مسارات لركوب الدراجات الجبلية في المكسيك توفر النوع الأفضل من العزلة الاجتماعية.
ينحدر مسار الدراجات الجبلية أحادي المسرب عبر إطلالة طبيعية صحراوية وعرة بين أشجار متشابكة وشجيرات شائكة ثم يتجه مباشرة صوب نفق تشكّل من نباتات صبار مدببة.
ما من طريقة أخرى تصف التكوين. إذ إن جانبًا من الطريق يحدّه حائط من أشجار صبار تشوللا العالية، وهو نبات يُعرف بأشواكه المؤذية التي تشبه أشواك القنفذ. وجانب آخر تنشب أعلاه الأذرع الشوكية المتطاولة لشجرة صبار كاردون ضخمة من نوع "الفيل"، بحيث لا تترك سوى ما يكاد يسعني ودراجتي، إذا ما خفضت رأسي تفاديًا للإصابة. لهذا أسير بدراجتي داخله مقلِّصا حركة جسدي، وأصبّ تركيزي على الضوء في نهاية النفق. تمتاز دراجتي الخاصة بأنها خفيفة ورشيقة للغاية. أتمنى فقط لو كانت مهارتي في ركوب الدراجات تعدلها. فقد تغطى ساعدايّ بخدوش قرمزية اللون بسبب وخزات الصبار.
إنني في المكسيك، بعيدًا عن الوطن، في إجازة على مسافة نحو ساعتين فقط من بلدة لوس كابوس الشهيرة بكثرة الحفلات الصاخبة. لكنني أيضًا بعيد جدًا عن أي شكل من أشكال التجمعات الحاشدة، ويبدو أن التهديد بالإصابة بالجائحة العالمية غير قائم لحسن الحظ. إن الحفاظ على مسافة تباعد قدرها ست أقدام هنا في الجبال الصحراوية في باها في كاليفورنيا لا يشكل معضلة، فأنا أمارس أحد أحب الأشياء إلى نفسي: ركوب الدراجات في الهواء الطلق وسط أحضان طبيعة ساحرة.
في مرحلة مبكرة من الجائحة العالمية، ارتفعت شعبية ركوب الدراجات ارتفاعًا كبيرًا، وازدادت مبيعات الدراجات إلى ما يقرب من الضعف، وفقًا لصحيفة ذا نيويورك تايمز، وبقي الطلب قويًا. يشعر غالب الأمريكيين بأن ركوب الدراجات يساعد على تخفيف التوتر، بحسب استبانة أخرى. إذا جمعت بين هذه الحماسة الجديدة للرياضة والتوق إلى السفر بأمان، تجد أن هذه الحالة ممثلة بشكل فِن Venn على نحو رائع في رانشو كاكاتشيلاس، وهو منتجع مستدام للمغامرات ومكرس لمراعاة البيئة وتوفير بعض المسارات الجبلية الأكثر تحديًا في أمريكا الشمالية. لقد أُغلق الملاذ مؤقتًا بعد أن تصدرت الجائحة العالمية عناوين الأخبار العالمية، وتقرر افتتاحه من جديد، وقت كتابة هذا الموضوع.
إن ملاذ رانشو كاكاتشيلاس هو من أفكار مُحسن ومموّل غير متوقع: كريستي والتون، واحدة من الورثة المستفيدين من ثروة وولمارت. احتفظت والتون، التي تبلغ من العمر 72 عامًا، بتصنيف مجلة فوربس لها كأغنى امرأة في العالم حتى وقت قريب في عام 2015. إنها أرملة جون والتون (الابن الأوسط من الأبناء الثلاثة للمؤسس سام والتون)، الذي توفي في عام 2005 إثر تحطم طائرته التجريبية الخفيفة بالقرب من مدينة جاكسون، في ولاية وايومينغ.
في الأسبوع الأول من شهر مارس أذار عام 2020، قضيت أربعة أيام في المنتجع، تخللها يوم للحديث وقضاء بعض الوقت برفقة والتون، لكي أطلع أكثر على رانشو كاكاتشيلاس، ورؤيتها الشاملة الكامنة وراءها. إذ إن منتجعًا مخصّصًا لركوب الدراجات في المكسيك ليس أمرًا بعيدًا عن أجواء شركة وولمارت وعائلة آل والتون. وفي ذلك تقول والتون إن زوجها كان درّاجًا شغوفًا، وكذلك إخوانه، جيم وروب. في عام 2017، استحوذ أبناء جيم، توم وستيوارت، على حصة الأغلبية في شركة رافا Rapha، وهي مختصة بإنتاج ملابس راقية لراكبي الدراجات، وعمدت العائلة إلى الدخول علنًا وعلى نحو لافت في عالم ركوب الدراجات الجبلية على مدى العقد المنصرم، حينما بدأ الإخوة الصغار في تحويل الأرض خارج المقر الرئيس لشركة وولمارت في مدينة بنتونفيل، في ولاية أركانسو، إلى رقعة جاذبة لركوب الدراجات الجبلية. إذ أسهموا في تطوير شبكة مسارات للعامة تمتد إلى ما يقارب 500 ميل، عبر ضخ ما يفوق 70 مليون دولار للبنية التحتية لركوب الدراجات من طريق مؤسسة أسرة والتون Walton Family Foundation . أصبحت الرياضة هناك مصدرًا لجذب السياح، وفي ذلك يقول توم وستيوارت إنهما يتصوران المنطقة أشبه "ببلدة تزلج للدراجات،" حيث المسارات باتت جزءًا لا يتجزأ من المجتمع.
Dylan Vanweelden
إطلالة من مسار علوي.
إن فكرة جلب منفعة أكبر إلى مجتمع ما من طريق سياحة صديقة للبيئة تبدو منطقية وفقًا لوالتون. وفي ذلك تقول: "لقد ركز أبناء أخي على منطقة بعينها، هي بنتونفيل، تمامًا مثلما ركزت أنا على جلب السياحة المستدامة إلى هنا."
نشأت والتون في ولاية أريزونا ومنطقة جنوب كاليفورنيا. وفي إشارة منها إلى أوجه التشابه بين التضاريس الجافة والقاحلة، تقول: "هذه الأرض تخاطب وجداني. لطالما تفهمت هذه الأرض." أمضت والتون سنوات نشأتها في وظائف أقل من عادية وعملت على بيع بيوت متنقلة وموسوعات علمية، تطرق بابًا تلو آخر. التقت وجون فيما بعد وتزوجته. اكتشفا منطقة باها معًا. وفي ذلك تقول: "اعتدنا المجيء إلى هنا منذ أمد. هذا هو المكان الذي أبحرنا فيه لأول مرة منذ 30 عامًا مضت أو 40 عاما. أكون هنا معظم الوقت." تقارن والتون "غابات" صبار كاردون بالأشكال الحية التي يقتصر وجودها على جزر غالاباغوس. وفي ذلك تقول: "لدينا كثير من أنواع فريدة نمت هنا ولا توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض. لكنها في طور الزوال سريعًا."
بالرغم من أن والتون نادرًا ما تُجري مقابلات، إلا أننا قضينا فترة ما بعد الظهيرة معًا، وكانت حافلة، إذ تمكنا من إلقاء نظرة على مشاريعها الكثيرة في المنطقة تحت مظلة iAlumbra، وهو تحالف أعمال تجارية في المكسيك يهدف إلى تحقيق الاستدامة لكل من السكان المحليين والمحيط البيئي. في الواقع، يكاد ينحصر حديث والتون عن اهتماماتها بالعلوم، والاستدامة والإدارة الشاملة للأراضي. ثمة مشاريع أخرى تشمل Earth Ocean Farms، وهي مزرعة مفتوحة على المحيط لتربية الأحياء المائية تضع أقفاصًا مغمورة مبتكرة على بعد ميلين من الشاطئ، تمثل أول مشروع تجاري ينجح في استزراع سمك النهاش الأحمر الذي يعيش في المحيط الهادئ. إن الهدف هو استحداث عَمَل تجاري مربح على نحو مسؤول، مثل كثير من مشاريعها.
إنها الروح ذاتها وراء رانشو كاكاتشيلاس. واظبت والتون، على مدى السنين، على شراء مزارع ماشية سابقة في الجبال، عانى معظمها باستمرار الرعي الجائر، ما أدى إلى تصحر الأرض. أسّست والتون منذ ذلك الحين برنامجًا لإدارة الثروة الحيوانية، يشمل الحدائق العضوية، وإنتاج الجبن، والسياحة، وهو مزيج يحمي الأرض من النوع المستشري لسياحة فنادق ابتليت بها المنطقة ويوفر مع ذلك وظائف تشتد الحاجة إليها. وفي ذلك تقول: "أحاول بناء قيمة اقتصادية للأراضي البرية." تريد والتون حماية سماء الليل الحالك، وموائل غنية بغابات صبار كاردون. وفي ذلك تقول: "كل هذا موضع اهتمام حتى لا يصير مآلها مثل كانكون أو كابو."
يطير الضيوف إلى مطار لوس كابوس الدولي الحديث، ثم يُنقلون شمالاً. يمكن الوصول إلى المبنى الرئيس للمنتجع البيئي حصرًا عبر طريق ترابي خاص يبلغ طوله أميالاً، ويؤدي إلى 33 ألف فدان بكر في جبال سييرا كاكاتشيلاس. سيجد الزائرون هناك مجموعة صغيرة من مبان دائمة وعشر خيام سفاري من النمط الفاخر نصبت على ارتفاع عال وتشرف على مناظر خلابة على بحر كورتيز. يقتصر عدد الضيوف على نحو 20 ضيفًا، ومعظم الطعام محلي. (توجد مزارع للماعز والأجبان تصادفك عبر الطريق ضمن الملكية الكبرى.) يستوعب نظام المسار كلاً من المتنزهين على الأقدام وراكبي الدراجات الجبلية كذلك، وهما النشاطان المركزيان في المزرعة، ويتفرع متخللاً الأراضي التي تعود ملكيتها إلى والتون.
لكن فيما تحظى بنتونفيل، في أوزاركس، بتلال ناعمة ومتموجة، تزخر الأرض في باها بجرانيت صلب، وصبار وشجيرات شائكة لا تُعد ولا تحصى، وهي موطن كذلك لأفاعٍ جرسية، وذئاب، وقطط برية، وعناكب ذئبية. على مدى السنوات الأربع الماضية، عملت ثلاث مجموعات من العاملين بدوام كامل لبناء مسارات جديدة. في هذه المرحلة، يوجد حوالي 40 ميلاً من المسارات الفردية التي تلبي المعايير الصارمة التي وضعتها الرابطة الدولية لركوب الدراجات الجبلية. عُبّدت هذه المسارات يدويًا إلى حد كبير، وبتكلفة باهظة، وقد استُخدمت فيها مواد مثل الصخور والأحجار بطريقة تضمن الحد الأدنى من التآكل. تعترض والتون عندما تُسال عن التكلفة، لكن السكان المحليين يقولون إنه حينما يدور الحديث عن ركوب الدراجات في تلك المسارات التي تبلغ كلفتها ملايين الدولارات، فهم يعنون ذلك حرفيًا.
Dylan Vanweelden
كثيرا ما يتدرب المتسابق جويل راميريز، دراج جبلي محلي محترف، على المسارات التي تتشعب في المزرعة.
في أثناء تناول الغداء في ميوزيو روتا دي بلاتا، وهو متحف مخصص لتاريخ التعدين في المنطقة مولته والتون في البلدة المجاورة إل تريونفو، قالت: "إنه لطالما كانت العزلة من عوامل الجذب الرئيسة. إذا كنت ترغب في تجربة برية، فأنت تحتاج إلى أرض كافية لكي يتسنى لك ذلك." لدى والتون وجهة نظر. فالمكاسب من تلك العزلة تتجلى على نحو سريع، حيث سيتأتى لك أن ترى سماء تزدان بإطلالة بانورامية سوداء تزهو بملايين النجوم البراقة والمتلألئة، ولا تشوبها الأضواء المصطنعة للمدن والبلدات.
في وقت لاحق، اصطحبتني والتون في جولة عبر طرق صحراوية في سيارتها ميتسوبيشي الحديثة لكن المنهكة، وهي سيارة رياضية متعددة الاستخدامات. (إنها مَن تقود السيارة خلال تجوالها في الصحراء، على نحو سريع جدًا وبيد محكمة.) اختتمنا يومنا بزيارة منزلها الصغير، المتواضع لأعلى درجة، وغير المتصل بشبكة الإنترنت، القائم على التلال بالقرب من المزرعة. إنه منزل صغير من الطوب تطلق عليه اسم "منزلها الترابي"، وهو، أيضًا، لا يمكن الوصول إليه إلا عبر طريق ترابي غير معبّد. وفي ذلك تقول ضاحكة: " أنت من يجلس في الأمام بجوار السائق، لذا تولّ أنت أمر البوابة." ناولتني مفتاحًا لأفتح يدويًا قفلاً معلقًا على بوابة متأرجحة ذات طابع ريفي. لا توجد بوابات آلية فاخرة في حياة والتون.
على هذا النحو، لا تنزع وسائل الراحة في رانشو كاكاتشيلاس إلى جلسات منتجعات صحية (لا يوجد منها شيء مطلقًا) بل إلى تأجير درّاجات من الفئة الممتازة، وهو شيء نادر الحدوث. تتوافر دراجات جبلية من طراز Specialized S-Works Levo E، وكذلك من طراز Stump-jumper، وإن لم تكن تزدان بعجلات روفال Roval المصنوعة من ألياف الكربون والتي يبلغ ثمنها 2,500 دولار وتزهو بها الدراجة التي أقودها اليوم. يمكن للضيوف أيضًا الاستعانة بمرشدين محليين.
كانت والتون نفسها راكبة دراجات جبلية شغوفة، وفي ذلك تقول: "إلى أن خُلع كلا ذراعيّ"، في إشارة إلى حادث وقع قبل ست سنوات. تبتسم والتون. وتقول: "كنت أقود باتجاه أسفل التل على نحو سريع جدًا -لأنني أحب التبديل السريع- فتعثرت بصدع أرضي وأنا أنعطف باتجاه زاوية ضيقة." تعرقلت عجلة دراجتها بسبب كومة من الجرانيت المتحلل، الذي يبدو قوامه مثل قوام الرمل، ما أدى إلى اختلالها. وفي ذلك تقول: "لقد سقطت من فوق المقود وارتطمت بقوة شديدة إلى حد أفقدني الشعور بالألم. أُصبت برضوض كبيرة في كلا الذراعين." تصدعت خوذة والتون، لكنها واصلت قيادة الدراجة لمدة ساعتين أخريين. كانت حصيلة ما ألمّ بها جراء الحادث سبعة مسامير في ذراع وخمسة في الذراع الأخرى.
في اليوم التالي بعد لقائي مع والتون، سنحت لي الفرصة أن أستكشف كيف تبدو المسارات في الواقع. إنني راكب دراجات متوسط المهارة: أي ما يعدل متزلجًا يلتزم مسارات التزلج الزرقاء في أغلب الأحيان. تتوافر عدة مسارات ملائمة في الملكية تناسب مستواي. لكن في هذا اليوم، كان يوجد نحو اثني عشر ضيفًا، مجموعة من رجال ونساء معظمهم من ولايات غربية مثل كولورادو ونيو مكسيكو، ويشكلون مجموعة متمرسة للغاية. وقد عزموا على الذهاب في رحلة جماعية، فانضممت إليهم.
بعد ذلك بنحو خمس عشرة دقيقة تساءلت إذا ما كان ينبغي لي الاستعانة بمرشد لكي أمضي وحدي. كنا نهبط في مسار شديد الانحدار يحدّه تل صخري. تتخلل المسار مجموعة دروب متعرجة وضيقة على شكل حرف S وحرف C. عُبّدت الزوايا بعناية، على شكل تقوس رملي يخدم سائق الدراجة.
لكن الأرضية من الجرانيت المتحلل السائب الزلق. وهبوط المنحدرات العمودية قاس على نحو يطحن العظام. إنها تهبط بك على نحو متسارع جدًا، كما لو أنك تنطلق بسهولة نحو الفضاء. قبضتُ المكابح بقوة غير مرة، إذ إن عجلات دراجتي قريبة من الحافة على نحو خطير. إني على يقين من أن تلك المسارات هي نفسها حيث تعرّضت والتون لحادثها المريع. ما هذا الصوت العالي؟ إنه قلبي يرتجف.
ثم ارتكبت خطأ كارثيًا. فقد انعطفت على نحو أوسع مما ينبغي وأنا على درب متعرج فتخطّت عجلتي الأمامية حافة الجرف، ولحقها جسدي. إنها لحظة أقرب إلى مغامرات الرسوم المتحركة Wile E. Coyote، بعدها اصطدم مقود دراجتي بكل تأكيد بشجرة وحيدة رفيعة تنمو على طرف الحافة، فأوقفت سقوطي.
Dylan Vanweelden
دراجان يصعدان أحد المسارات المعبدة يدويا.
عاينت نفسي ودراجتي من طراز S-Works بحذر. خُلع أحد نواقل الحركة، وبدا على ساقي آثار ثقبين ينزفان. ما عدا ذلك، صمدتُ والدراجة. ركبتها مجددًا، قررت أن أبتلع كبريائي وألا أحيد عن السير خلف المجموعة. سيكون شعاري "بطء وثقة".
بعد أن زال التوتر، استويت ثابتًا فوق الدراجة إلى أن وجدت وتيرة ترضيني. أصعد تارة وأهبط أخرى فوق التلال. أرتفع، في كثير من الأحيان، فوق تل فألمح البحر المتلألئ. في مرات أخرى، تصل المجموعة إلى قاع واد فتكتشف واحة غير متوقعة، وجداول مياه منعشة تغذي أشجار نخيل تنبت من تربة الصحراء. إنها إطلالة ساحرة.
هكذا هو الحال، لحظات من خيال في أحضان العالم الطبيعي تضخ الأدرينالين في العروق. إنه مشهد لمنظر طبيعي لم تكن لتشهده أبدًا. سوف نتذوق هذه الليلة أطايب الجبن المصنوع يدويًا من ألبان الماعز التي ترعى في المزرعة، وخبز تورتيا الطازج بينما نجلس بجوار حفرة النار نراقب النجوم المتلألئة في كبد السماء.
