استثمار فني في هونغ كونغ
يوحي مظهر رائد الأعمال الفنية أدريان تشينغ، البالغ من العمر 39 عامًا، وهو يرتدي ملابس غير رسمية في ظهر يوم سبت مشرق في هونغ كونغ، ويحمل مثلجات الشوكولاته المفضلة لديه، بأنه من جيل الألفية بكل تأكيد. إنه لأمر طيب، طالما أنه يدير المشروع التجاري لأسرته، New World Development، واضعًا نصب عينيه تسويق خدماته لذاك الجيل الداعي إلى التغيير.
دأب تشينغ، منذ افتتاح مركزه الأول K11 الهجين للتسوق والأعمال الفنية في هونغ كونغ قبل عشر سنوات، على أن يقدم الثقافة للأجيال الأصغر من المستهلكين الصينيين، حيث يروق لهم التجمع فيه غالبًا. أما الآن، ومن حيث كونه المتبصر في تطوير ملكية فيكتوريا دوكسايد، بتكلفة قدرها 2.6 مليار دولار على مدى الإطلالة البحرية للمدينة، فإنه يتأهب لإماطة اللثام عن حي للفنون والتصاميم مشبع بروح المركز التجاري K11 وما يؤثر نثره بين ملايين الزائرين.
يقول تشينغ، وهو يجلس في غرفة معيشة فخمة في مبنى K11 Artus، وهو الجزء الخاص بالمساكن الفاخرة في ملكية فيكتوريا دوكسايد التي تملكها شركة New World Development: «نود حقًا إضفاء الطابع الديمقراطي على الفن، واستحداث عادة للأجيال الصينية الألفية ديدنها المضي قدمًا في تقدير الجمال والثقافة وفهمهما.»
مشروعه العقاري القائم على ملكية فيكتوريا دوكسايد في هونغ كونغ
حصد توجهه الإبداعي نجاحًا مدويًا عند إطلاق مركز التسوق التجاري K11، فقد افتتح مجمعات تجارية للفنون في شنغهاي، ووهان، وشينيانغ، وغوانغزو، كما أن لديه ما مجموعه 29 مشروعًا من هذا القبيل في جميع أنحاء الصين، سوف تكتمل بحلول عام 2024. ففي ساحة المعارض في مركز التسوق التجاري K11 في شنغهاي، على سبيل المثال، بين متاجر أزياء راقية مثل كلوي، وديسكويرد2، وماكسمارا، اصطفت حشود لرؤية كل شيء، بدءًا من الأعمال الانطباعية لكلود مونيه، مرورًا بهيكل من أشياء أعيد تدويرها وجرى طلاؤها من قبل الفنانة الألمانية المعاصرةكاثارينا غروس، إلى قطع أزياء وأفلام وثائقية عن صداقة البيئة بوساطة المصممة البريطانية فيفيان ويستوود.
يقول كلاوس بيزنباخ، مدير متحف الفن المعاصر في لوس أنجلوس، الذي عيّن تشينغ مؤخرًا في مجلس الإدارة: «إن أدريان محسنٌ مفعم بالحيوية، وملم بالأعمال التجارية والتقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي والتسويق والاستراتيجيات العالمية. إنه يفهم جيدًا كيف يُعد الفن وسيلة لتشكيل صورة عن الثقافة المعاصرة.»
لدى عائلة تشينغ سجل حافل من المساهمات في إحداث تغيير في الصين. فقد اشترى جده في أوائل السبعينيات ملكية فيكتوريا دوكسايد، المطلة على الواجهة البحرية في تسيم شا تسوي Tsim Sha Tsui المقابلة لأفق جزيرة هونغ كونغ. كانت الملكية آنذاك موقعًا صناعيًا متداعيًا يُسمى هولتز وارف. وقد حول تشينغ يو-تونغ Cheng Yu-tung المنطقة إلى مجمع New World Centre، إنه أول تطوير عقاري في المدينة مختلط الاستخدامات ما بين البيع بالتجزئة، والفنادق، والعقارات السكنية، والمكاتب، وقد أمسى مجمعًا حيويًا في ثمانينيات القرن المنصرم وتسعينياته.
انضم تشينغ إلى والده، هنري، للمشاركة في أعمال العائلة التجارية عام 2006 بعد أن سافر إلى الخارج للالتحاق بجامعة هارفارد، حيث تخصص في مجال الدراسات الشرق آسيوية، وعمل في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية. يقول تشينغ، الذي تدرب على الغناء في المدرسة الثانوية وما زال شغوفًا بالموسيقا: «زودني ذلك بأفضل ما في المجالين، إذ غدا لديّ توجه حول ما تعنيه الثقافة حقًا، وحول كيفية عمل العالم الحقيقي والمال أيضًا.»
قاد تشينغ إعادة إحياء مجمع New World Center الذي هُدم في عام 2011 بعد أن أفل نجمه. بالإضافة إلى مساكن K11 Artus في فيكتوريا دوكسايد، التي شُيدت على ما يطلق عليه تشينغ «الملكية التراثية» لعائلته، والتي تحتضن فندق روزوود هونغ كونغ الشاهق الذي تديره شقيقته سونيا، ومبنى المكاتب K11 Atelier، ومساحة البيع بالتجزئة التي رقيت لتكون وجهة ثقافية تسمى K11 Musea، وجميعها صممتها شركة الهندسة المعمارية الرائدة Kohn Pedersen Fox. تعاقد تشينغ مع جيمس كورنر، مهندس تنسيق المناظر الطبيعية الشهير بتنفيذه مشروع هاي لاين في مدينة نيويورك، بغية إعادة تصميم حديقة سالزبوري الحالية، وممشى التنزه عند الواجهة البحرية Avenue of Stars، اللذين جرى الانتهاء منهما في وقت سابق من هذا العام. يُعد ممشى التنزه أكثر أماكن الجذب زيارة في المدينة، بما يزينه من مناظر خلابة. يقول تشينغ: «يؤمنا، من أجل ممشى التنزه فقط، 50 ألف شخص في اليوم، أي ما يقرب من ضعف العدد الذي كان عليه قبل ذلك.»
منحوتة Big Pup Head من أعمال الفنان يوشيتومو نارا معروضة في مركز التسوق التجاري K11، زائرون لمركز التسوق التجاريK11
في مدينة شانغهاي وهم يلتقطون صورًا للهيكل المثبت Mumbling Mud من تنفيذ الفنانة كاثارينا غروس.
تهدف فكرته فيما يخص الوجهة الثقافية K11 Musea، التي أطلق عليها تيمنًا اسم «نبع إلهام عند البحر»، إلى الارتقاء بمفهوم المركز التجاري K11 عن الفن والبيع بالتجزئة إلى مستوى جديد، وذلك من خلال دمج متاجر تسوق مع تحف فنية لإرساء تجربة غامرة لا حدود لها. يقول تشينغ، مشيرًا إلى أن الشعب الصيني لم تكن لديه مطلقًا عادة زيارة المتاحف: «سوف تُنسق المنطقة العامة كأنها فسحة متحف. إنها شكل جديد من أحد المعارض الفنية Kunsthalle، حيث نحظى بأفضل الأفضل من المهارة الحرفية الفنية، والمهارة الحرفية اليدوية، والأثاث، والتصاميم، والأزياء، وفن الطهي.»
يشتمل المبنى، الذي يزدان بواجهة متماوجة تستلهم شكل موجة، على مسرح مدرج في الهواء الطلق، وشاشة عرض هائلة للدعاية ولمهرجانات الأفلام والموسيقا كذلك. في الداخل، ستقام جدران لعروض الفيديو، وأعمال فنية، وتعاقدات خاصة بالموقع حصرًا، جميعها تشكل جزءًا من مجموعة مقتنيات فنية تضم أعمال نخبة معروفة وناشئة من فنانين صينيين وعالميين وتعود إلى مركز التسوق التجاري K11.
يقول تشينغ: «لا يقتصر الأمر على النظر إلى أشياء جميلة فحسب. نريدك أن تعي حقيقة الفنان حقًا، وماهية القصة من وراء ذلك. فالمنحى في المستقبل يتجه نحو زيادة رأسمالك المعرفي.» بالطبع ستكون هناك أشياء أيضًا معدة للشراء. يقول تشينغ، مضيفًا أن جميع العلامات الفاخرة سوف تقدم عروضًا متفردة خاصة بميوزيا Musea: «نحن ننسق جميع المنتجات أيضًا.»
عندما انضم تشينغ لأعمال العائلة التجارية، سار أيضًا على درب العائلة في اقتناء الأعمال الفنية. بينما انصب اهتمام الجد على التحف العتيقة، يجمع تشينغ شخصيًا مجموعة منتقاة لفنانين حداثيين ومعاصرين، تتضمن أعمالاً فنية لبيكاسو، وتاتيانا تروفيه، وآي ويوي، وكاوس وجوناس وود، كما انخرط كذلك في مسار دمج الأعمال الفنية في أنحاء المجمع كافة، بدءًا من منحوتة الفيل التي أبدعها الفنان باهرتي كير ويزدان بها بهو فندق روزوود، وهي منحوتة من ألياف زجاجية ومغطاة بآلاف من الزخارف الحمراء، حتى لوحة متميزة أبدعها الفنان كين فينغ من كتابات زخرفية باستخدام فرشاة على قماش، وتزين K11 Atelier.
لطالما ذاع صيت هونغ كونغ على أنها مركز للخدمات المصرفية أكثر من كونها مركزًا للفن المعاصر. لكن هذا التصور بدأ يتغير على مدى السنوات الأخيرة تزامنًا مع إطلاق المعرض الفني Art Basel Hong Kong (الذي عقد في مركز مؤتمرات تديره شركة New World Development)، إلى جانب متحف +M، وهو متحف رئيس للفن المعاصر، من المقرر افتتاحه العام القادم. يقول تشينغ، الذي يشغل أيضًا منصب عضو في مجلسي إدارة PS1 في نيويورك والأكاديمية الملكية في لندن، ويتعاون في تنسيق عروض مع منظمات الفنون في جميع أنحاء العالم من خلال مركز التسوق التجاري K11: «نأمل أن تضفي ضاحيتنا الثقافية رونقًا إلى ذاك المشهد.»
يقول تشينغ: «يكمن جمال مركز التسوق التجاري K11 في أنه ذو وقع مؤثر جدًا على الصعيد الاجتماعي، إنه ينثر الفنون والتصاميم على صعيد العالم، وخصوصًا في الثقافة الصينية المعاصرة. إذ إن K11 لم يكن يومًا مركز تسوق فقط.»