أفضى انتشار قواعد اللباس المريح، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والجائحة العالمية،
إلى انفكاك لحمة المعقل الروحي للأزياء الرجالية. بات بعض حائكيه يعمدون الآن إلى ترك المهنة.
إذا ما كنت تتنزه سيرًا على الأقدام في اتجاه شارع سافيل رو الخريف الماضي لوجدت نفسك في أحد شوارع التسوق الآسرة في لندن، حيث تصطف سيارات فارهة على كلا الجانبين، وتتجول نخبة رواد المدينة بين متاجر متأنقة وبحوزتها أكياس مليئة بالبذلات. إذا ما تجاوزت ذلك بنحو 12 شهرًا، ستجد أن كل هذا قد تلاشى. فمع خروج المملكة المتحدة شيئًا فشيئًا من سبات إغلاقٍ خضعت له، يتبدى سافيل رو أشبه بشارع جانبي في سبات أكثر منه واحدًا من أشهر وجهات البيع بالتجزئة في العالم.
لطالما كان سافيل رو مقصدًا للحياكة بحسب الطلب لأكثر من قرنين من الزمن، إذ إن أقدم شركة في الشارع، شركة هنري بول، قد شرعت أبوابها في عام 1806. تعمل اليوم أكثر من 15 شركة حياكة عالمية داخل منازل ريفية الطابع يكسوها لون أبيض على الطراز الجورجي لإبداع أزياء رجالية مميزة ومشغولة يدويًا. تبلغ تكلفة معظم البذلات بحسب الطلب هنا ما بين خمسة آلاف دولار وستة آلاف دولار، وتحتاج في المتوسط إلى ثلاث تجارب للقياس، وحوالي 80 ساعة من العمل اليدوي على مدى ثلاثة أشهر تقريبًا، ويشرف عليها خلال ذلك ما يصل إلى خمسة حرفيين متخصّصين. إنه مسار عتيق يجسّد هوية المدرسة العريقة. يُعد الدخول إلى متجر حائك من اختيارك هو بداية انخراط في علاقة شخصية مع أشخاص هم رهن الإشارة لابتكار ملابس متفردة لا يبليها كر الأيام.
إطلالة لشارع سافيل رو.
مع ذلك، شكّل العام ونصف العام الماضي لشارع سافيل رو تحديات كبيرة. فأولاً، تزايد العزوف عن ارتداء البذلة في أرجاء العالم، تزامنًا مع تراخٍ في قواعد اللباس، حتى قبيل رواج نوع الملابس المتجانسة الأنيقة التي جمعت قميصًا مع سروال نوم خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما في مجال القطاعات المالية والقانونية. تشكل الحياكة الإيطالية الراقية، التي تميزها بنية خفيفة الوزن وتصاميم غير رسمية لا تحتاج إلى عناية، تهديدًا طال أيضًا مقاربة الحياكة التقليدية في شارع سافيل رو، التي ما تتسم عادةً بسماكة أكثر في منطقة الكتفين والصدر، ما يضفي عليها طابعًا أكثر رسمية إلى حدٍ ما. إلى جانب هذه التحولات الثقافية، كانت هناك تساؤلات في عام 2019 تدور حول مدى تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على صناعة الفخامة في بريطانيا، وعواقبه على قدرة الحائكين على البقاء في طور المنافسة واجتذاب زبائن أوروبيين.
على الرغم من هذه المخاطر، كانت الأمور تتحسن: أفاد كثير من أصحاب الأعمال في شارع سافيل رو بنموٍ في المبيعات خلال الأشهر الأولى من عام2020. لكن جائحة كورونا أطلت، ما حملهم على إغلاق المتاجر بأكملها لثلاثة أشهر، وهو تحول في الأحداث أدى إلى انقطاع الحائكين عن زبائنهم الدوليين القادرين على تشكيل ما تبلغ نسبته %80 من الأعمال، الأمر الذي وضع ضغوطًا كبيرة على الاحتياطات النقدية.
يقول وليام سكينر، المدير العام لشركة ديج وسكينر، ورئيس جمعية سافيل رو للحياكة حسب الطلب Savile Row Bespoke Association ، وهي الهيئة التجارية الرسمية للحائكين: «أدى الارتحال الدولي، وخصوصًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، دورًا حيويًا في نجاح سافيل رو المتواصل منذ ستينيات القرن المنصرم. أما فيما يتعلق بدور الحياكة الرئيسة بحسب الطلب، فإن شريحة الزبائن لديها تتوزع تقريبا على ما نسبته %40 من الأمريكيين، و%30 من الأوروبيين، و %20 من البريطانيين، وكذلك تشكل مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وآسيا ما نسبته 10%. ثمة قلق حاليًا يتعلق بموعد إعادة فتح حدود الولايات المتحدة ومتى يمكن استئناف العروض المتنقلة المعتادة لدينا.» في ظل قيود سفر سوف تبقى ملزمة على الأرجح حتى نهاية العام، حيث طُلب من معظم الزائرين الأجانب عزل أنفسهم لمدة 14 يومًا عند دخول المملكة المتحدة، يواجه سافيل رو الآن احتمالا بسيطًا لكنه مفزع: إما التكيف على وجه السرعة أو الاندثار.
داخل معرض دريكس في سافيل رو.
مقاربة جديدة
في المقام الأول، باشر كثير من الحائكين التواصل مع زبائن خارج البلاد عبر اجتماعات مرئيّة، وإرسال عينات من القماش لجذب الاهتمام، بالإضافة إلى أن بعضهم عمد إلى شحن قطع ملابس أو عينة قماش للزبائن بهدف تجربتها في المنزل، لكن من المستبعد أن تعوض هذه الحلول الانخفاض الكبير في الإيرادات الذي أصاب معظم الدور. تُعد دار كاد آند ذا داندي Cad & the Dandy واحدة من أحدث الشركات وأكبرها في شارع سافيل رو، فقد أُسست في عام 2008 من قِبل جيمس سليتر وإيان ميرز، وهي من بين الأكثر تضررًا. يقول سليتر: «أتوقع أن تبلغ خسارتنا ما نسبته 50% هذا العام. نحن نشهد خسارة ما يقرب من 1.75 مليون جنيه إسترليني من مبيعات الأشهر الثلاثة الخاصة بفترة الإغلاق وحدها.»
إنها صورة مماثلة لحال حائكين آخرين. يعتمد ستالوارت هنري بوول، وهو مبتكر بذلة توكسيدو المخصصة للأمسيات، مقاربة المعارض المتنقلة خارج البلاد، وذلك لما يقرب مما نسبته %70 من معظم أعماله، كما أن ما نسبته %40 من المعارض المتنقلة تلك تجري في الولايات المتحدة. على بعد بضعة متاجر من متجره، تجد أن %20 من أعمال ريتشارد أندرسون هي أمريكية، وستسمع بالمثل عن انهيارات جغرافية تطال دور حياكة على امتداد الشارع من أوله لآخره.
يميل سافيل رو لأن يكون ذا أفق ضيق، وتخشى بعض الشركات كذلك من تجربة شيء مختلف.
من ثم يصبح السؤال: أنّى لشارع سافيل رو أن يصل إلى زبائنه في زمن أصبح الارتحال فيه شاقًا في أفضل الأحوال وضربًا من المحال في أكثرها سوءًا؟ الجواب الواضح هو اللجوء إلى الحلول الرقمية، لكن الآراء تختلف حول إذا ما كانت مثل هذه الشركات، التي تعتمد على أوجه التفاعل مع الزبائن على نحو قد يتسم بخصوصية مثل إجراء فحوصات طبية، يمكن لها أن تزدهر عبر شبكة الإنترنت. يقول سكينر: «عمدنا إلى الاستفادة من مزايا التقنية كيفما كان ذلك ممكنًا. تروق لبعض الزبائن هذه الابتكارات. ولا يزال آخرون يفضلون المقاربة التقليدية. بالتأكيد، كان الأمر تحديًا حقيقيًا فيما يتعلق بالحفاظ على المعايير المأمولة من سافيل رو للحياكة حسب الطلب دون حضور الزبون.»
أما دار كاد آند ذا داندي التي غالبًا ما يُنظر إليها، كونها إضافة حديثة نسبيًا إلى شارع سافيل رو، على أنها من دعاة التغيير، فإن سليتر ينتهج فيها نهجًا مغايرًا. تبيع الدار مكملات الأناقة وقمصان عبر الإنترنت، لكنها تخطط الآن لإطلاق مجموعة كبيرة من قطع الملابس الأساسية الجاهزة، مصنوعة بتقنيات محددة في محترف العمل الخاص بالشركة، عند نهاية العام. يقول سليتر: «كنا قد بدأنا من فورنا في التفكير في صنع بعض القطع الجاهزة قبل الإغلاق، لكننا الآن نعمل على تسريع مجموعتنا الخاصة بالملابس الجاهزة. سوف تشتمل المجموعة على قطع لا يميل الشخص عادة إلى شرائها حسب الطلب، مثل قمصان طويلة أو سترات سفاري. إنني أبحث أيضًا عن طرق لتكثيف ما يمكننا القيام به رقميًا، سواء كان ذلك متمثلاً في وجود آلات تصوير إلكترونية داخل غرف العمل الخاصة بنا أو مزيد من جلسات تجربة القياس الافتراضية. نعمد في معظم ما تبقى من عام 2020 إلى إظهار أننا أكثر تنوعًا مما يعتقد معظم الناس.»
نافذة متجر هنري بول آند كو.
تحول رقمي
يدرك راي كلاتشر، مستشار البيع بالتجزئة، الحقائق أفضل من كثير من الناس. فقد أفلح، خلال عمله مديرًا تجاريًا لشركة غييفز آند هوكس، في نقلها من دار للحياكة تحقق حوالي 25 مليون دولار عوائد مبيعات داخلية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى علامة عالمية متنوعة تحقق إيرادات سنوية تبلغ أكثر من 125 مليون دولار بحلول عام 2012 ، وذلك عندما تقلد منصب المدير العام وطوّر استراتيجيتها المتعلقة بالملابس الجاهزة والتجارة الإلكترونية والتوسع الدولي. يقول كلاتشر: «أعتقد، في كثير من الأحيان، أن سافيل رو لا يدرك ما بجعبته. يميل سافيل رو لأن يكون ذا أفق ضيق، وتخشى بعض الشركات كذلك من تجربة شيء مختلف، أو أنها تجهل السبيل إلى التحول الرقمي وعرض ما يمكنها فعله عبر الإنترنت.»
لكن إلغاء دور الحائكين لكونه تقليديًا سيكون ضربًا من التقصير. ذلك أن الحياكة حسب الطلب منتج حصري لجمهور حصري، ويبتكر كثير من الحائكين الألبسة وفقًا لأسلوب يجدونه ملائمًا لهم. عمدت هنتسمان Huntsman، إحدى أشهر دور الأزياء البريطانية، إلى تأسيس عمل تجاري أمريكي ناجح له مقر مؤقت ويعمل فيه خبير قصّ وتفصيل حسب الطلب موجود دائمًا في نيويورك، ما يسمح للشركة بخدمة زبائنها هناك حتى عندما لا يتمكن حائكون آخرون من السفر إلى المدينة. عقب خوض تجربة حياكة بذلتين بحسب الطلب، إحداهما حيكت بالكامل داخل الدار، والآخر استُعين في حياكتها جزئيًا بمصادر خارجية، قررت هنتسمان في شهر يوليو تموز التخلي عن خدمة حياكة القطعة بأسرها في سافيل رو، إلا إذا كان الزبون على استعداد لتحمل التكلفة المالية الكبيرة. فثمن السترة الآن يبدأ من 3950 دولارًا. يقول بيير لاغرانج، مالك هنتسمان: «لا يزال المستهلكون يبحثون عن تلك القطعة المحيكة بحسب الطلب لكنهم متحفظون بشأن الإنفاق.» تقدم الشركة أيضًا خيار الحياكة بحسب طلب الزبون عبر حضور شخصي أو مرئي للاستشارات مع وعد بالتسليم في غضون مدة تراوح بين ثلاثة أسابيع وأربعة أسابيع.
لقد أثبتت الاستعانة بمصادر خارجية، خلال مراحل معينة من الإنتاج بحسب الطلب، مقابل سعر أقل، أنها تحظى بشعبية بين الزبائن الجدد والحاليين معًا، وهذا مؤشر واضح على أن زبون اليوم لا يتملكه هوس أن تكون كل غرزة في بذلته الجديدة قد حيكت لدى علامة بعينها. من ناحية أخرى، تطلب جمعية سافيل رو للحياكة حسب الطلب من أعضائها الالتزام بحياكة البذلات ضمن حيز لا يتجاوز قطره نحو 90 مترًا في الشارع نفسه. لكن من أجل الحفاظ على الحسّ التنافسي، قد ينبغي لكثير من الحائكين التكيف مع مقاربة الاستعانة بمصادر خارجية، كما هو حال بعض المتاجر المرموقة في مناطق أخرى من المدينة. تقدم كل من شركة إدوارد سيكستون، وشركة وايتكومب آند شافتسبري، مثالاً على ذلك، أزياء بحسب الطلب تعتمد على محترفات في الصين والهند في أداء مهام معينة، يحقق كلاهما نجاحًا مشابهًا لنجاح هنتسمان، ما يجذب زبائن أصغر سنًا بموازاة الحفاظ على الجودة. تنتج شركة Sexton’s Offshore Bespoke الآن ما نسبته %50 من طلباتها خارجيا، على سبيل المثال.
Olivier Hess
بذلة وقناع للوجه لدى هنري بول آند كو.
تتفاقم كل هذه التحديات بسبب النفقات العامة العالية لمعظم الشركات. إذ إن البذلات المحيكة بحسب الطلب ليست رخيصة التكلفة، ذلك أن المواد ذات المستوى العالمي وأجور العمال المحليين ذوي المهارات العالية تزيد في التكلفة. وبالرغم من أن الإيجارات في شارع سافيل رو تُعد منطقية وفقًا لمعايير حي مايفير، إلا أن وحدة تجارية في طابق أرضي لا تزال كلفة إيجارها السنوي تراوح بين 90 ألف دولار و260 ألف دولار. تعمل شركة بولن إيستيت Pollen Estate المالك العقاري لمعظم العقارات في الشارع (تستحوذ ملكيات عقارية خاصة على مجموعات من معظم عقارات وسط لندن، وهو نظام موروث من القرنين السادس عشر والسابع عشر)، تعمل على نحو وثيق مع جمعية سافيل رو للحياكة حسب الطلب على مدى العامين الماضيين بهدف زيادة حركة المشاة. لكن الإغلاق بسبب جائحة كورونا أدى أيضًا إلى تراجع الأمور: فمنذ منتصف موسم الصيف، أصبحت هناك عشرة أماكن شاغرة في الطوابق الأرضية، كما أن بعض حائكي الشارع المرموقين أغلقوا متاجرهم، من بينهم تشيستر باري، انتظارًا لتصفية وشيكة أو إغلاق نهائي.
يقول جوليان ستوكس، مدير قسم العقارات في شركة بولن إيستيت: »يتمثل طموحنا في أن نضمن قدر الإمكان لكثير من المستأجرين أننا قادرون على العمل قدمًا وتجاوز جائحة كورونا. إننا نعمل عن كثب مع الحائكين لمنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس.« تحركت الشركة على نحو سريع لكي تضع بندًا مرغوبًا يمزج ما بين تخفيض الإيجارات وإرجاء النظر فيها، لكن هذا العلاج قصير الأمد لا يعالج مسألة طويلة الأجل، ويحتمل أن يكون أكثر ضررًا، لأن كثيرا من عقارات شارع سافيل رو التي بمحاذاة الشارع محددة من قِبل الحكومة ببيع ملابس التجزئة أو ممارسة التصنيع (هو قانون تنظيمي صيغ، للمفارقة، من أجل المحافظة على شخصية شارع سافيل رو). كانت النتيجة غير المقصودة لحظر الأعمال التجارية المُكمّلة، مثل متاجر الساعات، والمعارض الفنية، وحتى المقاهي والمطاعم، هي غياب ذلك النوع من الحيوية النابضة التي قد تجتذب زبائن جددًا.
حائك لدى هنتسمان.
كسر الصورة النمطية
مع ذلك، هناك دماء جديدة. فقد أقدمت شركة بولين إيستيت على خطوة جريئة تمثلت في التعاون مع الكاتب توم ستابز خبير الأناقة الرجالية، الذي اتخذ مسكنًا في العقار رقم 31 في شارع سافيل رو بهدف تقديم علامات تجارية جديدة في الشارع. إنه يمثل، من نواح عدة، المرشح المثالي. إن إطلالته الصيفية التي يتميز بها هي بذلة بحسب الطلب مزدوجة الصدر، تُرتدى مفتوحة، فوق قميص داخلي دون أكمام: فيما يظهر تنسيق للملابس المحيكة على نحو أكثر حداثة. إنه يدير أيضًا صفحة therowstance@ على منصة إنستغرام لالتقاط صور الشخصيات الأكثر شهرة التي ترتاد الشارع وما حوله، الأمر الذي يكسر أسطورة الصورة النمطية التي تُظهر شارع سافيل رو مقصدًا فقط لشخصيات متعجرفة ترتدي بزّات مقلمة باللون الأبيض. إضافة إلى ذلك، نجح ستابز في استقطاب ثنائي نشط مختص بالحياكة بحسب الطلب، هما جوشوا دوبريك وكيمبرلي لوتون للإقامة في الشارع لمدة ستة أشهر. يقع مقر Dobrik & Lawton في شمال شرق لندن المفعم بالحيوية ويشتهر باستخدام ما تلقاه الثنائي من تدريب في شارع سافيل رو في صنع بذلات راقية تبدو أكثر ملاءمة لسجادة حمراء منها لحياكة جاهزة تخص اجتماعات مجلس إدارة. إن ما لديهما هو مزايا جمالية مختلفة تمامًا عن منهج سافيل رو التقليدي، إنما هذا هو الهدف.
إلى جانب جهود ستابز، تضفي علامات ناشئة أخرى حيوية متجددة على الشارع. تبرز على رأس هؤلاء علامة دريكس Drake’s، وهي علامة بريطانية متخصصة في الملابس الرجالية ومكملاتها تُعرف بمقاربتها الجمالية غير المتكلفة فيما يتعلق بالحياكة، وقد افتتحت متجرًا رئيسًا جديدًا في شارع سافيل رو الخريف الماضي. لا تُعد دريكس حائكًا حسب الطلب، لكنها تبرع بالرغم من ذلك في صنع نوع من السترات والسراويل المنسدلة المريحة التي هي مطلب ملائم حاليًا، وتسهم كذلك في جذب جيل أصغر سنًا من أنصار الأناقة السريعة لارتياد الشارع. ينطبق الأمر نفسه على علامة هاكيت Hackett، التي افتتحت متجرًا فاخرًا في العقار رقم 14 في شارع سافيل رو في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، وكذلك علامة توم سويني التي سوف تفتتح قريبًا دارًا جديدة ريفية الطابع من أربعة طوابق تبعد قليلاً عن دريكس في شارع أرنولد بيرلنغتون. سيحتضن هذا الحيّز الموسّع دور حياكة وقياسات بحسب الطلب بالإضافة إلى مجموعة حديثة من الملابس الجاهزة تحت سقف واحد.
سوف يرغب الرجال على الدوام في ارتداء ملابس أنيقة للذهاب لتناول العشاء أو رؤية الأصدقاء.
تتولى هذه العلامات الجديدة، فيما بينها، تغيير الشارع من مركز للحياكة الرجالية إلى وجهة تسوق لإطلالة متكاملة، يتوافر فيها كل شيء بدءًا من السترات باللون الكحلي إلى قمصان قطنية فاخرة قصيرة الأكمام. يرى كثير من مشاهير الأناقة ممن يرقبون الشارع عن بعد أن هذا يشكل تقدمًا حقيقيًا. عمل المستشار الإبداعي جيسون باسماجيان، وهو المدير الإبداعي لدى غييفز آند هوكس من عام 2013 إلى عام 2016، مع كلاتشر على تحديث العلامة. فيما يخص أيضًا شهرة بريوني وكذلك شيروتي Cerruti 1881، فإن لدى باسماجيان قناعة بأن شارع سافيل رو يحتاج إلى توسيع آفاقه. فهو يقول: «كان دوري أن أرى غييفز عبر منظور دولي. أخذنا هوية شارع سافيل رو وأضفنا عليها سمتًا عالميًا، وجعلناه مريحًا وعصريًا على نحو أكثر. لقد أدركنا أنه كان هناك عالم أكبر من حولنا، وأردنا أن تكون غييفز أكثر من متجر حياكة. إن رؤية بعض العلامات في الشارع وهي تطبق هذا الآن لهو أمر مثير حقًا.»
في بعض الأنحاء، لا تزال شائعات تسري عن تفكير أكثر شمولاً. يقول دومينيك سيباغ-مونتفيوري، المدير الإبداعي لدى إدوارد سيكستون: «كان ينبغي للصناعات الحرفية أن تتطور دومًا لكي تظل قائمة. اعتاد الحائكون حياكة كل غرزة يدويًا قبل اختراع آلة الحياكة. تبادر العلامات الفاخرة إلى الاستثمار في تقنيات الأزياء الراقية مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد وأخذ القياسات بتقنية المسح الضوئي، لكن بالتأكيد لا يوجد مكان أفضل من شارع سافيل رو، إذ إننا خبراء في قياسات الملابس وتفصيلها، ليكون رائد تلك التقنيات. أرغب في استكشاف كيف بمقدورنا أن نسخّر بناء نماذج ثلاثية الأبعاد، واستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الحياكة بحسب الطلب.»
كامبل كاري، خبير القص والتفصيل المشارك والمدير الإبداعي لدى هنتسمان.
لأن الأمر لا يشذ عن القاعدة تمامًا، يتجرأ كذلك بعض أعضاء الحرس القديم على خلط الأشياء بطريقتهم الخاصة. يحاول هنري بول تجربة تصميم جديد « خفيف الوزن للغاية » على نحو يجرد بذلته التقليدية من عبء مادتها. يقول المدير العام سايمون كوندي: «نحن نشهد حقًا كيف بات زبائننا يفكرون في مجموعات ملابسهم بطريقة مغايرة. ففي زمن ما بعد جائحة كورونا، أتوقع أن يتبع معظم زبائننا الأسلوب الذي انتهجته سان فرانسيسكو في العمل معنا. إننا بصدد إنتاج مقدار أقل من بذلات العمل لأن من اعتادوا السفر بكثرة لم يعودوا بحاجة إلى ارتدائها، لكن هؤلاء أنفسهم سوف يستثمرون في الحياكة المريحة والخفيفة الوزن لارتدائها والتأنق بها عندما يقصدون المدينة بدلاً من ذلك. سوف يرغب الرجال على الدوام في ارتداء ملابس أنيقة للذهاب لتناول العشاء أو رؤية الأصدقاء.»
Mitchell Vito
حائك منهمك في العمل لدى كاد آند ذا داندي.
ربما لا يزال في الزوايا خبايا. يواجه شارع سافيل رو بعض التحديات الهائلة التي ينبغي له تداركها في عام 2020 وما بعده. لكن مجتمع الحائكين في الشارع يبقى متفائلاً، ويعمل كثير منهم بجد لتلمس طريقهم عبر هذا المشهد الصعب الجديد. يقول سليتر: «إن الطبيعة الجماعية لشارع سافيل رو تدور حول قوته. هذا هو الشيء الذي نملكه ويميزنا عن حائكين آخرين من طراز عالمي في باريس أو عن الوافدين الجدد في هونغ كونغ. نحن بحاجة لأن نعمل معًا الآن حتى نضمن أننا سنظل موجودين جميعًا هنا بعد عام. لقد نجا هذا الشارع من حربيْن عالميتيْن، ومن الكساد العظيم، وما زلنا نخطط للبقاء هنا لحين من الدهر.»
بذلة قيد الإعداد لدى دار كاد آند ذا داندي.