في أعماق المناطق الأسترالية القصية،

استأثر أضخم منجم ألماس في العالم بإنتاج الأحجار الوردية الأكثر روعة مما اكتشف على الإطلاق.

لكن مع استخراج آخر ما تبقى من ألماسات أرغايل الوردية، ماذا يخبئه المستقبل لها؟

 

كانت كثبان النمل هي ما أكد حدس علماء طبقات الأرض، فهي تتوهج على نحو يعاند المدارك تحت الشمس المحرقة في المناطق الأسترالية القصية. عكف العلماء على مسح الأرض لعقد من الزمن، بما في ذلك مسح نُفِّذ بمروحية، ظنًا أن ثمة خبيئة ثمينة جاثمة تحت سطح الأرض القاحلة المتشققة. لكن مع ذلك، استدعى الأمر نظرة فاحصة بغية التثبت، وهو ما تتطلب سيرًا مضنيًا على الأقدام عبر مناطق قصية، ليمحصوا عن كثب وبدقة تلك البقع المتلألئة. كانت ألماسات، كِسَر نقلتها حشرات عن غير عمد من قرار مكنون إلى سطح الأرض، أو عبر أنبوب ممتد في جوف الأرض. 

 

لكن ما عجز هذا الفريق عن تخمينه آنذاك، رغم أن جُلّهم خبراء محنكون في تصيد منابع الألماس، هو حجم العِرْق الذي رصدوه، على مسافة أميال قليلة جنوب بحيرة أرغايل. حين بدأت العمليات الرسمية في عام 1983، بعد أربع سنوات من الاكتشاف الأولي، أسهم الألماس المستخرج من هذا المنجم الوحيد في مضاعفة الإنتاج العالمي حقًا، بين عشية وضحاها. منذ ذلك الحين، أنتج منجم أرغايل، الذي يحمل اسم البحيرة، ما مجموعه 865 مليون قيراط من الحجر الخام على مدى العقود الأربعة المنصرمة. هناك الآن، حيث كانت كثبان النمل المتلألئة هي المؤشر الوحيد يومًا على وجود حياة، شرخ هائل في الأرض الحمراء المائلة إلى اللون البني، يحوطه جدران مُدَرَّجة شديدة الانحدار ومجوفة جراء حفر المنجم. 

 

ألماسة Argyle Enigma الحمراء الزاهية زنة 1.75 قيراط، ذات قطع هندسي متوهج، طرحت في مناقصة هذا العام

ألماسة Argyle Enigma الحمراء الزاهية زنة 1.75 قيراط، ذات قطع هندسي متوهج، طرحت في مناقصة هذا العام. 

 

لكن كانت هناك غنيمة أعظم تحتجب في أتون امتدادات حجرية، غنيمة لم يفلح النمل في نقلها، إنها ألماسات وردية. إن معظم المناجم ستُعد محظوظة إن هي أخرجت ألماسة وردية واحدة في أثناء عملية التنقيب بكاملها، لكن في منجم أرغايل، يبلغ المعدل ألماسة وردية واحدة لكل ألف قيراط جرى استخراجها. وما هو أكثر إثارة للدهشة حقًا أن الألماسات ما انفكت تخرج مطابقة لأرفع تصنيف، فهي متوهجة بظل لوني قوي، ونقي، وبرّاق. يقول موراي راينر، خبير طبقات الأرض الذي عمل على مدى ستة عشر عامًا لدى مجموعة ريو تنتو المالكة للمنجم: «أن تصف ألماسة أرغايل الوردية بأنها نادرة فهو تقليل من شأنها. إنها أندر من الندرة إلى حد ينقض فرضية وجودها.» حقًا، إن احتمال تكوّن ولو ألماسة واحدة كهذه هو ظن محال يشبه احتمال الفوز بجائزة اليانصيب مرتين في اليوم نفسه. لعل من بواعث سرور راينر وعلماء طبقات الأرض الآخرين في منجم أرغايل، أن الأمر حدث مرارًا وتكرارًا. وقد شكل اكتشاف الألماسات الوردية رافدًا حيويًا للإمدادات العالمية، إذ أنتج المنجم ما نسبته %90 مما بيع من تلك الألماسات منذ افتتاحه. حتى هذا الحين، كان متوسط الناتج السنوي يبلغ نحو 10 آلاف قيراط لامع. 

 

كانت الألماسات الوردية، حتى اكتشاف عرق أرغايل، بالغة الندرة وقلما استرعت اهتمام صائغي الجواهر. كما يقول التاجر سكوت ويست ما جدوى استحداث سوق لا تحظى بإمدادات ثابتة نوعًا ما؟ لطالما كانت شركة أسرته، إل. جي. ويست، جهة مرموقة في سوق الألماسات الملونة، ومن بينها ألماسات أرغايل الوردية. وقد أسهم هذا المنجم في تبدل السوق عبر تأمين إمدادات قليلة لكنها ثابتة لصفوة الأحجار الكريمة، على الأقل حتى الآن. أعلنت مجموعة ريو تينتو أنها ستوقف العمليات نهائيًا في منجم أرغايل بحلول عام 2020، وتقدر أنه لم يبق هناك سوى نحو 150 ألماسة فقط أو ما يقاربها من ألماسات أرغايل الوردية تنتظر استخراجها قبل توقف العمليات. إنها لمهمة شاقة وخارقة، ففي الأنفاق الباردة والرطبة تحت الأرض حيث تجري حفريات التنقيب الأخيرة، تودع حاويات المخلفات أطنانًا من التربة الصخرية، التي تجلجل بصخب كلما نُخِلت، في كل ساعة، وكل يوم. تحتجب هذه الألماسات الوردية المئة والخمسون في مكان ما ضمن تلك الأوحال الرمادية، على غرار الورقة الرابحة. 

 

ألماسة Argyle Avenoir بلون أحمر براق زنة 1.07 قيراط ذات قطع بيضاوي

ألماسة Argyle Avenoir بلون أحمر براق زنة 1.07 قيراط ذات قطع بيضاوي.

 

لجأت مجموعة ريو تينتو إلى تعزيز علامة ألماس أرغايل على نحو حثيث منذ أن فطنت في بداية الأمر إلى قيمة الأحجار الوردية المخبأة هنا. أطلقت المجموعة شهادة توثيق رسمية وبرنامجًا تسويقيًا في ثمانينيات القرن المنصرم، واضعة نصب عينيها ربط الاسم مع أفضل هذه الأحجار. إن أحد المقومات الأساسية لهذا البرنامج هو إجراء مزايدة سنوية على نحو حصري كل خريف، يقتصر حضورها على قرابة 150 شخصية عالمية من أعرق التجار، وصائغي الجواهر، وغيرهم من المتمرسين. لطالما وجهت لهم دعوات منذ عام 1984 للحضور من أرجاء العالم ليتنازعوا فيما بينهم غنيمة العام المنصرم من الألماسات الوردية المميزة، إذ إنها طرح سنوي لا يتجاوز متوسط ما يعرضه معدل 50 قيراطًا لا غير.

 

«يُباع الباقي عبر شبكة التوزيع الخاصة بشركة أرغايل على مدى العام.» في كل سنة، يُباع ذلك المقدار في مزايدة ترافقها ضجة إعلامية صاخبة، وتصاحبها نفقات باذخة، كما كان الحال حين استأثر لورانس غراف بشراء كل حجر من الأحجار التي طرحت في المزايدة الأولى، وابتدع منها تصميمًا يمثل أزهارًا متمايلة، وقد اشتراه في وقت لاحق سلطان بروناي.  رُصِد نمو مضاعف كل عام، بحسب الأرقام الصادرة عن مجموعة ريو تينتو، ما يعني أن أي استثمار في أحد هذه الأحجار في عام 2000 قد تفوق أداؤه حتمًا على مجمل مؤشرات الأسهم الرئيسة. من المقرر عقد مزايدة هذا العام بعد الترويج لذلك في الصحافة، مثلما حدث في جلسة البيع قبل الأخيرة لأحجار أرغايل، فهي تعد بأجواء تنافسية محتدمة.

 

التضاريس الأسترالية الغربية، وتشتمل على كثيب نمل هائل، بالقرب من منجم أرغايل

التضاريس الأسترالية الغربية، وتشتمل على كثيب نمل هائل، بالقرب من منجم أرغايل. 

 

لا ترجع جاذبية ألماسات أرغايل إلى ندرتها فحسب، بل إلى جودتها أيضًا. يجري تصنيف الألماسات عديمة اللون بحسب نظام خصائص الألماس four-C ذي المزايا الأربع «زنة القيراط، ودرجة اللون، والقطع، والنقاوة»، لكن المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة عمد في عام 1995 إلى تحديث تصنيفاته لنظيراتها من الألماسات الملونة، معتمدًا عناصر مثل التدرج اللوني، والتشبع، والتناغم. وقد برزت ألماسات أرغايل الوردية بنوعية مبهرة على الدوام، ويرجع السبب في ذلك إلى عملية تشكيلها. أو على الأقل، تلك هي نظرية علماء طبقات الأرض. 

 

يعتقد العلماء أن هذا المخزون قد تشكل ضمن قشرة الأرض عند مستويات أعمق وأكثر سخونة مما يوفره أنبوب تقليدي، حيث يتبلور على عمق يقارب 100 ميل تحت السطح. يتطلب، من ثم، مخزون أحجار أرغايل مزيدًا من الوقت وقوة أعظم تدفع به باتجاه باطن الأرض. يقول راينر إن الخضوع لهذه العملية أدى إلى تكثيف الضغط على براعم الألماس بطريقة هي المثلى لتحويلها إلى اللون الوردي. لكن مع ذلك، لا يمكنه أن يكون جازمًا. إن كثيرًا من ألوان الألماس، مثل الأزرق والأصفر، هي حصيلة وجود شوائب، أما الوردي فهو حالة فذة، إذ يكتسب نقاوته تحت ضغط عال ومن طريق جملة تحولات تحدث داخل الحجر على مستوى ذري. لكن يعجز راينر وزملاؤه اليوم عن الإدلاء بشرح واف يوضح تحديدًا مسار العملية التي تستحدث منها ألماسة وردية. 

 

لكن مهما حدث في منجم أرغايل فقد كان التوقيت ملائمًا. لا ينتج هذا الأنبوب أحجارًا ذات ظلال لونية عديمة اللون أو باهتة بعض الشيء كتلك المكتشفة في جنوب إفريقيا أو غيرها من الأماكن. بدلاً من ذلك، تتقد ألماسات أرغايل الوردية بحيوية ضاربة تشبه لون فقاعات العِلك الشفافة التي يُعْتد بها وكأنها بصمة لونية للأحجار الكريمة، إنها فريدة في العالم وتُسهل تعرُّف الأحجار المستخرجة من هذا المنجم على نحو مباشر من قِبل خبير متبصر.

 

ألماسات طرحت في مناقصة عام 2019: ألماسة Argyle Elysian بلون وردي فاخر براق زنة 1.20 قيراط بقطع الوسادة المربعة

ألماسات طرحت في مناقصة عام 2019: ألماسة Argyle Elysian بلون وردي فاخر براق زنة 1.20 قيراط بقطع الوسادة المربعة.

 

بالإضافة إلى ذلك، تركت الخصائص الأرضية لهذا العرق تأثيرات أخرى في الأحجار أيضًا. فألماسات أرغايل الوردية أكثر رقة ويصعب صقلها. يقارن حرفيو قص الأحجار صقل ألماسة شفافة وأخرى وردية بسلاسة تقطيع قطعة من الزبد مقابل تقطيع عُقَد خشبية. أما البنْيَة الذّرية الفرعية المتشابكة التي تضفي اللون الساطع فمن المستحيل استنساخها أيضًا داخل المختبر باستخدام العملية التقليدية التي تبني أحجار الألماس ضمن طبقات تلتف ببطء حول البرعم. «من باب الحيطة، تمنح مجموعة ريو تينتو كل حجر أرغايل أصيل شهادة منشأ وينقش كذلك رقم تعريفي، باستخدام الليزر، على الأحجار من زنة 0.08 قيراط وما فوق، لا يمكن مشاهدته إلا بوساطة مجهر.» 

 

أسهمت الجاذبية الجمالية لألماسات أرغايل الوردية وجودتها في ارتفاع قيمة الألماسات الملونة بأكملها على نحو هائل على مدى العشرين عامًا المنصرمة، فمنذ بداية العقد حتى عام 2017، ارتفع السعر المتوسط المسدد في مزاد لألماسات ملونة بما نسبته %122، وفقًا لمؤسسة أبحاث الألوان المتفردة Fancy Color Research Foundation. فيما حظيت أسعار ألماسات أرغايل الوردية، في الوقت نفسه، على علاوة مضافة تراوح ما بين %10 إلى %20، وتفوقت حتى على أجود الألوان المنتجة من أماكن أخرى، سواء من سيبيريا، أو جنوب إفريقيا أو تنزانيا. يتنبأ مصرف بانمور غوردون ومصارف أخرى ومحللون بأن خنق مصدر التمويل سيحلِّق بأثمان أحجار أرغايل عاليًا.

 

لكن يبقى الاحتمال قائمًا بأن تبيع مجموعة ريو تينتو اسم أرغايل العريق ما إن ينضب المنجم نفسه. يقول أهل الاختصاص في الصناعة إنه من المحتمل أن يعمد عملاق التعدين إلى البيع حصريًا لمشتر له علاقة وثيقة مع أرغايل، مثل تاجر متمرس أقدم على تخزين عدد لا بأس به من الألماسات الوردية ولديه مصلحة راسخة في الحفاظ على رفعة مكانتها وثمنها. يؤكد جون غلادج، أحد المزايدين المحتملين في سنغافورة، لمجلة Robb Report أنه أبدى اهتمامًا غير ملزم بالأمر. يرى غلادج أن فرصة هائلة تلوح في الأفق. يقول: «أتكهن بأن أي منتج «أرغايل» متوافر، سيصبح منتجًا بعلامة تجارية، وسيحظى بملكية كلمة «وردي».» في عالم الألماسات الشائق، يكون هناك عنصر من عناصر الانضباط الذاتي، يهدف أيضًا إلى الحد من احتمال تجرؤ أي شخص على تمويه ألماسة وردية بديلة لبيعها على أنها ألماسة أرغايل.

 

ألماسة Argyle Amari بلون فاخر براق ومتوهج مائل للأرجواني زنة 1.48 قيراط ذات قطع على شكل قلب

ألماسة Argyle Amari بلون فاخر براق ومتوهج مائل للأرجواني زنة 1.48 قيراط ذات قطع على شكل قلب.

 

على الرغم مما تردد من أن عددًا من أقطاب الصناعة طرحوا عطاءاتهم، يقول مصدران ممن عندهم علم إن مجموعة ريو تينتو أحجمت فجأة عن عملية بيع ما، وإنها ربما تعيد النظر في استراتيجيتها. أشار أحدهما إلى أن تعليق البيع قد يرجع إلى مطالب مقدمي العطاءات بإدراج بيانات البيع، بما في ذلك قوائم الزبائن السرية، ضمن الصفقة، أو قد يكون الأمر أن الشركة تماطل بوضوح إلى ما بعد المزايدة النهائية التي يُفترض أنها ستحقق نجاحًا كبيرًا. وقد رفضت متحدثة باسم مجموعة ريو تينتو التعليق على خطط الشركة، بما فيها ما إن كان اسم علامة أرغايل مطروحًا للبيع.

 

تردد في أثناء مزايدة العام الماضي، ومع دنو موعد الإغلاق، أن أسعار الألماسات ذات اللون الوردي البراق زنة قيراط واحد ارتفعت بما نسبته %40. على الرغم من أن مجموعة ريو تينتو لا تصدر أرقام مبيعات، إلا أنها أعلنت أن عددًا من الأرقام القياسية قد تحقق. تبشِّر مزايدة هذا العام بأن تحظى بالقدر نفسه من الإثارة، مع توافر 64 ألماسة، تبلغ زنتها 56.28 قيراط، بالإضافة إلى مجموعة ثانوية متنوعة من الأحجار المتناسقة في مجموعات، وتُعرف ضمن المزادات باسم Everlastings، أو الخالدة، وكذلك احتمال طرح مناقصة واحدة أخيرة لاحقة. يقول جوش واينمان، وهو تاجر في نيويورك متخصص في ألماسات أرغايل: «لا أعتقد أن يرد في خاطري حالة مماثلة كتلك قد حدثت في عالم الجواهر، إنه شيء محدود القدر، أشبه بوفاة فنان شهير، فلن يَرِد السوق أي عمل فني جديد من قِبله.» 

 

يقدم سكوت ويست، تاجر زميل، تشبيهًا فنيًا كذلك، إذ يقول: «كان اكتشاف أرغايل كحال مونيه عندما شرع يرسم بأسلوب متعمق جديد، وهو ما حاول فنانون آخرون تقليده حينذاك، وأسسوا أسلوبهم على ذلك.» مثلما سيفرغ مرسم الفنان يومًا ما من اللوحات، سيكون هذا هو حال منجم أرغايل. يقول سكوت ويست: «إنه لأمر حلو ومر، تمامًا مثل الحياة، ينبغي لك أن تقدرها وهي متاحة، وأن تدرك أن شيئًا جميلاً لا يدوم بالضرورة إلى الأبد.»