على نسق رسم ذاتي يشكّل معالمه فنان يرى الواقع من منظور مخيّلته من دون أن يفرض هذا التصوّر على موضوع لوحته، يشكّل جورجيو أرماني لغته الإبداعية في كل موسم مزيجًا متناغمًا من عناصر تركّز على الفرد وتكمّل شخصيته، بداية من الطابع الانسيابي الذي يوحي بالنعومة والعفوية، وليس انتهاء بالدقة التي تستحضرها القصات المتقنة، وحس الأناقة الذي ينأى عن الإسراف والزوائد.

وإذ يعود المصمم الإيطالي إلى استنباط معاني الأناقة للموسم المقبل من هذه العناصر، يثري مجموعته من التصاميم المخصصة للنساء والرجال بوهج جديد يكرّس رصانة تعلو فوق صخب لا يليق بالأوقات الراهنة.

بل إن هذا التوجّه كان جليًا في عرض الأزياء الذي قدمه أرماني في شهر فبراير الفائت في رحاب مسرح صغير جدًا طغى عليه طابع شخصي حميم كأنه علبة جواهر. آنذاك، استُهل العرض برسالة صوتية قال فيها أرماني: "اتخذت قراري بعدم استخدام الموسيقا خلفية لهذا العرض من منطلق احترامي للأفراد الذين يعانون بسبب المأساة المتعاظمة"، وكان بطبيعة الحال يشير إلى الحرب التي دارت رحاها بين روسيا وأوكرانيا.

أرماني، الذي درج أخيرًا على توظيف عروضه العالمية منصة للتنديد بالانتهاكات والاعتداءات بلغة صامتة تقابل ضجيج عالم الأزياء، أتقن أيضًا فن تشكيل هذه اللغة في تصاميم مجرّدة من أي بهرجة.

في أزياء الرجال لموسم خريف 2022 وشتاء 2023، تجسّدت هذه الفلسفة الإبداعية وهجًا ليليًا صامتًا يوثّق معالم الرقي في إطلالات رجل يميل إلى "الأسلوب المناسب".

وبإيحاء من الأشكال الهندسية المتزامنة والزخارف التجريدية المميزة لفن الآرت ديكو الذي يثمّنه أرماني، جاءت التصاميم لتعكس نعومة في طابعها الرسمي وعفوية متعمدة تليق برجل يعلو أسلوبه الأصيل في الأناقة فوق التوجّهات الآنية لعالم الأزياء.

وفي محترفات الدار، التي تُبقي هذا الأسلوب راسخًا في منظومة قيمها بغض النظر عن الموسم، نُسجت أبرز معالم هذه التصاميم سراويل وسترات انسيابية توحي بالراحة والمرونة وتتكامل مع القمصان البيضاء ورابطات العنق.

كان للمخمل أيضًا حضور لافت في المجموعة، شأنه في ذلك شأن الكشمير، فحيكت منه تصاميم تضفي عنصر الراحة على الإطلالات الأكثر رسمية في لوحة ألوان ميّزتها ظلال الأزرق الداكن والرمادي المكثّف، وصولاً إلى الأسود. أما كماليات الأناقة، فغلب عليها طابع مبسّط على أناقته استحضرته أحذية بعروات وحقائب بتصاميم هندسية.