لا يشبه ماتيه ريماك غيره من روّاد الأعمال. فهذا الشاب، الذي لمّا يبلغ الرابعة والثلاثين من العمر بعد، بنى شركة لتقنية النقل الكهربائي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وأطلق مركبة خارقة كهربائية حققت رقمًا قياسيًا عالميًا للتسارع، وتسلّم مؤخرًا مقاليد إدارة علامة بوغاتي العريقة. فماذا بعد؟
كان ماتيه ريماك يجلس إلى طاولة مواجهًا آلة التصوير، وإلى يمينه أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لبورشه، فيما جلس مديرها المالي لوتز ميتشكي إلى يساره. كانوا على وشك استضافة اجتماع عبر الفيديو للإعلان عن صفقة لدمج بوغاتي - العلامة التي تتولى مسؤوليتها بورشه ضمن مجموعة فولسفاغن العريضة - في الشركة الناشئة لتصنيع السيارات الخارقة التي أطلقها ريماك تحت اسمه.
انضم عدد ضئيل من الصحافيين في مجال الإعلام المتخصص في عالم الأعمال، منهم صحافيون من فاينانشل تايمز وبلومبرغ، إلى الاتصال الذي شاركت فيه مجلة Robb Report.
كان كل من بلوم وميتشكي يرتدي بذلة رسمية بلون رصين، على ما هو متوقع من كبار المديرين التنفيذيين الألمان عند الكشف عن إعلان ضخم للصحافة العالمية، وكانا يجلسان في وضع مستقيم يوحي بالرصانة.
لكن فيما جلس ريماك، البالغ من العمر 34 عامًا، في كرسيه مسترخيًا، كان بمقدورنا أن نرى أسفل الطاولة حذاءه الرياضي وساقيه المكشوفتين. كان الشاب العبقري في عالم السيارات الخارقة على وشك تسلم زمام الأمور في واحدة من أشهر العلامات الأسطورية في هذا العالم، وقد اختار لهذه المناسبة أن يرتدي سروالاً قصيرًا.
لا شك في أن ريماك لم يكن يقصد ازدراء الحدث، لكن إطلالته غير الرسمية قدمت مختصرًا بصريًا مفيدًا عن عملية نقل نفوذ غير تقليدية حتى بحسب المعايير المضطربة لقطاع السيارات متفوقة الأداء.
فقيادة الدفة في علامة تُعد الأعلى تميزًا في العالم – وهي التي تأسست قبل 112 عامًا على يد واحد من أعظم مصممي السيارات، وإليه يُعزى الفضل في ابتكار عدد من أجمل السيارات التي انطلقت على الطريق وأشدها قوة – كانت تنتقل من أضخم شركة مصنّعة للمركبات في أوروبا إلى شركة ناشئة أبصرت النور في بلد صغير جدًا قبل 12 عامًا على يد شخص لم يكن قد تجاوز سنوات مراهقته إلا مؤخرًا.
أعقب المؤتمر الصحافي عن بعد حفل مسائي مهيب نُقل بتقنية البث الحي من قلعة لوفريجناك الرائعة التي تعود إلى القرن الرابع عشر وتشرف من علو على بلدة دوبروفنيك العتيقة الساحرة والمياه الفيروزية للبحر الأدرياتيكي في كرواتيا. قفز ريماك (يُلفظ اسمه في الأصل ماتيه ريماتز) إلى المنصة إقرارًا منه بدلالة الحدث والمسؤولية التي سيتولاها. كان يرتدي هذه المرة بدلة متقنة الحياكة، لكنه أبقى على حذائه الرياضي.
قفزة عملاقة
صحيح أن ريماك لا يزال في عمر الشباب، لكن نظراءه في قطاع السيارات أقروا بأنه واحد من ألمع صنّاع السيارات الحديثة متفوقة الأداء، وبأنه خلف لإيتوري بوغاتي، شأنه في ذلك شأن هوراشيو باغاني، وكريستيان فون كونيغسيغ، وغوردن موراي.
يُعد نادي المهندسين الذين ابتكروا من لا شيء السيارات والشركات التي تحمل أسماءهم حصريًا، حتى أن ريماك لم ينضم إليه رسميًا إلا عند الإعلان عن صفقة بوغاتي في مطلع شهر يوليو تموز الفائت.
اختبر محررو مجلة Robb Report وعدد من الوسائل الإعلامية الأخرى في شهر يونيو حزيران المنصرم طراز ريماك نيفيرا Rimac Nevera الذي يجسّد أول سيارة خارقة كهربائية من الشركة مخصصة للإنتاج على نطاق واسع، وقد بدأت عملية تسليم النماذج من هذا الطراز إلى الزبائن مؤخرًا.
لكن ريماك قد كرّس حضوره لاعبًا على الساحة من قبل. ففيما كان يعمل على تطوير سيارته الخارقة، بنى شركة تُقدر قيمتها بمليارات من الدولارات وتنشط في توفير تقنية أنظمة الدفع الكهربائي عالية الأداء على الأقل إلى 15 شركة كبرى مصنعة للسيارات، منها فيراري، وأستون مارتن، ومرسيدس، ونظيره في عالم تصميم السيارات كريستيان فون كونيغسيغ.
Martin Klimek
أما بورشه وهيونداي، فلا تندرجان ضمن قائمة زبائنه فحسب، بل تشكلان أيضًا مستثمرين بحصص ملكية كبيرة في شركته. كما أن علامة بينينفارينا استحسنت طراز نيفيرا إلى حد أنها باتت تستخدم السيارة من حيث كونها قاعدة لمركبتها الجديدة باتيستا Battista القادرة على إنتاج قوة تساوي 1,877 حصانًا. عرفت شركة ريماك نموًا سريعًا للغاية إلى حد أنه لم يجد الوقت لطرح سيارته الخارقة في السوق إلا مؤخرًا.
قد يبدو مشروع دمج بوغاتي وريماك غريبًا للوهلة الأولى، لكن أحدًا لا يستطيع دحض المنطق الذي يقف وراء هذه الصفقة. فإطلاق جيل جديد من مركبات بوغاتي الكهربائية يقتضي توافر مستوى أداء فائق، وفولسفاغن ما عادت تنوي تمويله. قد يضاهي معدل الإنفاق في شركات السيارات الكبرى ما هو عليه في المؤسسة العسكرية الأمريكية.
ويُقدر المحللون أن يكون حجم استثمارات فولسفاغن في بوغاتي قد بلغ على الأقل 2.4 مليار دولار منذ تسلمها زمام العلامة في عام 1998، فيما بلغت خسارتها نحو خمسة ملايين دولار عن كل صفقة بيع لنموذج من طراز فيرون. كما أنفقت فولسفاغن حوالي 420 مليون دولار لابتكار طراز شيرون خلفًا لسيارة فيرون. وقد أشارت مصادر مطلعة على الصفقة إلى أن فولسفاغن كانت تتوقع إنفاق المبلغ نفسه لتحويل هذه المنصة القديمة التي بُنيت قبل 16 عامًا إلى الطاقة الكهربائية.
يُقال إن ريماك عرض تطوير خلف جديد بالكامل لطراز شيرون مقابل 240 مليون دولار تقريبًا. لكن بدلاً من دفع هذا المبلغ، اقترحت فولسفاغن إتمام صفقة الدمج. لم تُدفع على ما يبدو أي نقود من جهة إلى أخرى في هذه الصفقة.
بدلاً من ذلك، سترجع ملكية شركة بوغاتي – ريماك الجديدة بنسبة 55% إلى مجموعة ريماك، وبنسبة 45% إلى بورشه بوصفها ممثلاً عن فولسفاغن في الصفقة. وفي الوقت الحالي، سيتواصل تصميم مركبات العلامتين وبناؤها على نحو مستقل: بوغاتي في مولشايم فرنسا، وريماك، ابتداء من عام 2023، في مقرها الرئيس الجديد بالقرب من زغرب.
في ما يخص ريماك، فإن مساهمته في المشروع المشترك ستقتصر على شركة تصنيع السيارات الخارقة. أما عملياته المتنامية سريعًا لتوفير مجموعات الحركة الكهربائية عالية الأداء وغيرها من التجهيزات لصنّاع السيارات العالميين، فتبقى ضمن شركة مستقلة هي ريماك تكنولوجي Rimac Technology المملوكة حصريًا من قبل مجموعة ريماك.
لن يصنّع ريماك سوى 150 نموذجًا من طراز نيفيرا، فيما تنتج بوغاتي حاليًا أقل من 100 سيارة في السنة الواحدة. حتى عندما تنطلق العجلة الإنتاجية لمشروع بوغاتي – ريماك بكامل زخمها، لن يشكل هذا المشروع سوى 15% إلى 20% من مجمل أعمال مجموعة ريماك. أما النسبة المتبقية، فتحققها شركة ريماك تكنولوجي التي تتجه إلى تحقيق نمو سريع. فالشركة وقعت عقودًا لتزويد كبار صنّاع السيارات بالمكوّنات ومجموعات الحركة الكاملة المطلوبة لبناء نسخ عالية الأداء من سياراتهم الكهربائية بالكامل.
وإذا ما أخذنا في الحسبان أن عدد هذه الإصدارات سيصل إلى 100 ألف سيارة في العام، فإن هذه العقود تشكل قفزة عملاقة في حجم أعمال ريماك. قد لا تكون سيارتك المقبلة من طراز نيفيرا، لكنها قد تكون مجهزة بتقنية ريماك.
جدول أعمال مزدحم
يبقى ريماك المساهم الأكبر في مجموعة ريماك حيث تساوي حصته 37% من الأسهم. ويُقال إن جولة التمويل الأخيرة قدرت قيمة المجموعة بنحو خمسة مليارات من الدولارات، ما يعني أن القيمة الصافية لحصته تبلغ نحو ملياري دولار.
بالإضافة إلى حصة بورشه إيه جي (Porsche AG) في بوغاتي – ريماك، والتي تساوي 45% من الأسهم، تمتلك بورشه من خلال ذراعها لرؤوس الأموال الاستثمارية 20% من مجموعة ريماك، ما يعني أنها تمتلك وإن على نحو غير مباشر حصة الأغلبية في بوغاتي – ريماك.
لكن بورشه أوضحت ألا جمع بين حقوق التصويت، وأنها لا تحظى بسيطرة واقعية أو قانونية على الشركة الجديدة. بل إنها تقول إن وجود ريماك في منصب الرئيس التنفيذي للشركات الثلاث كلها يندرج ضمن الأسباب التي جعلتها ترغب في إتمام الصفقة.
يقول بلوم: "بوصفنا مساهمين، نريد أن يتولى رائد أعمال حقيقي منصب الرئيس التنفيذي. إن استراتيجيتنا واضحة فيما يتعلق بتسليم السيطرة على العمليات إلى ماتيه".
لكن ما قد يثير الدهشة هو ما تعنيه الصفقة: بالرغم من التاريخ العريق، واستثمار بالمليارات من قبل فولسغاغن في ملكيتها لبوغاتي طيلة 23 عامًا، ومئات السيارات من طرازي فيرون وشيرون، إلا أن قيمة بوغاتي قُدرت بأقل من قيمة عمليات إنتاج طراز نيفيرا من قبل ريماك التي شرعت الآن فحسب بتسليم السيارات إلى الزبائن. والسبب في ذلك بسيط: تكاد بوغاتي تكون عديمة القيمة من دون مجموعة الحركة الكهربائية متفوقة الأداء التي ستحتاج إليها في عصر النقل الكهربائي.
لا ترغب فولسفاغن في تقديم الاستثمار الضروري لتطوير مجموعة الحركة الكهربائية المطلوبة، فيما تمتلك ريماك أصلاً مثل هذه المجموعة، ومن دونها كانت فولسفاغن تفكّر جديًا في إحالة علامة بوغاتي إلى التقاعد.
كانت الشهور الأخيرة حافلة فوق العادة لماتيه ريماك، حتى بحسب المعايير المدمجة لرواد الأعمال الشباب الذين يعيدون ابتكار العالم الحديث. فقد طرح بداية طراز نيفيرا في شهر يونيو حزيران، ثم جاء الإعلان عن صفقة دمج بوغاتي في مطلع شهر تموز يوليو وأعقبه في الشهر نفسه زواج ريماك. انطلق بعد ذلك في جولة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، بدءًا من لوس أنجليس وبيبل بيتش في شهر أغسطس آب، ليس بهدف لقاء زبائن نيفيرا، التي يبلغ سعر نموذج منها 2.4 مليون دولار فحسب، ولكن للقاء زبائن بوغاتي الأوفياء أيضًا، وربما المتخوفين من تحول العلامة إلى نظام دفع كهربائي ومن تولي رئيس جديد وشاب زمام إدارتها. توجّه ريماك بعد ذلك إلى زغرب لإتمام مراسيم انتقال السلطة إليه من الرئيس التنفيذي الحالي لبوغاتي، ستيفان وينكلمان الذي يرأس أيضًا لامبورغيني. أما خطوته التالية، فتتمثل باستكمال مسار ابتكار خلف لطراز شيرون.
فيما يحدثني من نيويورك، يقول: "هذا العام، بدأت الأمور كلها تتبلور، على ما كنت تقول. لكنه عام جنوني لي". كنت قد تحدثت إلى ريماك مرات عدة خلال الأشهر القليلة الماضية والحافلة بالنشاطات. أمضيت بداية بضعة أيام برفقته في جزيرة باغ الكرواتية الجميلة التي أطلق منها طراز نيفيرا، ثم لاحقًا خلال الاتصال عن بعد.
كان يبدو متعبًا في أعقاب جدول أسفاره المزدحم. لكنه بطبيعته سخي في تشارك وقته مع الغير، وصريح للغاية في الأسئلة التي يطرحها وفي الإجابات التي يقدمها، كما أنه عمومًا يتصف بشخصية جذابة يمكن التواصل معها وتعكس طابعه المرح والإنساني. ربما هي صفات غير مألوفة لدى رائد أعمال في مجال التقنية.
Martin Klimek
تمايز في الصنعة
يُعد ريماك رجلاً عصاميًا جنى بنفسه كل سنت في صافي ثروته التي تساوي ملياري دولار. وُلد في البوسنة في عائلة كراوتية من عائلات عمّال البناء المهاجرين الذين اختبروا النزوح الجماعي الذي سرّع وتيرته النزاع المحموم في ظل تفكك يوغوسلافيا.
انتقل ريماك إلى ألمانيا عندما كان في الثانية من العمر، ثم في أولى سني المراهقة إلى كرواتيا المستقلة حيث كان محط سخرية بسبب لكنته البوسنية الريفية. لكن سرعان ما تنبه أحد أساتذته إلى موهبته في مجال الهندسة الإلكترونية وشجعه على تطويرها، فما كاد يبلغ الثامنة عشرة من العمر حتى كان قد سجّل براءتي اختراع ونال جائزة وطنية لابتكاره نموذجًا أوليًا من نظام تقني يمكن ارتداؤه: كان "قفازًا" يتعرف إيماءات اليد ويصلح بديلاً عن فأرة الحاسوب. لا يزال القفاز معروضًا في إحدى الخزائن في مقر ريماك الرئيس.
كان ريماك مولعًا بالسيارات قدر شغفه بالأجهزة التقنية، وابتاع سيارة محطمة من طراز BMW 3 Series شكلت آنذاك الوسيلة الأقل كلفة للحصول على مركبة ذات دفع خلفي يمكنه التسابق على متنها.
كان صديقه غوران السبب، عن غير قصد، في نشأة شركة تقدر قيمتها اليوم بمليارات الدولارات. فعندما تسبب غوران بانفجار محرك سيارة بي إم دبليو، حث مالكها البالغ من العمر 20 عامًا على الجمع بين هوايتيه، واستبدال محرك الوقود بمحرك كهربائي.
كان أداء هذا المحرك جيدًا ولكن ليس إلى حد يرضي ريماك الذي أعاد تفكيكه والعمل عليه مطلقًا مسارًا ثابتًا لتحسينه على نحو متكرر طيلة 13 عامًا. يقر ريماك بأن هذا المسار كاد أن يفقده وطاقم عمله صوابهم، لكنه أثمر الآن عن امتلاكه أفضل تقنية في العالم لأنظمة الدفع الكهربائية عالية الأداء، والحصة الكبرى من بوغاتي.
سألته أن يحدد السمات التي تجعل ريماك تتمايز عن غيرها. ما الذي دفع بالعديد من شركات صناعة السيارات المرموقة إلى زيارة كرواتيا بحثًا عن وسيلة لبناء مركبة كهربائية سريعة في وقت قصير؟
يقول ريماك: "تأمل في سيارة نيفيرا. فكل مكوّن فيها تقريبًا جرى تطويره داخل الشركة. هنا يكمن سر تمايزنا. لا شركة سيارات أخرى طوّرت بنفسها أجزاء كثيرة في مركباتها. أما الميزة الأخرى، فهي التنفيذ. تعمل شركات ناشئة عدة على بناء سياراتها الخاصة، والعديد منها أبصر النور قبل شركتنا. كما أنها كلها تمتلك تمويلاً أضخم مقارنة بنا. لكننا الشركة الأولى بعد تيسلا التي أنجزت السيارة وبدأت في إنتاجها. فالتنفيذ هو لب الموضوع".
يستطرد ريماك قائلاً: "كما أننا نقوم بذلك مقابل جزء بسيط من الكلفة التي تنطوي عليها سيارات الشركات الأخرى. والسبب في ذلك لا يُعزى إلى كون الرواتب أدنى في كرواتيا، ولكن إلى كوننا نعتمد أسلوبًا مختلفًا جدًا عن ذاك الذي يستخدمه الصنّاع الآخرون. يشكل الأداء سببًا آخر لتمايزنا بالطبع. فلا شركة تقترب حتى من منافستنا على مستوى الأداء".
إن تفوق الأداء الذي تعد به ريماك بات حقيقة مثبتة. في شهر أغسطس آب الفائت، جرى اختبار سيارة من طراز نيفيرا بصورة مستقلة على حلبة فاموزو ذات المسار المستقيم في كاليفورنيا.
كانت مركبة بوغاتي شيرون سبورت تحمل الرقم القياسي العالمي السابق لأعلى تسارع تحققه سيارة مخصصة للإنتاج على نطاق واسع، بعد أن تجاوزت مسار الحلبة الممتد بطول ربع ميل في غضون 9.4 ثانية. لكن سيارة نيفيرا، القادرة على إنتاج قوة تساوي 1,914 حصانًا، نهبت الإسفلت في حلبة فاموزو في غضون 8.582 ثانية فيما انطلقت فوقه بسرعة 167 ميلاً/الساعة. لكن هذا الفرق البالغ 0.8 ثانية يشكل فترة طويلة جدًا في مثل هذه الحالات: لن تتمكن الآن محركات الاشتعال الداخلي من اللحاق بركب نيفيرا.
وبعد بضعة أيام، خسرت سيارة Tesla Model S Plaid أمام نيفيرا في ثلاثة سباقات. وبالرغم من أنها كسرت وقت مركبة شيرون، على ما وعدت تيسلا، مسجلة 9.272 ثانية على الحلبة، إلا أنها ظلت بعيدة جدًا عن الوقت الذي حققته نيفيرا.
سيارات المستقبل
لا شك في أن سعر مركبة نيفيرا الباهظ جدًا يضعها فوق فئة السيارات الأعلى تميزًا في السوق. صحيح أنها تُعد للمفاجأة مريحة وعملية بالرغم من أدائها المهيب، إلا أن الشركة لم تكن تنوي طرحها بوصفها منتجًا فاخرًا.
لكن الوضع مختلف في حالة بوغاتي، وهذا المهندس الشاب، غير المتعجرف والمؤمن بتكافؤ الفرص، بات اليوم يتحكم بواحدة من أعظم العلامات في قطاع المنتجات الفاخرة. لكن يبدو أن الألق الذي توحي به إدارة علامة مثل بوغاتي، وتوفير تجربة فاخرة للزبائن، ليسا ما يحفّزه. يبقى أن نسأل عما إذا كان يخطط لإعادة ابتكار قطاع السيارات الأشد فخامة على نحو شامل على غرار ما فعل في مجال الأداء الكهربائي.
يقول ريماك: "المسألة عندي ترتبط بالسيارات والنظام البيئي. لم تكن الفخامة هي محط اهتمامنا حقيقة في ما يتعلق بطراز نيفيرا. كان تركيزنا منصبًا على التقنية والأداء.
لكن عنصر الفخامة أكثر أهمية في حالة بوغاتي. لذا أعتقد أن التعايش بين العلامتين ممكن. على مر السنوات العشرين الأخيرة، لم تحقق أي مركبة الأداء الذي تتفرد به سيارات بوغاتي، وهذا ما كانت تتمايز به.
الأداء هو الأساس، يليه الحرفية، والجودة، والتفاصيل. أما اليوم، فقد بات الأداء سلعة شائعة. تتفوق سيارة سيدان بخمسة مقاعد، مثل سيارة Model S من تيسلا، بتسارعها على أي مركبة أخرى تقريبًا على الطريق. فما الذي سيتيح لك أن تتربع على العرش مستقبلاً؟ هل هو الأداء فحسب؟".
ويضيف ريماك قائلاً: "لا شك في أننا سنواصل إنتاج مركبات خارقة من بوغاتي. نعمل اليوم على خلف لطراز شيرون. لكن إذا ما نظرنا إلى سيارات بوغاتي في الماضي، فإننا سنجد أن أسطول العلامة لم يكن يضم مركبات رياضية فحسب.
ما الذي سيضمن لك موقع الصدارة عندما لا يعود الأداء عنصر الجذب الأول لإتمام صفقة البيع؟ هل سيكون أيضًا سيارة خارقة بمقعدين ومحركًا خلفيًا أم شيئًا آخر؟ ثمة فرصة مستقبلية أمام بوغاتي لإنتاج مركبات مثيرة جدًا للاهتمام ومختلفة كل الاختلاف عن الطرز الأخرى المتاحة في السوق، فيما تبقى ريماك شركة مصنّعة للسيارات الرياضية متفوقة الأداء. لكننا لمّا نكتشف ذلك بعد".
لم تُؤكد التفاصيل رسميًا بعد، ولكن من المتوقع أن يُطرح قبل عام 2030 طرازان جديدان بالكامل من بوغاتي تحمل هندستهما توقيع ريماك. سيتمثل الطراز الأول بسيارة خارقة هجينة من مقعدين وبقوة 2,000 حصان تُطرح تقريبًا عام 2025.
سينتج نصف هذه القوة عن محرك شيرون طراز W-16 المكوّن من ست عشرة أسطوانات سعة ثمانية لترات بعد تجريده من الشواحن التوربينية الأربعة، فيما ينتج النسبة المتبقية من القوة نظام الدفع الكهربائي من ريماك. يعقب ذلك، بحلول عام 2030، إطلاق مركبة كهربائية بالكامل. إذا ما أخذنا في الحسبان تلميحات ريماك، فقد يصح أن نتوقع مركبة كوبيه ضخمة بأربعة أبواب تتمايز عن سيارات ريماك المستقبلية وتستعيد تلك المسيرة التي تركتها سيارة Royale الشهيرة من بوغاتي، ولكن المنكوبة، معلقة في ثلاثينيات القرن الفائت.
سينخرط ريماك في كل تفصيل على مستوى تصميم الطرازين. صحيح أن قسم التصاميم في الشركة يرأسه أدريانو مودري، الكرواتي الأصل أيضًا، وأن خبرة ريماك ترتبط خصوصًا بمجموعات الحركة الكهربائية، إلا أنه يُعنى بكل تفصيل في تصميم مركبته. وفي هذا يقول: "كل تفصيل في أي سيارة مهم. أحدد شخصيًا أدق التفاصيل. لا تزال الشركة تعتمد عليّ إلى حد كبير في هذا المجال، لكني لا أعتقد أن هذه ميزة حسنة. بل إنها برأيي إخفاق شخصي".
من الجلي أن ما يستثير حماسة ريماك هو السيارات، وتصميمها وهندستها، والبيئة. وإذا ما أخذنا في الحسبان حجم الإنتاج الضئيل لمركباته، فإنه قد يشرع في توجيه اهتمامه إلى مشاريع جديدة تحقق منفعة بيئية أعلى.
يقول ريماك: "أهوى المركبات الخارقة، وأحب ما أقوم به. لكن الحقيقة هي أن عملي لا يخلف تأثيرًا مهمًا في المجتمع. لا شك في أن التحول إلى الطاقة الكهربائية يُعد خطوة مهمة، لكن هذه الخطوة المنفردة ليست كافية لإنقاذ العالم. أعتقد أن ثمة أساليب أكبر لتحقيق التحسين المنشود.
في عالم السيارات، يتحقق التأثير الأكبر من خلال النقل الجديد، ونريد أن نضطلع بدور مهم على هذا المستوى. لا يعني ذلك أننا سنتوقف عن القيام بما نفعله حاليًا، لكننا عكفنا خلال السنوات القليلة الأخيرة على تطوير سيارة أجرة آلية والنظام البيئي الكامل المحيط بها. لا أريد الإفصاح عن الكثير حول هذا المشروع. أفضّل إنجازه ثم استعراضه. لكنكم سترون النتيجة في وقت مبكر من العام المقبل".
Martin Klimek
مستقبل لا يخلو من المجازفة
قد ينتاب نظراء ريماك من مبتكري السيارات متفوقة الأداء السرور لرؤيته يوجّه طاقته وعبقريته نحو مشاريع للمشاة، بالرغم من أن المنافسة التقليدية عند هذا المستوى تكاد تكون معدومة: يمكن ببساطة لكثيرين من زبائنهم أن يبتاعوا كل طراز يروق لهم، فيما المرجح أن تتعاون العلامات بعضها مع بعض بقدر ما تتنافس.
يقول كريستيان فون كونيغسيغ، الذي يستخدم نظام بطاريات من ريماك لسيارة ريجيرا Regera: "كان من الرائع متابعة نهضة ريماك ودعمها. فهو ظل وفيًا لرسالته منذ صغره.
لا شك في أن الوثوق في شركة ناشئة مؤسسها شاب، من حيث كونها مزوّدًا، انطوى من جانبنا على مجازفة كبيرة. لستُ وماتيه مهندسين تقليديين. فكلانا لا يمتلك خلفية أكاديمية في مجال الهندسة، بل تمرسنا عليها في إطار التعلم الذاتي. بل إني أعتقد أن هذا قد يكون شرطًا مسبقًا لما نقوم به كوننا لسنا مقيّدين في طريقة تفكيرنا. وقد أثبتنا للاعبين الكبار، من خلال تعاوننا معًا، أننا على أعتاب حقبة جديدة".
يتابع كونيغسيغ قائلاً: "لطالما فاخرت بوغاتي بكونها جزءًا من مجموعة ضخمة. أما نحن في كونيغسيغ، فكنا نفتخر على الدوام بمقدرتنا على الثبات منفردين. والآن استحوذت على بوغاتي شركة مشابهة لنا وتعتمد فلسفتنا نفسها، ما يعني أن صناع السيارات الرياضية الخارقة باتوا أكثر استقلالية من ذي قبل، وهذا تحوّل هائل. من المثير أن نرى كيف يتغيّر العالم".
ربما يمضي العالم في الوجهة التي أرادها ريماك، لكن الأمر لا يخلو من مجازفة. فتلك العقود الضخمة، وصفقة دمج بوغاتي، تجعل التمويل سهلاً الآن، لكن ريماك يحتاج إلى توسيع نطاق عملياته سريعًا وتسليم عدد أكبر من مجموعات الحركة مقارنة بما كان عليه الوضع سابقًا، فضلاً عن إتقان مستويات الجودة الألمانية العالية منذ البداية.
يقر ريماك بنفسه أيضًا أنه يحتاج إلى أن يقلص مساحة اعتماد الشركة عليه شخصيًا والحفاظ على الحيوية والمرونة المميزة للشركات الناشئة بموازاة تحقيق نطاق شركة راشدة ناجحة. ولن تكون هذه المهمة سهلة على ما يشهد إيلون ماسك أيضًا.
يخبرني ريماك من نيويورك أنه كان يتابع مؤشرات الأسهم في تايمز سكوير ويفكّر مجددًا في فكرة الاكتتاب العام. لكنه لا يرغب في الإقدام على هذه الخطوة إلا بعد شحن سيارات نيفيرا إلى أصحابها، وتنفيذ تلك العقود الضخمة الجديدة، وبناء المقر الرئيس بالقرب من زغرب الذي ستبلغ كلفته 240 مليون دولار وسيحتضن 2,500 موظف بحلول عام 2023، فضلاً عن تحقيق عائدات بقيمة 600 مليون دولار تقريبًا، الأمر الذي سيتحقق على الأرجح قبل ذلك الموعد.
يتساءل ريماك عما إذا كان قد أخطأ في تأجيل مشروع الاكتتاب العام، فيقول: "هل تعلم أن هذه وظيفتي الأولى؟ لا أعلم كم عدد المشاريع التي أحسن القيام بها، وفي كم مشروع أخطئ.
أظن أني أنجح في بعضها وأفشل في البعض الآخر". بالنظر إلى القيمة الحالية لمجموعة ريماك التي تُقدر بستة مليارات دولار، والتي سترتفع أكثر في حال نجاح مشروع سيارات الأجرة الآلية، فإن المستثمرين في مجموعته وكبار صنّاع السيارات يرون أنه ناجح في مساعيه. ربما سيرتدي أيضًا سروالاً قصيرًا عندما تصبح أسهم شركته قيد التداول في بورصة ناسداك.