فيما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية اللحاق بركب أوروبا المتفوقة في تربية الخيول الرياضية، تواجه عقبات تحتم عليها رفع سقف المعايير.
تلقت تايلور فلوري، الفارسة في رياضة قفز الحواجز الاستعراضي في إيلينوي، دعوة للسفر إلى لناكن في بلجيكا للمشاركة في واحدة من أعرق مسابقات ركوب الخيل في العالم: بطولة WBFSH العالمية لقفز الحواجز للخيول الصغيرة، التي ينظمها الاتحاد الدولي للفروسية. كانت رحلة ناجحة لفلوري، إذ بات آنذاك حصانها كارّاسكا ز.، البالغ من العمر خمس سنوات، أول فحل من الولايات المتحدة الأمريكية يحظى بمصادقة سجل أنساب الخيل البلجيكي Zangersheide وبجزيل الثناء.
لكن بعد مرور سنتين، عندما رجعت فلوري مع كارّاسكا إلى بلجيكا للمشاركة في بطولة الخيول ذات السبعة أعوام، كانت الحواجز ترتفع على علو أكثر من 4.5 قدم. كان يغلب على المضمار طابع تقني وهامش الوقوع في الخطأ ضيق جدًا. بالرغم من أن أداء تايلور كان قويًا في النهائيات، إلا أن انطباعًا مغايرًا كان يتملكها عند المغادرة. تقول فلوري، التي تتخصص مزرعتها أليبو فارم في مينوكا بإيلينوي بتربية الخيول الصغيرة وتدريبها: "الحقيقة المرة هي أن استعراض هذه الخيول وتربيتها في الولايات المتحدة الأمريكية لم يهيئني لهذه المنافسة. لم يساعدني ذلك على تنميتها كما ينبغي."
قلة من الفرسان الأمريكيين يتلقون الدعوة، على ما حدث مع فلوري، للمشاركة في بطولات تتيح لهم ركوب خيول قفز الحواجز التي تُربّى في أمريكا على أرض أوروبية. تحمل معظم الخيول الصغيرة التي تُربى في الولايات المتحدة والتي تمتلك الموهبة والقدرة للمشاركة في مسابقات دولية جوازات سفر صادرة في الأصل في دول مثل بلجيكا، وألمانيا، وهولندا، وفرنسا. وثمة سبب وجيه لذلك.
في مجال بيع الخيول للسوق الأمريكية يُعد النَسَب مهمًا، لكن الخبرة تبقى الأهم. إنها ما ندفع للحصول عليه، وأوروبا توفّر هذه الخبرة بثبات. عندما تبلغ الخيول الخامسة أو السادسة أو السابعة من العمر، يُباع كثير منها لجهات خاصة أو تُشحن إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليُعاد بيعها، تكون الأحصنة التي تُربى في أوروبا قد تمرّس معظمها على مضمار المسابقات الاستعراضية. لذا يُعد شراء الأحصنة منطقيًا للمشترين الموسرين الذين يبحثون عن سلعة موثوقة، أي في هذه الحالة عن حصان موهوب على ما يثبت سجل مشاركاته في المنافسات الاستعراضية. أما محاولة استنساخ التجربة نفسها على الأرض الأمريكية، فأصعب بكثير.
ترى ليزا لوري من مزرعة سباي كوست، إحدى أهم مزارع تربية الخيول الرياضية في الولايات المتحدة الأمريكية، أنهم يحتاجون إلى نظام منخفض الكلفة لإطلاق فرص المباريات الاستعراضية للخيول الأمريكية الصغيرة. تسهم لوري في توفير هذا النظام بوصفها راعيًا لبطولتين مختلفتين للخيول الصغيرة تُنظمان في وجهات مختلفة في البلاد. في سياق هاتين البطولتين، يمكن للخيول التي تراوح أعمارها بين سنة وسبع سنوات أن تكتسب خبرة في صفوف مصممة خصوصًا للأحصنة الصغيرة (مقابل رسوم مخفضة). لكن بالرغم من ذلك، نادرًا ما تندرج الصفوف المخصصة للخيول الأمريكية الصغيرة، التي لا تحظى في غالب الأحيان بحضور يُذكر ولا تكون في العادة مناسبة من حيث الكلفة، ضمن قائمة أولويات الفارس التقليدي الهاوي أو المحترف.
"هذا النقص في التدريب الجيد والمنتظم، وليس النسب، هو السبب في الموقف الرافض أحيانا للخيول التي تربى في أمريكا"
في المقابل، في دول مثل بلجيكا وهولندا، تجعل الكلفة الأدنى في المجالات كافة من تربية الأحصنة الصغيرة خيارًا ممكناً للمربين والفرسان الراغبين في تنشئة أحصنتهم بأنفسهم. تُنظم المسابقات الاستعراضية بوتيرة أكبر، في وجهات محلية ووطنية أصغر مساحة، وذلك مقابل رسوم دخول أدنى بكثير. ينشأ تبعًا لذلك عدد كبير من الأحصنة الواعدة التي تحقق الأميال والخبرات المطلوبة دون أن تتسبب في سياق ذلك بإفلاس مالكيها.
إذا ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تلحق بركب هذه الدول، فإن المطلوب هو خفض أسعار المشاركة في مباريات الخيل الاستعراضية في عدد أكبر من البطولات التي تمتلك المعرفة والمنشآت اللازمة لخدمة الأحصنة الصغيرة، وهذه بداية ليس إلا. لدى لوري أمنياتها الخاصة التي تشمل توافر مصممين ذوي خبرة في ابتكار مضامير صديقة للأحصنة الصغيرة، وعدد أكبر من الفرسان المهتمين بهذه الخيول والبارعين في تدريبها، وعدد أكبر من الزبائن الأمريكيين "المنفتحين على ابتياع أحصنة تُربّى وتُدرب في أمريكا".
إن هذا النقص في التدريب الجيّد والمنتظم، وليس النسب، هو السبب في الموقف الرافض أحيانًا للخيول التي تُربى في أمريكا على ما يقول جايسون ماكاردل، رئيس مجلس إدارة وحدة المهام Young Jumper التابعة لاتحاد عروض القفز United States Hunter Jumper Association في الولايات المتحدة الأمريكية.
يُعد تغيير هذه العقلية مهمة صعبة، لكن الفرص التي تتيحها للسوق الأمريكية عظيمة. إذا ما تأتى للولايات المتحدة الأمريكية أن توفّر دعمًا أفضل لمربي الخيول الصغيرة على أرضها، فإننا سننجح في الاحتفاظ بمبالغ مالية أكبر في البلاد. يقول ماكاردل إننا إذا ما قمنا أيضًا بتنمية مجموعتنا المحلية من المواهب، فإننا قد ننجح في النهاية في زيادة عدد الخيول جيدة النوعية المتوافرة لرياضيينا العالميين. ويضيف قائلاً: "إننا نحتاج إلى هذا النمو لأن ابتياع أحصنة عالية الجودة في أوروبا يزداد صعوبة. لنكن واقعيين أيضًا ونعترف أنها باهظة الثمن."
فضلاً عن ذلك، ثمة فروقات منهجية متجذرة في نموذج التدريب الأوروبي يصعب استنساخها. تقول فلوري إن هذه الاختلافات تشمل مجموعة من المتطلبات تُفرض على الخيول الواعدة الموهوبة وتزداد صعوبة سنة تلو أخرى. لن ينتهي الأمر بكل حصان يُربى في أوروبا إلى الانضمام إلى أحد الفرق المتنافسة في كأس الأمم، لكن حتى الخيول في الفرق الاحتياطية لدولة ما قد تجد في نهاية المطاف مواطن مجدية في عالم البطولات الاستعراضية. بل إن كثيرا منها يجد سبيله إلى مشترين موسرين من بلادنا. تقول فلوري موضحة: "إن الهدف في أوروبا هو تنشئة خيول رياضية من الطراز الرفيع، بينما ما نريده هنا في الولايات المتحدة الأمريكية هو تنشئة خيول جيدة للهواة لأن الإقبال عليها شديد. إذا كنا مصرين على القول إننا نود تنشئة هذه الخيول رفيعة الطراز، فإننا نحتاج إلى رفع سقف المعايير بعض الشيء."
انطلقت مسيرة تحقيق هذا المسعى جزئيًا على الأقل من خلال ابتكار بطولات القفز للخيول الصغيرة التي ينظمها اتحاد عروض القفز في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة ترافيرس سيتي بميشيغان في شهر سبتمبر أيلول. ستكون هذه البطولات أول نشاط ينظم نهائيات على المستوى الوطني ويقدم جوائز نقدية، فضلاً عن مكافآت وحوافز لمربي الخيول في الولايات المتحدة الأمريكية ومالكي الأحصنة التي تربى في أمريكا. يقول ماكاردل: "نعمل على تحديد المربين وتقدير جهدهم وما يقدمونه لرياضتنا". قد يثبت أن هذا المسعى يتحقق في الوقت الملائم.
خلال السنوات الأخيرة، ظهر تحوّل عند الفرسان في مختلف مستويات هذه الرياضة الذين أبدوا رغبة في الاستثمار في الأحصنة في سن مبكرة. وبين أبرز هؤلاء: الفارسان في كاليفورنيا كارل كوك وهانا سيليك اللذان يشارك كل منهما في المسابقات مع حصان صغير يُربى في مزرعة العائلة.
تقول فلوري: "لدينا أحصنة جيدة هنا. ولدينا أفراس رياضية جيدة للاستيلاد. من عساه يرغب في الذهاب إلى أوروبا طيلة الوقت لابتياع الجياد؟" في عالم ما بعد جائحة كورونا، تبدو المواهب التي تُنشأ محليًا على أفضل حال.