في مشهد يتوهج بألوان النار والأسطورة، اقتنصت لوحة بلا عنوان للفنان الأميركي جان-ميشيل باسكيا أكثر من 16 مليون دولار في مزاد عالمي نظمته دار سوذبيز واختُتم في 16 مايو الماضي، لتُباع اللوحة بسعر تجاوز تقديرها الأولي البالغ 15 مليون دولار.

تعود اللوحة إلى عام 1981، العام الذي مثّل نقطة التحوّل في مسيرة باسكيا، إذ تخلى فيه عن توقيع "SAMO ©" الشهير، لينطلق إلى عالم الفن بتوقيعه الحقيقي، ويُطلق رؤية بصرية تُجسّد تحوّله إلى أيقونة خالدة في عالم الفن.

عرض بصري مفعم بالتفاصيل والرمزية

تمتد اللوحة على عرض يتجاوز خمس أقدام، وتنبض بتفاصيل مشحونة بطبقات سميكة من الألوان الزيتية التي تتدرّج من الأخضر الزمردي إلى الأحمر القاني والأزرق الفيروزي، مُشكّلة إعصارًا بصريًا يضاهي ألسنة اللهب. 

في قلب هذا المشهد، يظهر شكل بشري وحيد، بأصابع متشابكة ومخلبية تُحاكي التجسيدات الأسطورية للإله كويتزالكواتل Quetzalcoatl، إله الخلق والمعرفة في حضارة الأزتك، والذي يُصوَّر غالبًا على شكل ثعبان مكسو بالريش. 

هذا الكائن الرمزي يمدّ ذراعه في وضعية تُحاكي  لوحة خلق آدم The Creation of Adam التي رسمها مايكل آنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان.

رموز أسطورية وجسد متحوّل 

هذان الرمزان، المأخوذان من ثقافتين مختلفتين، يتقاطعان في العمل ليُجسّدا مفهوم الخلق والانبعاث، ويُضفيا على الشكل البشري في اللوحة بُعدًا أسطوريًا يُوحِي بأن الفنان كان يرسم نفسه بوصفه أسطورة في طور التشكل. 

علاوة على ذلك، تضمّنت اللوحة رمزًا متكرّرًا في أعمال باسكيا: القفص الصدري الشبكي، في إشارة قد تُفهم على أنها تمجيد للقوة الكامنة في الجسد البشري، أو تعبير رمزي عن هشاشة الداخل رغم صلابة المظهر؛ ولكن هذا التكوين ينبع من حادثة في طفولته، حين تعرّض باسكيا لحادث سيارة أدّى إلى كسر ذراعه، وهناك أهدته والدته كتاب Gray’s Anatomy (تشريح غراي) ما ترك أثرًا تشريحيًا دائمًا في أعماله.

اللوحة الفنية، التي لم تُعرض أمام الجمهور منذ اقتنائها في عام 1989، ظلت محفوظة ضمن مجموعة خاصة لم يُكشف عن هوية صاحبها طيلة أكثر من ثلاثين عامًا، ما أضفى عليها هالة من الغموض والندرة. واللافت هو أن اللوحة لا تزال تحمل على سطحها آثارًا مادية حية من مرسم باسكيا، من غبار الاستوديو إلى بصمات الأقدام، ما يجعل منها قطعة تشهد على لحظة الإبداع الفني كما لو كانت محفوظة في كبسولة زمنية.