تضفي المؤثرات الفنية والهوية التصميمية

المتفردة طابعا عصريا بالغ الجاذبية والرقي على شقة في مبنى ويليام أستور التاريخي في نيويورك.

 

تسوّر الألواح المشغولة من خشب الجوز والجدران المطلية بلون الجلد المقلوب غرفة المعيشة التي تتزين بأريكة نهارية للاستلقاء من مجموعة برايت، فضلاً عن كرسي أوندين من إبداعات المصمم فلاديمير كاغان. تضفي الأعمال الفنية على طابع الغرفة مسحة حيوية تستحضرها الوجوه الغريبة في لوحة تشيهو أويشيما Chiho Aoshima، والأشكال الهندسية في لوحة The Swans «البجعات» لبياتريس ميلازيس، ومأثرة آندي وارهول الصغيرة إنما ذات الحضور الآسر Battery Operated Robot.

 

ليس من قبيل المصادفة أن يبدو بهو الاستقبال، الذي تحتضنه إحدى الشقق الفخمة في مبنى آبثورب Apthorp المهيب في نيويورك، وكأنه رواق معرض فني. فمداخل المنازل تشير، في العادة، إلى شخصيات أصحابها، وهنا عُلقت صورة Cyclone «الإعصار» التي التقطتها المصورة الفوتوغرافية مارلين مينتر عن قُرب لوجه وضّاء يجاوره عمل للمصور إدوارد بورتينسكي يجسّد مناظر طبيعية توحي بالسكينة في محيط دلتا أحد الأنهار. هنا أيضًا تركيبة إنارة آسرة من ابتكار جيم كامبل تبدو بصماماتها الثنائية الباعثة للضوء أشبه بمنحوتة حديثة لمجسّم ناتئ التفاصيل عُلِّق على الجدار. يتجلى لدى المرء، إذ ذاك، انطباع راسخ، إذ يطأ عتبة هذا البهو، بأن الثنائي الذي يقطن الشقة جامعا تحف يتحلّيان بذائقة فنية متميزة. إنهما كذلك حقيقة. لكن هذه الشقة صُمِّمت تلبية لرغبتهما في العيش في رحاب فضاء فني.

 

 يتناغم الصوان المنجد والمصمم حسب الطلب مع تركيبة الإضاءة الفنية التي ابتكرها جيم كامبل بخاصية الصمامات الثنائية الباعثة للضوء.

 يتناغم الصوان المنجد والمصمم حسب الطلب مع تركيبة الإضاءة الفنية التي ابتكرها جيم كامبل بخاصية الصمامات الثنائية الباعثة للضوء. 

 

تشهد على ذلك مثلاً الأريكة المميزة الشكل التي تزهو باللون الأرجواني الملكي والتي ابتدعها لهذه الفسحة خبير التصاميم الداخلية دارين فاردن جاعلاً منها مجلسًا مثاليًا للقاءات الضيوف ومعاينة الأعمال الفنية المعروضة. تشكّل الأريكة خيارًا جريئًا وجذّابًا يثير حضوره في محيط مصقول يغلب عليه طابع تاريخي شعورًا بالدهشة، لا نراها تطغى بجمالية تصميمها على الأعمال الفنية المحيطة، لكنها تشكّل مستهلاً يُنبئ بالمعالم التصميمية التي تغلب على حجرات تبدو مرئية من بهو الاستقبال. يقول المصمم فاردن: «أنشد التناغم في التصاميم. لذا أسأل نفسي كيف ستتناسق المقاعد مع الأرائك، والطراز المعماري، وخامات الأقمشة التي تتزين بها الغرفة المجاورة؟ وأي ملامح انسيابية ستحكم استمرار الطابع التصميمي، وما المقصود منها».

 

 تشكل الأريكة العثمانية التي ابتكرها فاردن في تصميم انسيابي متعرّج مجلسًا مثاليًا للتمعن في لوحة Colorado River Delta «دلتا نهر كولورادو» للمصور إدوارد بورتينسكي.

 تشكل الأريكة العثمانية التي ابتكرها فاردن في تصميم انسيابي متعرّج
مجلسًا مثاليًا للتمعن في لوحة Colorado River Delta
«دلتا نهر كولورادو» للمصور إدوارد بورتينسكي.

 

أما الزبونان اللذان أوكلا إلى فاردن مهمة تصميم الشقة، فهما ثنائي تختلف مشاغلهما الحياتية اليومية. فالزوجة فنانة وخبيرة استشارية في مجال الفنون، فيما الزوج يعمل في القطاع المالي، إلا أن كليهما شغوف بجمع الروائع الفنية. عندما ابتاع الزوجان شقتين في مبنى آبثورب، المعلم الذي بناه ويليام والدورف أستور سنة 1908، معيدًا إحياء الطابع العمراني المميز لعصر النهضة الإيطالية، والذي اجتذب نخبة من المشاهير أمثال سيندي لوبير، وجنيفر هادسون، وآل باتشينو، وكونان أوبراين، أيقنا أنهما سيتمكنان أخيرًا من تنسيق منزل يُفردان مساحاته بسهولة للأعمال الفنية ولأفراد الأسرة التي تضم طفلين.

 

تتناسق لوحة الفنانة البرازيلية بياتريس ميلازيس Kaleidoscope، التي تتوسط بأشكالها الهندسية مصباحين أرضيين فاخرين مشغولين من النحاس باللون الأبيض المصقول وممهورين بتوقيع جون لايل، مع الشكل الانسيابي المتعرج لأريكة سلوان من فلاديمير كاغان. أما البساط الذي جرى تعديله ليناسب مساحة الغرفة، فمن ابتكار جان كاث.

تتناسق لوحة الفنانة البرازيلية بياتريس ميلازيس Kaleidoscope، التي تتوسط بأشكالها
الهندسية مصباحين أرضيين فاخرين مشغولين من النحاس باللون الأبيض المصقول
وممهورين بتوقيع جون لايل، مع الشكل الانسيابي المتعرج لأريكة سلوان من فلاديمير
كاغان. أما البساط الذي جرى تعديله ليناسب مساحة الغرفة، فمن ابتكار جان كاث.

 

تدرَّج فاردن في الشركة العريقة التي يديرها المصمم جايمي درايك، وعمل أيضًا لدى مرشده ومعلمه بنجامين نورييغا-أورتيز. أظهر فاردن حماسًا بالغًا عندما اختير لتولي مشروع تصميم الشقة، لا سيما أنه كان دومًا ينظر بعين التقدير إلى الطابع المهيب الذي يغلب على مبنى آبثورب في حي آبر ويست سايد، وما يتفرد به من فناءات، وقناطر تذكّر بالطابع العمراني الكلاسيكي المحدث الذي أطلقه أندريا بالاديو، فضلاً عن النقوش والأرضيات المزدانة بالفسيفساء. فويليام أستور أنفق بسخاء وبغير قيود على هذه التفاصيل الباذخة.

 

استعان الثنائي أيضًا بخدمات المهندسين المعماريين فيرناندو بابالي وإنغريد بيركهوفر من شركة بي بي أركيتيكتس، لدمج الشقتين الفسيحتين في ملاذ تتوزع فسحاته بغير تكلف على مساحة مقدارها 5٫700 قدم مربعة. ولما كان بابالي وبيركهوفر قد عملا من قبل على 57 وحدة سكنية أخرى في مبنى آبثورب، كانا يألفان مختلف التحديات التي قد تواجههما في سياق عملية الترميم. يصف بابالي التحسينات التي يقتضيها مشروع الترميم قائلاً إنها «نوع من العمل التصميمي الجراحي»، إذ إنها تستلزم العمل بحذر وتأن على استئصال كثير من المعالم الهندسية في الشقة أو إنقاذها.

 

تثري حجرة المكتب خزائن خشبية ابتكرها كريستوف بورني في تصميم مطلي بلون الرصاص الأبيض ومصقول بنقش الأوراق فضية اللون.

تثري حجرة المكتب خزائن خشبية ابتكرها كريستوف بورني في تصميم
مطلي بلون الرصاص الأبيض ومصقول بنقش الأوراق فضية اللون.

 

كان من الضروري الحفاظ على التفاصيل المعمارية الأكثر تميزًا، بدءًا من أرضية البهو المكسوة بالفسيفساء الحجرية الرائعة وإزار الحائط الحجري. أما الأرضيات ذات التصميم المتعاكس الذي تميزه أثلام ونقوش مربعة مقسَّمة إلى أرباع، فاستُعيض عنها بأخرى. كما أضفى بابالي وبيركهوفر بعض التحسينات على الأرضيات الخشبية، فأضافا بعض التفاصيل إلى جوانب عتبات الأبواب المتأرجحة المزدوجة التي تُفتح في الاتجاهين وتشتمل على منفذ جيبي صغير في أسفلها. دأب المهندسان المعماريان على تسمية هذه الأبواب «أبواب آبثورب». فضلاً عن ذلك، يشير بابالي إلى أن جدران غرفة الطعام جُرِّدت من كسوة خشب البلوط ثم جرى تبييضها وطلاؤها في سياق عملية متأنية استلزمت ست عشرة طبقة من الطلاء للحصول على اللون الرمادي القاعدي المنشود. عمد بابالي وبيركهوفر أيضًا إلى استبدال أجزاء من الألواح الخشبية الرخامية لتحاكي الكسوة الأصلية.

 

يروق للمصمم فاردن طلاء الأسقف بالألوان شديدة اللمعان، وحتى الفضية منها. في هذا يقول: «إن اللون الفضي جذاب ولافت». ويوضح بابالي من جهته أن مالكي الشقة رحّبا في بعض المواضع «باعتماد مزيد من الجرأة في التصميم»، مشيرًا في ذلك إلى مدلاة إنارة صغيرة استُحدثت في سقف البهو وتزيَّنت بالزخارف التي تذكّر بمطرزات الدانتيل.

 

يضفي كرسيان كلاسيكيان من طراز لويس السادس عشر، يتناسقان مع نضد عصرية من ابتكار ويندل كاسل، مسحة ثراء فني تعززها ثريا مصممة حسب الطلب من مجموعة بارونتشيلي ساتورنو.

يضفي كرسيان كلاسيكيان من طراز لويس السادس عشر، يتناسقان مع نضد عصرية من
ابتكار ويندل كاسل، مسحة ثراء فني تعززها ثريا مصممة حسب الطلب من مجموعة بارونتشيلي ساتورنو.

 

في بيئة كان يُفترض أن تزخر بنفائس الأعمال الفنية، لم يُترك أي تفصيل للمصادفة. يقول بابالي: «صنعنا نماذج اختبارية من الخشب المعاكس لنختبر الأوزان، كما قمنا باختبار طبيعة الإنارة بما يضمن إسقاطها في الاتجاه الصحيح على الأعمال الفنية». اعتُمد اللون الأبيض American White من مجموعة بنجامين موور لطلاء الجدران تلبية لرغبة الزوجة التي كانت ترى أنه يشكّل الخيار الأمثل لتسليط الضوء على القطع الفنية. في هذا تقول: «إنني أهوى الألوان الهادئة. أعشق السماء، والبحر، والشاطئ». التزم فاردن بخياراتها من طيف التدرجات اللونية الزرقاء. يذكر أن هذا المصمم، الذي يثمِّن التناغم اللوني، غالبًا ما يعتمد في الطلاء التدرجات المختلفة للون الواحد. يوضح فاردن أن التدرجات اللونية «تضفي على المساحة روحًا توحي بالسكينة وتعكس طابعًا انسيابيًا عبر الأرجاء». استلهم فاردن، إذ ذاك، تدرجات الأزرق والأرجواني ونسّقهما في ظلال متفاوتة تتيح الانتقال بالمساحات من حالة مزاجية إلى أخرى. تشهد على ذلك في حجرة المكتب الرفوف التي تتزين بلون أرجواني مائل إلى الزرقة لتكمّل الخزائن الخشبية التي ابتكرها الحرفي كريستوف بورني في تصميم مطلي بلون الرصاص الأبيض ومصقول بنقش الأوراق فضية اللون، وأيضًا في حجرة النوم الرئيسة كسوة الجدار التي صُنعت بحسب الطلب في محترف ماركس آند تافانو من قماش ساتاني أزرق.

 

تشكل الجدارية الضخمة في خلفية السرير، المكسوة بقماش ساتاني يتزين بالنقش الألماسي، والمبتكرة في محترف ماركس آند تافانو، معلما يتعارض بأناقة ووضوح مع اللوحة الآسرة التي رسمها روبرت لونغو بالفحم. أما مصباحا الإضاءة المطعمان بحجرين من الجمشت الأرجواني، فصممهما رون دييه من شركة زيمر آند روود، فيما صممت المدلاة المصنوعة من الكريستال النمساوي نزولاً عند طلب المالكة واستلهمت تراكيب الإنارة في دار أوبرا ميتروبوليتان في مركز لينكون.

تشكل الجدارية الضخمة في خلفية السرير، المكسوة بقماش ساتاني يتزين بالنقش الألماسي، والمبتكرة في محترف ماركس آند تافانو، معلما يتعارض بأناقة ووضوح
مع اللوحة الآسرة التي رسمها روبرت لونغو بالفحم. أما مصباحا الإضاءة المطعمان بحجرين من الجمشت الأرجواني، فصممهما رون دييه من شركة زيمر آند روود،
فيما صممت المدلاة المصنوعة من الكريستال النمساوي نزولاً عند طلب المالكة واستلهمت تراكيب الإنارة في دار أوبرا ميتروبوليتان في مركز لينكون.

 

في غرفة المعيشة التي تزهو بنوافذ كلاسيكية مقنطرة، حرص فاردن على استحضار روح المبدعين الشهيرين في مجال التصاميم المعاصرة ويندل كاسل وفلاديمير كاغان، فيما أبرز بصمة ويليام هاينز باختياره لهذه الفسحة أريكة مصنوعة حسب الطلب من مزيج المخمل والموهير والحرير. يقول فاردن: «إن مالكي الشقة ثنائي عصري، لذا أردت أن تكون هذه الفسحة أقرب إلى الحداثة فيما توحي في الوقت نفسه بالطابع الكلاسيكي».

 

أردنا أن نستكشف طبيعة المبنى لنجيء بتصميم هندسي يكرسها. يروق لنا أن نطلق على مقاربتنا تسمية الحماية المعاصرة

- فيرناندو بابالي، مهندس معماري

 

بعيدًا عن فسحات العيش المزدانة بجدران بيضاء اللون، يعكس الطابع اللوني السائد في غرفة العائلة حالة مزاجية مختلفة بفعل التناغم بين السقف ذي اللون الأزرق الداكن، والجدران التي طليت باللون الأزرق الزاهي Bermuda لتحاكي مظهر الجلد المقلوب. يقول فاردن: «عندما أبتكر أي تصميم، أضع في الحسبان حالة الوعي الوجداني والروحي. وفي تصميم هذه الغرفة، تمكّنت بفعل ما تزهو به من تدرجات اللون الأزرق الداكنة والجذابة من استحداث فضاء يعزز الإحساس بالحميمية وكأنه يحتضن زائريه. أي أنهم وفيما يشاهدون برامج التلفاز أو الأفلام، يشعرون بأن المكان يحتويهم ويرعاهم. ببساطة، يستطيع المرء أن يبدّل حيوية المكان عند استخدام أدواته اللونية». يتزيّن أحد الجدران في هذه الغرفة بلوحة أصلية مذيّلة بتوقيع آندي وارهول تحمل اسم Battery Operated Robot «رجل آلي يعمل بالبطارية».

 

تشكل مقاعد فيرنر بانتون السوداء مآثر نحتية بالغة التميز، وتجاورها لوحة لآتي مائير تتوقد حيوية، وثريا بيردي الشهيرة التي ابتكرها إنغو مورير.

تشكل مقاعد فيرنر بانتون السوداء مآثر نحتية بالغة التميز، وتجاورها لوحة لآتي
مائير تتوقد حيوية، وثريا بيردي الشهيرة التي ابتكرها إنغو مورير.

ضخّ المهندسان المعماريان من شركة بي بي آركيتيكتس زخمًا حيويًا في الطابع الكلاسيكي الذي يغلب على الخزائن الخشبية في المطبخ، بينما ابتكر فاردن للأرضية فسيفساء مستطيلة الشكل تمتد على مساحة كبيرة، وطعّم بعض الأسطح بنقوش معرّقة تضفي بعدًا دراميًا. كما أنه عمد إلى تلطيف اللون الأبيض الزاهي باعتماد مقاعد سوداء لامعة من مجموعة فيرنر بانتون وأريكة منجّدة تزهو بلون الياقوت الأحمر. على الرغم من أن تلاعب المصمم بالأضداد كان جليًا في مختلف أرجاء المنزل، إلا أنه بدا أكثر جاذبية على وجه الخصوص في غرفة النوم الرئيسة حيث تدرجات اللون الليلكي، والمنضدتان اللامعتان المصممتان حسب الطلب في محيط السرير، تكمّل معالم الفخامة المعاصرة فيما تتشارك المساحة مع اللوحة التي جسّد فيها روبرت لونغو بالفحم صورة بالأبيض والأسود لامرأة ملثمة. تعكس هذه الغرفة الترجمة المثلى لهذا التلاحم بين الفن وأسلوب العيش، فيبدو لا معنى لأحدهما دون الآخر، وأن كليهما يشكّلان معًا صهوة لأحلام خيالية ملؤها البهجة.

 


Darrin Varden Design
www.darrinvardendesign.com
 
BP Architecture
www.bparchitecture.com