التحدي الأعظم في عالم الإبحار الشراعي يضع البحارة في مواجهة غضب المحيط بينما يتصدون منفردين لمصاعب رحلة تستغرق شهورا عدة.
عندما تقرأون هذه السطور، سيكون الفريق الفائز في سباق فاندي غلوب Vendée Globe قد تُوِّج. في الثامن من نوفمبر تشرين الثاني من العام الفائت، غادرت مجموعة من ثلاثة وثلاثين منافسًا، وهو رقم قياسي للمشاركة، بلدة لي سابل دولون في فرنسا لخوض سباق متفرد بخطورته والمشقات التي ينطوي عليها. كان على المتسابقين أن يبحروا منفردين حول الكرة الأرضية مسافة 21,638 ميلاً عبر المياه الأشد خطورة في العالم. إنه سباق قاس يستمر أشهرًا عدة ولا يُسمح فيه للمتسابقين بتلقي أي مساعدة. تتحطم قوارب عدة أو حتى تغرق، وتطرأ هذه الحوادث في غالب الأحيان على بعد مئات الأميال من أي جهة قد تلبي نداء النجدة. نستعرض في ما يأتي لمحة عن السباق الشهير بلقب "إيفرست البحار" والذي تستمر أحداثه الآن على الأرجح.
فك مفترس
يبيّن غرق القارب PRB الخاص بالمتسابق كيفن إسكوفييه السبب الذي يجعل من هذا السباق الحدث الأكثر مشقة في عالم الإبحار الشراعي. كان المتسابق الفرنسي ينظر فزعًا إلى قاربه الذي انشطر نصفين وغرق في غضون دقائق. في كل سباق، تتضرر قوارب على نحو يتعذر إصلاحها، مخلفة البحارة في غالب الأحيان عالقين وسط الامتداد الشاسع لأعالي المحيط. لكن إسكوفييه حظي بفرصة للنجاة. فقد أنقذه زميله في السباق جان لو كام عندما وجده في قارب النجاة ليلاً وسط أمواج بمعدل ارتفاع معتبر يساوي 20 قدمًا.
Pierre Bouras
عزم وثبات
بعد مرور أسبوعين على انطلاق السباق، تحطمت الزعنفة الجانبية في قارب LinkedOut الخاص بتوماس رويان. بالرغم من أن إصلاحها كان مستحيلاً، إلا أن المتسابق الفرنسي نجح في الحفاظ على موقع الصدارة فيما كان يواجه أمواجًا بمعدل ارتفاع معتبر يساوي 30 قدمًا عبر المحيط المتجمد الجنوبي. لكن هذه الروح التي لا تُقهر مألوفة في سباق فاندي غلوب. لقد تسبب الاصطدام بجسم تحت سطح الماء بخروج البحارة الإنكليزية سام دايفس من السباق، إلا أنها أكملت الرحلة بهدف جمع التبرعات لمؤسسة خيرية تُعنى بالأطفال.
Pierre Bouras
قوارب محلقة
شهدت ساحة السباق في هذا العام مشاركة ثلاثة أجيال من القوارب من طراز IMOCA 60. في هذا الطراز، يبلغ أقصى طول للهيكل 60 قدمًا، بينما لا يزيد ارتفاع الغاطس على 15 قدمًا. (كما يمكن تعديل ارتفاع الصاري، والأشرعة، والعارضة ضمن الحدود المتاحة، لتعزيز الثبات والسرعة إلى أقصى حد ممكن). تتميز هذه القوارب بقدرتها على الإبحار طيلة شهور عدة عبر الأمواج العاتية. أما النماذج الأحدث من هذا الطراز، على غرار قارب لوكسيتان L’Occitane، فتزهو بزعانف ثورية ترتفع بالقارب فوق صفحة الماء.
Didac Costa
أنظمة مساعدة
جُهزت اليخوت الأكثر تطورًا على المستوى التقني التي تشارك في السباق بخدمة النظام العالمي لتحديد المواقع، ومسبار صوتي، ورادار، ونظام للاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. أما جديد التجهيزات التقنية لهذا العام، فتمثل بأجهزة استشعار من الألياف البصرية لقياس حمولة الرياح ومقدار الضغط على الهيكل. يشتمل بعض القوارب على 350 وحدة من هذا الطراز تتوزّع من الدفة إلى أعلى الصاري، الأمر الذي يجعل أنظمة الملاحة الآلية أقدر على الاستجابة التلقائية في الأحوال المناخية الصعبة في البحر، ما يتيح للربان الانصراف إلى طي الأشرعة والزعانف.
Vendee Globe
حبس انفرادي
لا ينام الربابنة سوى بضع ساعات كل يوم، ويقتاتون في الغالب على وجبات مجففة بالتجميد فيما يدفعون قدر المستطاع بحدود سرعتهم وقدرتهم على التحمل. يختبر البحارة حياة معزولة ومضنية لكنها تفتنهم على ما يبدو. قال أليكس تومسون الذي تقاعد بعد مشاركته خمس مرات في هذا السباق: "إنه سباق شاق للغاية، والأمور تتغير فيه بسرعة. لكن هذا سر جماله، وهذا ما جعلني أكرس له جزءًا كبيرًا من حياتي."
Vendee Globe
تجربة آسرة
يجوب المتسابقون الخلجان العظيمة الثلاثة - بدءًا من رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، قبل التوجه شرقًا إلى خليج كيف ليوين في أستراليا وعبر المحيط الهادئ إلى رأس كيب هورن في تشيلي – ثم يلتفون للعودة إلى فرنسا. كان عدد القوارب التي نجحت في إنهاء السباق على مدى تاريخه الممتد عبر 32 سنة لا يزيد على مئة قارب. قال المشارك قديمًا في السباق جان – بيار ديك: "إنها تجربة يعز نظيرها، وفيها يواجه البحّار الصعاب كافة بمفرده. إن لهذه التجربة طابعًا نقيًا وفاتنًا."