اختارت دار بيرلوتي أن تقدّم مجموعتها الجديدة لربيع وصيف 2026 في قصر Fondation Simone et Cino Del Duca (مؤسسة سيموني وتشينو ديل دوكا)، الواقع في الدائرة الثامنة من باريس والمطلّ على حديقة مونسو، ضمن تحفة معمارية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر.

الحدث، الذي اختارت له الدار عنوان Champ-contrechamp (لقطة-عكس اللقطة)، يستعير لغة السينما لإبراز الحِرفة من زوايا متعددة. التصميمات لا تُعرض  بوصفها منتجات، بل تتجلى ضمن مشهد تفاعلي ينقل الزائر من طابق إلى آخر في رحلة حسية بصرية، توظّف العمق والخفة، في سردية تصميمية لا تخلو من المفاجآت الدقيقة. الحذاء، الحقيبة، السترة، جميعها تحمل ملامح واضحة على السطح، لكنها تخفي وراءها طبقات من الدقة والبراعة.

منذ أن تأسست دار بيرلوتي في باريس عام 1895 على يد أربعة أجيال من صنّاع الأحذية، وهي تواصل كتابة فصول من التفرّد الحِرفي بلغة الجلد والتفصيل المتقن. 

وبينما وسّعت الدار رؤيتها عام 2005 بإطلاق تشكيلات جلدية فاخرة، شهد عام 2011 بداية خط ملابس متكامل وخدمة تفصيل حسب الطلب في متجريها الباريسيين في شارعي ماربوف ودو سيفر. واليوم، مع أكثر من 60 متجرًا حول العالم، تستعيد الدار هذا الإرث العريق في عرضٍ خاص ينبض بالأناقة والحِرفة، داخل أحد العناوين الأشد تفرّدًا في العاصمة الفرنسية.

بيرلوتي تعود إلى عروض باريس بتصاميم تستعير لغة السينما/ دار بيرلوتي تقدّم مجموعتها الجديدة لربيع وصيف 2026

Berluti

حكاية الحِرفة تبدأ من القدم

في مدخل القصر، ينتصب مجسّم ضخم لقدَم بشرية، بعلو تمثال كلاسيكي، ليس لجذب الأنظار فحسب، بل لتذكير الزوّار بأنّ رحلة بيرلوتي بدأت من هنا، من فهمٍ عميق للبنية التشريحية التي تحمل الإنسان طيلة يومه. 

هذه القدم، بتفاصيلها المعقّدة المكوّنة من 28 عظمة، و27 مفصلًا، وأكثر من 100 رباط، ليست مجرّد عنصر فيزيائي، بل خريطة بيولوجية دقيقة، تتطلّب خبرة حِرفية بالغة الدقة. 

فكل تقوّس وكل بروز، مهما صغر، يؤثّر في شكل القالب وصيغة القصّ..

وهو ما أدركه مؤسسو الدار منذ نشأتها. لذلك، لم تكن أحذية بيرلوتي يومًا صنيعة الموضة وحدها، بل نتاج علمٍ حركي وتقاليد حرفية تُصاغ على مقاس كل قدم بدقة متناهية، لتوفّر الراحة والأناقة من دون مساومة.

بيرلوتي تعود إلى عروض باريس بتصاميم تستعير لغة السينما/ دار بيرلوتي تقدّم مجموعتها الجديدة لربيع وصيف 2026

Berluti

ومن المجسّم التشريحي إلى عالم الجلود، تنتقل الرحلة إلى غرفة تنبض بهوية الدار، إذ تتصدّر الخامات الفاخرة المشهد، بوصفها امتدادًا لحكاية حِرفية متوارثة. 

يُعرض جلد فينتيزيا Venezia، الذي يُعدّ توقيعًا أيقونيًا في صناعة الأحذية، إلى جانب جلد Saddle Soft الناعم الذي يُستخدم في سترات الدار، فيما يبرز طلاء التعتيق بوصفه أحد أكثر بصمات بيرلوتي تفرّدًا، بفضل طبقاته اللونية التي تُطبّق يدويًا وتمنح كل قطعة طابعًا متفرّدًا لا يتكرّر.

ويبلغ السرد الحِرفي ذروته في مكتبة ساكنة، حيث تُعرض الزخارف الكتابية "سكريتو" Scritto المستوحاة من وثيقة قانونية خطّها أحد النبلاء في عام 1771. 

تُحفر هذه الحروف المنمّقة على الجلد بتقنية الليزر، فتنبثق من السطح كأنها قصيدة صامتة، تُزيّن أحذية الأكسفورد  وقطع الأزياء الراقية، لتُجسّد جوهر فلسفة بيرلوتي: الجمال في التفاصيل، والتفرد في كل ملمس وخط.

بيرلوتي تعود إلى عروض باريس بتصاميم تستعير لغة السينما/ دار بيرلوتي تقدّم مجموعتها الجديدة لربيع وصيف 2026

Berluti

خفة الأداء وأناقة التفاصيل

بالانتقال من إرث الجلود إلى نَفَس الحداثة، تكشف بيرلوتي عن حقيبة جور دو بوش Jour de Poche، بتصميم يجمع بين الأناقة الوظيفية والمرونة العصرية. 

تستلهم الحقيبة خطوطها من أول نموذج لحقيبة أوراق أطلقته الدار عام 2005؛ لكنها تعيد اليوم صياغته بحسّ بصري أكثر سلاسة، وانسيابية تناسب إيقاع الحياة اليومية. أما تدرّجات الألوان، من العنّابي الداكن إلى الأخضر العشبي، فتمنح كل قطعة طابعًا مستقلاً يوازن بين الحِرفية واللمسة الترفيهية.

وإلى جانبها، تأتي المفاجأة التقنية متمثلة في حذاء "شادو" Shadow، الذي يعيد تعريف مفهوم الراحة بخفّة لا تتجاوز 450 غرامًا: 

تصميم متطوّر يستعين بنسيج شبكي ذي خصائص تهوية مثالية للأجواء الحارة، ونعل إسفنجي من نوع ميموري فوم يتكيّف مع حركة القدم ويمنح كل خطوة إحساسًا بالدعم والخفة. وفيما يستحضر شكله الأنيق روح الخف المنزلي، يظل محافظًا على بصمة بيرلوتي الراقية في كل تفصيل.

وفي الطابق الأخير، تنكشف ملامح الأسلوب المتكامل الذي تمضي به الدار قدمًا، إذ تُعرض إطلالات تجمع بين الرسمية والرياضية، يمكن تنسيقها بحرية مع أحذية بأربطة أو حذاء رياضي عصري، وفق الذوق والمناسبة. 

هنا أيضًا السترات المصنوعة من الكتّان المعالج، أو الصوف الكلاسيكي، أو التويد الصيفي بخليطه الفاخر من الكشمير والحرير والقطن، تعكس رؤية متفرّدة للأناقة الذكية، إذ لا يتقدّم الجمال على الراحة، ولا تهيمن الحِرفة على الوظيفة.