، مع الاحتفاظ بجماله الرجعي وشحذ نهجه في العمل، وهما يعملان اليوم مع مصممين داخليين في مشاريع خاصة لزبائن مميزين، بموازاة بناء مطعم في حظيرة الخيل المجاور للمحترف، وذلك بهدف تقديم مكان راقٍ بحديقة خاصة، مُزين باللمسات الإيطالية ومفتوح طيلة اليوم.
Treasure Island
كامينو، إحدى جزر مالطا الثلاث، على ما تبدو من الجو.
فضاءات إبداعية
تقع فيلا بولونيا في قرية أتارد، وهي مستوطنة صغيرة في وسط الجزيرة، ولكن الكثير من الطاقة الجديدة تتركز على عاصمة البلاد، فاليتا الجميلة. تحتكر فاليتا موقعًا متفرّدًا على نتوء صخري بجوار أعمق ميناء على الساحل الشمالي، وقد بُنيت كاملة في هيئة مشروع واحد في سبعينيات القرن السادس عشر، ما أضفى على هندستها المعمارية تماثلاً ممتعًا.
أما الطابع الجمالي، فيستحضر التصميم نفسه المستلهم من الأسلوب العثماني، والسائد في مختلف أنحاء البندقية. وقد حظيت فاليتا بدراسة تخطيطية جادة قبل البناء، إذ تمر نسائم البحر عبر وسط المدينة، وتظل الشوارع المظللة إلى يومنا هذا باردة على نحو مدهش في منتصف الصيف.
أُعيد توظيف المباني القديمة هناك بمهارة. خذ على سبيل المثال مبنى البرلمان الذي صممه رينزو بيانو في 2015 في هيئة مكعب متموّج بُني من الحجر الجيري العسلي نفسه المستخدم في تشييد المباني المجاورة التي تعود إلى القرن السادس عشر.
وعندما أثارت خطة بيانو الأولية لمحو حطام دار الأوبرا المجاورة الكثير من الجدل، أعاد بناء الموقع الذي دمّرته القنابل وحوّله إلى مسرح مفتوح في الهواء الطلق ليصبح نصبًا تذكاريًا إلى جانب كونه مكانًا ترفيهيًا.
كما أُعيد افتتاح مسلخ قديم قبل عامين ليصبح مجمّع التصميم Valletta Design Cluster، الذي يضم مساحات عمل واجتماعات وورشًا تستهدف الشركات الإبداعية الناشئة، وتوحي أبوابها ونوافذها ذات الألوان الأولية بحركة "الأسلوب" الفنية De Stijl. يعمل المعماري المحلي ديفيد فيليس وشركته AP Valletta على بناء منزل جديد رئيس لمختلف الأعمال الفنية والمنسوجات في كاتدرائية المدينة: صندوق زجاجي وسط سلسلة من المنازل القديمة، ومن المقرر الانتهاء منه في عام 2024.
كما يتجلى خارج أسوار المدينة مباشرة ما يمكن اعتباره أكثر المشاريع الإبداعية طموحًا في البلاد: مساحة مالطا الدولية للفن المعاصر Malta International Contemporary Art Space، أو MICAS، والتي من المقرر أن تفتتح صالاتها المقامة على مساحة 16 ألف قدم مربعة العام المقبل.
أصبح من الممتع حقيقة التجوال داخل الموقع، إذ ثُبت الهيكل ذو العوارض الحديدية التي تحمل الغرف الزجاجية الضخمة في MICAS في بقايا Old Ospizio، وهو حصن من القرن السابع عشر كان يُستخدم لتخزين البارود بأمان بعيدًا عن حدود فاليتا.
ويظهر التصميم الحديث للمتحف، الذي أعدته شركة الهندسة المعمارية الفلورنسية IPO Studio، في تباين صارخ مع تلك الجدران المصفرة والمتّسخة. كما كشفت عمليات التنقيب عن آثار قديمة - رأى الرومان أيضًا القيمة الاستراتيجية لهذه الجزر – وهو ما أجبر المهندسون المعماريون على تعديل رؤيتهم، إذ تدمج غرفة أخرى الآن الطوب الكبير في أحد جدرانها.
في يوم مشمس ولكن منعش في شهر مارس، تتجول رئيسة MICAS، فيليس مسقط، داخل الموقع مع أمينة المتحف وعضو مجلس الإدارة جورجينا بورتيلي، مشيرة بفخر إلى حديقة المنحوتات على السطح، والتي ستعرض قطعًا خاصة لفترات مؤقتة وأخرى دائمة لفنانين مثل ميشيل أوكا دونر وكريستينا إغليسياس.
كما أنهما تأملان أن يكون متحف MICAS نموذجًا مالطيًا من معرض Serpentine Galleries في لندن، وهي مساحة صغيرة ولكن مثالية لعرض القطع الفنية، أو المعرض الساحلي Istanbul Modern (معرض إسطنبول الحديث).
يجذب المتحف الانتباه حقيقةً، وقد تعهد النحات كونراد شوكروس بعرض قطعة خاصة في الموقع في أكتوبر المقبل، قبل اكتمال المشروع. وفي هذا تقول بورتيلي: "تشتهر مالطا بكونها جزيرة باروكية، إذ كانت فاليتا عند بنائها مثالاً على أحدث ما توصلت إليه الهندسة المعمارية"، واصفة الإضافات المعدنية الحديثة بأنها استمرار لهذا التاريخ في القرن الحادي والعشرين.
Treasure Island
غرفة Jungle Room في فندقIniala ، أحد الفنادق الفاخرة القليلة في مالطا.
مشاريع سياحية واعدة
يؤكد المصمم الداخلي سلطانة أن ارتقاء السياحة في مالطا هو في الواقع عودة إلى جذورها. وفي ذلك يقترح أن نتذكر فرسان مالطا الذين حكموا أجزاء من اليونان وإيطاليا، ولفترة وجيزة، منطقة البحر الكاريبي، بالإضافة إلى مالطا، ما أنعش الجزيرة بثرواتهم. وفي هذا يقول سلطانة: "كان الفرسان مهتمين جدًا بالفخامة، إذ وُجدت الكثير من الأوراق الذهبية واللوحات الرائعة، لذا لا يخشى أحد من المبالغة هنا". وهو يصف الطابع الجمالي المحلي بكونه مزيجًا من "أسلوب الباروك والروك أند رول".
فالتمرد الذي أظهرته فرقة Clash الموسيقية أظهره أيضًا كارافاجيو. بل إن هذا المتمرد لجأ إلى هناك حقيقة في عام 1607، هربًا من أحكام بالقتل في روما، ولا تزال أكبر أعماله حاضرة في مصلى كاتدرائية القديس يوحنا المشتركة.
يقول جون كوني: "أرى أن مالطا هي مراكش البحر المتوسط"، مقارنًا هذه الجزر بالمدينة التي أنشأ فيها إيف سان لوران مركزًا أنيقًا للمغتربين المبدعين. انتقل كوني، وهو رجل أعمال إيطالي سويسري، إلى الجزيرة قبل ثلاث سنوات، وقد تولت شركته Forbidden City تصميم المتاجر في فنادق أمان وإدارتها لسنوات عدة.
هو يعيش اليوم في قصر مستعاد كان في الأصل لأحد فرسان مالطا، ويعمل على تطوير فندق جديد مكوّن من خمس غرف نوم في مجمّع من القرن السابع عشر داخل ما يُعرف باسم المدن الثلاث Three Cities، وهي ثلاث بلدات تشترك في ميناء فاليتا.
يُعد الفندق، المسمى Cité Privée Maison Malte، الأول في سلسلة مخطط لها، وسيُفتتح بعد 18 شهرًا مع 20 وحدة سكنية تقع في الشوارع المجاورة، وفي المباني القديمة التي يقوم كوني بترميمها بشق الأنفس. يمكن للمشترين استخدام خدمات الفندق، كما يمكنهم إسناد مهمة تأجير عقاراتهم إلى الفندق.
يقول كوني إن جاذبية التطوير خارج أسوار فاليتا تكمن في أن هذا الجزء من الجزيرة لم يشهد بعد سياحة جماعية مكثفة، على الرغم من أن الوصول إليه يحتاج إلى رحلة قصيرة بالقارب: يمكنك أن تستقل قاربًا مالطيًا لتصل إلى الميناء في أقل من 10 دقائق.
وفي هذا يقول: "يشبه هذا الجزء العيش في قرية مالطية قديمة، في عصر ما قبل السيارات، وهنا يكمن السحر. قد تسمع سيدة عجوزًا في الشارع تصرخ بأعلى صوتها في وجه ابنتها، لكن بخلاف ذلك، لا توجد ضوضاء".
Treasure Island
غرفة الجلوس في منزل المصمم الداخلي والسفير المحلي فرانسيس سلطانة.
سيقام مشروع كوني بجوار مرسى Cospicua Super Yacht، وهو رصيف جديد في منطقة "المدن الثلاث" بمساحة تسع أكثر من عشرين يختًا في وقت واحد. لطالما كانت مالطا وجهة لإصلاح اليخوت (تتنافس موانئها مع الجبل الأسود على تقديم الخدمة الأفضل في المنطقة) ولكن ثمة جهود متضافرة اليوم لتشجيع سياحة اليخوت أيضًا.
يدير مايك ميفسود مشروع Yachting Malta، المشترك بين الحكومة ونادي اليخوت الملكي في مالطا، وقد عمل مع الحكومة على استراتيجية جديدة. وفي هذا يقول: "الخدمة هنا مفككة ولا تُقدم بشكل صحيح، وتحتاج إلى بعض التلميع".
يشير ميفسود إلى أنه على الرغم من المياه العميقة المحيطة بالبلاد حيث يمكن لليخوت الفاخرة أن تتوقف بسهولة، بما في ذلك مرسى في مدينة مسيدا الشمالية الشرقية، إلا أنه ثمة فرصة ضائعة على طول الساحل الجنوبي الوعر. لا تحتوي المنطقة على مرسى، وجلّ ما تحتاج إليه لاستيعاب اليخوت الفاخرة الكبيرة هو عدد قليل من المراسي المثبتة في قاع المحيط.
كما أن مواقع الغوص الرئيسة تفتقر إلى المراسي، على الرغم من وفرة هذه المواقع لأن وجود مالطا في وسط البحر الأبيض المتوسط رفع من عدد السفن المحطمة في القاع منذ العصر الفينيقي. ويُعد الافتقار إلى المتاجر الفاخرة عاملاً أيضًا، فيما التنقل من "المدن الثلاث" إلى فاليتا معقد لأنه لا يوجد مكان لربط القارب عند الوصول. ومع ذلك، يقول ميفسود إنه من المتوقع أن توافق الحكومة على الاستراتيجية واسعة النطاق لليخوت الفارهة بحلول منتصف هذا العام.
وتبقى القضية الرئيسة الأخرى في تحوّل مالطا إلى السياحة الفاخرة هي الأكثر أهمية: أماكن الإقامة. فأماكن الإقامة الفاخرة نادرة، ويرجع هذا جزئيًا إلى الطريقة التي تعامل بها البريطانيون مع هذه الجزر. فعلى غير ما هو عليه حال ماديرا، أصبحت مالطا أقرب إلى مستودع منها إلى وجهة، وهي مهمة من الناحية الاستراتيجية ولكنها نادرًا ما تعد مكانًا يستحق الزيارة. ونتيجة لذلك، لا يوجد فندق كبير من العصر الفيكتوري يمكن إعادة ترميمه. يعود أشهر نُزلين إلى طفرة ما بعد الحرب: وهما قصر كورينثيا، في أتارد، وفينيقيا، خارج البوابات الرئيسة لفاليتا.
ولا يُعد أي منهما فندقًا من فئة خمس نجوم حقًا، رغم أن لدى كليهما خططًا للتطوير. شارك سلطانة في إصلاح الأماكن العامة والأجنحة في الأول، بينما فكر النزل الثاني في إضافة سلسلة من الفلل الفاخرة المستقلة المطلة على المرسى المحلي.
ومع ذلك، من المقرر افتتاح مجموعة من الفنادق الجديدة، مثل فندق Casa Bonavita، وهو مشروع أطلقه والدا صوفي إدواردز، كريستوفر وسوزان شارب، في قصر باروكي يعود إلى عام 1760، بعد شرائه قبل حوالي 12 عامًا. الزوجان هما مؤسسا شركة Rug Company للتصاميم الداخلية، وبالمناسبة، سوزان في الأصل مالطية.
Rachael Smith
صوفي إدواردز داخل محترف الخزف الذي تمتلكه هي وزوجها داخل الفيلا.
بالحديث عن المبنى الذي اجتهد الزوجان لترميمه حتى يتحوّل إلى فندق مكوّن من 17 غرفة، من المقرر أن يُفتتح في الربيع المقبل، يقول كريستوفر: "كان ثمة مشكلة تواجهنا باستمرار تتمثل بسؤال يوجهه إلينا الزوار: أين أقيم في مالطا؟ وهذا صعب حقًا، لذلك بدأنا في التفكير في المنزل الذي اشتريناه، إنه كبير جدًا. كانت خطوة بلهاء نوعًا ما".
تدعم الحكومة مثل هذه الجهود، إذ تعرض مكتبًا قديمًا بمساحة كبيرة في وسط فاليتا في السوق، لتحويله إلى فندق راقٍ؛ وسيجري الإعلان عن العرض الفائز هذا الصيف. أحد أولئك الذين يطاردون هذه الصفقة هو رجل الأعمال البريطاني مارك وينغارد، الذي انتقل إلى مالطا من إسبانيا قبل عقد من الزمان لتحقيق المكاسب المالية، لكنه سرعان ما اعتنق الجزيرة وثقافتها. وقد افتتح وينغارد أول فندق راق حقيقة هناك. إنه فندق Iniala الذي يشغل مجموعة من المنازل التاريخية التي تطل على الميناء.
يقول وينغارد: "عندما تتجول في فاليتا، قد يصيبك الارتباك، بسبب الاندماج بين الشرق والغرب، أو ذلك المزيج من القدس والبندقية". أما الشاهد الآخر على ثقته في ازدهار هذه الوجهة، فهو نجاحه للتو في تثبيت طاهي مطعم L’Enclume، سيمون روغان الحائز ثلاث نجوم ميشلان، في مطعم Ion Harbour الحاصل على نجمة ميشلان، وثاني موقع لروغان خارج إنجلترا.
ولكن أكبر مشروع لا يزال بعيدًا عن فاليتا، إذ إنه يقع على جزيرة أخرى هي كومينو. بمساحة تكاد تبلغ 1.4 ميل مربع، تعد أغلب كومينو منطقة محمية اليوم، بعد أن كانت أرضًا زراعية.
يعيش في الجزيرة شخص واحد فقط، هو رجل في السبعينيات من عمره يعيش مكتفيًا ذاتيًا على قطعة أرض صغيرة. هناك أبنية حديثة في كومينو، ومع ذلك، جميعها نتاج الاندفاع نحو السياحة الجماعية في أعقاب الحرب العالمية الثانية: موقعان متصلان، على الساحل الشمالي للجزيرة، أحدهما مجمّع فندقي والآخر سلسلة من الفيلات بخدمات فندقية.
واجه الموقعان عقبات منذ يومهما الأول، وكان أغلب ضيوفهما من السياحة الجماعية، وقد أُغلقت أبوابهما قبل أربع سنوات. وفيما كانت حكومة مالطا تبحث عن مطوّر جديد يعيد توجيه المواقع بالكامل إلى السياحة الفاخرة، وجدت ضالتها في شركة Hili Ventures ومقرها مالطا.
تتميز المباني المهجورة، التي أصبحت الآن محاطة بسياج معدني، بطابع غريب ومظهر متهالك، إذ شُيدت من دون احترام للمنطقة الريفية المحيطة. فمالطا تتمايز بالمناظر الطبيعية: غابات منخفضة، خالية من الأشجار، مع مجموعات من الشجيرات المتجمعة معًا ضد الرياح.
ولكن شركة Hili Ventures تعهدت باستعادة الغطاء النباتي في الموقع عبر خطوات عدة تشمل اقتلاع الأجناس البرية الغازية، والاستعاضة عن مباني الفندق بأبنية تتناغم مع المناظر الطبيعية. لم ترضِ هذه الجهود العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية التي تقاوم المشروع، لكن الشركة تأمل في جذب مجموعة فنادق دولية راقية مثل أمان لتشغيله. فهل يمكن لمنتجع عالمي المستوى أن يجتذب وحده المسافرين الباحثين عن الرفاهية إلى مالطا؟ الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك.
Treasure Island
حديقة فيلا بولونيا.
معلومات مفيدة
وسيلة نقل داخلية
تسيطر الفوضى على الطرق داخل الأرخبيل أحيانًا. لذا يُفضل الاستعانة بسائق للتجوال حول الجزر من دون أي مشكلة. شركة Dacoby لديها أفضل السائقين.
مكان الإقامة
الخيار الأفضل في فاليتا هو فندق Iniala Harbour House، ويضم 23 غرفة وجناحًا، من بينها خمسة أجنحة بنتهاوس. يحتضن الجناح الأفضل، Lucija، مسبحًا خاصًا مرتفعًا عن الأرض. كما أن ملاذ Hideaway المكوّن من أربع غرف نوم في مبنى ملحق على بعد أبواب قليلة من الفندق الرئيس، متاح للحجز (يبدأ السعر من حوالي 382 دولارًا في الليلة).
المطاعم
في فاليتا، احرص على زيارة نادي Gracy’s الذي يملكه ويديره رجل الأعمال البريطاني غريغ ناسميث وزوجته، سامانثا رو بيدو. إنه نادٍ بعضوية خاصة ولكن مطعمه الفرنسي مفتوح للجميع. فضلاً عن ذلك، يُعد مطعم Noni أحد ستة مطاعم في المدينة حاصلة على نجوم ميشلان، ويديره الطاهي المحلي جوناثان برينكات وشقيقته وكبيرة الندل، ريتيان.
خارج المدينة، جرّب مطعم Carmen’s الذي يطل على البحر في خليج غوار لابسي على الساحل الجنوبي، أو مطعم Il Corsaro في بلدة زوريك التاريخية، الذي يملكه ويديره إيطالي مسن. فكّر في المعكرونة الطازجة والقوائم المعلقة على اللوح والغرفة المليئة بالسكان المحليين الجياع.
أنشطة مبهجة
لا يوجد في مالطا العديد من الشواطئ الرملية الجذابة؛ لذا توقع حواف صخرية على السواحل. توجه إلى الساحل الجنوبي للوصول إلى المواقع الوادعة: يمكن الوصول إلى أماكن السباحة في موقع Wied iz-Zurrieq والكهف البحري Blue Grotto عبر الصخور.
من السهل أيضًا السباحة في المياه المقابلة لخليج غوار لابسي Ghar Lapsi. لا تفوّتوا أيضًا التنزه في قرية دينغلي كليفس Dingli Cliffs وما حولها في فترة ما بعد الظهيرة.
أما لهواة الغوص، فأقدم نادٍ محلي هو Atlam SAC. وتشمل المواقع البارزة حطام Bristol Beaufighter الذي يعود إلى الحرب العالمية الثانية، والذي يقع على عمق 124 قدمًا، وموقع SS Polynesian، وهي سفينة فرنسية غرقت خلال الحرب العالمية الأولى على عمق 223 قدمًا.
الوقت الأمثل للزيارة
إذا اخترت السياحة في مالطا فتذكر أن الطقس لطيف في الغالب على مدار العام، ولكن حاول تجنب شهري يناير وفبراير، إذ يمكن أن يكون الطقس ممطرًا وباردًا. وفيما غالبًا ما يكون شهر ديسمبر معتدلاً على نحو مفاجئ، يتميز طقس منتصف الصيف بالارتفاع الشديد في درجات الحرارة.