في طائرة خاصة من طراز Boeing 747-8، أبقى مشروع إعادة تصميم المقصورة
الداخلية على مظاهر البذخ والإبهار عند الحد الأدنى، ما أثبت أن ثمة جمالاً في الانضباط
بدايات مبكرة
تحتضن مقصورة هذه الطائرة، المندرجة ضمن فئة طائرات بوينغ المخصصة لرجال الأعمال Boeing 747-8 BBJ، خمسة مطابخ، وحمّامين كاملي التجهيز، وتسعة مرافق. يمكن في العادة للنسخ التجارية من هذه الطرز أن تنقل على متنها نحو 500 مسافر. لكن هذه الطائرة صُمِّمت لاستيعاب 86 راكبًا، فضلاً عن طاقم عمل مؤلف من 13 فردًا. يشتمل السطح العلوي من مقصورة الطائرة على حجرة القيادة، والمناطق المخصصة لعمل أفراد الطاقم واستراحتهم، ومطبخ طاقم العمل، ومطبخ آخر فسيح، إضافة إلى مجلس للأطفال (مبيّن في الصورة) يتدثر بالجلد المقلوب المزدان بالمطرزات. لم تبخل المصممة ليندا بينتو بمظاهر الفخامة حتى على المساحة المخصصة للأطفال. إذ اعتمدت لهذه الفسحة ألواحًا من الخشب الأفريقي المزخرف على نحو بديع بخطوط تستلهم فراء الحمار الوحشي، وجهزتها برفوف مدمجة فيها. استقرت قبالة الألواح الخشبية أريكة مقطعية أثرتها وسائد مكسوة بقماش من دار هولاند أند شيري تتزين بتطريز زخرفي. تقول بينتو: «غالبًا ما يُعتمد اللونان البيج والبني في تصميم المساحات الداخلية للطائرات بوصفهما يمثلان لوني الأخشاب الطبيعية والجلود الطبيعية. إننا نؤمن بأن الأناقة الحقيقية تكمن في المواد الطبيعية أكثر منها في تلك المعالجة صناعيًا». يذكر أن النقوش التي استُحدثت على مقربة من الباب تحمل توقيع بيرتران دورني.
كانت المساحة التي عملت عليها ليندا بينتو مهيبة حقًا. فالنسخة التجارية من طائرة Boeing 747-8 تتسع لمئات المسافرين.
لا تُعد الذائقة الرفيعة من المسلّمات في عالم الطيران الخاص. فمعايير السلامة والوزن تحتل دومًا قائمة الأولويات بحكم الضرورة، وتتقدم غالبًا على حساب المساحات الداخلية فخمة التصميم. يتضاعف التحدي كلما كبر حجم الطائرة. قبلت هذا التحدي الشركة الفرنسية للتصاميم الداخلية، Alberto Pinto Interior Design، التي اشتهرت بالعمل على الطائرات الخاصة وتولَّت على مدى السنوات الثماني عشرة الماضية تصميم المساحات الداخلية لما مجموعه 35 طائرة خاصة من الطراز الرفيع. عن طائرة Boeing 747-8 تقول مديرة المشروع ليندا بينتو: «إنها أكبر الطائرات الخاصة المتوافرة في السوق، والأكبر ضمن الطائرات التي قمنا يومًا بتصميم مقصوراتها الداخلية». تبلغ مساحة الطائرة 4٫520 قدمًا مربعة، وهي تُعد أيضًا الأغلى ثمنًا، إذ يعادل ثمنها فارغة (بزنة 391٫110 أرطال) نحو 250 مليون دولار. تقول بينتو متفادية التصريح بأرقام محددة: «إن تأثيث مثل هذه المقصورة المخصصة لكبار الشخصيات وتزيينها يتطلبان تقريبًا مبلغًا مماثلاً». أما الوزن النهائي للطائرة بعد التأثيث والتجهيز، فيعادل 481٫702 رطل.
صحيح أن الشركة تشتهر بابتكار تصاميم رفيعة المستوى لمقصورات الطائرات، لكن ترجمة هذه المقاربة تختلف من طائرة إلى أخرى. تقول بينتو وهي تسترجع بدايات المشروع: «لم يكن المالك راغبًا في مظاهر ترف مسرفة. كان طلبه ابتكار تصميم يوحي بالدفء والبساطة والراحة التامة». وعن المسار الذي اعتُمد لتحقيق رغبته، أجابت بينتو قائلة: «استخدمنا أفضل ما تنطوي عليه تقاليدنا الفرنسية في مجال زخرفة الجلود بالغرزات اليدوية وفن التطعيم بالخشب. عكس الأسلوب التصميمي العام توازنًا دقيقًا بين طابع فرنسي كلاسيكي وآخر عصري غير متكلف». يُضاف إلى ذلك ما يحتجب خلف الأسطح المشغولة حسب الطلب من عمل هندسي أُنجز على قياس الذائقة.
في التفاصيل
يكشف البهو الرئيس بأبعاده المهيبة عن طابع فرنسي جمالي يعود إلى أربعينيات القرن الفائت. ففخامة الخطوط الانسيابية التي كانت تطبع تلك الحقبة تتجلى في الترتيب الدائري لهذه الحجرة، وفي تركيبة الإنارة ودرجات السلم التي تفضي إلى السطح العلوي. تقول بينتو: «تولى طلاء التفاصيل المعدنية كافة بول زابيا من شركة Techno Aerospace في ميامي بفلوريدا. لقد طوّرنا بمساعدته لونًا جديدًا هو مزيج من لوني الكروم والنيكل». يذكر أن هذا التميز الذي جرى إضفاؤه على الطابع العام المستلهم من فن الآرت ديكو يجسِّد إلى أي حد قد تذهب الشركة للإتيان بنتائج على قياس الطلب. تزين اللمسات النهائية ذات اللون الدخاني الدافئ قوائم درجات السلّم، وتفاصيل تركيبة الإنارة، والتفاصيل الزخرفية. اختارت بينتو لهذه الفسحة تدرجات اللونين العاجي والذهبي. تتكرر هذه اللوحة اللونية عبر أرجاء الطائرة، وتختلط أحيانًا باللونين البني والبني المائل إلى الأصفر أو الأحمر، فتضفي على المساحات الداخلية نوعًا من الاتساق، فيما البسط المصممة بحسب الطلب تعكس مسحات تميز متنوعة. تولّت دار تاي بينغ تصميم السجاد لكامل أنحاء المقصورة في مزيج من الصوف والحرير.
المأثرة الرئيسة
تشير السجادة التي تمتد عبر كامل مساحة غرفة المعيشة الرئيسة، والتي تزهو بتصميم تخطيطي تزينه نقوش متكررة في هيئة توليفات لونية، إلى مكانة هذه الفسحة من حيث كونها مساحة رئيسة للقاءات على متن الطائرة. أقيم في أحد طرفي الغرفة، مجلس مكوَّن من ثلاث أرائك مصنوعة حسب الطلب، تكمّلها فوق الجدار لوحة طباعية من إبداع فنانة الرسم التجريدي الأمريكية شيرلي جاف. تزهو المنضدة المركزية المنخفضة التي يتدثر سطحها بكسوة من جلد الماعز، والنضد الصغيرة التي تتوزع في محيط الأرائك وتشتمل على وحدات للتخزين، بقشرة من خشب واكابو الأفريقي، فتستلهم إذ ذاك التدرجات اللونية الأشد قتامة في السجادة. نجحت بينتو في إضفاء بُعد غير متكلّف على الجدران إذ عمدت إلى تطبيق كسوتها الجلدية المحاكة يدويًا في هيئة ألواح مثلثة الشكل تتناسق كقطعة من الفسيفساء. صحيح أن اعتبارات الوزن تتصدر دومًا قائمة الاهتمامات في سياق تصميم المساحات الداخلية لطائرة خاصة، إلا أن بعض المؤثرات التصميمية تستحق البذخ فيها. تقول بينتو: «لم يكن بالإمكان خفض وزن المصابيح الأربعة الضخمة التي تتوزع فوق النضد لأننا رغبنا في استخدام الكريستال الصخري المستقدم من الهند. يزيد وزن كل مصباح على 20 كيلوغرامًا، أي ما يعادل 44 رطلاً».
هبوط سلس
اعتمدت المصممة في غرفة المعيشة مقاعد ابتُكرت كامل تفاصيلها بحسب الطلب وتولّت تصنيعها شركة AMAC Aerospace في بازل بسويسرا باستخدام بُنى من الألمنيوم اعتُمدت في تشكيلها كائنات آلية لدى شركة باك في فورت لودردايل بفلوريدا. وُضع اثنان من هذه المقاعد بمحاذاة النوافذ التي جهّزتها بينتو بستائر مشغولة حسب الطلب من قماش بتوقيع دار هيرميس. كما ضُمِّنت هذه الغرفة نضدًا جانبية مشغولة من خشب واكابو الأفريقي تشتمل على حيز فسيح للتخزين، فضلاً عن صوان مركزي ترتفع منه شاشة عرض مسطحة. على الرغم من إصرار المصممة على أن التحدي كان يكمن في حجم المشروع وليس في الوزن النهائي للطائرة، إلا أنها تقر بأنه لم يكن بوسع فريق عملها تجاهل المسائل المتعلقة بالوزن بشكل كامل. في هذا تقول: «إن الجدران الداخلية، والأبواب، والخزائن، والطاولات صُنعت، كما هو الحال في مختلف الطائرات، باستخدام قشرة خشبية صُقلت بها ألواح نخروبية خفيفة الوزن»، ما أضفى على المكان مسحة فخامة ظاهرة إنما دون تكبّد زيادة في الوزن.
أنماط واتجاهات
نسّقت بينتو في حمّام الجناح الرئيس الخطوط والأشكال الشبكية في أنماط تتكرر بدقة، فجعلت العناصر الهندسية العمودية تتعاقب مع الألواح المشغولة من خشب واكابو والمزدانة بشرائط من خشب الجميز بلون فاتح. تتحول هذه الشرائط عند طرفي منضدة الزينة من عنصر زخرفي محض إلى آخر وظيفي، إذ تحدد حواف الرفوف الخاصة بلوازم الاستحمام والزينة، وفي أعلاها تركيبتا الإنارة. تتميز تركيبتا الإنارة وقاعدة منضدة الزينة بأنماط شبكية مضاءة ينبعث منها وهج أبيض يتوزع في الأرجاء. فضلاً عن ذلك، جُهِّز الصنبوران بمجسّات استشعار إلكترونية لتفادي تسرّب المياه. أما الأرضية، فبسطت بينتو فوقها نمطًا زخرفيًا متشابكًا استُخدم أيضًا لموطئ الأقدام في حجرة النوم الرئيسة حيث تزينت به سجادة أخرى من دار تاي بينغ. كما تدثّر الجزء العلوي من منضدة الزينة بقطع متناهية الدقة من رخام Crema Marfil ثُبِّتت إلى ألواح نخروبية حفاظًا على خفة الوزن.
واحة أنس
يطغى على حجرة النوم الرئيسة طابع أكثر عذوبة نجم عن استبدال خامة جلدية وثيرة بالكسوة المشغولة من القشور الخشبية في محيط إطار السرير المصنوع حسب الطلب، والمنضدتين المحيطتين به، وواجهات الأدراج. أما الجدران التي تتدثر بكسوة جلدية قشدية اللون، فتشكّل خلفية لما يُعد في هذه الغرفة محاولة جريئة في مجال التلاعب بالألوان تختزلها لوحة طباعة لألكسندر كالدر بعنوان: Grande composition fond jaune تعود تقريبًا إلى عام 1970. استحدثت بينتو هنا طابعًا يوحي بالرقة والأنس. وفيما تدعم الألواح المشغولة من خشب الجميز باللون الفاتح الانطباع الباعث على السكينة، تثري تفاصيل من قشرة خشب واكابو قطع الأثاث وتزين المسحات الزخرفية امتداد اللوحين العموديين في محيط السرير، ما يُضفي على هذه المساحة ملامح فخامة راقية.
أناقة بديعة
إذ تفرض أسفار الزبون حول العالم قضاءه وقتًا طويلاً في الجو، ابتكرت بينتو حجرة ملابس أنيقة التصميم لإبقاء مختلف اللوازم في حالة منظمة. صُنعت الخزائن لدى شركة أماك أيروسبايس، فيما اعتُمد لواجهات أبوابها والأدراج شكل مقعّر يتناسق مع شكل الغرفة. تبدو الغرزات يدوية الصنع التي تتزين بها هذه الأسطح المكسوة بالجلد أقرب إلى تفصيل مناسب تمامًا في استلهامه عالم الحياكة اليدوية. عن هذه الطائرة الخاصة تقول بينتو: «إنها من حيث تكلفة تصميم كل قدم مربعة فيها تُعد، مقارنة بمختلف المشاريع الأخرى كاليخوت العملاقة والملكيات السكنية الخاصة، الغرض الشخصي الأغلى ثمنًا الذي يمكن ابتياعه». لكن بسبب اللوحة اللونية فائقة البساطة في هذه الطائرة، وغياب المؤثرات المبهرجة والكريستال، تؤمن بينتو بأن «مثل هذا التناغم يوفر راحة بصرية وعملية».