تعاون المهندس المعماري الياباني، كينغو كوما، مع محترف لياغر الفرنسي الشهير للتصاميم الداخلية والمشاريع الهندسية،
وذلك من أجل ابتكار هذا الملاذ الجبلي الذي يحتضن خمس حجرات للنوم ويستريح وسط الينابيع الكبريتية الساخنة في مقاطعة كاناغاوا.
في سياق المشروع، عمل الاثنان على تقديم ترجمة مبتكرة للعناصر المميزة للبيوت اليابانية التقليدية باستخدام مواد حديثة.
بين الواقع والتجربة الحسية
على مستوى الواقع المحسوس، يضم المجمع ذو الملكية الخاصة دارة رئيسة، وناديًا صحيًا، ومنزلين للضيوف، وكوخًا لطقوس احتساء الشاي. أما في العمق، فهو بحسب ما توضح فراوك ماير، المديرة الإبداعية لدى محترف لياغر، فضاء «لتجربة تخاطب الحواس. هنا تتراكب العناصر التصميمية في طبقات عدة تتفاوت بين الممرات والمجاري المائية والحجارة والحدائق لتكشف عن كنهها شيئًا فشيئًا». على سبيل المثال، يوفر أحد المداخل إلى حجرات النوم فسحة لاستراحة هادئة خلال التجوال عبر أرجاء الدار. جُهزت فسحات النوم الخاصة (الصورة المقابلة) بطاولات منخفضة، وحصائر التاتامي (المشغولة عادة من قش الأرز) وستائر شوجي (التي تُصنع في العادة من ورق شبه شفاف يُثبت إلى الأطر الخشبية باستخدام شبكة من القضبان الخشبية أو جذوع الخيزران).
تبادل ثقافي
تستلهم الظلال اللونية المعتمدة فن الخط الياباني «شودو» الذي تتجلى تأثيراته تحديدًا في تعارض الجدران بيضاء اللون مع الأسطح الخشبية المصقولة ببقع سوداء على نحو يذكّر بتقنية «ياكيسوغي» اليابانية للتفحيم والتي تُستخدم لصقل كسوة البيوت الخارجية. وعن قطع الأثاث المصممة حسب الطلب تقول ماير: «اعتمدنا هنا بعدًا مختلفًا، مركّزين على الأحجام الكبيرة والسخية. أضفينا على المساحة مزيجًا من توازن النسب، والراحة، والرفاهية الأوروبية، إنما دون المخاطرة بخسارة الطابع الكتوم المميز للثقافة اليابانية وسماتها الخاصة». تتجلى هذه المقاربة التصميمية في اللوحة كبيرة الحجم الباعثة على التأمل التي تغطي أحد الجدران إلى جهة المدخل.
قطعة مستقلة
تقول ماير: «نحاول دومًا إبقاء التصميم مرتبطًا بالطابع المميز لبيئته». في واحد من المنزلين المخصصين للضيوف، يجسّد مكتب مصمم حسب الطلب من طراز «ناغويا» (الصورة المقابلة) تبجيل اليابانيين للخشب، والأشكال البسيطة، والعمل الحرفي. أما حواف المكتب التي صُمِّمت بشكل أنيق ومائل إلى أعلى، فتذكّر بأسقف المعابد التقليدية في البلاد. يذكر أن نموذجًا من هذا التصميم تحوَّل، بعد أن أجريت عليه تعديلات طفيفة، إلى جزء من مجموعة المفروشات التي تحمل توقيع محترف لياغر. أما الواجهات الزجاجية المستخدمة على نطاق واسع في الغرفة، فتكاد توهم الناظر بأن المكتب يطفو في الهواء.
تشكلات مائية
يضفي تنسيق الحدائق في العادة بعض النظام على المظاهر البرية في المحيط الطبيعي. هنا تنسحب هذه الفكرة أيضًا على البنية الهندسية نفسها. على امتداد ممشى إنغاوا المصنوع هنا من خشب الأرز- و«إنغاوا» ممر خارجي مسقوف بإفريز عريض (الصورة أعلاه) وشائع في الطراز المعماري الياباني- أقيمت بركة مستطيلة الشكل رقراقة المياه تذكّر بالبحيرة المجاورة ذات الشكل الهندسي العضوي. يقول كوما: «لتسليط الضوء على دور ممشى إنغاوا، اعتمدنا فوق أحد الألواح الأفقية فتحات تتيح توجيه العناصر التصميمية التسلسلية نحو الفضاء الخارجي». يتجلى الاهتمام الدقيق بالتفاصيل في أسلوب ترابط الأفاريز. فالألواح الخشبية تتلاقى من اتجاهات مختلفة بدقة رياضية تجعل من الصعب تقريبًا لحظ التغيرات الدقيقة في التفاف الزوايا.
أصداء
يقول كوما: «يمتلك صاحب هذا الملاذ معرفة واسعة بالثقافة اليابانية التقليدية ويتحلى بفهم معمّق لها. نتج الكوخ المخصص لطقوس احتساء الشاي عن حواراتنا معه». ينفتح مبنى الكوخ (الصورة أدناه) على مصراعيه على الطبيعة، ويظهر في داخله حاجز يزيّنه منظر طبيعي وُضع أمام جدار يُخفي وراءه مطبخًا صغير المساحة. طُلي الجدار بتدرجات ألوان ترابية مختلفة، بما في ذلك اللون الطيني المستلهم من أعمال الصلصال والمشغولات الخزفية في اليابان. تولى محترف لياغر تصميم الطاولات التي يتزين بها المكان.
يمكن بلوغ الدار الرئيسة (الصورة إلى اليسار) عبر ممرات متعرجة. في هذا تقول ماير: «إن الأمر يتعلق تحديدًا بمحيطنا الخارجي أكثر منه بالمساحات الداخلية. لذا حاولنا الإتيان بتصميم يغلب عليه طابع هادئ وساكن».
«يشكل الانفتاح على الطبيعة عنصرًا جوهريا من عناصر الهندسة المعمارية اليابانية».
_ كينغو كوما Kengo Kuma
رفاه صحي
تلفت ماير إلى أن «حياة القرية ككل تدور حول تجربة العلاجات الحرارية التي تعد بها الينابيع»، ومن هنا جاء خيار اعتماد زوج من صنابير فولا في هذا الحمّام. فالبطانة المعدنية الخاصة التي تعتمدها شركة فولا الدانماركية في منتجاتها تُعد مضادة لتشكّل الكبريت. تربط مجموعة من العناصر المشغولة من مواد مختارة بين حجرة الاستحمام والفضاء الخارجي، بدءًا من حوض الاستحمام من طراز «فيورو» الياباني التقليدي ذي الجوانب الحادة والمصنوع من خشب السرو العطري، وليس انتهاء بكسوة الجدران والأرضيات من الحجارة الشبيهة بالألواح الخشبية والتي تذكّر بالتشكلات الصخرية في الخارج. كما هو الحال في مختلف أرجاء المنزل، يتسق تصميم الحمّام مع المبادئ الجمالية التي يعتمدها محترف لياغر، ولا سيما على مستوى تثمين المواد الطبيعية، والخشب على وجه الخصوص، والخطوط البسيطة، والمساحات غير المزدحمة بالأثاث. تقول ماير أيضًا إن «المشروع كله يحترم البيئة اليابانية إلى أقصى الحدود».