على مر السنوات الثلاثين، منذ بدأ لوران لور يصنّع جبن سالير Salers الشائع خصوصًا في المناطق الفرنسية الوسطى، والشهير بمذاق تتخلله نفحات من طعم الأعشاب والبندق، لم يسبق له أن اختبر حالة قحط مماثلة في حدتها لما شهده هذا الصيف.
فقد اجتمعت موجات الحر الشديدة مع الشح في الأمطار في ظاهرة تسببت في إحراق المروج التي ترعى فيها أبقاره، لتتحوّل مساحات شاسعة من الأراضي المعشوشبة إلى مشهد أصفر يصعب تعرّفه. وفي هذا يقول لور: "كانت الأمطار تشح في العادة لفترة 15 يومًا، لكن الوضع لم يكن كارثيًا. أما اليوم، فنختبر ارتفاعًا أقسى في درجات الحرارة".
كان لزامًا على لور، بوصفه منتجًا ورئيسًا لعلامة Appellation d’origine protégée (المنشأ الجغرافي المحمي) لجبن سالير في فرنسا، أن يتخذ قرارًا صعبًا. فقد أوعز إلى صنّاع هذا النوع الموسمي من الجبن المعد من حليب الأبقار، بوقف الإنتاج بداية من الثاني عشر من شهر أغسطس الفائت.
توصي قوانين علامة المنشأ الجغرافي المحمي AOP بإنتاج جبن سالير من حليب مصدره أبقار يتكوّن غذاؤها بنسبة 75% من أعشاب المراعي المحلية. لذا يرتبط موسم إنتاج جبن سالير، الذي يمتد من 15 أبريل إلى 15 نوفمبر، بموسم الرعي. لكن عندما أعلن الصنّاع المحليون لهذا الجبن كلهم، وعددهم 78 صانعًا، عن أنه لم يبقَ لأبقارهم ما تأكله، أصدر لور قراره غير المسبوق.
يقول لور: "إننا نصنّع منتجًا عالي الجودة ترجع بعض أسباب شهرته في أوساط الزبائن إلى كونه يُعد من حليب أبقار تتغذى بالأعشاب. وعندما لا يعود العشب متوافرًا، ينعدم العنصر الذي يجعله منتجًا مميزًا، ولا بد لنا من أن نكون صادقين مع زبائننا".
لكن جبن سالير ليس سوى واحد من أطايب فرنسية عدة باتت مهددة بالانقراض في سياق سنة شهدت تضافرًا غير مسبوق لعدد من العوامل المؤثرة: الحر القائظ، وشح الأمطار، والأمراض، والتضخم، وتفشي مشكلات سلسلة التوريد الغذائي.
حذّر منتجو كبد الإوز من نقص وشيك في مخزونهم، وتفاقمت الأزمة في أعقاب تفشي إنفلونزا الطيور في فرنسا.
بداية من شهر مايو الفائت، تجلّت رفوف المنتجات في المتاجر والموائد في المطاعم شاهدًا على النقص في الخردل. ويُعزى السبب في ذلك إلى القحط الشديد في كندا التي تزوّد فرنسا في العادة بما نسبته 80% من البذور المستخدمة في إعداد صلصة الخردل الشهيرة، ما أدى العام الفائت إلى انخفاض جذري في مخزون هذا المكوّن.
في الفترة نفسها تقريبًا، حذّر منتجو كبد الإوز من نقص وشيك في المخزون. ومنذ أواسط شهر مايو الفائت، تسبب تفشي إنفلونزا الطيور في القضاء على أكثر من 19 مليون طير من الدواجن في مختلف أنحاء فرنسا، ما أدى إلى تفاقم أزمة النقص في كبد الإوز.
حاول الفرنسيون، الذين يشتهرون بوصفهم ذوّاقة واسعي الحيلة، التوجه نحو بعض البدائل، مثل استخدام مسحة من الوسابي أو الفجل الحار فوق شرائح اللحم بدل الطعم الحاد والحار للخردل، أو اللجوء إلى صلصات تُعد من الخل أو التاباسكو أو صلصة ورسسترشاير.
ترجع بعض أسباب شهرة جبن سالير الفرنسي إلى كونه يُعد من حليب أبقار تتغذى بالأعشاب، ما يُضفي عليه مذاقًا متفرّدًا.
ويبدو أن البدائل النباتية لكبد الإوز باتت تلقى رواجًا أوسع نطاقًا في أوساط النباتيين، مع تحوّل علامات فرنسية مثل غايا Gaia وسينفاس Senfas وتارتيكس Tartex إلى إنتاج نسخ زائفة من كبد الإوز. وبدلاً من جبن سالير، توجّه صنّاع الجبن في منطقة كانتال الفرنسية إلى إنتاج جبن Cantal Fermier الذي يتميز برائحة أخف ويُعد من حليب الأبقار المحلية التي تتغذى بالعشب والتبن.
وفي محاولة لاستشراف ظروف مناخية قاسية مستقبلاً، قد يُصار إلى إعادة جدولة الموسم الرسمي لرعي الأبقار ليبدأ في وقت أبكر خلال فصل الربيع. وقد يُجاز للمنتجين أيضًا استخدام نسبة أكبر من حليب الابقار التي تتغذى بالتبن في تصنيع الجبن. إنه درس في سبل التخطيط للطوارئ قد يستفيد منه منتجون آخرون.
أما العبرة في ما يتعلق بالمستهلك، فيمكن اختصارها بالآتي: في عالم سريع التغيّر، لا تحسب الأطايب المفضلة عندك من المسلّمات