في أرض الشمس المشرقة، حيث الفن ليس زينة فحسب، بل فلسفة حياة، يرمم اليابانيون الكسور في آنيتهم الخزفية بمزيج من الذهب، ليس إخفاءً للندوب، بل احتفاءً بها، كأنهم يقولون: "الجمال ليس في الكمال، بل في القدرة على احتضان النقص وجعله جزءًا من الحكاية".
هذا الفن، الذي يُعرف باسم "كينتسوغي" Kintsugi ليس إلا انعكاسًا عميقًا لفكرة مفادها أن ما يتحطم قد يكون أكثر ثراءً عندما يُعاد جمعه، كأن الكسر ذاته نافذة جديدة تُطل على أفق لم يكن مرئيًا من قبل.
وهكذا هي الحياة.. هي ليست ساحة خالية من الانكسارات، بل سيرة من محاولات الترميم. كل ندبة في الروح ليست علامة ضعف، بل قد تكون توقيعًا جديدًا على جدار صمودك، وإضاءة في عتمة الألم.
فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، ومن يستحق الحياة هو من يملك القدرة على منحها، وعلى إعادة بعثها من بين الركام. لذا، إما أن نكون ممن يعيدون البناء والدفء، أو أن نكون من أولئك الذين لا يرون في التصدع إلا نذير انهيار، فيسيرون فوق القلوب المهشّمة.
لم يكن الفيلسوف جون ستيوارت ميل بعيدًا عن هذا المعنى عندما قال: "السعادة الحقيقية ليست في البحث عنها لنفسك، بل في منحها للآخرين"، وكأنها تنعكس مثل ضوء القمر الذي لا يشع إلا حين يتلقى النور.
ثمة من يختار أن يكون جابرًا للخواطر، بانيًا لجسور جديدة بين القلوب، راعيًا للجمال الذي ينبت في الفراغات، وثمة من يؤمن بأن الفوضى مكسب. فإلى أي الفريقين نريد أن ننتمي؟
لنكن من الذين يُتقنون ترميم الأرواح، من الذين يُعيدون إلى الوجوه نورها قبل أن يخبو، من الذين يرمّمون الكسور ليس لأنهم مجبرون على ذلك، ولكن لأنهم يدركون أن في الجبر حياة، وفي الحياة فسحة أمل، على ما كان يؤمن إرنست بلوخ "فيلسوف الأمل"، وعلى ما يشهد قوله "إن العتمة مهما اشتدّت، تظل قيد الاحتضار أمام قبسٍ واحدٍ من نور".