بعد انتهاء الحربين العالميتين، تجلت الضرورة الملحة لحماية ما تبقى من المواقع التراثية حول العالم. ومن هنا، تأسست منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والمعروفة اختصارًا باسم اليونسكو، في عام 1945، بهدف إصدار توصيات واتفاقيات عالمية لحماية أعظم مواقع التراث العالمي، وكان أبرزها "اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي" الصادرة عام 1972.

كيفية الدخول إلى قائمة التراث العالمي

تستغرق عملية الإدراج في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي فترة طويلة قد تستمر لسنوات، إذ تحتاج الدول الراغبة في تسجيل مواقعها في قائمة التراث العالمي إلى إدراجها في قائمة إرشادية مؤقتة تتضمن معلومات حول سمات المواقع وآليات الإدارة والحماية، ثم تنتقل هذه القائمة إلى لجنة التراث العالمي لتقييمها وفقاً لمعايير حددتها الاتفاقية سالفة الذكر، وهي معايير تضمن أن يكون الموقع ذا قيمة عالمية استثنائية، ومحافظًا على الأصالة.

أهمية الدخول إلى قائمة التراث العالمي

يمكن تقسيم أهمية الدخول في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي إلى شقين، الشق الأول والأهم هو الحماية الدولية لهذه المواقع، وقد يكون أبرز مثال على ذلك هو الحملة التي قادتها اليونسكو عام 1963 لإنقاذ معبدي أبو سمبل بجنوب مصر من الغرق خلال عملية بناء السد العالي. جمعت الحملة من خلال أكثر من 50 دولة حوالي 80 مليون دولار لتفكيك المعبدين وإعادة بنائهما في موقع أعلى وأبعد من موقعهما آنذاك. 

أما الشق الثاني فهو دعائي، إذ يعد دخول المواقع إلى قائمة التراث العالمي بمنزلة شهادة على مدى أهميتها، وهو ما يدفع الكثير من السياح المحبين لزيارة الأماكن التاريخية والمواقع ذات الأهمية الثقافية أو الطبيعية إلى بذل الجهد وإنفاق المال للوصول إليها.

معبد ابو سمبل/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

Pexels

كيف تحافظ قائمة التراث العالمي على التنوع البيولوجي؟

كشفت منظمة اليونسكو في تقرير أصدرته خلال عام 2023 أن مواقع التراث العالمي تأوي أكثر من 20% من ثروة الكائنات الحية في العالم. 

يتضمن ذلك أكثر من 75 ألف جنس من النباتات، ونحو 30 ألف فصيلة من الثدييات والطيور والأسماك والزواحف والبرمائيات، وذلك في 1% فقط من مساحة الكرة الأرضية.

وفي ذلك توضح المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، أن قائمة التراث العالمي لا تهدف إلى حماية المواقع ذات الأهمية التاريخية والثقافية فحسب، بل تسهم كذلك في الحفاظ على تنوع أشكال الحياة على الأرض، وتعزيز خدمات المنظومة البيئية الأساسية، ومعالجة الاضطرابات المناخية. وتعد مواقع التراث العالمي بمنزلة خط الدفاع الأخير لكثير من الكائنات الحية المهددة بالانقراض مثل وحيد القرن الجاوي والفاكويتا (أصغر حيتان العالم) والإغوانا الوردية، بالإضافة إلى إنسان الغاب السومطري والغوريلا الجبلية.

إنسان الغاب السومطري

Pexels

أهم مواقع التراث الطبيعي في الشرق الأوسط

محمية عروق بني معارض - السعودية

تعد محمية عروق بني معارض أول موقع سعودي يُسجل على قائمة التراث العالمي الطبيعي، وهي تقع في جنوب المملكة العربية السعودية على الطرف الغربي من صحراء الربع الخالي والتي تعد أكبر مساحة رملية على وجه الأرض.

تمتد المحمية على مساحة تزيد على 16,658 كيلومترًا مربعًا، وتنقسم إلى ثلاث مناطق: المنطقة الرئيسة للمحمية، والمنطقة التي يُسمح فيها بالرعي الخاضع للرقابة، ومنطقة الصيد، وفقًا لوزارة الثقافة السعودية.

محمية عروق بني معارض - السعودية/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

تتميز المحمية بأغنى تنوع أحيائي وطبيعي في الربع الخالي، إذ تعد المكان الوحيد على سطح الكرة الأرضية الذي يعيش فيه المها العربي ضمن نطاقه الطبيعي في قطعان متكاثرة ذاتيًا، هذا إلى جانب أكثر من 120 جنسًا من النباتات، مثل الغضى والأثموم وأشجار الطلح والبان والحرمل، وكثير من الحيوانات المهددة بالانقراض مثل القط الرملي والثعلب الرملي والضبع المخطط. ومن الطيور، يوجد الحبارى والقطا والحجل والصرد الرمادي، بالإضافة إلى أنواع عديدة من الزواحف منها الضب والورل.

محمية عروق بني معارض - السعودية/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

وادي الحيتان - مصر

أضافت اليونسكو محمية وادي الحيتان، التي تقع في محافظة الفيوم المصرية، إلى قائمة التراث العالمي في 2005 لتصبح أول موقع طبيعي مصري والسادس عربيًا في القائمة وهو من أهم المواقع الأثرية في العالم. 

وتتميز المحمية، على ما يوضح اسمها، بوجود حفريات لنوع منقرض من الحيتان، الأمر الذي ساعد العلماء على معرفة مراحل تطور حياة هذا الكائن الثديي الذي تحول على مر السنين من كائن بري إلى كائن بحري، وفقًا لهيئة الاستعلامات المصرية.

وادي الحيتان - مصر/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

Pexels

تعد المحمية متحفًا مفتوحًا للحيوانات المنقرضة، إذ تضم مجموعة كبيرة من هياكل الحيتان يصل عددها الى 406 هياكل منها ‏205‏ هياكل عظمية كاملة يصل عمرها إلى 40 مليون عام، بالإضافة إلى هياكل حيوانات أخرى مثل القروش والأسماك العظمية وعروس البحر والدرافيل‏، وكذا بعض أنواعٍ من القرود المنقرضة. 

وتضم المحمية كذلك الكثير من الحيوانات المهددة بالانقراض مثل الغزال الأبيض وثعلب الفنك، إلى جانب الطيور المهاجرة النادرة مثل صقر الغزال والعقاب النساري، ونباتات برية مثل الأتل والرطريط الأبيض والعاقول.

وادي الحيتان - مصر/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

أرخبيل سقطرى - اليمن

يقع أرخبيل سقطرى في شمال غرب المحيط الهندي، بالقرب من خليج عدن، وهو أرخبيل يمني يمتد على مساحة 250 كيلومترًا، ويتألف من 6 جزر، أكبرها جزيرة سقطرى، وهي أكبر الجزر في منطقة الشرق الأوسط، وأحد أهم أربع جزرٍ في العالم من حيث التنوع النباتي والأحيائي، إذ تعد موطنًا لآلاف النباتات والحيوانات والطيور المستوطنة التي لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر، وفقًا لمجلس الترويج السياحي اليمني.

يوجد على الجزيرة 850 جنسًا من النباتات، منها 270 نبتة لا توجد سوى في هذا الموطن، ومن بينها شجرة دم الأخوين التي تتمتع بمظهر فريد وغريب يشبه المظلة، إلى جانب 9 أنواع من أشجار اللبان. ويعيش على الجزيرة كذلك أكثر من 600 نوعٍ من الحشرات و60 نوعًا من العناكب و7 أنواع من متعددات الأرجل، بالإضافة إلى القشريات التي تضم أربعة أنواعٍ من رتبة عشاريات الأرجل مثل سرطانات البحر.

أرخبيل سقطرى - اليمن/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

أهم مواقع التراث الثقافي في الشرق الأوسط

جدة التاريخية - السعودية

تأسست منطقة البلد أو جدة التاريخية، التي تقع على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، في القرن السابع الميلادي لتكون ميناءً رئيسًا للحجاج القادمين إلى مكة المكرمة، وملتقى لطرق التجارة العالمية بين قارتي آسيا وإفريقيا، ومركزاً للتبادل الثقافي والاقتصادي. 

وقد أُضيفت إلى مواقع التراث العالمي قبل 10 سنوات، بعد أن تحولت المنازل الأثرية فيها شيئًا فشيئًا، باستخدام أحدث الوسائل والخبرات، إلى معارض فنية ومقاه مختصة. حيثما رفع المرء رأسه سيجد الرواشين الخشبية تطل كشاهد معماري أصيل، يتوّج الحياة العصرية التي تعبر تحته.

تُحاط جدة التاريخية بسور أثري من 8 بوابات، كانت تغلق قبيل الليل لحماية السكان وتأمين أسواقهم قديمًا. ومن أهم هذه الأبواب "باب مكة" من الجهة الشرقية المقابلة لسوق البدو، ويعد حصنًا للأسواق وحلقات البيع. 

وتضم المنطقة كذلك أكثر من 10 بيوت أثرية يُشاد بتصاميمها المميزة وأسماء أسرها العريقة، مثل بيت نصيف الذي يُعد أول نموذج لبيت عربي أنشئ على الطراز الشرقي في مدينة جدة، واستُخدم على مر السنين لضيافة الملوك والعلماء. يضم البيت 40 غرفة بمساحات واسعة، وقد تحولت أدواره إلى معارض فنية ومقاهٍ.

جدة التاريخية - السعودية/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

مواقع العين الثقافية - الإمارات

تقع العين على سهل رسوبي ضيق خصب، تَحده من الغرب رمال الربع الخالي، ومن الشرق جبال الحجر، وهي تستمد اسمها من ”عين الماء“ في إشارة إلى الواحات الست الموجودة في المدينة والتي كانت مصدراً حيوياً للماء والغذاء، كما كانت مأوى للبشر طيلة قرون، ما جعل العين إحدى أقدم المستوطنات في المنطقة المأهولة دائماً بالسكان. 

فقد أظهرت الأبحاث الأثرية أن نظام الري بالأفلاج، وهي قنوات جوفية تجلب المياه من باطن الأرض، هو العامل الأساسي الذي أدى إلى ازدهار الزراعة في المنطقـة منذ مئات السنين.

تروي مواقع العين الثقافية، التي تضم 17 موقعًا موزعة على 4 تجمعات رئيسة، قصة حضارة متميزة ومبدعة تنفرد بقدرتها على مواجهة التحديات التي فرضتها بيئتها الطبيعية القاسية، ومواردها الشحيحة. 

وقد أُضيفت إلى مواقع التراث العالمي نظرًا لما تقدمه من شهادة استثنائية على تطور الحضارات القديمة في المنطقة، من المباني التاريخية المصنوعة من الطوب اللبن لأغراض دفاعية أو سكنية، والمدافن الحجرية الدائرية، التي تعود إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي، فضلاً عن أنظمة ري بالأفلاج تجري تحت الأرض، وهو ما ساعد فـي التطور المبكر للزراعة فـي الواحات منذ أكثر من 5000 عام.

مواقع العين الثقافية - الإمارات/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

البتراء - الأردن

بُنيت البتراء على يد الأنباط، ذلك الشعب الكادح الذي استقر جنوبي الأردن قبل أكثر من ألفي عام، وقد أُدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي في 1985، نظرًا لتميزها منقطع النظير الذي تظهره أساليب العمارة الاستثنائية والعبقرية الهندسية في إنشاء نظام معقّد من السدود والقنوات المائية. 

وكانت البتراء مستقراً للأنباط والأدوميين والرومان، وعُرفت قديماً كمحطة لاستراحة القوافل المحملة بالبخور والحرير والتوابل وغيرها من البضائع الأجنبية.

تشتهر البتراء بعدد من المسارات أبرزها المسار الرئيس "مسار السيق وصولاً إلى الخزنة" ويبدأ من مركز الزوار في البتراء وصولاً إلى السيق ومن ثم الخزنة. 

ورغم أن معظم السياح يظنون أن المسار ينتهي عند بلوغ الخزنة، والتي تعد عامل الجذب الأهم لهذه المدينة، إلاّ أنّه في الحقيقة يشمل المقابر الملكية وشارع الأعمدة وينتهي عند قصر البنت. 

هذا إلى جانب مسار الدير الرئيس الذي يقود الزوار إلى أدراجٍ قديمة شمالاً. وبعد السير لمدة قصيرة يصلون إلى ديوان الأسد، الذي يقع في وادٍ صغير، ليبلغوا في نهاية المسار الدير حيث الإطلالة المذهلة على المنطقة بأكملها.

البتراء - الأردن/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

قلعة بهلاء - سلطنة عمان

تقع قلعة بهلاء في ولاية بهلاء العمانية على تلة مرتفعة تطل على واحة أشجار النخيل المسورة. ويعود تاريخ بناء قلعة بهلاء إلى فترات متفاوتة من الزمن: شُيد الجزء الشرقي الشمالي من القلعة والمعروف باسم القصبة في مرحلة ما قبل الإسلام، فيما بناء الجزء الشرقي الجنوبي يرجع إلى عصر الدولة النبهانية، هذه الأسرة التي حكمت عمان زهاء خمسة قرون. وقد بُنيت القلعة لتكون مركزًا إداريًا وعسكريًا، إذ كانت تقوم بدور مهم في حماية المنطقة وتأمين الطرق التجارية الرئيسة.

قلعة بهلاء - سلطنة عمان/ أعظم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

UNESCO

أصبحت قلعة بهلاء أول موقع بسلطنة عمان ينضم إلى مواقع التراث العالمي في 1987، وشمل الموقع واحة بهلاء بأكملها، أي كل ما أحاط به سور بهلاء، الذي يمتد لمسافة تزيد على 12 كيلومترًا، وما احتواه من معالم معمارية أو أثرية أو ثقافية مادية أو غير مادية. 
وتضمن ذلك العديد من العناصر منها قلعة بهلاء والمسجد الجامع ومدارس القرآن الكريم والمساجد القديمة والأفلاج، بالإضافة إلى عدد من مراكز صناعة الفخار القديمة ومراكز صناعة النسيج، ولذا تعد من أهم وجهات السياحة الثقافية والأثرية.