مؤسس MB&F المثيرة للجدل يسترجع محطات في سيرة علامة الساعات التي تهز قواعد المألوف بابتكارات لا يعوزها تمايز في الهندسة والإتقان الحرفي.
إذا ما تأملت في أي من ساعات علامة إم بي آند إف، فإنك ستدرك حتمًا أن وراء هذه الابتكارات التي لا يشبهها شيء عقلاً مبدعًا لا يقارب صنعته من منظور تقليدي. هذه الساعات التي تخطف الأبصار بتصاميمها الغريبة بقدر ما تبهر العقول بمزاياها الهندسية وتعقيداتها، تكفي شاهدًا على ما يجتمع في شخص ماكسيميليان بوسير، مؤسس العلامة، من شغف بالابتكار، وجرأة في المجازفة لتحقيق إنجازات متفرّدة، وبصيرة لاستشراف المستقبل. بدأ بوسير مسيرته في قطاع الساعات في دار جاجيه – لوكوتر قبل أن يشغل طيلة سبع سنوات منصب المدير العام لقسم الساعات النادرة في هاري وينستون. وفي عام 2005، أطلق الصانع، الذي أتقن التغريد خارج سربه، علامته الخاصة ليتكرس اسمه منذ ذلك الحين رائدًا في مجال دعم صنّاع الساعات المستقلين الذين لا ينفك يتعاون مع مجموعة نخبوية منهم للإتيان بابتكارات تبدو أقرب إلى مركبات فضائية أو أدوات من عالم الخيال العلمي.
يحتفل بوسير اليوم بمرور عشر سنوات على ابتكار أول طراز من ساعات Legacy Machine، ويثبت مجددًا أنه لا ينفك يتمتع بعلو كعبه عندما يتعلق الأمر بالدفع بحدود الممكن في مجال التصميم والهندسة والإبداع.
عندما يسألك أحدهم عن بدايات العلامة، تقول إن الحكاية كلها "ولدت من فكرة صغيرة عن شركة صغيرة". ما هي القوة الدافعة التي انبثقت عنها هذه الفكرة وكيف نجحتَ في الارتقاء بها إلى علامة ناجحة؟
لم تولد العلامة من قرار مهني. إنها لا تزال وليدة قرار حياتي. أعتقد أن هذا القرار تحوّل إلى علامة من منظور الجمهور بسبب حس الابتكار الثوري والإنجازات المهيبة التي نجحنا في تحقيقها خلال مهلة قصيرة. بحلول نهاية هذا العام، نكون قد ابتكرنا 16 معيارًا حركيًا جديدًا في غضون 16 عامًا. إنه إنجاز غير مسبوق في قطاعنا. لا أنظر إلى إم بي آند إف من حيث كونها علامة. إنها برأيي مختبر للابتكار.
إلى أي حد كان الإتيان بابتكارات خارجة عن المألوف يمثل في البدايات تحديا صعبا، لا سيما في قطاع ينظر عموما إلى صناعة الساعات بجدية صارمة؟
في مطلع الألفية الثالثة، بدت صناعة الساعات العصرية أقرب إلى نسمة هواء منعشة فتحت باباً جديدًا في قطاع محافظ جدًا بطبيعته. في عام 2001، ألهمتني هذه الظروف لابتكار طراز أوبوس Opus في دار هاري وينستون، قبل أن أطلق ابتكاراتي منفردًا من خلال علامة إم بي آند إف في عام 2005. لكن لا بد لي من القول إن قطاعنا بات منذ ذلك الحين أكثر تحفظًا من أي وقت مضى.
ابتكرتم عددا من الساعات الأشد تفردا والأكثر إثارة للجدل في العالم. ما الذي يحثكم على الدفع دوما بحدود التصميم والهندسة في هذا المجال؟
إن ما يحفزني هو أملي بأن أشعر بالفخر عندما أعيد النظر في حياتي ومسيرتي المهنية. لا أشعر بالفخر، بوصفي مبتكرًا، سوى عند القيام بالمجازفات خارج دائرة الأمان التي ألفتها. إن أي ابتكار جديد لا يشعرني بالقلق لا يستحق عناء ابتكاره. تستثيرني المجازفة، وأعتقد أن هذه الإثارة باتت تشكل جزءًا لا يتجزأ من حياتي.
قبل عشر سنوات، كشفتم عن طراز Legacy Machine No.1. أي تأثير خلف هذا الابتكار الثوري، الذي حصد جوائز عدة، في مسيرة العلامة قدما؟
لا شك في أن ساعات Legacy Machine هي التي أكسبت العلامة شهرتها ومكانتها المتميزة. أبهرت هذه الساعات الجامعين التقليديين لأنهم رأوا فيها ابتكارات تخرج عن المألوف إلى حد يجعل فهمها صعبًا. كما أنها طمأنتهم إلى أن إم بي آند إف تندرج ضمن قائمة أفضل العلامات عندما يتعلق الأمر بصناعة ساعات تُصقل يدويًا بحرفية عالية. صحيح أن هذه الساعات لم تشكل على مدى وقت طويل سوى جزء صغير من مجمل إنتاجنا، إلا أنها وثقت حضورنا في أوساط الكبار.
هلا حدثتنا عن ساعة LMX محدودة الإصدار التي تطرحونها هذا العام احتفاء بهذا الإنجاز؟
تكمن الغاية من هذا الابتكار بالارتقاء بالساعة الأصل، طراز LM1، إلى مستوى جديد بالكامل. استعدنا مختلف العناصر التي تمايز بها هذا الطراز، بما في ذلك مؤشر احتياطي الطاقة ثلاثي الأبعاد، وعمدنا إلى تضخيمها. بموازاة المزايا الهندسية المبتكرة (عجلة الميزان المحلقة الجديدة بالكامل، واحتياطي الطاقة الذي يدوم سبعة أيام والذي يضمنه استخدام ثلاثة براميل، والموانئ المثبتة في زاوية باستخدام تروس مخروطية، والمؤشر الدوّار وثلاثي الأبعاد لاحتياطي الطاقة)، تمثل التحدي الأكبر بابتكار ساعة تتوازن أبعادها بغير عناء وتبدو جميلة على الرغم من أنها بالغة التعقيد.
"لا أنظر إلى إم بي آند إف بوصفها علامة. إنها برأيي مختبر للابتكار"
ما هي برأيكم أبرز التحديات التي ينطوي عليها الحفاظ على دار مستقلة للساعات في أيامنا هذه؟
إن الوقت ملائم جدًا للصنّاع المستقلين الذين تبنوا قيمًا متينة وابتكروا ساعات متفردة. ستشكل عشرينيات هذا القرن عقدنا الذهبي، على ما يشهد مثلاً النجاح الباهر الذي حققته مؤخرًا دار إف ب. جورن أو علامة Rexhep Rexhepi. إننا نرى مؤشرات قوية على ذلك. في السنتين الماضيتين، لم تكن مشكلتنا تكمن في العثور على زبون لساعاتنا. بل كانت تتمثل بالقدرة على بناء ما يكفي من النماذج لضمان ألا تصبح قائمة الانتظار طويلة على نحو غير منطقي.
في بدايات الجائحة العالمية، بدا أن قطاع الساعات يواجه المجهول. كيف اختبرتم في الدار تداعيات الأزمة؟
في شهر مارس آذار من عام 2020، اعتقدنا أن اللعبة انتهت ورحنا ننتظر الأسوأ. لكن العام انتهى بتحقيقنا أعلى نسبة مبيعات بالتجزئة في تاريخنا، وبزيادة بلغت نسبتها 30% عما كان عليه الحال سنة 2019. أما هذا العام، فنحقق أرقامًا عالية جدًا. كان الفصل الأول الأقوى على الإطلاق، ومخزوننا لا ينفك يتناقص في مختلف أنحاء العالم. قد لا يبقى أي من ساعاتنا في المتاجر بحلول نهاية العام إذا ما استمر الوضع على هذا الحال.
يطرح بوسير ساعة LMX بديعة التصميم وبالغة التعقيد احتفاء بمرور عشر سنوات على إصدار أولى ساعات Machine Legacy.
كيف ترون مستقبل صناعة الساعات؟
سيكون هذا المستقبل ثنائي الأقطاب. تحتل أحد طرفيه العلامة الضخمة التي تملك قيمة مضاربة متينة جدًا، يقابلها في الطرف الآخر حرفيون صغار أمثالنا يبنون ما بين 50 ساعة إلى 250 ساعة مبتكرة في السنة الواحدة. سيكون الوضع صعبًا على الأرجح على الصناع الذين يحتلون مكانة وسطية بين القطبين.
يشهد القطاع طفرة في مبيعات الساعات الفاخرة المستعملة وعتيقة الطراز. فكيف تقيمون نمو السوق الثانوية، خصوصا أن علامة إم بي آند إف شرعت تستفيد من هذه السوق منذ عام 2018؟
أكدت طيلة سنوات على أن العلامة القوية هي تلك التي تمتلك قيمة عالية في سوق الساعات المستعملة. كنت حريصًا منذ بداية علامتنا قبل 16 عامًا على مساعدة زبائننا الراغبين في العثور على ساعات معينة أو إعادة بيع ساعاتهم. حتى وقت غير بعيد، كان بيع الساعات المستعملة صعبًا للغاية. كان عليك أن تكون جسورًا لأن نسبة المخاطرة عالية. لكن ما حدث مؤخرًا هو أن الزبائن ما عادوا مضطرين إلى القيام بمجازفات عالية، والسبب في ذلك يُعزى إلى علامات قليلة مثلنا باتت تقدم شهادة منشأ للساعات المستعملة، وإلى بعض تجار بيع الساعات المستعملة بالتجزئة المحترفين (على غرار واتشبوكس، وواتش فايندر، وكراون آند كاليبر) الذين نجحوا في إقصاء المخادعين عن السوق. ارتفعت لذلك قيمة الساعات المستعملة وارتفع الطلب عليها ارتفاعًا ملحوظًا.
" إن الابتكار والحب هما أكثر ما أقدرهما في الحياة. وإذا ما أضفنا الحرية، فإنني لن أتمنى مزيدا لأكون سعيدا."
ما أكثر ما يستثير شغفك بمهنتك في عالم الساعات؟
أكثر ما يستهويني في هذا العالم هو أنه يتيح لي أن أناغم بين الهندسة والجمال والبعد الإنساني.
يحمل كثير من ابتكارات العلامة إيحاءات إلى عالم السيارات. متى تجلى عندك الميل إلى فن التصميم في هذه الصناعة؟
الحقيقة هي أني أردت طيلة مرحلة شبابي أن أصبح مصمم سيارات، وتابعت دراستي في مجال الهندسة ليتنسى لي أن أعمل في هذا القطاع. لكني سلكت دربًا حياتيًا مختلفًا أفضى بي إلى صناعة الساعات، وبات بمقدوري الآن أن أجمع بين هذين العالمين اللذين يثيران شغفي.
وهل تؤثر قيادة طرز معينة من السيارات؟
على ما هو عليه الحال في عالم الساعات، أحب من المركبات كل طراز يزهو بحضور قوي، ويهز قواعد المألوف، ويعكس في بنائه شغفًا. أواظب على قيادة سيارتي من طراز Wiesmann MF4S منذ عشر سنوات، واقتنيت منذ بضع سنوات مركبة طراز كورفيت ستينغراي تعود إلى عام 1965 لأن تصميمه كان يبهرني عندما كنت صغيرًا. كنت لأجمع سيارات كثيرة لو أني أمتلك مساحة كافية لحفظها.
هل تستهويك عوالم أخرى؟
رزقت بطفلي الأول في السادسة والأربعين من العمر، وبالطفل الثاني عند بلوغي الخمسين، وعائلتي هي الأهم في حياتي الآن. أوزع أوقاتي بين العائلة والعمل، لذا لا أجد وقتًا كافيًا لأي هوايات أخرى.
في زمن تقيدت فيه حركة الملاحة الجوية على نحو ملحوظ، ما هي المدينة أو الوجهة التي تتطلع إلى زيارتها في القريب العاجل؟
كنت أتحقق منذ بضعة أيام من أقرب موعد متاح لزيارة اليابان. لكن الدولة لمّا تسمح بعد بدخول الزائرين. أتوق حقيقة لزيارة تلك البلاد التي تبهرني بتفاصيلها كافة، من الثقافة والتصميم والعمارة إلى الأزياء والطعام والتقاليد. تخال أن كل ما في اليابان ينتمي إلى كوكب آخر.
كيف يختبر المرء ذروة الرفاهية؟ وما هي السعادة عندك؟
إن الابتكار والحب هما أكثر ما أقدرهما في الحياة. وإذا ما أضفنا الحرية، فإنني لن أتمنى مزيدًا لأكون سعيدًا.