العلامة الشهيرة برقي مركباتها تخرج عن حدود المعايير النمطية المتوقعة
إذ تكشف عن سيارة كوبيه رياضية شرسة الأداء.
عبر هضاب جنوبي البرتغال حيث الطقس جاف ومشمس في العادة، كان طيف ضباب يتمدد متماوجًا من حول أشجار الغابة والمطر ينهمر غزيرًا من كبد السماء ليُغرق الطريق بمياه تلتمع كصفحة أنهار صغيرة. آنذاك، انبعث وسط هزيم المطر صوت عميق لهدير محرّك سرعان ما تحوَّل إلى زعيق جهوري لحظة اندفعت سيارة سوداء من طراز أستون مارتن عبر أحد المنعطفات مثيرة عند جانبيها دوامة من الهواء ومياه الأمطار. فجأة اختفت السيارة عن مرأى النظر. كانت تلك مركبة الكوبيه الرياضية من طراز فانتاج لعام 2019 الذي أبدعته العلامة البريطانية أستون مارتن. كانت السيارة التي سأختبرها من هذا الطراز عند جانب الطريق حيث انشغلت بالتقاط صور لزخات المطر التي راحت ترتد عن هيكلها الرشيق المصنوع من الألمنيوم. وإذ قفزت داخل المقصورة، وأطلقت العنان لمحرك من شركة إيه أم جي من نوع V-8 مكون من ثماني أسطوانات ومعزز بشاحن توربيني مزدوج لإنتاج قوة مقدارها 503 أحصنة وعزم دوران يقارب 684.68 نيوتن متر، شرعت في مطاردة المركبة السوداء.
تشكّل سيارة فانتاج الجديدة ذات الأداء المحموم ابتكارًا غير متوقع إلى حد ما، شأنها في ذلك شأن عاصفة مطرية تهب فجأة على أقاصي جنوبي البرتغال، تلك المنطقة المعروفة باسم ألغارف. ففي العادة، يستحضر اسم أستون مارتن في الأذهان صور مركبات مهيبة وأنيقة من طراز جي تي، على غرار سيارة DB11 الجديدة. لكن سيارة فانتاج مختلفة تمامًا. فهي سيارة رياضية عتيقة الطراز بمقعدين تتميز بهيكل أقصر من هيكل مركبة بورشه من نوع 911، وخطوط هندسية توحي بالقوة، فضلاً عن مجموعة قيادة بالغة الفاعلية ونظام تعليق ميزته المرونة والرشاقة، ما يجعلها أشبه بحيوان من فصيلة شيطان تسمانيا يجوب الطرقات الخلفية المقفرة. تُجسّد هذه المركبة ترجمة محدثة وشاملة لطراز فانتاج الذي لم يشهد عمليًا أي تغييرات تُذكر على مدى 12 عامًا، فبات في أمسّ الحاجة إلى انبعاث جديد.
يتجلى تميز مركبات طراز فانتاج لعام 2019 عن سيارات أستون مارتن الأخرى الأشد رقيًا عند التأمل في الخيارات اللونية المعتمدة هذه المرة وحسب. ففي النماذج الجديدة التي ستُسلم إلى الزبائن بدءًا من صيف هذا العام بسعر ابتدائي مقداره 150 ألف دولار، تشمل الألوان المتاحة أخضر الليمون الفلوري الصارخ. لكن بغض النظر عن اللون، لا يمكن لأي امرئ أن يخطئ هوية مركبة من طراز فانتاج لعام 2019 ويحسبها سيارة DB11. وفي هذا يقول ماريك رايخمان، نائب الرئيس والمدير الإبداعي لدى أستون مارتن: «إن فانتاج تمثّل الصيّاد المفترس في القطيع. إنها الأكثر شراسة في أسطولنا».
يلفت رايخمان إلى أن المرء كان ليخلط من قبل بين طرز أستون مارتن المختلفة. لكن تلك الأيام قد ولّت إلى غير رجعة. وإذ يوضح قائلاً: «سيكون من السهل تمييز كل طراز عند النظر إلى تفاصيله وحسب»، يذكر سمة خاصة تتفرد بها مركبات فانتاج الجديدة. فعوضًا عن الشبك الأمامي المميز لأسطول العلامة، تتسم سيارة الكوبيه بما يشبه الفك الذي يقع في مركز الناشر الأمامي ذي المظهر الشرس، والذي يعمل على توجه هواء تبريد المحرك. يقول رايخمان: «ما الداعي إلى فرض وزن إضافي على مقدمة السيارة؟ فكل ما فيها اعتُمد لغرض وظيفي، وغايتنا كانت خفض الوزن. لذا جرّدناها من جميع الزوائد».
من الواضح حتى الآن أن عملية تطوير طراز فانتاج انطلقت من أهداف هندسية، فيما اتضحت معالم الشكل في مرحلة لاحقة. يقول رايخمان: «يمكن لتفاصيل الحلول الهندسية المعتمدة أن تكون جميلة المظهر أيضًا. لقد انطلقنا من حوض قاعدي خفيف الوزن ثم بنينا الهيكل الجميل من حوله».
يذكر أن مطمح أستون مارتن إلى إضفاء طابع شرس على مركبات طراز فانتاج ينعكس في التفاصيل المعبّرة. فالسيارة لا تشتمل على أنماط قيادة مثل «القيادة المريحة» أو «القيادة العادية»، بل إن «القيادة الرياضية» هي المعيار القاعدي فيها. وانطلاقًا من هذا النمط، يمكن الانتقال إلى «القيادة الرياضية المتقدمة» و«القيادة على الحلبة».
تولى تطوير نظام التعليق في السيارة مات بيكر، الرئيس السابق لوحدة هندسة المزايا الحيوية لدى شركة لوتس كارز. لا يتجاوز وزن السيارة دون السوائل 3٫400 رطل، كما أنه يتوزع بشكل مثالي بنسبة 50 في المئة في الخلف و50 في المئة في المقدمة. وفيما يُعد سابقة لسيارات أستون مارتن، بات الترس التفاضلي الإلكتروني الخلفي يشكّل ميزة نموذجية في طراز فانتاج. يشتمل هذا الأخير أيضًا على نظام لتوزيع العزم يرتكز إلى المكابح، ما يساعد المركبة على الالتفاف عند المنعطفات.
أرقام |
|
13 |
سنة، عدد السنوات التي توافرت فيها مركبات الجيل السابق من طراز فانتاج في الأسواق. |
170 |
رطلاً، قيمة القوة السفلية التي يوفرها الجناح الخلفي غير النشط المائل إلى أعلى. |
3٫373 |
رطلاً، الوزن الجاف للسيارة. |
50/50 |
النسبة المثلى لتوزيع الوزن بين مقدمة السيارة والجزء الخلفي منها (وقد تحقق هذا التوازن ببعض الحيل الهندسية كتثبيت ناقل الحركة من طراز ZF في الخلف). |
3.5 |
ثانية، المدة التي يستغرقها التسارع من الثبات إلى 60 ميلاً/ الساعة. |
150 |
ألف دولار، السعر الابتدائي للمركبة، ما يجعل من طراز فانتاج منافسًا لطرازي 911 Turbo من بورشه، وGT C Coupe من مرسيدس. |
لطالما تميزت أستون مارتن في أوساط كبار صنّاع السيارات كشركة تلتزم صون معايير النقاء الرياضي. لكن الأداء التقني لمركباتها كان دومًا مريعًا. فأنظمة نقل الحركة كانت تقرقع عبر تروسها، والمحركات تتردد في دورانها، وأنظمة الملاحة تكاد تفتقر إلى الفاعلية. لكن أستون مارتن طورت مؤخرًا نوعًا من الشراكة التقنية مع مرسيدس-إيه أم جي، ما أتاح لها الإفادة من المحرك الخاص بهذه السيارة والمحصن ضد العطب (سعته أربعة لترات)، وأيضًا من نظام المعلومات والترفيه الذي يحمل توقيعها. فضلاً عن ذلك، يتميز طراز فانتاج الجديد بنظام ناقل لتحويل العزم من ثماني سرعات من نوع ZF جرى تركيبه في الجزء الخلفي من السيارة لتحقيق التوازن في نسبة توزيع الوزن. وفيما يتم تبديل تروس نقل الحركة بسهولة وسلاسة عند السرعات المنخفضة، يُثبت النظام سرعته ودقته في الأداء لدى تحفيز أقصى إمكانات المركبة. يُذكر أن أستون مارتن ستطرح في نهاية المطاف طراز فانتاج في نماذج تشتمل على ناقل حركة يدوي، ما يشكّل لهواة القيادة الحماسية الفعليين سببًا إضافيًا للاستمتاع بهذه المركبة.
" يتجلى تميز مركبات طراز فانتاج لعام 2019 عن سيارات أستون مارتن الأخرى الأكثر
رقيا عند التأمل في الخيارات اللونية المعتمدة هذه المرة وحسب "
أما المقصورة الداخلية، فيغلب عليها طابع عملي تُمليه المعايير المعتمدة لدى الصانع الذي تخلى هذه المرة عن لوح التحكّم المركزي بعد أن كان يشكّل سمة راسخة في أسطوله بشكله الأشبه بشلال مائي. صحيح أن هذا اللوح ذا السطح الانسيابي كان يشكّل في العادة منصة مثالية لاستعراض فخامة بعض المواد مثل الكسوة الخشبية ذات التأثير المحرّق، لكنه كان يشغل كثيرًا من المساحة، كما أنه ما عاد مجديًا. فضلًا عن ذلك، تُضفي عجلة القيادة، ذات الشكل شبه المربع، وترتيب العدادات المنطقي والعملي، طابعًا صارمًا حد المبالغة على المقصورة، إنما من منظور إيجابي. نُسقت أزرار تنشيط وظائف وقف السيارة، والقيادة الخلفية، والثبات، والقيادة، في ترتيب اتخذ شكل المثلث من حول منصة أنظمة التحكم التي تحمل توقيع شركة مرسيدس. يبدو أن أستون مارتن قد آثرت بكل رضا مقاومة النزعة السائدة إلى أن تستبدل بالأزرار شاشات تعمل باللمس كأجهزة الآيفون. ثمة جانب مطمئن في إمكانية أن يمد السائق يده على سبيل المثال ليطفئ الخاصية الأتوماتيكية لتشغيل السيارة أو تعطيل حركتها دون أن يضطر إلى إزاحة ناظريه عن الطريق. أما المواد المستخدمة في كامل أرجاء المقصورة الداخلية، فتتماشى مع جينات أستون مارتن الراسخة، وتشمل ألياف الكربون، والألمنيوم، والجلد أو كسوة ألكانترا المتينة للمقعدين. (يُعد خيار الغرزات الجلدية المشغولة باللون الأحمر جذابًا في مقصورة هذا النموذج).
لا شك في أن هذه المواصفات كلها رائعة. لكن نجاح طراز فانتاج الجديد يقتضي أن تكون قيادتها ماتعة. إنها سيارة سريعة بحق، إذ يمكنها التسارع من صفر إلى 60 كلم/ساعة في غضون 3.5 ثانية وتحقيق سرعة قصوى مقدارها 195 ميلاً/ الساعة. لكنها ليست مناسبة لأولئك الذين يبحثون عن السيارة الأقوى للقيادة على الحلبة. إنها عوضًا عن ذلك مثالية للأشخاص الذين يرغبون في اختبار تجربة قيادة ترفيهية ماتعة.
في سياق اختبارنا للسيارة، انتهى بنا المطاف إلى ما يشبه جولة احتفالية مسرحها حلبة السباقات الدولية في منطقة ألغارف البرتغالية. كان الطقس ممطرًا في ذاك اليوم أيضًا، ما يعني أن مسار الحلبة الرطب كان ليجعل ظروف القيادة غير مريحة. في ظل تثبيت العدادات الإلكترونية للثبات عند نمط «القيادة على الحلبة»، بدأت مركبة فانتاج تنزلق عبر مسار الحلبة. على الرغم من الظروف السائدة، بدت السيارة طيّعة وبدا أداؤها متوقعًا كحال أي سيارة تقتضي قدرًا متوسطًا من المهارة في القيادة والانتباه إنما لا تنطوي على تلك الشراسة المفاجئة التي تميز الطرز القديمة من سيارات 911 أو طراز دودج فايبر الأصلي. فأداء سيارة فانتاج يراوح بالسائق في مكانة رائعة بين الثقة والمتعة.
" ستشعر بأن سيارة فانتاج تنطلق بك بسرعة، وشعورك هذا صائب بحق "
في المقابل، تشكّل الطرقات الخلفية المقفرة المكان الأمثل لقيادة سيارة من طراز فانتاج. لذا انطلقنا باندفاع من حول الطرقات البرتغالية الفرعية مستفيدين من لحظات توقّف الأمطار وجفاف الإسفلت بما يكفي للتسارع بأقصى قوة يمكن للمحور الخلفي تحقيقها بقوة العجلات من طراز Pirelli P-Zero (المطورة خصيصًا لهذا الطراز). وفيما مضينا عبر الطريق مأخوذين بصوت السيارة وتفاعل حواسنا معها، بدا أن المركبة تحتوينا في فضاء من البهجة. لكن فانتاج ليست واحدة من تلك المركبات الرياضية التي تعزل الركاب عن الطابع المحسوس للطريق. فأنت ستشعر بأنها تنطلق بك بسرعة، وشعورك هذا صائب بحق.
عندما كبحنا في نهاية الجولة جماح المركبة، قلنا لفريق أستون مارتن المرافق لنا إن طراز فانتاج يتفوق على ما يعد به من إمكانات. لكن أحد المديرين التنفيذيين رد قائلاً: «تذكّروا أن هذه السيارة هي نموذج قاعدي من طراز فانتاج وحسب. سيصبح الأمر أكثر تشويقًا من الآن فصاعدًا».
me.astonmartin.com